بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٤٣
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

آتاهم وعرفهم ، ثم أرسل إليهم رسولا وأنزل عليه الكتاب ، وأمر فيه ونهى ، أمر فيه بالصلاة والصوم فنام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الصلاة فقال : أنا انيمك وأنا أوقظك ، فإذا قمت فصل ليعلموا إذا أصابهم ذلك كيف يصنعون ليس كما يقولون : إذا نام عنها هلك ; وكذلك الصيام أنا امرضك وأنا أصحك ، فإذا شفيتك فاقضه. ثم قال أبوعبدالله عليه‌السلام : وكذلك إذا نظرت في جميع الاشياء لم تجد أحدا(١) إلا ولله عليه حجة وله فيه المشية ، ولا أقول : إنهم ما شاؤوا صنعوا. ثم قال : إن الله يهدي ويضل ، وقال : ما امروا إلا بدون سعتهم ، وكل شئ امر الناس به فهم يسعون له ، وكل شئ لا يسعون له فموضوع عنهم ولكن الناس لا خير فيهم ، ثم تلا : «ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج» فوضع(٢) عنهم «ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم» قال : فوضع عنهم لانهم لا يجدون ما ينفقون ، وقال : «إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون». «ص ٢٣٦ ـ ٢٣٧»

شى : عن زرارة وحمران ومحمد بن مسلم ، عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما‌السلام مثله. ٥ ـ سن : محمد بن علي ، عن حكم بن مسكين الثقفي ، عن النضر بن قرواش قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : إنما احتج الله على العباد بما آتاهم وعرفهم. «ص ٢٣٦» سن : بعض أصحابنا ، عن ابن أسباط ، عن حكم بن مسكين مثله. «ص ٢٧٥ ـ ٢٧٦» ٦ ـ سن : أبي ، عن صفوان ، عن منصور بن حازم قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : الناس مأمورون ومنهيون ومن كان له عذر عذره الله. (٣) «ص ٢٤٥»

٧ ـ سن : ابن فضال ، عن ثعلبة ، عن حمزة بن الطيار ; وحدثنا أبي ، عن فضالة عن أبان الاحمر ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام في قول الله : «ما كان الله ليضل قوما بعد إذ هديهم حتى يبين لهم ما يتقون» قال : حتى يعرفهم ما يرضيه وما يسخطه ، وقال : «فألهمها

________________

(١) في المصدر : في ضيق ولم تجد احدا. م

(٢) ليست في المصدر جملة «فوضع عنهم» إلى «غفور رحيم». م

(٣) أى قبل عذره ورفع عنه اللوم والذنب.

٣٠١

فجورها وتقويها» قال : بين لها ما تأتي وما تترك؟ وقال : «إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا» قال : عرفناه فإما أخذ وإما ترك. (١)

وسألته عن قول الله : «يحول بين المرء وقلبه» قال : يشتهي سمعه وبصره ولسانه ويده وقلبه ; أما إنه هو عسى(٢) شئ مما يشتهي فإنه لا يأتيه إلا وقلبه منكر ، لا يقبل الذي يأتي ، يعرف أن الحق غيره. وعن قوله : «فأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى» قال : نهاهم عن فعلهم فاستحبوا العمى على الهدى وهم يعرفون. «ص ٢٧٦» ٨ ـ سن : ابن فضال ، عن ابن بكير ، عن زرارة قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن قول الله : «إنا هدينا السبيل إما شاكرا وإما كفورا» قال : علمه السبيل فإما آخذ فهو شاكر ، وإما تارك فهو كافر. «ص ٢٧٦»

٩ ـ سن : ابن يزيد ، عن رجل ، عن الحكم بن مسكين ، عن أيوب بن الحر بياع الهروي قال : قال لي أبوعبدالله عليه‌السلام : يا أيوب ما من أحد إلا وقد يرد(٣) عليه الحق حتى يصدع ، قبله أم تركه ، وذلك أن الله يقول في كتابه : «بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون». «ص ٢٦»

بيان : الصدع الاظهار والتبيين ، وقال البيضاوي في قوله : «فيدمغه» أي فيمحقه وإنما استعار لذلك القذف وهو الرمي البعيد المستلزم لصلابة المرمي ، والدمغ الذي هو كسر الدماغ بحيث يشق غشاؤه المؤدي إلى زهوق الروح تصويرا لابطاله ، ومبالغة فيه «فإذا هو زاهق» هالك ، والزهوق : ذهاب الروح ، وذكره لترشيح المجاز.

١٠ ـ سن : أبي؟ عن يونس ، عن حماد بن عثمان ، عن عبدالاعلى قال : قلت لابي عبدالله عليه‌السلام : هل جعل في الناس أداة ينالون بها المعرفة؟ قال : لا ; قلت : فهل كلفوا المعرفة؟ قال : لا إن على الله البيان ، لا يكلف الله العباد إلا وسعها. ولا يكلف نفسا إلا ما آتاها. «ص ٢٧٦ ـ ٢٧٧»

________________

(١) في نسخة : فأما آخذ وإما تارك.

(٢) في المصدر : اما انه هو غشى شيئا.

(٣) في المصدر : برز.

٣٠٢

١١ ـ سن : عدة من أصحابنا ، عن علي بن أسباط ، عن جميل بن دراج ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : إن الله تبارك وتعالى ليمن على قوم وما فيهم خير فيحتج الله عليهم فيلزمهم الحجة. «ص ٢٧٧»

١٢ ـ سن : ابن محبوب ، عن سيف بن عميرة ، وعبدالعزيز العبدي ، وعبدالله ابن أبي يعقور ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : أبى الله أن يعرف باطلا حقا ، أبى الله أن يجعل الحق في قلب المؤمن باطلا ، لا شك فيه ، وأبى الله أن يجعل الباطل في قلب الكافر المخالف حقا ، لا شك فيه ، ولو لم يجعل هذا هكذا ما عرف حق من باطل. «ص ٢٧٧»

١٣ ـ ل : الحسن بن محمد السكوني ، عن محمد بن عبدالله الحضرمي ، عن إبراهيم ابن أبي معاوية ، عن أبيه ، عن الاعمش ، عن ابن ظبيان قال ، أتي عمر بامرأة مجنونة قد فجرت ، فأمر برجمها ، فمروا بها على علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، فقال : ما هذه؟ قالوا : مجنونة فجرت فأمر بها عمر أن ترجم ; قال : لا تعجلوا ، فأتى عمر فقال له : أما علمت أن القلم رفع عن ثلاث : عن الصبي حتى يحتلم ، وعن المجنون حيت يفيق ، وعن النائم حتى يستيقظ؟. «ج ١ ص ٤٦»

