بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٤٣
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

ومنها أنه لما كلف الله تعالى الارواح أولا في الذر وأخذ ميثاقهم فاختاروا الخير والشر باختيارهم في ذلك الوقت ، وتفرع اختلاف الطينة على ما اختاروه باختيارهم كما دل عليه بعض الاخبار السابقة فلا فساد في ذلك.

ولا يخفى ما فيه وفي كثير من الوجوه السابقة ، وترك الخوض في أمثال تلك المسائل الغامضة التي تعجز عقولنا عن الاحاطة بكنهها أولى ، لاسيما في تلك المسألة الني نهى أئمتنا عن الخوض فيها ، ولنذكر بعض ما ذكره في ذلك علماؤنا رضوان الله عليهم ومخالفوهم.

فمنها ما ذكره الشيخ المفيد قدس الله روحه في جواب المسائل السروية حيث سئل : ما قوله ـ أدام الله تأييده ـ في معنى الاخبار المروية عن الائمة الهادية عليهم‌السلام في الاشباح وخلق الله تعالى الارواح قبل خلق آدم عليه‌السلام بألفي عام ، وإخراج الذرية من صلبه على صور الذر ، ومعنى قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الارواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف؟.

الجواب : ـ وبالله التوفيق ـ أن الاخبار بذكر الاشباح تختلف ألفاظها ، وتتباين معانيها ، وقد بنت الغلاة عليها أباطيل كثيره ، وصنفوا فيها كتبا لغوا فيها ، وهزؤوا فيما أثبتوه منه في معانيها ، وأضافوا ما حوته الكتب إلى جماعة من شيوخ أهل الحق و تخرصوا البالطل بإضافتها إليهم ، من جملتها كتاب سموه كتاب «الاشباح والاظلة» نسبوه في تأليفه إلى محمد بن سنان ، ولسنا نعلم صحة ما ذكروه في هذا الباب عنه وإن كان صحيحا فإن ابن سنان قد طعن عليه وهو متهم بالغلو ، فإن صدقوا في إضافة هذا الكتاب إليه فهو ضلال لضال عن الحق ، وإن كذبوا فقد تحملوا أوزار ذلك ، والصحيح من حديث الاشباح الرواية التي جاءت عن الثقاة بأن آدم عليه‌السلام رأى على العرش أشباحا يلمع نورها ، فسأل الله تعالى عنها ، فأوحى إليه أنها أشباح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأمير المؤمنين ، والحسن ، والحسين ، وفاطمة صلوات الله عليهم; وأعلمه أنه لولا الاشباح التي رآها ما خلقه ولا خلق سماءا ولا أرضا. والوجه فيما

٢٦١

أظهره الله تعالى من الاشباح والصور لآدم أن دله على تعظيمهم وتبجيلهم ، (١) وجعل ذلك إجلالا لهم ، ومقدمة لما يفترضه من طاعتهم ، ودليلا على أن مصالح الدين والدنيا لا تتم إلا بهم ولم يكونوا في تلك الحال صورا مجيبة ، ولا أرواحا ناطقة لكنها كانت على مثل صورهم في البشرية ، يدل على ما يكونوا عليه في المستقبل في الهيئة ، والنور الذي جعله عليهم يدل على نور الدين بهم وضياء الحق بحججهم ; وقد روي أن أسماءهم كانت مكتوبة إذ ذاك على العرش ، وأن آدم عليه‌السلام لما تاب إلى الله عزوجل وناجاه بقبول توبته سأله بحقهم عليه ومحلهم عنده فأجابه ، وهذا غير منكر في العقول ، ولا مضاد للشرع المنقول ، وقد رواه الصالحون الثقاة المأمونون ، وسلم لروايته طائفة الحق ، ولا طريق إلى انكاره ، والله ولي التوفيق.

فصل : ومثل ما بشر الله به آدم عليه‌السلام من تأهيله نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله لما أهله له ، و تأهيل أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم‌السلام لما أهلهم له ، وفرض عليه تعظيمهم وإجلالهم كما بشر به في الكتب الاولى من بعثته لنبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال في محكم كتابه : «النبي الامي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التورية والانجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليه الخبائث ويضع عنهم إصرهم والاغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون (٢) وقوله تعالى مخبرا عن المسيح عليه‌السلام : «ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد» (٣) وقوله سبحانه : «وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جائكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه» (٤) يعني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فحصلت البشائر به من الانبياء وأممهم قبل إخراجه إلى العالم بالوجود ، وإنما أراد جل اسمه بذلك إجلاله وإعظامه ، وأن يأخذ العهد له على الانبياء والامم كلها ، فلذلك أظهر لآدم عليه‌السلام صورة شخصه ، وأشخاص أهل بيته عليهم‌السلام ، وأثبت أسماءهم له ليخبره بعاقبتهم ، وبين له عن محلهم عنده ومنزلتهم لديه ، ولم يكونوا

________________

(١) بجله : عظمه وكرمه.

(٢) الاعراف : ١٥٧.

(٣) الصف : ٦.

(٤) آل عمران : ٨١.

٢٦٢

في تلك الحال أحياءا ناطقين ولا ارواحا مكلفين ، وإنما كانت أشباحهم دالة عليهم حسب ما ذكرناه.

فصل : وقد بشر الله عزوجل بالنبي والائمة عليهم‌السلام في الكتب الاولى ، فقال في بعض كتبه التي أنزلها على أنبيائه عليهم‌السلام ، وأهل الكتب يقرؤونه ، واليهود يعرفونه : إنه ناجى إبراهيم الخليل عليه‌السلام في مناجاته : إنى قد عظمتك وباركت عليك وعلى إسماعيل ، وجعلت منه اثنى عشر عظيما ، وكبرتهم جدا جدا ، وجعلت منهم شعبا عظيما لامة عظيمة ; وأشباه ذلك كثير في كتب الله تعالى الاولى.

