بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٤٣
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

«أو لم ير الانسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا» قال : لم يكن شيئا في كتاب ولا علم. «ج ١ ص ٢٤٣»

بيان : ولا علم أي علم أحد من المخلوقين ، والخلق في هذه الآية يحتمل التقدير والايجاد. قوله عليه‌السلام : كان شيئا أي مقدرا ، كما روى الكليني عن مالك الجهني مكان «شيئا» مقدرا. (١) غير مذكور أي عند الخلق أي غير موجود ليذكر عند الخلق ، أو كان مقدرا في اللوح لكن لم يوح أمره إلى أحد من الخلق.

٦٤ ـ سن : أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : إن الله إذا أراد شيئا قدره ، فإذا قدره قضاه ، فإذا قضاه أمضاه. «ص ٢٤٣ ـ ٢٤٤»

٦٥ ـ سن : أبي ، عن فضالة ، عن محمد بن عمارة ، عن حريز بن عبدالله ، أو عبدالله بن مسكان قال : قال أبوجعفر عليه‌السلام لا يكون شئ في الارض ولا في السماء إلا بهذه الخصال السبعة : بمشية ، وإرادة ، وقدر ، وقضاء ، وإذن ، وكتاب ، وأجل ; فمن زعم أنه يقدر على نقص واحدة منهن فقد كفر. «ص ٢٤٤»

٦٦ ـ سن : النضر ، عن هشام ، وعبيد بن زرارة ، عن حمران ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : (٢) كنت أنا والطيار جالسين فجاء أبوبصير فأفرجنا له فجلس بيني وبين الطيار ، فقال : في أي شئ أنتم؟ فقلنا : كنا في الارادة والمشية والمحبة ، فقال أبوبصير : قلت لابي عبدالله عليه‌السلام : شاء لهم الكفر وأراده؟ فقال : نعم ، قلت : فأحب ذلك ورضيه؟ فقال : لا ، قلت : شاء وأراد ما لم يحب ولم يرض؟ قال : هكذا خرج إلينا(٣) «ص ٢٤٥»

________________

(١) أقول : أورده في كتابه الكافى في باب البداء باسناده عن أحمد بن مهران ، عن عبدالعظيم الحسنى ، عن على بن أسباط ، عن ابن مسكان ، عن مالك الجهنى قال سئلت أبا عبدالله عليه‌السلام عن قول الله تعالى : «أو لم ير الانسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا» قال : فقال : لا مقدرا ولا مكونا ، قال : وسئلته عن قوله : «هل أتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا» فقال : كان مقدرا غير مذكور.

(٢) الظاهر أن ضمير ««قال» يرجع إلى حمران ، وأن لفظة «عن أبي عبدالله عليه‌السلام» زائدة من النساخ.

(٣) في المصدر : هكذا اخرج الينا. م

١٢١

٦٧ ـ سن : أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أذينة ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : المشية محدثة. ص «٢٤٥»

٦٨ ـ سن : أبي ، عن يونس ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : قلت : لا يكون إلا ما شاء الله وأراد وقدر وقضى ، (١) قلت : فما معنى شاء؟ قال : ابتداء الفعل ، قلت : فما معنى أراد؟ قال : الثبوت عليه ، قلت : فما معنى قدر؟ قال : تقدير الشئ من طوله و عرضه ، قلت : فما معنى قضى؟ قال : إذا قضى أمضاه فذلك الذي لا مرد له. ص «٢٤٤» بيان : ابتداء الفعل أي أول الكتابة في اللوح ، أو أول ما يحصل من جانب الفاعل ويصدر عنه مما يؤدي إلى وجود المعلول.