١٤ ـ يد ، ل : العطار ، عن سعد ، عن ابن يزيد ، عن حماد ، عن حريز ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : رفع عن امتي تسعة. الخطاء ، والنسيان ، وما اكرهوا عليه ، وما لا يعلمون ، وما لا يطيقون ، وما اضطروا إليه ، والحسد ، والطيرة والتفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق بشفة. «ص ٣٦٤» «ج ٢ ص ٤٤» بيان : المراد بالرفع في أكثرها رفع المؤاخذة والعقاب ، وفي بعضها يحتمل رفع التأثير ، وفي بعضها النهي أيضا ، فأما اختصاص رفع الخطاء والنسيان بهذه الامة فلعله لكون سائر الامم مؤاخذين بهما إذا كان مباديهما باختيارهم ، على أنه يحتمل أن يكون المراد اختصاص المجموع ، فلا ينافي اشتراك البعض.

وأما ما اكرهوا عليه فلعله كان يلزمهم تحمل المشاق العظيمة فيما اكرهوا عليه ، وقد وسع الله على هذه الامة بتوسيع دائرة التقية. وأما ما لا يعلمون فرفع

٣٠٣

كثير منها ظاهر كالصلاة في الثوب والمكان المغصوبين والثوب النجس ، والسجود على الموضع النجس ، وجهل الحكم في كثير من المسائل ، والجهل بالاحكام التي لم تصل إلينا ، ولعل سائر الامم كانوا يؤاخذون بالقضاء والاعادة ، واللفظ وإن كان عاما لكنه مختص بالاجماع بالموارد الخاصة. وأما ما لا يطيقون فقد مر بيانه.

وأما الطيرة ـ بكسر الطاء وفتح الياء وسكونها ، وهو ما يتشاءم به من الفال الردي ـ فيمكن أن يكون المراد برفعها النهي عنها ، بأن لا تكون منهيا عنها في الامم السالفة ، ويحتمل أن يكون المراد تأثيرها ، أو حرمة تأثر النفس بها والاعتناء بشأنها ، والاخير أظهر ، وسيأتي بيانها. وكذا الحسد يحتمل الوجهين الاولين وثالثا وهو عدم حرمة ما لا يظهر من الحسد ، وهو أظهر كما ورد في الاخبار ; إلا أن المؤمن لا يظهر الحسد. وأما التفكر في الوسوسة في الخلق ويحتمل أن يكون المعنى التفكر فيما يوسوس الشيطان في القلب في الخالق ومبدئه وكيفية خلقه فإنها معفو عنها ما لم يعتقد خلاف الحق ، وما لم ينطق بالكفر الذي يخطر بباله ، أو المراد التفكر في خلق الاعمال ومسألة القضاء والقدر ; أو المراد التفكر فيما يوسوس الشيطان في النفس من أحوال المخلوقين وسوء الظن بهم في أعمالهم وأحوالهم ، ويؤيد الاخير كثير من الاخبار ، وقد فصلنا القول فيه في شرح روضة الكافي.

١٥ ـ ين : فضالة ، عن سيف بن عميرة ، عن إسماعيل الجعفي ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : وضع عن هذه الامة ستة : الخطاء ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه ، وما لا يعلمون ، وما لا يطيقون ، وما اضطروا عليه.

١٦ ـ ين : عن ربعي ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الله عفى عن امتي ثلاثا : الخطاء ، والنسيان ، والاستكراه. وقال أبوعبدالله عليه‌السلام : وفيها رابعة : وما لا يطيقون.

١٧ ـ يد : عن الحلبي ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام : وضع عن امتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه.

٣٠٤

١٨ ـ ين : عن أبي الحسن قال : سألته عن الرجل يستكره على اليمين فيحلف بالطلاق والعتاق وصدقة ما يملك ، أيلزمه ذلك؟ فقال : لا. ثم قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : وضع عن امتي ما اكرهوا عليه ، وما لم يطيقوا ، وما أخطؤوا.

عد : اعتقادنا في التكليف هو أن الله تعالى لم يكلف عباده إلا دون ما يطيقون كما قال الله عزوجل : «لا يكلف الله نفسا إلا وسعها» والوسع دون الطاقة.

١٩ ـ قال الصادق عليه‌السلام : والله ما كلف الله العباد إلا دون ما يطيقون لانه كلفهم في كل يوم وليلة خمس صلوات ، وكلفهم في السنة صيام ثلاثين يوما ، وكلفهم في كل مائتي درهم خمسة دراهم ، وكلفهم حجة واحدة ، وهم يطيقون أكثر من ذلك. «ص ٦٨ ـ ٦٩»

٢٠ ـ ما : جماعة ، عن أبي المفضل ، عن أحمد بن محمد بن الحسين العلوي ، عن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن موسى ، عن عميه علي والحسين ابني موسى بن جعفر ، عن آبائه عليهم‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : يوحي الله عزوجل إلى الحفظة الكرام : لا تكتبوا على عبدي المؤمن عند ضجره شيئا. «ص ١٦»

٢١ ـ نهج : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : قد بصرتم إن أبصرتم ، (١) وقد هديتم إن اهتديتم ، وأسمعتم إن استمعتم.

٢٢ ـ وقال عليه‌السلام : قد أضاء الصبح لذي عينين. (٢)

٢٣ ـ كتاب الغارات لابراهيم بن محمد الثقفي : بإسناده عن يحيى بن سعيد ، عن أبيه قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إنه ليس لهالك هلك من يعذره في تعمد ضلالة حسبها هدى ، ولا ترك حق حسبه ضلالة.

٢٤ ـ سن : أبي ، عن يونس رفعه قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : ليس من باطل يقوم بإزاء الحق إلا غلب الحق الباطل ، وذلك قوله : «بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق». «ص ٢٧٧»

________________

(١) أى كشف الله لكم عن الخير والشر وعرفهما لكم ان استعملتم بصركم. وكذا فيما بعده.