فصل : فأما الحديث في إخراج الذرية من صلب آدم عليه‌السلام على صورة الذر فقد جاء الحديث بذلك على اختلاف ألفاظه ومعانيه ; والصحيح أنه أخرج الذرية من ظهره كالذر فملا بهم الافق ، وجعل على بعضهم نورا لا يشوبه ظلمة ، وعلى بعضهم ظلمة لا يشوبها نور ، وعلى بعضهم نورا وظلمة ; فلما رآهم آدم عليه‌السلام عجب من كثرتهم وما عليهم من النور والظلمة ، فقال : يارب ما هؤلاء؟ قال الله عزوجل له : هؤلاء ذريتك ـ يريد تعريفه كثرتهم ، وامتلاء الآفاق بهم ، وأن نسله يكون في الكثرة كالذر الذي رآه ليعرفه قدرته ، ويبشره بإفضال نسله وكثرتهم ـ فقال عليه‌السلام : يارب مالي أرى على بعضهم نورا لا ظلمة فيه؟ وعلى بعضهم ظلمة لا يشوبها نور؟ وعلى بعضهم ظلمة ونورا؟ فقال تبارك وتعالى : أما الذين عليهم النور منهم بلا ظلمة فهم أصفيائي من ولدك الذي يطيعوني ولا يعصوني في شئ من أمري فأولئك سكان الجنة ، وأما الذين عليهم ظلمة ولا يشوبها نور فهم الكفار من ولدك الذين يعصوني ولا يطيعوني ، فأما الذين عليهم نور وظلمة فأولئك الذين يطيعوني من ولدك ويعصوني فيخلطون أعمالهم السيئة بأعمال حسنة ، فهؤلاء أمرهم إلي ، إن شئت عذبتهم فبعد لي وإن شئت عفوت عنهم فبفضلي ، فأنبأه الله تعالى بما يكون من ولده ، وشبههم بالذر الذي أخرجهم من ظهره ، وجعله علامة على كثرة ولده. ويحتمل أن يكون ما أخرجه من ظهره وجعل أجسام ذريته دون أرواحهم ، وإنما فعل الله تعالى ذلك ليدل آدم عليه‌السلام على العاقبة منه ، ويظهر له من قدرته وسلطانه وعجائب صنعته ، وأعلمه

٢٦٣

بالكائن قبل كونه ، وليزداد آدم عليه‌السلام يقينا بربه ، ويدعوه ذلك إلى التوفر على طاعته ، والتمسك بأوامره ، والاجتناب لزواجره. فأما الاخبار التي جاءت بأن ذرية آدم عليه‌السلام استنطقوا في الذر فنطقوا فأخذ عليهم العهد فأقروا فهي من أخبار التناسخية ، وقد خلطوا فيها ومزجوا الحق بالباطل ، والمعتمد من إخراج الذرية ما ذكرناه دون ما عداه مما استمر القول به على الادلة العقلية والحجج السمعية ، وإنما هو تخليط لا يثبت به أثر على ما وصفناه.

فصل : فإن تعلق متعلق بقوله تبارك اسمه : «وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيمة إنا كنا عن هذا غافلين (١) فظن ظاهر هذا القول تحقق ما رواه أهل التناسخ والحشوية والعامة في إنطاق الذرية وخطابهم وأنهم كانوا أحياءا ناطقين. فالجواب عنه أن لهذه الآية من المجاز في اللغة كنظائرها مما هو مجاز واستعارة والمعنى فيها أن الله تبارك وتعالى أخذ من كل مكلف يخرج من ظهر آدم وظهور ذريته العهد عله بربوبيته ، من حيث أكمل عقله ، ودله بآثار الصنعة على حدثه ، وأن له محدثا أحدثه لا يشبهه يستحق العبادة منه بنعمه عليه ، فذلك هو أخذ العهد منهم ، وآثار الصنعة فيهم ، والاشهاد لهم على أنفسهم بأن الله تعالى ربهم ، وقوله تعالى : «قالوا بلى» يريد به أنهم لم يمتنعوا من لزوم آثار الصنعة فيهم ، ودلائل حدثهم اللازمة لهم ، وحجة العقل عليهم في إثبات صانعهم ، فكأنه سبحانه لما ألزمهم الحجة بعقولهم على حدثهم ووجود محدثهم قال لهم : «ألست بربكم»؟ فلما لم يقدروا على الامتناع من لزوم دلائل الحدث لهم كانوا كقائلين : «بلى شهدنا» وقوله تعالى : «أن يقولوا يوم القيمة إنا كنا عن هذا غافلين أو يقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون «ألا ترى أنه احتج عليهم بما لا يقدرون يوم القيامة أن يتأولوا في إنكاره ولا يستطيعون ، وقد قال سبحانه : « والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه

________________

(١) الاعراف : ١٧٢.

٢٦٤

العذاب» (١) ولم يرد أن المذكور يسجد كسجود البشر في الصلاة ، وإنما أراد به غير ممتنع من فعل الله فهو كالمطيع لله وهو معبر عنه بالساجد ، قال الشاعر : بجمع تظل البلق في حجراته. ترى الاكم فيها سجدا للحوافر(٢)

يريد أن الحوافر تذل الاكم بوطيها عليها

وقوله تعالى : «ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللارض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين» (٣) وهو سبحانه لم يخاطب السماء بكلام ; ولا السماء قالت قولا مسموعا ، وإنما أراد أنه عمد إلى السماء فخلقها ولم يتعذر عليه صنعتها ، فكأنه لما خلقها قال لها وللارض ائتيا طوعا أو كرها ، فلما تعلقت بقدرته كانتا كالقائل : أتينا طائعين وكمثل قوله تعالى : «يوم نقول لجهنم هل امتلات وتقول هل من مزيد» ٤» والله تعالى يجل عن خطاب النار وهي مما لا يعقل ولا يتكلم ، وإنما الخبر عن سعتها و أنها لا تضيق بمن يحلها من المعاقبين ، وذلك كله على مذهب أهل اللغة وعادتهم في المجاز ، ألا ترى إلى قول الشاعر :

وقالت له العينان سمعا وطاعة

وأسبلتا(٥) كالدر ما لم يثقب

والعينان لم تقولا قولا مسموعا ، ولكنه أراد منهما البكاء ، فكانت كما أراد من غير تعذر عليه. ومثله قول عنترة :

فازور من وقع القنا بلبانه

وشكى إلي بعبرة وتحمم(٦)

________________

(١) الحج : ١٨.

(٢) الاكم جمع الاكمة : التل. والحوافر جمع الحافر ، والحافر للدابة بمنزلة القدم للانسان.

(٣) حم السجدة : ١١.

(٤) ق : ٣٠.

(٥) أسبلت العين الدمع : أرسلت.

(٦) الازورار عن الشئ العدول عنه ، والقنا جمع قناة وهى الرمح ، ووقعها وقوعها والضرب بها ، واللبان بالفتح ما جرى عليه اللبن. منه قدس‌سره.

٢٦٥

والفرس لا يشتكي قولا ، لكنه ظهر منه علامة الخوف والجزع ، فسمى ذلك قولا. ومنه قول الآخر :

وشكى إلي جملي طول السرى. (١)

والجمل لا يتكلم ، لكنه لما ظهر منه النصب والوصب لطول السرى عبر عن هذه العلامة بالشكوى التي تكون كالنطق والكلام ، ومنه قولهم أيضا :

امتلا الحوض وقال قطني(٢)

حسبك مني قد ملات بطني.