٦٩ ـ سن : أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن محمد بن إسحاق قال : قال أبوالحسن عليه‌السلام ليونس مولى علي بن يقطين : يايونس لا تتكلم بالقدر ، قال : إني لا أتكلم بالقدر و لكن أقول : لا يكون إلا ما أراد الله وشاء وقضى وقدر ، فقال : ليس هكذا أقول ، ولكن أقول : لا يكون إلا ما شاء الله وأراد وقدر وقضى ; ثم قال : أتدري ما المشية ; فقال : لا ، فقال : همه بالشئ ; أو تدري ما أراد؟ قال : لا ، قال : إتمامه على المشية ، فقال : أو تدري ما قدر؟ قال : لا ، قال : هو الهندسة من الطول والعرض والبقاء. ثم قال : إن الله إذا شاء شيئا أراده ، وإذا أراد قدره ، وإذا قدره قضاه ، وإذا قضاه أمضاه ; يا يونس إن القدرية لم يقولوا بقول الله : «وما تشاؤن إلا أن يشاء الله» ولا قالوا بقول أهل الجنة : «الحمد لله الذي هدينا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدينا الله» ولا قالوا بقول أهل النار : «ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين» ولا قالوا بقول إبليس : «رب بما أغويتني» ولا قالوا بقول نوح : «ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون» ثم قال : قال الله : يابن آدم بمشيتي كنت أنت الذي تشاء ، وبقوتي أديت إلي فرائضي ، وبنعمتي قويت على معصيتي ، وجعلتك سميعا بصيرا قويا ، فما أصابك من حسنة فمني ، وما أصابك من سيئة فمن نفسك ، وذلك إني لا أسأل عما أفعل وهم يسألون ، ثم قال : قد نظمت لك كل شئ تريده. «ص ٢٤٤ ـ ٢٤٥»

________________

(١) في المصدر : واراد وقضى ، فقال : لا يكون الا ما شاء الله واراد وقدر وقضى ، قال : قلت اه. م

١٢٢

٧٠ ـ ضا : سئل أمير المؤمنين صلوات الله عليه عن القدر قال : فقيل له : أنبئنا عن القدر يا أمير المؤمنين ; فقال : سر الله فلا تفتشوه. فقيل له الثاني : أنبئنا عن القدر يا أمير المؤمنين ، قال : بحر عميق فلا تلحقوه ، (١) فقيل له : أنبئنا عن القدر ، فقال : «ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل لها» (٢) فقال : يا أمير المؤمنين إنما سألناك عن الاستطاعة التى بها نقوم ونقعد ، فقال : استطاعة تملك مع الله أم دون الله؟ قال : فسكت القوم ولم يحروا جوابا ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن قلتم : إنكم تملكونها مع الله قتلتكم ، وإن قلتم : دون الله قتلتكم! فقالوا : كيف نقول يا أمير المؤمنين؟ قال : تملكونها بالذي يملكها دونكم(٣) فإن امدكم بها كان ذلك من عطائه ، وإن سلبها كان ذلك من بلائه ، إنما هو المالك لما ملككم ، والقادر لما عليه أقدركم ، أما تسمعون ما يقول العباد ويسألونه الحول والقوة حيث يقولون : لا حول ولا قوة إلا بالله ، فسئل عن تأويلها : فقال : لا حول عن معصيته إلا بعصمته ، ولا قوة على طاعته إلا بعونه.

٧١ ـ قال العالم كتب الحسن بن أبي الحسن البصري إلى الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهما يسأله عن القدر ، وكتب إليه : فاتبع ما شرحت لك في القدر مما افضي إلينا أهل البيت فإنه من لم يؤمن بالقدر خيره وشره فقد كفر ، ومن حمل المعاصي على الله عزوجل فقد افترى على الله افتراءا عظيما ، إن الله تبارك وتعالى لا يطاع بإكراه ، ولا يعصى بغلبة ، ولا يهمل العباد في الهلكة ، لكنه المالك لما ملكهم ، والقادر لما عليه أقدرهم ، فإن ائتمروا بالطاعة لم يكن الله صادا عنها مبطئا ، وإن ائتمروا بالمعصية

________________

(١) في نسخة : فلا تلجوه. وفى فقه الرضا المطبوع هنا زيادة وهى قوله : فقيل له الثالث : أنبئنا عن القدر يا أمير المؤمنين ، فقال : طريق معوج فلا تسلكوه ، ثم قيل له الرابع أنبئنا إه.