(٢) أى تبين ووضح سبيل الهدى لمن كان له بصيرة في أمر الدنيا وفنائها ، وبصيرة في الاخرة وبقائها.

٣٠٥

٢٥ ـ سن : النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : كل قوم يعملون على ريبة من أمرهم ، ومشكلة من رأيهم ، وزارئ منهم على من سواهم ، وقد تبين الحق من ذلك بمقايسة العدل عند ذوي الالباب. «ص ٢٧٧»

٢٦ ـ شى : عن زرارة وحمران ومحمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام قال : في آخر البقرة لما دعوا اجيبوا : «لا يكلف الله نفسا إلا وسعها» قال : ما افترض الله عليها «لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت» وكذا قوله : «لا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا».

٢٧ ـ شى : عن عمرو بن مروان الخزاز قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : رفعت عن امتي أربع خصال : ما أخطؤوا ، وما نسوا ، وما اكرهوا عليه ، وما لم يطيقوا ; وذلك في كتاب الله قول الله تبارك وتعالى : «ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا مالا طاقة لنا به» وقول الله : «إلا من اكره وقلبه مطمئن بالايمان».

٢٨ ـ شى : عن محمد بن حكيم رفعه إلى أبي عبدالله عليه‌السلام قال : سألته أتستطيع النفس المعرفة؟ قال : فقال : لا ، فقلت : يقول الله : «الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعا» قال : هو كقوله : «وما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون» قلت : فعابهم؟ قال : لم يعبهم بما صنع في قلوبهم ، ولكن عابهم بما صنعوا ولو لم يتكلفوا لم يكن عليهم شئ.

بيان : أي الغطاء والمنع عن السمع والبصر إنما ترتبت على أعمالهم السيئة ، فإنما عاتبهم على أفعالهم التي صارت أسبابا لتلك الحالات ; أو المعنى أن المراد بالغطاء وعدم استطاعة السمع والبصر ما سلطوا على أنفسهم من التعصب والامتناع عن قبول الحق ، لا شئ صنعه الله في قلوبهم وسمعهم وبصرهم.

٢٩ ـ كا : علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن علي بن عطية ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : كنت عنده وسأله رجل عن رجل يجئ منه الشئ على حد الغضب : يؤاخذه الله

٣٠٦

به؟ فقال : الله أكرم من أن يستغلق عبده. وفي نسخة أبي الحسن الاول عليه‌السلام : يستقلق عبده.

توضيح : قوله : من أن يستغلق عبده أي يكلفه ويجبره فيما لم يكن له فيه اختيار ، قال الفيروز آبادي : استغلقني في بيعته : لم يجعل لي خيارا في رده. قوله : و في نسخة أبي الحسن الاول يستقلق لعله كان الحديث في بعض الاصول مرويا عن أبي الحسن عليه‌السلام ، وفيه كان «يستقلق» بالقاف ، من القلق بمعنى الانزعاج والاضطراب ، و يرجع إلى الاول بتكلف.

تذنيب : قال السيد المرتضى رضي‌الله‌عنه : إن سأل سائل عن قوله تعالى : «ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون» (١) كيف نفى استطاعتهم للسمع و الابصار ، وأكثرهم كان يسمع باذنه ويرى بعينه؟ قلنا : فيه وجوه :

أحدها أن يكون المعنى : يضاعف لهم العذاب بما كانوا يستطيعون السمع فلا يسمعون ، وبما كانوا يستطيعون الابصار فلا يبصرون عنادا للحق ، فاسقطت الباء من الكلام ، وذلك جائز ، كما جاز في قولهم : لاجزينك بما عملت ، ولاجزينك ما عملت ; ولاحدثنك بما عملت ، ولاحدثنك ما عملت.

والثاني أنهم لاستثقالهم استماع آيات الله وكراهتهم تذكرها وتدبرها وتفهمها جروا مجرى من لا يستطيع السمع كما يقول القائل : ما يستطيع فلان أن ينظر لشدة عداوته إلى فلان ، وما يقدر أن يكلمه. ومعنى ما كانوا يبصرون : أن إبصارهم لم يكن نافعا لهم ولا مجديا عليهم مع الاعراض عن تأمل آيات الله تعالى وتدبرها ، فلما انتفت عنهم منفعة الابصار جاز أن ينفى عنهم الابصار نفسه.

والثالث أن يكون معنى نفي السمع والبصر راجعا إلى آلهتهم لا إليهم ، و تقدير الكلام : اولئك وآلهتهم لم يكونوا معجزين في الارض ، يضاعف لهم العذاب ، ثم قال مخبرا عن الآلهة : ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون ، وهذا الوجه يروى عن ابن عباس ، وفيه أدنى بعد. ويمكن في الآية وجه آخر وهو أن تكون «ما»

________________

(١) هود : ٢٠.

٣٠٧

في قوله : «ما كانوا يستطيعون السمع» ليست للنفي بل تجري مجرى قولهم : لاواصلنك ما لاح نجم ، ويكون المعنى : أن العذاب يضاعف لهم في الآخرة ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون ، أي أنهم معذبون ما كانوا أحياءا.

وقال رحمه الله في تأويل قوله تعالى : «ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا» (١) قيل : المراد بنسينا تركنا ، قال قطرب : معنى النسيان ههنا الترك ، كما قال تعالى : «ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسى» (٢) أي ترك ، ولولا ذلك لم يكن فعله معصية ، وكقوله تعالى : «نسوا الله فنسيهم» (٣) أى تركوا طاعته فتركهم من ثوابه ورحمته ، وقد يقول الرجل لصاحبه : لا تنسني من عطيتك أي لا تتركني منها ، وقد يمكن في الآية وجه آخر و هو أن يحمل النسيان على السهو وفقد العلوم ، ويكون وجه الدعاء بذلك ما قد بيناه فيما تقدم من السؤال على سبيل الانقطاع إلى الله والاستغاثة به وإن كان مأمونا منه المؤاخذه بمثله ، ويجري مجرى قوله : «ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به» وهذا الوجه أيضا يمكن في قوله : «أو أخطأنا» إذا كان الخطاء ما وقع سهوا أو عن غير عمد ، فأما على ما يطابق الوجه الاول فقد يجوز أن يريد بالخطاء ما يفعل من المعاصي بالتأويل السيئ ، وعن جهل بأنها معاص ، لان من قصد شيئا على اعتقاده أنه بصفة فوقع ما هو بخلاف معتقده يقال : قد أخطأ فكأنه أمرهم بأن يستغفروا مما تركوه متعمدين من غير سهو ولا تأويل ، ومما أقدموا عليه مخطئين متأولين ، ويمكن أيضا أن يريد بأخطأنا ههنا أذنبنا وفعلنا قبيحا ، وإن كانوا له متعمدين وبه عالمين ، لان جميع معاصينا لله تعالى قد يوصف كلها بأنها خطأ من حيث فارقت الصواب ، وإن كان فاعلها متعمدا ، وكأنه أمرهم بأن يستغفروا مما تركوه من الواجبات ، ومما فعلوه من المقبحات ليشتمل الكلام على جهتي الذنوب ، والله أعلم بمراده.