والحوض لم يقل قطني ، لكنه لما امتلا بالماء عبر عنه بأنه قال : حسبي ، ولذلك أمثال كثيرة في منثور كلام العرب ومنظومه ، وهو من الشواهد على ما ذكرناه في تأويل الآية والله تعالى نسأل التوفيق.

فصل : فأما الخبر أن الله تعالى خلق الارواح قبل الاجساد بألفي عام فهو من أخبار الآحاد ، وقد روته العامة كما روته الخاصة ، وليس هو مع ذلك مما يقطع على الله بصحته ، وإنما نقله رواته لحسن الظن به ، وإن ثبت القول فالمعنى فيه أن الله تعالى قدر الارواح في علمه قبل اختراع الاجساد ، واخترع الاجساد واخترع لها الارواح فالخلق للارواح قبل الاجساد خلق تقدير في العلم كما قدمناه ، وليس بخلق لذواتها كما وصفناه ، والخلق لها بالاحدات والاختراع بعد خلق الاشسام ، والصور التي تدبرها الارواح ، ولولا أن ذلك كذلك لكانت الارواح تقوم بأنفسها ، ولا تحتاج إلى آلات يعتملها ، ولكنا نعرف ما سلف لنا من الاحوال قبل خلق الاجساد ، كما نعلم أحوالنا بعد خلق الاجساد ، وهذا محال لا خفاء بفساده.

وأما الحديث بأن الارواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف ، فالمعنى فيه أن الارواح التي هي الجواهر البسائط تتناصر بالجنس وتتخاذل بالعوارض ، فما تعارف منها باتفاق الرأي والهوى ائتلف ، وما تناكر منها

________________

(١) بضم السين : سير الليل.

(٢) أى حسبى.

٢٦٦

بمباينة في الرأي والهوى اختلف ، وهذه موجود حسا ومشاهد ، وليس المراد بذلك أن ما تعارف منها في الذر ائتلف ـ كما يذهب إليه الحشوية ـ كما بيناه من أنه لا علم للانسان بحال كان عليها قبل ظهوره في هذا العالم ، ولو ذكر بكل شئ ما ذكر ذلك ، فوضح بما ذكرناه أن المراد بالخبر ما شرحناه ، والله الموفق للصواب انتهى أقول : طرح ظواهر الآيات والاخبار المستفيضة بأمثال تلك الدلائل الضعيفة والوجوه السخيفة جرأة على الله وعلى أئمة الدين ، ولو تأملت فيما يدعوهم إلى ذلك من دلائلهم وما يرد عليها من الاعتراضات الواردة لعرفت أن بأمثالها لا يمكن الاجتراء على طرح خبر واحد ، فكيف يمكن طرح تلك الاخبار الكثيرة الموافقة لظاهر الآية الكريمة بها وبأمثالها ، وسيأتي الاخبار الدالة على تقدم خلق الارواح على الاجساد في كتاب السماء والعالم ، وسنتكلم عليها.

ومنها ما ذكره السيد المرتضى رضي‌الله‌عنه في قوله تعالى : «وإذ أخذ ربك» الآية حيث قال : وقد ظن بعض من لا بصيرة له ولا فطنة عنده أن تأويل هذه الآية : أن الله سبحانه استخرج من ظهر آدم عليه‌السلام جميع ذريته ـ وهم في خلق الذر ـ فقررهم بمعرفته ، وأشهدهم على أنفسهم ، وهذا التأويل مع أن العقل يبطله ويحيله مما يشهد ظاهر القرآن بخلافه لان الله تعالى قال : «وإذ أخذ ربك من بني آدم» ولم يقل : «من آدم» وقال : من «ظهورهم» ولم يقل : «من ظهوره» وقال : «ذريتهم» ولم يقل : «ذريته» ثم أخبر تعالى بأنه فعل ذلك لئلا يقولوا يوم القيامة أنهم كانوا عن هذا غافلين ، أو يعتذروا بشرك آبائهم وأنهم نشؤوا على دينهم وسنتهم ، وهذا يقتضي أن الآية لم تتناول ولد آدم عليه‌السلام لصلبه ، وأنها إنما تناولت من كان له آباء مشركون وهذا يدل على اختصاصها ببعض ذرية بني آدم ، فهذه شهادة الظاهر ببطلان تأويلهم ; فأما شهادة العقول فمن حيث لا تخلو هذه الذرية التي استخرجت من ظهر آدم عليه‌السلام و خوطبت وقررت من أن تكون كاملة العقول ، مستوفية بشروط التكلف ، أولا تكون كذلك ، فإن كانت بالصفة الاولى وجب أن يذكر هؤلاء بعد خلقهم وإنشائهم وإكمال عقولهم ما كانوا عليه في تلك الحال وما قرروا به واستشهدوا عليه ، لان العاقل

٢٦٧

لا ينسى ما جرى هذا المجرى وإن بعد العهد وطال الزمان ، ولهذا لا يجوز أن يتصرف أحدنا في بلد من البلدان وهو عاقل كامل فينسى مع بعد العهد جميع تصرفه المتقدم و سائر أحواله. وليس أيضا لتخلل الموت بين الحالين تأثير لانه لو كان تخلل الموت يزيل الذكر لكان تخلل النوم والسكر والجنون والاغماء بين أحوال العقلاء يزيل ذكرهم لما مضى من أحوالهم ; لان سائر ما عددناه مما ينفي العلوم يجري مجري الموت في هذا الباب ، وليس لهم أن يقولوا : إذا جاز في العاقل الكامل أن ينسى ما كان عليه في حال الطفولية جاز ما ذكرنا ، وذلك أنا إنما أوجبنا ذكر العقلاء لما ادعوه إذا كملت عقولهم من حيث جرى عليهم وهم كاملوا العقل ، ولو كانوا بصفة الاطفال في تلك الحال لم نوجب عليهم ما أوجبناه ، على أن تجويز النسيان عليهم ينقض الغرض في الآية ، و ذلك أن الله تعالى أخبر بأنه إنما قررهم وأشهدهم لئلا يدعوا يوم القيامة الغفلة عن ذلك ، وسقوط الحجة عنهم فيه ، فإذا جاز نسيانهم له عاد الامر إلى سقوط الحجة عنهم وزواله.

وإن كانوا على الصفة الثانية من فقد العلم وشرائط التكليف قبح خطابهم و تقريرهم وإشهادهم ، وصار ذلك عبثا قبيحا يتعالى الله عنه.