(٢) الاية تدل على سبق وجود الرحمة على إيتائها وافاضتها فان الفتح نوع كشف واظهار يحتاج إلى وجود المكشوف عنه وسبقه على الكشف فتدل على تقدم الرحمة الالهية على أعمال العباد التي تفتح لهم الرحمة فيها وبها ، وحينئذ يعود مضمون الكلام إلى ما تقدم في الخبر الذى تحت رقم ٣٥ عن أمير المؤمنين عليه‌السلام فراجع. ط.

(٣) في المطبوع هكذا : تملكونها بالذى يملككم بملكها دونكم.

١٢٣

فشاء أن يمن عليهم فيحول بينهم وبين ما ائتمروا به فعل ، وإن لم يفعل فليس هو حملهم عليها قسرا ، ولا كلفهم جبرا ، بل بتمكينه إياهم بعد إعذاره وإنذاره لهم واحتجاجه عليهم طوقهم ومكنهم ، وجعل لهم السبيل إلى أخذ ما إليه دعاهم ، وترك ما عنه نهاهم ، جعلهم مستطيعين لاخذ ما أمرهم به من شئ غير آخذيه ، ولترك ما نهاهم عنه من شئ غير تاركيه ، والحمد لله الذي جعل عباده أقوياء لما أمرهم به ، ينالون بتلك القوة وما نهاهم عنه ، وجعل العذر لمن يجعل له السبيل ، حمدا متقبلا(١) فأنا على ذلك أذهب وبه أقول ، والله وأنا وأصحابي أيضا عليه ، وله الحمد.

٧٢ ـ نهج : قال عليه‌السلام : ـ وقد سئل عن القدر ـ طريق مظلم فلا تسلكوه ، و بحر عيمق فلا تلجوه ، وسر الله فلا تتكلفوه.

٧٣ ـ ضا : سئل أمير المؤمنين صلوات الله عليه عن مشية الله وإرادته ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن لله مشيتين : مشية حتم ، ومشية عزم ، وكذلك إن لله إرادتين : إراة حتم ، وإرادة عزم ، إرادة حتم لا تخطئ ، وإرادة عزم تخطئ وتصيب ، وله مشيتان : مشية يشاء ، ومشية لا يشاء ; ينهى وهو يشاء ، ويأمر وهو لا يشاء ، معناه أراد من العباد وشاء(٢) ولم يرد المعصية وشاء ، وكل شئ بقضائه وقدره ، والامور تجري ما بينهما ، فاذا أخطأ القضاء لم يخطئ القدر ، وإذا لم يخط القدر لم يخط القضاء ، وإنما الخلق من القضاء إلى القدر(٣) وإذا يخطى ومن القدر إلى القضاء ; والقضاء على أربعة أوجه في كتاب الله عزوجل الناطق على لسان سفيره الصادق صلى‌الله‌عليه‌وآله : منها قضاء الخلق وهو قوله تعالى : «فقضيهن سبع سموات في يومين» معناه خلقهن.

________________

(١) إلى هنا أنهى الحديث في فقه الرضا المطبوع وليست فيه جملة «فأنما على ذلك» إلى قوله : «وله الحمد» بل أثبت الجمله عقيب قوله : «وعظم شانه» في الخبر الاتى تحت رقم ٧٤.

(٢) في فقه الرضا المطبوع : أراد العبادة وشاء.

(٣) في فقه الرضا المطبوع : فإذا اضطر القضاء لم يخطئ القدر ، واذا لم يخطئ القدر لم يخطئ القضاء ، وانما الخلق من القضاء إلى القدر ، فاذا أخطأ القدر لم يخطئ القضاء ، وانما الخلق من القدر إلى القضاء ، وللقضاء أربعة أوجه اه.