________________

(١) البقرة : ٢٨٦.

(٢) طه : ١١٥.

(٣) التوبه : ٦٧.

٣٠٨

*«باب ١٥»*

*«علة خلق العباد وتكليفهم ، والعلة التى من اجلها جعل الله في الدنيا»*

*«اللذات والالام والمحن»*

الايات ، الحجر «١٥» وما خلقنا السموات والارض وما بينهما إلا بالحق وإن الساعة لآتية ٨٥.

الانبياء «٢١» وما خلقنا السماء والارض وما بينهما لاعبين * لو أردنا أن تتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين * بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون ١٦ ـ ١٨.

المؤمنين «٢٣» أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون ١١٥.

الفرقان «٢٥» قل ما يعبؤ بكم ربي لولا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاما ٧٧.

الروم «٣٠» أو لم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السموات والارض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون ٨ «وقال تعالى» : ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ٤١.

الاحزاب «٣٣» إنا عرضنا الامانة على السموات والارض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الانسان إنه كان ظلوما جهولا ٧٢.

ص «٣٨» وما خلقنا السماء والارض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا ٢٧.

الزمر «٣٩» خلق السموات والارض بالحق ٥.

حمعسق «٤٢» وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ٣٠.

٣٠٩

الدخان «٤٤» وما خلقنا السموات والارض وما بينهما لاعبين * ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون ٣٨ ـ ٣٩.

الجاثية «٤٥» وخلق الله السموات والارض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون ٢٢.

الاحقاف «٤٦» ما خلقنا السموات والارض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى ٣.

الذاريات «٥١» وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون * ما اريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون ٥٦ ـ ٥٧.

القيامة «٧٥» أيحسب الانسان أن يترك سدى ٣٦.

تفسير : قال البيضاوي في قوله تعالى : «وما خلقنا السماء والارض وما بينهما لاعبين» : وإنما خلقناها مشحونة بضروب البدائع تبصرة للنظار ، وتذكرة لذوي الاعتبار ، وتسبيبا لما ينتظم به امور العباد في المعاش والمعاد ، فينبغي أن يتشبثوا بها إلى تحصيل الكمال ، ولا يغتروا بزخارفها ، فإنها سريعة الزوال. «لو أردنا أن نتخذ لهوا» ما يتلهى به ويلعب «لاتخذناه من لدنا» من جهة قدرتنا ، أو من عندنا مما يليق بحضرتنا من المجردات لا من الاجسام المرفوعة والاجرام المبسوطة ، كعادتكم في رفع السقوف وتزويقها ، وتسوية الفروش وتزيينها. وقيل : اللهو : الولد بلغة اليمن. وقيل : الزوجة ، والمراد الرد على النصارى. «إن كنا فاعلين» ذلك ، ويدل على جوابه الجواب المتقدم. وقيل : «إن» نافية ، والجملة كالنتيجة للشرطية «بل نقذف بالحق على الباطل» الذي من عداد اللهو «فيدمغه» فيمحقه «فإذا هو زاهق» هالك انتهى. (١)

________________

(١) قال الرضى رحمه الله : وهذه استعارة لان حقيقة القذف من صفات الاشياء الثقيلة التي يرجم بها ، كالحجارة وغيرها ، فجعل سبحانه إيراد الحق على الباطل بمنزلة الحجر الثقيل الذى يرض ما صكه ويدمغ ما مسه ، ولما بدأ تعالى بذكر قذف الحق على الباطل ـ وفى الاستعارة حفها وأعطاها واجبها ـ فقال سبحانه : «فيدمغه» ولم يقل : فيذهبه ويبطله ; لان الدمغ إنما يكون عن وقوع الاشياء الثقال على طريق الغلبة والاستعلاء ، فكأن الحق أصاب دماغ الباطل فأهلكه ، والدماغ مقتل ، ولذلك قال سبحانه من بعد «فاذا هو زاهق» والزاهق : الهالك.

٣١٠

قوله تعالى : «أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا» استدلال على البعث بان لذات هذه الدار الفانية لا تليق بأن تكون مقصودة لخلق هذه العالم مع هذه الالآم والمشاق و المصائب المشاهدة فيها فلو لم يكن لاستحقاق دار اخرى باقية خالية عن المحن والآلام لكان الخلق عبثا ولذا قال بعده : «وأنتم إلينا لا ترجعون».

قوله تعالى : «قل ما يعبؤ بكم ربي لولا دعاؤكم» (١) أي ما يصنع بكم أولا يعتد بكم لولا دعاؤكم إلى الدين ، أو لولا عبادتكم ، أو لولا دعاؤكم لله عند الشدائد ، وهو المروي عن أبي جعفر عليه‌السلام.