فإن قيل : قد أبطلتم تأويل مخالفيكم فما تأويلها الصحيح عندكم؟

قلنا : في الاية وجهان : أحدهما أن يكون تعالى إنما عنى بها جماعة من ذرية بنى آدم خلقهم وبلغهم وأكمل عقولهم وقررهم على ألسن رسله عليهم‌السلام بمعرفته وما يجب من طاعته ، فأقروا بذلك وأشهدهم على أنفسهم به ، لئلا يقولوا يوم القيامة : إنا كنا عن هذا غافلين ، أو يعتذروا بشرك آبائهم ، وإنما أتي من اشتبه عليه تأويل الآية من حيث ظن أن اسم الذرية لا يقع إلا على من لم يكن كلاملا عاقلا ، وليس الامر كما ظن لانا نسمي جميع البشر بأنهم ذرية آدم ، وإن دخل فيهم العقلاء الكاملون ، وقد قال الله تعالى : «ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم و أزواجهم وذرياتهم» ولفظ الصالح لا يطلق إلا على من كان كاملا عاقلا ، فإن استبعدوا تأويلنا وحملنا الآية على البالغين المكلفين فهذا جوابهم.

٢٦٨

الجواب الثانى : أنه تعالى لما خلقهم وركبهم تركيبا يدل على معرفته ويشهد بقدرته ووجوب عبادته وأراهم العبر والآيات والدلائل في غيرهم وفي أنفسهم كان بمنزلة المشهد لهم على أنفسهم ، وكانوا في مشاهدة ذلك ومعرفته وظهوره فيهم على الوجه الذي أراده الله تعالى ، وتعذر امتناعهم منه وانفكاكهم من دلالته بمنزلة المقر المعترف ، وإن لم يكن هناك إشهاد ولا اعتراف على الحقيقة ، ويجري ذلك مجرى قوله تعالى : «ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللارض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين» وإن لم يكن منه تعالى قول على الحقيقة ولا منهما جواب. ولا مثله قوله تعالى : «شاهدين على أنفسهم بالكفر» ونحن نعلم أن الكفار لم يعترفوا بالكفر بألسنتهم ، وإن ذلك لما ظهر منهم ظهورا لا يتمكنون من دفعه كانوا بمنزلة المعترفين به. ومثل هذا قولهم : جوارحي تشهد بنعمتك وحالي معترفة بإحسانك.

وما روي عن بعض الحكماء من قوله : سل الارض من شق أنهارك؟ وغرس أشجارك؟ وجنى ثمارك؟ فإن لم تجبك جؤارا(١) أجابتك اعتبارا. وهذا باب كبير وله نظائر كثيرة في النظم والنثر ، يغني عن ذكر جميعها القدر الذي ذكرناه منها. ومنها ما ذكره الرازي في تفسير تلك الآية حيث قال : في تفسير تلك الآيه قولان مشهوران :

الاول وهو مذهب المفسرين وأهل الاثر ما روى مسلم بن يسار الجهني أن عمر سئل عن هذه الآية فقال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سئل عنها ، فقال : إن الله خلق آدم ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية ، فقال : خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية فقال : خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون ، فقال رجل : يارسول الله ففيم العمل؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخل الجنة ، وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخل النار. وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لما خلق الله آدم

________________

(١) جأر إلى الله : رفع صوته إلى الله.

٢٦٩

مسح ظهره فسقط من ظهره كل نسمة (١) من ذريته إلى يوم القيامة.

وقال مقاتل : إن الله مسح صفحة ظهر آدم اليمنى فخرج منه ذرية بيضاء كهيئة الذر تتحرك ، ثم مسح صفحة ظهره اليسرى فخرج منه ذرية سود كهيئة الذر ; فقال : ياآدم هؤلاء ذريتك ، ثم قال لهم : «ألست بربكم قالوا بلى» فقال للبيض : هؤلاء في الجنة برحمتي وهم أصحاب اليمين ، وقال للسود : هؤلاء في النار ولا أبالي ، وهم أصحاب الشمال وأصحاب المشأمة ; ثم أعادهم جميعا في صلب آدم ، فأهل القبور محبوسون حتى يخرج أهل الميثاق كلهم من أصلاب الرجال وأرحام النساء. وقال تعالى فيمن نقض العهد الاول : «وما وجدنا لاكثرهم من عهد» (٢) وهذا القول قد ذهب إليه كثير من قدماء المفسرين كسعيد بن المسيب ، وسعيد بن جبير ، والضحاك ، وعكرمة ، والكلبي.

وأما المعتزلة فقد أطبقوا على أنه لا يجوز تفسير هذه الآية بهذه الوجه واحتجوا على فساد هذا القول بوجوه :

الاول : أنه قال : «من بني آدم من ظهورهم» فقوله : «من ظهورهم» بدل من قوله : «بني آدم» فلم يذكر الله أنه أخذ من ظهر آدم شيئا.

الثاني : أنه لو كان كذلك لما قال : «من ظهورهم» ولا «من ذريتهم» بل قال : من ظهره وذريته.

الثالث : أنه تعالى حكى عن أولئك الذرية أنهم قالوا : إنما أشرك آباؤنا من قبل وهذا الكلام لا يليق بأولاد آدم لانه عليه‌السلام ما كان مشركا.

الرابع : أن أخذ الميثاق لا يمكن إلا من العاقل ، فلو أخذ الله الميثاق من أولئك لكانوا عقلاء ، ولو كانوا عقلاء واعطوا ذلك الميثاق حال عقلهم لوجب أن يتذكروا في هذ الوقت أنهم أعطوا الميثاق قبل دخولهم في هذا العالم لان الانسان إذا وقعت له واقعة عظمية مهيبة فإنه لا يجوز مع كونه عاقلا أن ينساها نسيانا كليا لا يتذكر منها

________________

(١) النسمة : الانسان ، أو كل دابة فيها روح ، والمراد ههنا الاول.

(٢) الاعراف : ١٠٢.

٢٧٠

شيئا لا بالقليل ولا بالكثير ، وبهذا الدليل يبطل القول بالتناسخ ، فأنا نقول : لو كانت أرواحنا قد حصلت قبل هذه الاجساد في أجساد أخرى لوجب أن نتذكر الآن أنا كنا قبل هذا الجسد في أجساد اخرى ، وحيث لم نتذكر ذلك كان القول بالتناسخ باطلا فإذا كان اعتقادنا في إبطال التناسخ ليس إلا على هذا الدليل ، وهذا الدليل بعينه قائم في هذه المسألة وجب القول بمقتضاه.