١٢٤

والثاني قضاء الحكم وهو قوله : «وقضى بينهم بالحق» معناه حكم. والثالث قضاء الامر وهو قوله : «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه» معناه أمر ربك.

والرابع قضاء العلم وهو قوله : «وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الارض مرتين» معناه علمنا من بني إسرائيل ، قد شاء الله من عباده المعصية وما أراد وشاء الطاعة وأراد منهم لان المشية مشية الامر ومشية العلم ، وإرادته إرادة الرضا وإرادة الامر ، أمر بالطاعة ورضي بها ، وشاء المعصية يعني علم من عباده المعصية ولم يأمرهم بها ، فهذا من عدل الله تبارك وتعالى في عباده جل جلاله وعظم شأنه. أقول : كانت النسخة سقيمة فأوردناه كما وجدناه.

قوله عليه‌السلام : إذا أخطأ القضاء يمكن أن يقرأ بغير همز : والمعنى إذا جاوز أمر من الامور التي شرع في تهيئة أسباب وجوده القضاء ولم يصر مقضيا فلا يتجاوز عن القدر ، ولا محالة يدخل في التقدير ، وإنما يكون البداء بعد التقدير. وإذا لم يخط من المضاعف بمعنى الكتابة أي إذا لم يكتب شئ في لوح القدر لا يكتب في لوح القضاء إذ هو بعد القدر. وإنما الخلق من القضاء أي إذا لوحظت علل الخلق والايجاد ففي الترتيب الصعودي يتجاوز من القضاء إلى القدر ، والتخطي والبداء إنما يكون بعد القدر قبل القضاء ، والاظهر أنه كان وإذا أخطأ القدر مكان «وإذا لم يخط القدر» و يكون من الخطأ لا من الخط ، فالمعنى أن كل ما يوجد من الامور إما موافق للوح القضاء ، إو للوح القدر على سبيل منع الخلو ، فإذا وقع البداء في أمر ولم يقع على ما أثبت في القدر يكون موافقا للقضاء ، ولعل ظاهر هذا الخبر تقدم القضاء على القدر ، ويحتمل أن يكون القضاء في الاولى بمعنى الامر ، وفي الثانية بمعنى الحتم فيستقيم ما في الرواية من النفي.

٧٤ ـ شا : روى الحسن بن أبي الحسن البصري قال : جاء رجل إلى أميرالمؤمنين عليه‌السلام بعد انصرافه من حرب صفين فقال له : يا أميرالمؤمنين خبرني عما كان بيننا و بين هؤلاء القوم من الحرب أكان بقضاء من الله وقدر؟ فقال له أميرالمؤمنين عليه‌السلام : ما

١٢٥

علوتم تلعة ولا هبطتم واديا إلا ولله فيه قضاء وقدر ، فقال الرجل : فعند الله أحتسب عنائي يا أمير المؤمنين ، فقال له : ولم؟ قال : إذا كان القضاء والقدر ساقانا إلى العمل فما الثواب لنا على الطاعة ، وما وجه العقاب على المعصية؟ فقال له أميرالمؤمنين عليه‌السلام : أوظننت يارجل أنه قضاء حتم وقدر لازم لا تظن ذلك فإن القول به مقالة عبدة الاوثان وحزب الشيطان وخصماء الرحمن وقدرية هذه الامة ومجوسها ، إن الله جل جلاله أمر تخييرا ونهى تحذيرا ، وكلف يسيرا ، ولم يطع مكرها ، ولم يعص مغلوبا ، ولم يخلق السماوات والارض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار ، فقال الرجل فما القضاء والقدر الذي ذكرته يا أمير المؤمنين؟ قال : الامر بالطاعة ، والنهى عن المعصية ، والتمكين من فعل الحسنة وترك السيئة ، والمعونة على القربة إليه ، والخذلان لمن عصاه ، والوعد والوعيد والترغيب والترهيب ، كل ذلك قضاء الله في أفعالنا وقدره لاعمالنا ، فأما غير ذلك فلا تظنه فإن الظن له محبط للاعمال. فقال الرجل : فرجت عني يا أمير المؤمنين فرج الله عنك ، وأنشأ يقول : أنت الامام الذي نرجو بطاعته إلى آخر البيتين. (١)

٧٥ ـ الدرة الباهرة : قال الرضا عليه‌السلام : المشية الاهتمام بالشئ ، والارادة إتمام ذلك الشئ.