قوله تعالى : «إنا عرضنا الامانة» قيل : هي التكليف بالاوامر والنواهي ، و المعنى أنها لعظمة شأنها بحيث لو عرضت على هذه الاجرام العظام وكانت ذا شعور و إدراك «لابين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الانسان» مع ضعف بنيته ورخاوة قوته لا جرم فإن الراعى لها بخير الدارين «إنه كان ظلوما» حيث لم يراع حقها «جهولا» بكنه عاقبتها. وقيل : المراد الطاعة التي تعم الاختيارية والطبيعية ، وعرضها : استدعاؤها الذى يعم طلب الفعل من المختار وإرادة صدوره من غيره ، وبحملها الخيانة فيها والامتناع عن أدائها. والظلم والجهالة : الخيانة والتقصير. وقيل : إنه تعالى لما خلق هذه الاجرام خلق فيها فهما وقال لها : إني فرضت فريضة ونارا لمن عصاني ، فقلن : نحن مسخرات على ما خلقنا لا نحتمل فريضة ، ولا نبغي ثوابا ولا عقابا ; ولما خلق آدم عرض عليه مثل ذلك فحمله ، وكان ظلوما لنفسه بتحمل ما يشق عليها ، جهولا بوخاومة عاقبته وقيل : المراد بالامانة العقل أو التكليف ، وبعرضها عليهن اعتبارها بالاضافة إلى استعدادهن ، وبإبائهن الاباء الطبيعي الذي هو عدم اللياقة والاستعداد وبحمل الانسان قابليته واستعداده لها ، وكونه ظلوما جهولا لما غلب عليه من القوة

________________

(١) قال الراغب في مفرداته : ما عبأت به أى لم ابال به ، وأصله من العبء أى الثقل ، كأنه قال : ما أرى له وزنا وقدرا ، قال : «قل ما يعبؤ بكم ربى» وقيل : أصله من عبأت الطيب ، كانه قيل : ما يبقيكم لولا دعاؤكم.

٣١١

الغضبية والشهوية ، (١) وقد ورد في بعض الروايات أن المراد بها الخلافة والمراد بالانسان أبوبكر ، وسيأتى شرحها في أبواب الآيات النازلة في أمير المؤمنين عليه‌السلام.

١ ـ ع : أبي ، عن أحمد بن إدريس ، عن الحسين بن عبيد الله ، عن الحسن بن علي بن أبي عثمان ، عن عبد الكريم بن عبيد الله ، عن سلمة بن عطا ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : خرج الحسين بن علي عليهما‌السلام على أصحابه فقال : أيها الناس! إن الله جل ذكره ما خلق العباد إلا ليعرفوه ، فإذا عرفوه عبدوه ، فإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة ما سواه فقال له رجل : يابن رسول الله بأبي أنت وامي فما معرفة الله؟ قال : معرفة أهل كل زمان إمامهم الذي يجب عليهم طاعته. «ص ١٤»

قال الصدوق رحمه الله : يعني بذلك أن يعلم أهل كل زمان أن الله هو الذي لا يخليهم في كل زمان من إمام معصوم ، فمن عبد ربا لم يقم لهم الحجة فإنما عبد غير الله عزوجل.

بيان : يحتمل أن يكون المراد أن معرفة الله تعالى إنما ينفع مع سائر العقائد التي منها معرفة الامام ، أو أن معرفة الله إنما يحصل من معرفة الامام ، إذ هو السبيل إلى معرفته تعالى.

________________

(١) وقيل : المراد بذلك أهل السماوات والارض والجبال فحذف لفظ الاهل اختصارا له لدلالة الكلام عليه ، ولما حذف الاهل أجرى الفعل على لفظ السماوات والارض والجبال فقيل : «فابين أن يحملنها وأشفقن منها» كقوله تعالى : «ونجيناه من القرية التى كانت تعمل الخبائث» أي من أهل القرية ، فلما حذف الاهل أجرى الفعل على القرية فقيل : «كانت تعمل الخبائت» ردا على أهل القرية ، وهذا موضع حسن ، وقال بعضهم : عرض الشئ على الشئ ومعارضته سواء ، و المعارضة والمقايسة والموازنة بمعنى واحد ، فاخبر الله تعالى عن عظم أمر الامانة وثقلها وأنها إذا قيست بالسماوات والارض والجبال ووزنت بها رجحت عليها ، ولم تطق حملها ضعفا عنها ، وذلك معنى قوله تعالى : «فابين أن يحملنها وأشفقن منها» ومن كلامهم : « فلان يابى الضيم » إذا كان لا يحتمله فالاباء ههنا هو أن لا يقام بحمل الشئ ، والاشفاق في هذا الموضع هو الضعف عن الشئ ، ولذلك كنى عن الخوف الذى هو ضعف القلب ، فقالوا : «فلان مشفق من كذا» أى خائف منه ، يقول تعالى; فالسماوات والارض والجبال لم تحمل الامانة ضعفا عنها ، وحملها الانسان ، أى تقلدها وتطوق المئاثم فيها للمعروف من كثرة جهله وظلمه لنفسه.

٣١٢

٢ ـ ع : الطالقاني ، عن عبدالعزيز بن يحيى الجلودي ، عن محمد بن زكريا الجوهري ، عن جعفر بن محمد بن عمارة ، عن أبيه قال : سألت الصادق جعفر بن محمد عليه‌السلام فقلت له : لم خلق الله الخلق؟ فقال : إن الله تبارك وتعالى لم يخلق خلقه عبثا ولم يتركهم سدى ، بل خلقهم لاظهار قدرته ، وليكلفهم طاعته فيستوجبوا بذلك رضوانه ، وما خلقهم ليجلب منهم منفعة ، ولا ليدفع بهم مضرة بل خلقهم لينفعهم ويوصلهم إلى نعيم الابد. «ص ١٤ ـ ١٥»

٣ ـ ع : أبي ، عن الحميري ، عن هارون ، عن ابن زياد قال : قال رجل لجعفر بن محمد عليه‌السلام : يا أبا عبدالله إنا خلقنا للعجب! قال : وما ذاك؟ الله أنت(١) قال : خلقنا للفناء؟ فقال : مه يابن أخ! خلقنا للبقاء ، وكيف تفنى جنة لا تبيد ونار لا تخمد؟ ولكن قل : إنما نتحول من دار إلى دار. «ص ١٥»

٤ ـ ع : الحسين بن يحيى بن ضريس البجلي ، عن أبيه ، عن محمد بن عمارة السكري عن إبراهيم بن عاصم ، عن عبدالله بن هارون الكرخي ، عن أحمد بن عبدالله بن يزيد بن سلام بن عبدالله(٢) مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، عن أبيه عبدالله ، عن أبيه يزيد ، عن أبيه سلام بن عبدالله أخي عبدالله بن سلام ، عن عبدالله بن سلام مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : في صحف موسى بن عمران عليه‌السلام : يا عبادي إني لم أخلق الخلق لاستكثر بهم من قلة ، ولا لآنس بهم من وحشة ، ولا لاستعين بهم على شئ عجزت عنه ، ولا لجر منفعة ولا لدفع مضرة ، ولو أن جميع خلقي من أهل السماوات والارض اجتمعوا على طاعتي و عبادتي لا يفترون عن ذلك ليلا ولا نهارا ما زاد ذلك في ملكي شيئا ، سبحاني وتعاليت عن ذلك. «١٦».