الخامس : أن جميع الخلق الذين خلقهم الله من أولاد آدم عليه‌السلام عدد عظيم وكثرة كثيرة فالمجموع الحاصل من تلك الذرات تبلغ مبلغا في الحجمية والمقدار وصلب آدم عليه‌السلام على صغره يبعد أن يتسع لهذا المجموع.

السادس : أن البنية شرط لحصول الحياة والعقل والفهم ، إذ لو لم يكن كذلك لم يبعد في كل ذرة من ذرات الهباء أن تكون عاقلا فاهما مصنفا للتصانيف الكثيرة في العلوم الدقيقة ، وفتح هذا الباب يقضي إلى التزام الجهالات ، وإذا ثبت أن البنية شرط لحصول الحياة فكل واحد من تلك الذرات لا يمكن أن يكون فاهما عاقلا إلا إذا حصلت له قدرة من البنية والجثة ، وإذا كان كذلك فمجموع تلك الاشخاص الذين خرجوا إلى الوجود من أول تخليق آدم إلى آخر فناء الدنيا لا تحويهم عرصة الدنيا ، فكيف يمكن أن يقال : إنهم بأسرهم حصلوا دفعة واحدة في صلب آدم عليه‌السلام؟. السابع : قالوا : هذا الميثاق إما أن يكون قد أخذه الله منهم في ذلك الوقت ليصير حجة عليهم في ذلك الوقت ، أو ليصير حجة عليهم عند دخولهم في دار الدنيا ، والاول باطل لانعقاد الاجماع على أن بسبب ذلك القدر من الميثاق لا يصيرون مستحقين للثواب والعقاب ، والمدح والذم ، ولا يجوز أن يكون المطلوب منه أن يصير ذلك حجة عليهم عند دخولهم في دار الدنيا لانهم لما لم يذكروا ذلك الميثاق في الدنيا فكيف يصير حجة عليهم في التمسك بالايمان؟.

الثامن : قال الكعبي : إن حال أولئك الذرية لا يكون أعلى في الفهم والعلم من حال الاطفال ، فلما لم يمكن توجيه التكليف على الطفل فكيف يمكن توجيهه على أولئك الذر؟.

٢٧١

وأجاب الزجاج عنه وقال : لما لم يبعد أن يؤتي الله النمل العقل كما قال : «قالت نملة يا أيها النمل» (١) وأن يعطي الجبل الفهم حتى يسبح كما قال : «وسخرنا مع داود الجبال يسبحن» (٢) وكما أعطى الله العقل للبعير حتى سجد للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وللنخلة حتى سمعت وانقادت حين دعيت فكذا ههنا.

التاسع : أن أولئك الذر في ذلك الوقت إما أن يكونوا كاملي العقول والقدر أو ما كانوا كذلك فإن كان الاول كانوا مكلفين لا محالة ، وإنما يبقون مكلفين إذا عرفوا الله بالاستدلال ، ولو كانوا كذلك لما امتازت أحوالهم في ذلك الوقت عن أحوالهم في هذه الحياة الدنيا ، فلو افتقر التكليف في الدنيا إلى سبق ذلك الميثاق لافتقر التكيف في وقت ذلك الميثاق إلى سبق ميثاق آخر ، ولزم التسلسل وهو محال. وأمح االثاني وهو أن يقال : إنهم في وقت ذلك الميثاق ما كانوا كاملي العقول ولا كاملي القدر ، فحينئذ يمتنع توجيه الخطاب والتكليف عليهم. العاشرة : قوله تعالى : «فلينظر الانسان مم خلق خلق من ماء دافق» (٣) ولو كانت تلك الذرات عقلاء فاهمين كاملين لكانوا موجودين قبل هذا الماء الدافق ، ولا معنى للانسان إلا ذلك الشئ ، فحينئذ لا يكون الانسان مخلوقا من الماء الدافق ، وذلك رد لنص القرآن.

فإن قالوا : : لم لا يجوز أن يقال : إنه تعالى خلقه كامل العقل والفهم والقدرة عند الميثاق ، ثم أزال عقله وفهمه وقدرته ، ثم إنه خلقه مرة اخرى في رحم الام ، و وأخرجه إلى هذه الحياة؟

قلنا : هذا باطل ، لانه لو كان الامر كذلك لما كان خلقه من النطفة خلقا على سبيل الابتداء ، بل كان يجب أن يكون خلقا على سبيل الاعادة ، وأجمع المسلمون على أن خلقه من النطفة هوالخلق المبتدأ ، فدل هذا على أن ما ذكرتموه باطل. الحادي عشر هي أن تلك الذرات إما أن يقال : إنه عين هؤلاء الناس أو غيرهم ،

________________

(١) النمل : ١٨.

(٢) الانبياء : ٧٩.

(٣) الطارق : ٦

٢٧٢

والقول الثاني باطل بالاجماع ، وفي القول الاول فنقول : إما أن يقال : إنهم بقوا فهماء ، عقلاء ، قادرين حال ما كانوا نطفة وعلقة ومضغة ، أو ما بقوا كذلك ، والاول باطل ببديهة العقل. والثاني يقتضي أن يقال : الانسان حصل له الحياة أربع مرات ; أولها وقت الميثاق ، وثانيها في الدنيا ، وثالثها في القبر ، ورابعها في القيامة ، وأنه حصل له الموت ثلاث مرات : موت بعد الحياة الحاصلة في الميثاق الاول ، وموت في الدنيا ، وموت في القبر ، وهذا العدد مخالف للعدد المذكور في قوله تعالى : «ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين». (١) الثاني عشر قوله تعالى : «ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين» (٢) فلو كان القول بهذا الذر صحيحا لكان ذلك الذر هو الانسان ، لانه هو المكلف المخاطب ، المثاب المعاقب ، وذلك باطل لان الذر غير مخلوق من النطفة والعلقة والمضغة ، ونص الكتاب دليل على أن الانسان مخلوق من النطفة والعلقة والمضغة ، وهو قوله : «ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين» وقوله : «قتل الانسان ما أكفره من أي شئ خلقه من نطفة خلقه فقدره» (٣) فهذه جملة الوجوه المذكورة في بيان أن هذا القول ضعيف.

والقول الثاني في تفسير هذه الآية قول أصحاب النظر وأرباب المعقولات أنه أخرج الذر وهم الاولاد من أصلاب آبائهم ، وذلك الاخراج أنهم كانوا نطفة فأخرجها الله تعالى في أرحام الامهات ، وجعلها علقة ، ثم مضغة ، ثم جعلهم بشرا سويا ، وخلقا كاملا ، ثم أشهدهم على أنفسهم بما ركب فيهم من دلائل وحدانيته ، وعجائب خلقه و غرائب صنعه ، فبالاشهاد صاروا كأنهم قالوا : بلى وإن لم يكن هناك قول باللسان لذلك نظائر.