٧٦ ـ نهج : قال عليه‌السلام : ـ وقد سئل عن القدر ـ طريق مظلم فلا تسلكوه ، وبحر عميق فلا تلجوه ، وسر الله فلا تتكلفوه.

٧٧ ـ وقال عليه‌السلام : يغلب المقدار على التقدير حتى تكون الآفة في التدبير. بيان : المقدار : القدر.

٧٨ ـ نهج : من كلامه عليه‌السلام للشامي لما سأله : أكان مسيره إلى الشام بقضاء من الله وقدره؟ ـ بعد كلام طويل مختاره : ويحك لعلك ظننت قضاءا لازما وقدرا حاتما ، ولو كان ذلك كذلك لبطل الثواب والعقاب ، وسقط الوعد والوعيد ، إن الله سبحانه أمر عباده تخييرا ، ونهاهم تحذيرا ، وكلف يسيرا ، ولم يكلف عسيرا ، وأعطى على القليل

________________

(١) تقدم الحديث باسناد متعددة تحت رقم ١٩ من الباب الاول.

١٢٦

كثيرا ، ولم يعص مغلوبا ، ولم يطع مكرها ، ولم يرسل الانبياء لعبا ، ولم ينزل الكتب للعباد عبثا ، ولا خلق السماوات والارض وما بينهما باطلا ، ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار.

٧٩ ـ شى : عن مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : من زعم أن الله يأمر بالسوء والفحشاء فقد كذب على الله ، ومن زعم أن الخير والشر بغير مشيته فقد أخرج الله من سلطانه ، ومن زعم أن المعاصي عملت بغير قوة الله فقد كذب على الله ومن كذب على الله أدخله الله النار.

تتميم : قال العلامة رحمه الله في شرحه على التجريد : يطلق القضاء على الخلق والاتمام قال الله تعالى : «فقضيهن سبع سموات في يومين» (١) أي خلقهن وأتمهن. وعلى الحكم والايجاب كقوله تعالى : «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه» (٢) أي أوجب والزم. وعلى الاعلام والاخبار كقوله تعالى : «وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب» (٣) أي أعلمناهم وأخبرناهم. ويطلق القدر على الخلق كقوله تعالى : «فقدر فيها أقواتها» (٤) والكتابة كقول الشاعر :

واعلم بأن ذا الجلال قد قدر * في الصحف الاولى التي كان سطر والبيان كقوله تعالى : «إلا امرأته قدرناها من الغابرين» (٥) اي بينا وأخبرنا بذلك ، إذا ظهر هذا فنقول للاشعري : ما تعني بقولك : إنه تعالى قضى أعمال العباد وقدرها؟ إن أردت به الخلق والايجاد فقد بينا بطلانه ، وأن الافعال مستندة إلينا ، وإن عني به الالزام لم يصح إلا في الواجب خاصة ، وإن عني به أنه تعالى بينها و كتبها وعلم أنهم سيفعلونها فهو صحيح ، لانه تعالى قد كتب ذلك أجمع في اللوح المحفوظ وبينه لملائكته ، وهذا المعنى الاخير هو المتعين للاجماع على وجوب الرضا بقضاء الله تعالى وقدره ، ولا يجوز الرضا بالكفر وغيره من القبائح ، ولا ينفعهم الاعتذار

________________

(١) فصلت : ١٢.

(٢) اسرى : ٢٣.

(٣) اسرى : ٤.

(٤) فصلت : ١١.

(٥) النمل : ٥٧.