٥ ـ ع : السناني ، عن محمد الاسدي ، عن النخعي ، عن النوفلي ، عن على بن سالم

________________

(١) كذا في المصدر والبحار والظاهر «لله أنت» كان المخاطب خاص وخالص له تعالى ويؤيده الحديث المذكور في هذا الباب عن مسعدة بن زياد قال : قال رجل لجعفر بن محمد عليه‌السلام : يا أبا عبدالله انا خلقنا للعجب؟ قال وما ذاك لله أنت؟. الحديث. م

(٢) في المصدر : عبيد الله. م

٣١٣

عن أبيه ، عن أبي بصير قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن قوله عزوجل : «وما خلقت الجن و الانس إلا ليعبدون» قال : خلقهم ليأمرهم بالعبادة ، قال : وسألته عن قوله عزوجل «ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم» قال : خلقهم ليفعلوا ما يستوجبون به رحمته فيرحمهم. «ص ١٦»

بيان : قال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى : «إلا ليعبدون» أي لم أخلق الجن والانس إلا لعبادتهم إياي فإذا عبدوني استحقوا الثواب. وقيل : إلا لآمرهم وأنهاهم وأطلب منهم العبادة ، واللام لام الغرض ، والمراد أن الغرض في خلقهم تعريض الثواب ، وذلك لا يحصل إلا بأداء العبادات ، فصار كأنه سبحانه خلقهم للعبادة ، ثم إنه إذا لم يعبده قوم لم يبطل الغرض ، ويكون كمن هيأ طعاما لقوم ودعاهم ليأكلوه فحضروا ولم يأكله بعضهم ، فإنه لا ينسب إلى السفه ويصح غرضه ، فإن الاكل موقوف على اختيار الغير ، وكذلك المسألة فإن الله إذا أزاح علل المكلفين من القدرة والآلة والالطاف وأمرهم بعبادته فمن خالف فقد أتى من قبل نفسه لا من قبله سبحانه. وقيل : معناه : إلا ليقروا بالعبودية طوعا وكرها. ثم قال تعالى : «ما أريد منهم من رزق وما اريد أن يطعمون» لنفي إيهام أن يكون ذلك لعائدة نفع تعود إليه تعالى فبين أنه لعائدة النفع على الخلق دونه تعالى لانه غني بنفسه ، غير محتاج إلى غيره ، وكل الخلق محتاجون إليه. وقيل : معناه : ما أريد أن يرزقوا أحدا من خلقي ، وإنما أسند الطعام إلى نفسه لان الخلق كلهم عيال الله ، ومن أطعم عيال أحد فقد أطعمه.

٦ ـ ع : إبن الوليد ، عن الصفار ، عن البرقي ، عن عبدالله بن أحمد النهيكي ، عن علي بن الحسن الطاطري ، عن درست ، عن جميل قال : قلت لابي عبدالله عليه‌السلام : جعلت فداك ما معنى قول الله عزوجل : و «ما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون»؟ فقال : خلقهم للعبادة. (١) «ص ١٦»

٧ ـ ع : ابن المتوكل ، عن السعد آبادي ، عن البرقي ، عن الحسن بن فضال ، عن ثعلبة ، عن جميل ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : سألته عن قول الله عزوجل : «وما خلقت

________________

(١) وفى نسخة : خلقتهم للعبادة.

٣١٤

الجن والانس إلا ليعبدون» قال : خلقهم للعبادة ، قلت : خاصة أم عامة؟ قال : لا بل عامة. «ص ١٦»

بيان : لما توهم الراوي أن معنى الآية أن الغرض من الخلق حصول نفس العبادة فيلزم تخلف الغرض في الكفار ، فلهذا سأل ثانيا أن هذا خاص بالمؤمنين ، أو عام لجميع الخلق؟ فأجاب عليه‌السلام بأنه عام ، إذ الغرض التكليف بالعبادة وقد حصل من الجميع.

٨ ـ ع : أبي ، عن سعد ، عن ابن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن حفص بن البختري قال : إنما جعلت العاهات في أهل الحاجة لئلا يستتروا ولو جعلت في الاغنياء لسترت. «ص ٣٨ ـ ٣٩»

٩ ـ لى : العطار ، عن سعد ، عن النهدي ، عن ابن محبوب ، عن سماعة ، عن الصادق جعفر بن محمد عليهما‌السلام أنه قال : إن العبد إذا كثرت ذنوبه ولم يجد ما يكفرها به ابتلاه الله عزوجل بالحزن في الدنيا ليكفرها ، فإن فعل ذلك به وإلا أسقم بدنه ليكفرها به ، فإن فعل ذلك به وإلا شدد عليه عند موته ليكفرها به ، فإن فعل ذلك به وإلا عذبه في قبره ليلقى الله عزوجل يوم يلقاه وليس شئ يشهد عليه بشئ من ذنوبه. «ص ١٧٧»

١٠ ـ ما : الغضائري ، عن علي بن محمد العلوي ، عن الحسن بن علي بن صالح ، عن الكليني ، عن علي بن محمد ، عن إسحاق بن إسماعيل النيسابوري ، عن الصادق ، عن آبائه عليهم‌السلام ، عن الحسن بن علي عليهما‌السلام قال : إن الله عزوجل بمنه ورحمته لما فرض عليكم الفرائض لم يفرض ذلك عليكم لحاجة منه إليه بل رحمة منه ، لا إله إلا هو ، ليميز الخبيث من الطيب ، وليبتلي ما في صدوركم ، وليمحص ما في قلوبكم ، ولتتسابقوا إلى رحمته ، ولتتفاضل منازلكم في جنته. إلى آخر ما سيأتي في كتاب الامامة. «ص ٥٦»

١١ ـ نهج : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام في بعض خطبه : بعث رسله بما خصهم به من وحيه ، وجعلهم حجة له على خلقه ، لئلا تجب الحجة لهم يترك الاعذار إليهم فدعاهم بلسان الصدق إلى سبيل الحق ، إلا أن الله قد كشف الحق لا أنه جهل

٣١٥

ما أخفوه من مصون أسرارهم ومكنون ضمائرهم ، ولكن ليبلوهم أيهم أحسن عملا ، فيكون الثواب جزاءا والعقاب بواءا.