منها قوله تعالى : «فقال لها وللارض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين». ومنها قوله تعالى : «إنما قولنا لشئ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون». وقول العرب : قال الجدار للوتد : لم تشقني؟ قال : سل من يدقني ، فإن الذي ورائي ما خلاني ورأيي. وقال الشاعر :

امتلا الحوض وقال قطني.

________________

(١) المؤمن : ١١.

(٢) المؤمنون : ١٢.

(٣) عبس : ١٩.

(٤) فصلت : ١١.

(٥) النحل : ٤٢.

٢٧٣

فهذا النوع من المجاز والاستعارة مشهورة في الكلام فوجب حمل الكلام عليه ، فهذا هو الكلام في تقرير هذين القولين ، وهذا القول الثاني لا طعن فيه البتة ، وبتقدير أن يصح هذا القول لم يكن ذلك منافيا لصحة القول الاول ، إنما الكلام في أن القول الاول هل يصح أم لا؟.

فإن قال قائل : فما المختار عندكم فيه؟ قلنا : ههنا مقامان : أحدهما أنه هل يصح القول بأخذ الميثاق عن الذر؟ والثاني أن بتقدير أن يصح القول به فهل يمكن جعله تفسيرا لالفاظ هذه الآية؟

أما المقام الاول فالمنكرون له قد تمسكوا بالدلائل العقلية التي ذكرناها و قررناها.

ويمكن الجواب عن كل واحد منها بوجه مقنع.

أما الوجه الاول من الوجوه العقلية المذكورة وهو أنه لو صح القول بأخذ هذا الميثاق لوجب أن نتذكره الآن.

قلنا : خالق العلم بحصول الاحوال الماضية هو الله تعالى لان هذه العلوم عقلية ضرورية ، والعلوم الضرورية خالقها هو الله تعالى ، وإذا كان كذلك صح منه تعالى أن يخلقها.

فإن قالوا : فإذا جوزتم هذا فجوزوا أن يقال : إن قبل هذا البدن كنا في أبدان أخرى على سبيل التناسخ ، وإن كنا لا نتذكر الآن أحوال تلك الابدان. قلنا : الفرق بين الامرين ظاهر ، وذلك لانا إذا كنا في أبدان أخرى وبقينا فيها سنين ودهورا امتنع في مجرى العادة نسيانها أما أخذ هذا الميثاق إنما حصل في أسرع زمان وأقل وقت فلم يبعد حصول النسيان ، والفرق الظاهر حاكم بصحة هذا الفرق لان الانسان إذا بقي على العمل الواحد سنين كثيرة يمتنع أن ينساها ، أما إذا مارس العمل الواحد لحظة واحدة فقد ينساها فظهر الفرق.

وأما الوجه الثاني وهو أن يقال : مجموع تلك الذرات يمتنع حصولها بأسرها في

٢٧٤

ظهر آدم عليه‌السلام! قلنا : عندنا البنية ليست شرطا لحصول الحياة والجوهر الفرد والجزء الذي لا يتجزى قابل للحياة والعقل ، فإذا جعلنا كل واحد من تلك الذرات جوهرا فردا فلم قلتم : إن ظهر آدم لا يتسع لمجموعها ; إلا أن هذا الجواب لا يتم إلا إذا قلنا : الانسان جوهر فرد وجزء لا يتجزى في البدن على ما هو مذهب بعض القدماء ، وأما إذا قلنا : الانسان هو النفس الناطقه وأنه جوهر غير متحيز ولا حال في متحيز فالسؤال زائل.

وأما الوجه الثالث وهو قوله : فائدة أخذ الميثاق هي أن تكون حجة في ذلك الوقت ، أو في الحياة الدنيا ، فجوابنا أن نقول : يفعل الله ما يشاء ويحكم ما يريد ، وأيضا أليس أن من المعتزلة إذا أرادوا تصحيح القول بوزن الاعمال وإنطاق الجوارح قالوا : لا يبعد أن يكون لبعض المكلفين في إسماع هذه الاشياء لطف فكذا ههنا لا يبعد أن يكون لبعض الملائكة من تميز السعداء من الاشقياء في وقت أخذ الميثاق لطف. وقيل أيضا : إن الله تعالى يذكرهم ذلك الميثاق يوم القيامة ; وبقية الوجوه ضعيفة والكلام عليها سهل هين.

وأما المقام الثاني وهو أن بتقدير أن يصح القول بأخذ الميثاق من الذر فهل يمكن جعله تفسيرا لالفاظ هذه الاية فنقول : الوجوه الثلاثة المذكورة أولا دافعة لذلك ، لان قوله : «أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم» فقد بينا أن المراد منه : وإذ أخذ ربك من ظهور بني آدم ; وأيضا لو كانت هذه الذرية مأخوذة من ظهر آدم لقال : من ظهره ذريته ولم يقل : «من ظهورهم ذريتهم» أجاب الناصرون لذلك القول بأنه صحت الرواية عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه فسر هذه الآية بهذا الوجه ، والطعن في تفسير رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله غير ممكن ، فنقول : ظاهر الآية تدل على أنه تعالى أخرج ذرا من ظهور بني آدم فيحنمل ذلك على أنه تعالى يعلم أن الشخص الفلاني يتولد منه فلان ، ومن ذلك الفلان فلان آخر ، فعلى الترتيب الذي علم دخولهم في الوجود يخرجهم ويميز بعضهم من بعض ، وأما أنه تعالى يخرج كل تلك الذرية من صلب آدم فليس في لفظ آية ما يدل على ثبوته ، وليس في الآية أيضا ما يدل علي بطلانه ، إلا أن الخبر قد دل عليه فثبت

٢٧٥

إخراج الذرية من ظهور بني آدم في القرآن ، وثبت إخراج الذرية من ظهر آدم بالخبر ، وعلى هذا التقدير فلا منافاة بين الامرين ولا مدافعة ، فوجب المصير إليهما معا صونا للآية والخبر عن الطعن بقدر الامكان ، فهذا منتهى الكلام في تقرير هذا المقام انتهى. ولنكتف بنقل ما نقلناه من عير تعرض لجرح وتعديل ، فإن من له بصيرة نافذة إذا أحاط بما نقلنا من الاخبار وكلام من تكلم في ذلك يتضح له طريق الوصول إلى ما هو الحق في ذلك بفضله تعالى. (١) ثم اعلم أنه سيأتي بعض الاخبار المناسبة لهذا الباب في باب علة استلام الحجر من كتاب الحج ، وباب خلق الائمة وباب أخذ ميثاقهم عليهم‌السلام من كتاب الامامة وأبواب أحوال آدم عليه‌السلام من كتاب النبوة.