١٢٧

بوجوب الرضا به من حيث إنه فعله ، وعدم الرضا به من حيث الكسب لبطلان الكسب أولا ; وثانيا نقول : إن كان كون الكفر كسبا بقضائه تعالى وقدره وجب الرضا به من حيث هو كسب ، وهو خلاف قولكم وإن لم يكن بقضاء وقدر بطل إسناد الكائنات بأجمعها إلى القضاء والقدر انتهى.

وقال شارح المواقف : اعلم أن قضاء الله عند الاشاعرة هو إرادته الازلية المتعلقة بالاشياء على ما هي عليه فيما لا يزال ، وقدره إيجاده إياها على وجه مخصوص وتقدير معين في ذواتها وأحوالها ، وأما عند الفلاسفة فالقضاء عبارة عن علمه بما ينبغي أن يكون عليه الوجود حتى يكون على أحسن النظام وأكمل الانتظام ، وهو المسمى عندهم بالعناية التي هى مبدء لفيضان الموجودات من حيث جملتها على أحسن الوجوه وأكملها والقدر عبارة عن خروجها إلى الوجود العيني بأسبابها على الوجه الذي تقرر في القضاء والمعتزلة ينكرون القضاء والقدر في الافعال الاختيارية الصادرة عن العباد ، ويثبتون علمه تعالى بهذه الافعال ، ولا يسندون وجودها إلى ذلك العلم ، بل إلى اختيار العباد ، وقدرتهم انتهى.

وقال السيد المرتضى رضي‌الله‌عنه في كتاب الغرر والدرر : إن قال قائل : ما تأويل قوله تعالى : «وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون» (١) فظاهر هذا الكلام يدل على أن الايمان إنما كان لهم فعله بإذنه وأمره وليس هذا مذهبكم ، فإن حمل الاذن ههنا على الارادة اقتضى أن من لم يقع منه الايمان لم يرد الله تعالى ومنه وهذا أيضا بخلاف قولكم ، ثم جعل الرجس الذي هو العذاب على الذين لا يعقلون ، ومن كان فاقدا عقله لا يكون مكلفا ، فكيف يستحق العذاب؟ وهذا بالضد من الخبر المروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : أكثر أهل الجنة البله. الجواب يقال له : في قوله : إلا بإذن الله وجوه : منها أن يكون الاذن : الامر ، ويكون معنى الكلام أن الايمان لا يقع من أحد إلا بعد أن يأذن الله فيه ويأمر به ، ولا يكون معناه ما ظنه السائل من أنه لا يكون للفاعل فعله إلا بإذنه ، ويجرى هذا مجرى

________________

(٦) يونس : ١٠٠.

١٢٨

ويجري هذا مجرى قوله تعالى : «وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله» (١) ومعلوم أن معنى قوله : «ليس لها» في هذه الآية هو ما ذكرناه ، وإن كان الاشبه في الآية التي فيها ذكر الموت أن يكون المراد بالاذن العلم.

ومنها أن يكون الاذن هو التوفيق والتيسير والتسهيل ، ولا شبهة في أن الله تعالى يوفق لفعل الايمان ويلطف فيه ويسهل السبيل إليه.

ومنها أن يكون الاذن : العلم ، من قولهم : أنت أذنت لكذا وكذا : إذا سمعته وعلمته ، وأذنت فلانا بكذا وكذا : إذا أعلمته ، فتكون فائدة الآية الاخبار عن علمه تعالى بسائر الكائنات وأنه مما لا تخفى عليه الخفيات ، وقد أنكر بعض من لا بصيرة له أن يكون الاذن ـ بكسر الالف وتسكين الذال ـ عبارة عن العلم ، وزعم أن الذي هو العلم الاذن ـ بالتحريك ـ واستشهد بقول الشاعر : إن همي في سماع وأذن. وليس الامر على ما توهمه هذا المتوهم لان الاذن هو المصدر والاذن هو اسم الفعل ويجري مجرى الحذر في أنه مصدر والحذر ـ بالتسكين ـ الاسم ; على أنه لو لم يكن مسموعا إلا الاذن ـ بالتحريك ـ لجاز التسكين ، مثل مثل ومثل وشبه وشبه ونظائر ذلك كثيرة. ومنها أن يكون الاذن : العلم ، ومعناه إعلام الله المكلفين بفضل الايمان وما يدعو إلى فعله ، فيكون معنى الآية : وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإعلام الله تعالى لها ما يبعثها على الايمان ويدعوها إلى فعله ، فأما ظن السائل دخول الارادة في محتمل اللفظ فباطل ، لان الاذن لا يحتمل الارادة في اللغة ، ولو احتملها أيضا لم يجب ما توهمه لانه إذا قال : إن الايمان لم يقع إلا وأنا مريد له لم ينف أن يكون مريدا لما لم يقع ، و ليس في صريح الكلام ولا في دلالته شئ من ذلك. (٢)