بيان : قال في النهاية : الجراحات بواء أي سواء في القصاص ، ومنه حديث علي

عليه‌السلام : والعقاب بواء ; وأصل البوء : اللزوم.

١٢ ـ ل : أبي ، عن الحميري ، عن هارون ، عن ابن زياد ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عليهما‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لولا ثلاث في ابن آدم ما طأطأ رأسه شئ : (١) المرض ، والفقر ، والموت ، وكلهم فيه وإنه معهم لو ثاب. «ج ١ ص ٥٥»

١٣ ـ ج : وروي أنه اتصل بأمير المؤمنين عليه‌السلام أن قوما من أصحابه خاضوا في التعديل والتجوير ، (٢) فخرج حتى صعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس! إن الله تبارك وتعالى لما خلق خلقه أراد أن يكونوا على آداب رفيعة ، وأخلاف شريفة ، فعلم أنهم لم يكونوا كذلك إلا بأن يعرفهم مالهم وما عليهم ، والتعريف لا يكون إلا بالامر والنهي ، والامر والنهي لا يجتمعان إلا بالوعد والوعيد ، والوعد لا يكون إلا بالترغيب ، والوعيد لا يكون إلا بالترهيب ، والترغيب لا يكون إلا بما تشتهيه أنفسهم وتلذه أعينهم ، والترهيب لا يكون إلا بضد ذلك ، ثم خلقهم في داره وأراهم طرفا(٣) من اللذات ليستدلوا به على ما ورائهم من اللذات الخالصة التي لا يشوبها ألم ، ألا وهي الجنة ; وأراهم طرفا من الآلام ليستدلوا به على ما ورائهم من الآلام الخالصة التي لا يشوبها لذة ، ألا وهي النار ; فمن أجل ذلك ترون نعيم الدنيا مخلوطا بمحنها ، وسرورها ممزوجا بكدرها وغمومها.

________________

(١) طأطأ الرأس : خفضه ، أى لولا ثلاث في ابن آدم ما تواضع ولا خضع ، وكان يتكبر و يعجب بنفسه.

(٢) في المصدر : والتجريح. م

(٣) الطرف بفتح الطاء والراء : طائفة من الشئ.

٣١٦

قيل : فحدث الجاحظ(١) بهذا الحديث فقال : هو جماع الكلام الذي دونه الناس في كتبهم وتحاوروه بينهم. قيل : ثم سمع أبوعلي الجبائي(٢) بذلك فقال : صدق الجاحظ ، هذا ما لا يحتمله الزيادة والنقصان. «ص ١٠٩»

١٤ ـ ج : روى هشام بن الحكم أنه سأل الزنديق أبا عبدالله عليه‌السلام : لاي علة خلق الخلق وهو غير محتاج إليهم ولا مضطر إلى خلقهم ، ولا يليق به العبث بنا؟ قال : خلقهم لاظهار حكمته ، وإنفاذ علمه ، وإمضاء تدبيره ; قال : وكيف لا يقتصر على هذه الدار فيجعلها دار ثوابه ومحبس عقابه؟ قال : أن هذه دار بلاء ، ومتجر الثواب ، (٣) ومكتسب الرحمة ، ملئت آفات وطبقت شهوات ليختبر فيها عباده بالطاعة ، فلا يكون دار عمل دار جزاء. الخبر. «ص ١٨٤»

١٥ ـ ما : جماعة ، عن أبي المفضل ، عن عبدالله بن الحسين العلوي ، عن عبدالعظيم الحسني ، عن أبي جعفر الجواد ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : المرض لا أجر فيه ، ولكنه لا يدع على العبد ذنبا إلا حطه ، وإنما الاجر في القول باللسان ، والعمل بالجوارح ; وإن الله بكرمه وفضله يدخل العبد بصدق النية والسريرة الصالحة الجنة. «ص ٣٠»

١٦ ـ ثو : أبي ، عن أحمد بن إدريس ، ومحمد العطار جميعا ، عن الاشعري ، عن محمد بن حسان ، عن الحسين بن محمد النوفلي ، عن جعفر بن محمد ، عن محمد بن علي ، عن عيسى ابن عبدالله العمري ، عن أبيه ، عن جده ، عن أميرالمؤمنين عليه‌السلام : في المرض يصيب الصبي؟ قال : كفارة لوالديه. «ص ١٨٧»

________________

(١) هو أبوعثمان عمرو بن بحر بن محبوب الليثى البصرى اللغوى النحوى ، كان من غلمان النظام ، ومائلا إلى النصب والعثمانية ، تثقف في البصرة وبغداد ، واطلع على جميع العلوم المعروفة في عصره ، نسبت إليه فرقة الجاحظية من المعتزلة ، ولد بالبصرة ، وتوفى فيها سنة ٢٥٥ وأصابه الفلج في آخر عمره ، له كتب : منها «الحيوان» في سبعة أجزاء ، و «البيان والتبيين» و «البخلاء» و «العثمانية» التى نقض عليها أبوجعفر الاسكافى ، والشيخ المفيد ، والسيد أحمد بن طاووس.

(٢) هو محمد بن عبدالوهاب بن سلام بن خالد بن حمران بن أبان مولى عثمان بن عفان ، منسوب إلى «جبى» بالضم كورة بخوزستان ، أحد أئمة المعتزلة ، له مقالات كلامية على مذهب الاعتزال ، أخذ الكلام عن أبى يوسف يعقوب بن عبدالله الشحام البصرى رئيس المعتزلة بالبصرة في عصره ، وعنه أخذ أبوالحسن الاشعرى شيخ السنة علم الكلام ، ولد سنة ٢٣٥ وتوفى في شعبان سنة ٣٠٣.

(٣) في نسخة المصنف : ومنجز الثواب.

٣١٧

١٧ ـ شى : عن يعقوب بن شعيب ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : سألته عن قول الله : «وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون» قال : خلقهم للعبادة ; قال : قلت وقوله : «لا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم»؟ فقال : نزلت هذه بعد تلك.