*«باب ١١»*

* «من لا ينجبون من الناس ، ومحاسن الخلقة وعيوبها اللتين» *

*« تؤثران في الخلق»*

١ ـ ل : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن عيسى ، عن أبيه ، عن سعيد بن جناح(٢) يرفعه إلى أبي عبدالله عليه‌السلام قال : ستة لا ينجبون : السندي ، والزنجي ، والتركي ، و الكردي ، والخوزي ، ونبك الري. «ج ١ ص ١٥٩»

بيان : الخوزي : أهل خوزستان. والنبك : المكان المرتفع(٣) ويحتمل أن يكون إضافته إلى الري بيانية ; وفي بعض النسخ بتقديم الباء على النون وهو بالضم أصل الشئ وخالصه.

________________

(١) ما يشتمل عليه أخبار الباب ليس مسألة واحدة بل كل من مسألة نقل الاعمال ومسألة الطينة ومسألة أخذ الميثاق ومنه ميثاق الذر ومسألة بدء الخلقة مسائل مختلفة مرتبطة بالقضاء الكلى وقد خلطها الباحثون من المتكلمين والمفسرين ; وبحثنا عنها في رسالة الافعال ورسالة الانسان قبل الدنيا ونرجو أن يوفقنا الله سبحانه لاستيفاء هذه الابحاث في مواضع تناسبها من تفسير الميزان انشاء الله. ط

(٢) يحتمل قويا أن يكون الواسطة «مطرف مولى معن» الاتى بعد ذلك ، لان سعيد بن جناح يروى عنه ، وأن يكون الخبر متحدا مع الحديث الاتى بعده.

(٣) والاكمة المحددة الرأس ، أو التل الصغير.

٢٧٦

٢ ـ ل : أبي ، عن أحمد بن إدريس ، عن محمد بن أحمد ، عن سهل ، عن منصور ، (١) عن نصر الكوسج ، (٢) عن مطرف مولى معن ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : لا يدخل حلاوة الايمان قلب سندي ، ولا زنجي ، ولا خوزي ، ولا كردى ، ولا بربري ، ولا نبك الري ، ولا من حملته امه من الزنا. «ج ٢ ص ٧»

٣ ـ ع : أبي ، عن محمد العطار ، عن الحسين بن زريق ، عن هشام ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : يا هشام النبط ليس من العرب ولا من العجم ، فلا تتخذ منهم وليا ولا نصيرا. فإن لهم اصولا(٣) تدعو إلى غير الوفاء. (٤) «ص ١٨٩»

٤ ـ ل : ابن إدريس ، عن أبيه ، عن محمد بن أحمد ، عن محمد بن علي الهمداني(٥) رفعه إلى داود بن فرقد ، عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما‌السلام قال : ثلاثة لا ينجبون : أعور يمين ، وأزرق كالفص ، ومولد السند. «ج ١ ص ٥٤»

٥ ـ ل : أبي ، عن سعد ، عن البرقي ، عن عدة من أصحابنا ، عن ابن أسباط ، عن بعض أصحابه عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : ما ابتلى الله به شيعتنا فلن يبتليهم بأربع : أن يكونوا لغير رشدة ، أو أن يسألوا بأكفهم ، (٦) أو يؤتوا في أدبارهم ، أو أن يكون فيهم أزرق أخضر. «ج ١ ص ١٠٧»

٦ ـ ل : أبي ، وابن الوليد ، عن محمد العطار ، وأحمد بن إدريس ، عن الاشعري بإسناده رفعه إلى أبي عبدالله عليه‌السلام قال : خمسة خلقوا ناريين : الطويل الذاهب ، و القصير القمئ ، والازرق بخضرة ، والزائد ، والناقص. «ج ١ ص ١٣٨»

بيان : قمأ كجمع وكرم : ذل وصغر ، فهو قمئ ذكره الفيروز آباي.

٧ ـ ل : أبي ، وابن الوليد ، عن أحمد بن إدريس ، ومحمد العطار ، عن الاشعري ، عن

________________

(١) لعله منصور بن العباس أبوالحسين الرازى الضعيف ، وإلا فمجهول.

(٢) لم نجد له ولا لمطرف ذكرا في التراجم.

(٣) في المصدر : اصواتا م.

(٤) الحديث مجهول بحسين بن زريق.

(٥) ضعفه الاصحاب.

(٦) في نسخة : بكفهم.

٢٧٧

محمد بن الحسين بإسناد له يرفعه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا يدخل الجنة مدمن خمر ولا سكير ، ولا عاق ، ولا شديد السواد ، ولا ديوث ، ولا قلاع وهو الشرطي ، ولا زنوق وهوا لخنثى ، ولا خيوف(١) وهو النباش ، ولا عشار ، ولا قاطع رحم ، ولا قدري.

قال الصدوق رضي‌الله‌عنه : يعنى شديد السواد الذي لا يبيض شئ من شعر رأسه ولا من شعر لحيته مع كبر السن ، ويسمى الغربيب. «ج ٢ ص ٥٤»

٨ ـ ل : القطان ، وعلي بن أحمد بن موسى ، عن ابن زكريا القطان ، عن ابن حبيب ، عن ابن بهلول ، عن أبي معاوية الضرير ، عن الاعمش ، عن جعفر بن محمد عليه‌السلام قال ابن حبيب : وحدثني عبدالله بن محمد بن ناطويه ، عن علي بن عبدالمؤمن الزعفراني ، عن مسلم بن خالد الزنجي ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده عليهم‌السلام ; قال ابن حبيب : وحدثني الحسن بن سنان ، عن أبيه ، عن محمد بن خالد البرقي ، عن مسلم بن خالد ، عن جعفر بن محمد قالوا كلهم : ثلاثة عشر صنفا ـ وقال تميم(٢) : ستة عشر صنفا ـ من امة جدي صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يحبونا ولا يحببونا إلى الناس ، ويبغضونا ولا يتولونا ، ويخذلونا ويخذلون الناس عنا ، فهم أعداؤنا حقا ، لهم نار جهنم ، ولهم عذاب الحريق. قال : قلت بينهم لي يا أبه وقاك الله شرهم ، قال : الزائد في خلقه ، فلا ترى أحدا من الناس في خلقه زيادة إلا وجدته لنا مناصبا ولم تجده لنا مواليا ; والناقص الخلق من الرجال ، فلا ترى لله عزوجل خلقا ناقص الخلقة إلا وجدت في قلبه علينا غلا;(٣) والاعور باليمين للولادة ، فلا ترى لله خلقا ولد أعور اليمين إلا كان لنا محاربا ولاعدائنا مسالما; والغربيب من الرجال فلا ترى لله عزوجل خقا غربيبا ـ وهو الذي قد طال عمره فلم ييبض شعره وترى لحيته مثل حنك الغراب ـ إلا كان علينا مؤلبا ولاعدائنا مكاثرا ; والحلكوك من الرجال ، فلا ترى منهم أحدا إلا كان لنا شتاما ولاعدائنا مداحا ;

________________

(١) في نسخة : خنوف.

(٢) هو ابن بهلول الواقع في الطريق الاول.

(٣) الغل بكسر الغين وتشديد اللام : الحقد والغش.

٢٧٨

والاقرع(١) من الرجال فلا ترى رجلا به قرع إلا وجدته همازا ، لمازا ، مشاءا بالنميمة علينا ; والمفصص(٢) بالخضرة من الرجال فلا ترى منهم أحدا ـ وهم كثيرون ـ إ وجدته يلقانا بوجه ويستدبرنا بآخر ، يبتغي لنا الغوائل;(٣) والمنبوذ من الرجال ، فلا تلقى منهم أحدا إلا وجدته لنا عدوا ، مضلا ، مبينا ; والابرص من الرجال فلا تلقى منهم أحدا إلا وجدته يرصد لنا المراصد ويقعد لنا ولشيعتنا مقعدا ليضلنا بزعمه عن سواء السبيل ; والمجذوم ، وهم حصب جهنم هم لها واردون ; والمنكوح فلا ترى منهم أحدا إلا وجدته يتغنى بهجائنا ويؤلب علينا ; وأهل مدينة تدعى «سجستان» هم لنا أهل عداوة ونصب وهم شر الخلق والخليقة ، عليهم من العذاب ما على فرعون وهامان و قارون ; وأهل مدينة تدعى «الري» هم أعداء الله ، وأعداء رسوله ، وأعداء أهل بيته ، يرون حرب أهل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جهادا ، ومالهم مغنما ، ولهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا والآخرة ولهم عذاب مقيم ; وأهل مدينة تدعى «الموصل» وهم شر من على وجه الارض ; وأهل مدينة تسمى «الزوراء» تبنى في أخر الزمان ، يستشفون بدمائنا ويتقربون ببغضنا ، يوالون في عداوتنا ، ويرون حربنا فرضا ، وقتالنا حتما. يا بني فاحذر هؤلاء ثم احذرهم ، فإنه لا يخلو إثنان منهم بواحد من أهلك إلا هموا بقتله. واللفظ لتميم من أول الحديث إلى آخره. «ج ٢ ص ٩٤ ـ ٩٥»

بيان : قوله عليه‌السلام : مؤلبا أي يجمع الناس علينا بالعداوة والظلم. والحلكوك بالضم والفتح : الشديد السواد. والمفصص بالخضرة : هو الذي يكون عينه أزرق كالفص ، كما مر في الخبر ، والفص أيضا حدقة العين ، وفي بعض النسخ بالضادين المعجمتين وهو تصحيف. والمنبوذ : ولد الزنا. والزوراء بغداد. ثم اعلم أنه لا يبعد أن يكون

________________

(١) الاقرع : من سقط شعر رأسه.

(٢) في النسخ المطبوعة ذكر ثلاثة عشر صنفا بخذف قوله : والمفصص بالخضرة إلى قوله : و الابرص ، وليس في آخرها جملة ; واللفظ لتميم من اول الحديث إلى آخره. م

(٣) جمع الغائلة : الداهية. الفساد. المهلكة. الشر

٢٧٩

بعض البلاد كالري يكون هذا لبيان حالهم في تلك الازمان لا إلى يوم القيامة ، ولعله سقط واحد من الستة عشر من النساخ أو من الرواة.

٩ ـ ن : بالاسانيد الثلاثة عن الرضا ، عن آبائه عليهم‌السلام ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : لا تجد في أربعين أصلع رجل سوء ، ولا تجد في كوسجا رجلا صالحا ، وأصلع سوء أحب إلي من كوسج صالح. «ص ٢١٠»

صح : عنه عليه‌السلام مثله.

بيان : الصلع : انحسار شعر مقدم الرأس.

١٠ ـ ع : أبي ، عن أحمد بن إدريس ، عن محمد بن أحمد ، عن علي الريان ، عن الحسين بن محمد ، عن عبدالرحمن بن أبي نجران ، عن عبدالرحمن بن حماد ، عن ذريح المحاربي ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : جاء رجل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا رسول الله يسأل الله عما سوى الفريضة؟ قال : لا ، قال : فوالذي بعثك بالحق لا تقربت إلى الله بشئ سواها! قال : ولم؟ قال : لان الله قبح خلقي! قال : فأمسك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ونزل جبرئيل عليه‌السلام فقال : يا محمد ربك يقرؤك السلام ، ويقول : اقرء عبدي فلانا السلام ، وقل له : أما ترضى أن أبعثك غدا في الآمنين؟ فقال : يارسول الله وقد ذكرني الله عنده؟ قال : نعم ، قال : فوالذي بعثك بالحق لا بقي شئ يتقرب به إلى الله إلا تقربت به. «ص ١٥٨ ـ ١٥٩»

١١ ـ ع : أبي ، عن سعد ، عن البرقي ، عن محمد بن يحيى ، عن حماد قال : قلت لابي عبدالله عليه‌السلام : جعلت فداك نرى الخصي من أصحابنا عفيفا له عبادة ، ولا نكاد نراه إلا فظا غليظا سفيه الغضب! فقال : إنما ذلك لانه لا يزني. «ص ٢٠٠»

بيان : يحتمل أن يكون قوله عليه‌السلام : إنما ذلك علة لعفته ، أو المعنى أن غلظته وفخره وعجبه بترك الزنا ; ويحتمل أن يكون المراد عدم قدرتة على الجماع مطلقا فإن به تندفع المواد الفاسدة وبه يستقيم الطبع والخلق.

١٢ ـ ع : بهذا الاسناد عن البرقي رفع الحديث إلى أبى عبدالله عليه‌السلام أنه سئل عن الخصي ، فقال : لم تسئل عمن لم يلده مؤمن ولا يلد مؤمنا!. «ص ٢٠٠»

٢٨٠