١٨ ـ كشف : من كتاب الدلائل للحميري ، عن داود بن أعين قال : تفكرت في قول الله تعالى : «وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون» قلت : خلقوا للعبادة ، و يعصون ويعبدون غيره ; والله لاسألن جعفرا عن هذه الآية ; فأتيت الباب فجلست أريد الدخول عليه ، إذ رفع صوته فقرأ : «وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون» ثم قرأ : «لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا» فعرفت أنها منسوخة. «ص ٣٣٧»

بيان : هذا الخبر والخبر السابق يدلان على أن آية «وما خلقت» منسوخة ، ولعل المعنى أنه على تقدير تسليم دلالتها على ما يزعمون فهي منسوخة بآيات معارضة لما نزلت بعدها ، ويكون المراد بالنسخ البداء ، أو التخصيص ، أو التبيين.

أقول : إقامة البراهين العقلية على حسن التكليف ووقوع الآلام والاحزان و الامراض ووجوب العوض على الله تعالى فيها ، والفرق بين الثواب والعوض موكول إلى مظانها من الكتب الكلامية ، والتعرض لها خروج عن مقصود الكتاب.

*«باب ١٦»*

*«عموم التكاليف»*

الايات ، المدثر «٤٧» يتسائلون عن المجرمين. ماسلككم في سقر * قالوا لم نك من المصلين ٤٠ ـ ٤٣.

١ ـ شى : عن البرقي ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام في قوله تعالى : «يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام» قال : هي للمؤمنين خاصة.

٢ ـ شى : عن جميل بن دراج قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن قول الله : «كتب عليكم القتال ، يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام» قال : فقال : هذه كلها تجمع الضلال والمنافقين وكل من أقر بالدعوة الظاهرة.

٣١٨

بيان : كون ظاهر الخطاب المصدر بيا أيها الذين آمنوا مختصا بالمؤمنين ، أو بهم وبالمنافقين والمخالفين لا ينافي شمول التكاليف بدليل آخر لجميع المكلفين ، وقد حقق ذلك في كتب الاصول وكتب الكلام.

٣ ـ نهج : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : اعلموا أنه لن يرضى عنكم بشئ سخطه على من كان قبلكم ، ولن يسخط عليكم بشئ رضيه ممن كان قبلكم ، وإنما تسيرون في أثر بين ، وتتكلمون برجع قول قد قاله الرجال من قبلكم.

*«باب ١٧»*

*«أن الملائكة يكتبون أعمال العباد»*

الايات ، الانعام «٦» وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة ٦١.

يونس «١٠» إن رسلنا يكتبون ما تمكرون ٢١.

الرعد «١٣» له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله ١١.

مريم «١٩» كلا سنكتب ما يقول ٧٩.

الانبياء «٢١» فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون ٩٤.

المؤمنون «٢٣» ولدينا كتاب ينطق بالحق (١) وهم لا يظلمون ٦٢.

يس «٣٦» ونكتب ما قدموا وآثارهم ١٢.

الزخرف «٤٣» أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجويهم بلى (٢) ورسلنا لديهم يكتبون ٨٠.

الجاثية «٤٥» كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون * هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ٢٨ ـ ٢٩.

________________

(١) قيل : وصف الكتاب بالنطق مبالغة في وصفه باظهار البيان وإعلان البرهان ، تشبيها باللسان الناطق في الابانة عن ضميره ، والكشف عن مستوره ; وقد يقال الناطق لما يدل على شئ ، وعلى هذا قيل لحكيم : ما الناطق الصامت؟ فقال : الدلائل المخبرة والعبر الواعظة.

(٢) أى بل نسمع ذلك وندركه ومع ذلك رسلنا لديهم يكتبون.

٣١٩

ق (٥) إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد * ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد(١) ١٧ ١٨.

القمر «٥٤» وكل شئ فعلوه في الزبر * (٢) وكل صغير وكبير مستطر ٢٥ – ٥٣.

التكوير «٨١» وإذا الصحف نشرت ١٠.

الانفطار «٨٢» وإن عليكم لحافظين * كراما كاتبين. يعلمون ما تفعلون ١٠ ـ ١٢.

الطارق «٨٦» إن كل نفس لما عليها حافظ ٤.

تفسير : قال الطبرسي رحمه الله : «ويرسل عليكم حفظة» أي ملائكة يحفظون أعمالكم ، ويحصونها عليكم ويكتبونها ; وفي قوله تعالى : «إن رسلنا» : يعني الملائكة الحفظة ; وفي قوله تعالى : «له معقبات» : قيل : إنها الملائكة يتعاقبون ، تعقب ملائكة الليل ملائكة النهار وملائكة النهار ملائكة الليل ، وهم الحفظة يحفظون على العبد عمله. وقيل : هم أربعة أملاك مجتمعون عند صلاة الفجر ، وروي ذلك أيضا عن أئمتنا عليهم‌السلام ; وقيل : إنهم ملائكة يحفظونه عن المهالك حتى ينتهوا به إلى المقادير. وفي قوله تعالى : «كلا سنكتب ما يقولون» : أي سنأمر الحفظة بإثباته عليه لنجازيه به في الآخرة ; وفي قوله تعالى : «وإنا له كاتبون» أي نأمر ملائكتنا أن يكتبوا ذلك فلا يضيع منه شئ. وقيل : أي ضامنون جزاءه ; وفي قوله تعالى : «ولدينا كتاب ينطق بالحق» يريد صحائف الاعمال ; وفي قوله تعالى : «إذ يتلقى المتلقيان» إذ متعلقة بقوله : «ونحن أقرب إليه من حبل الوريد» أي ونحن أعلم به وأملك له حين يتلقى المتلقيان ، وهما الملكان يأخذان منه عمله فيكتبانه كما يكتب المملى عليه «عن اليمين وعن الشمال قعيد» أراد : عن اليمين قعيد ، وعن الشمال قعيد ، فاكتفى بأحدهما عن الآخر ; والمراد بالقعيد هنا الملازم الذي لا يبرح ، لا القاعد الذي هو ضد القائم. وقيل : عن اليمين كاتب الحسنات ، وعن الشمال كاتب السيئات. وقيل : الحفظة أربعة : ملكان بالنهار ، وملكان بالليل ، «وما يلفظ من قول» أي ما يتكلم بكلام فيلفظه ، أي

________________

(١) الرقيب : الحارس ، الحافظ. العتيد : الحاضر المهيا والمعد للزوم الامر. وقيل : القعيد : الرصيد. ويوصف به الواحد والاثنين والجمع.

(٢) أى مكتوب في الكتب التى كتبتها الحفظة.

٣٢٠