________________

(١) آل عمران : ١٤٥

(٢) قال الشيخ قدس‌سره في التبيان ومعنى قوله : «وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله» أنه لا يمكن لاحد أن يؤمن إلا باطلاق الله له في الايمان وتمكينه منه ودعاؤه إليه بما خلق فيه من العقل الموجب لذلك. وقال الحسن وأبوعلى الجبائى : إذنه ههنا : أمره ، وحقيقة إطلاقه في الفعل بالامر وقد يكون الاذن بالاطلاق في الفعل برفع التبعية. وقيل : معناه : وما كان لنفس أن تؤمن إلا بعلم الله ، وأصل الاذن : الاطلاق في الفعل ، فأما الاقدار على الفعل فلا يسمى إذنا فيه ، لان النهى ينافى الاطلاق. انتهى.

١٢٩

وأما قوله تعالى : «ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون» فلم يعن به الناقصي العقول ، وإنما أراد تعالى الذين لم يعقلوا ولم يعلموا ما وجب عليهم علمه من معرفة خالقهم تعالى ، والاعتراف بنبوة رسله عليهم‌السلام ، والانقياد إلى طاعتهم ، ووصفهم بأنهم لا يعقلون تشبيها ، كما قال الله تعالى : «صم بكم عمي» (١) وكما يصف أحدنا من لم يفطن لبعض الامور أو لم يعلم ما هو مأمور بعلمه بالجنون وفقد العقل. فأما الحديث الذي أورده السائل شاهدا له فقد قيل فيه : إنه صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يرد بالبله ذوي الغفلة والنقص والجنون وإنما أراد البله عن الشر والقبيح وسماهم بلها عن ذلك من حيث لا يستعملونه ولا يعتادونه ، لا من حيث فقد العلم به ، ووجه تشبيه من هذه حاله بالابله ظاهر. (٢) ثم قال رحمه الله : إن سأل سائل عن قوله تعالى ـ حاكيا عن شعيب عليه‌السلام ـ : «قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجينا الله منها وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا» (٣) فقال : أليس هذا تصريحا منه بأن الله تعالى يجوز أن يشاء الكفر والقبيح؟ لان ملة قومه كانت كفرا وضلالا ، وقد أخبر أنه لا يعود فيها إلا أن يشاء الله. الجواب قيل له : في هذه الآية وجوه : أولها أن تكون الملة التي عناها الله تعالى إنما هي العبادات الشرعيات التي كانت قوم شعيب متمسكين بها وهي منسوخة عنهم ولم يعن بها ما يرجع إلى الاعتقادات في الله وصفاته. (٤)

________________

(١) البقرة : ١٨.

(٢) قال بعد ذلك : فان الابله عن الشئ هو الذى لا يعرض له ولا يقصد اليه فاذا كان المتنزه عن الشر معرضا عنه هاجرا لفعله جاز أن يوصف بالبله للفائدة التى ذكرناها ، ويشهد بصحة هذا التأويل قول الشاعر :

ولقد لهوت بطفلة ميالة

بلهاء تطلعنى على اسرارها

أراد بالبلهاء ما ذكرناه ; إلى آخر كلامه. ومن شاء الاطلاع عليه فليراجع ج ١ ص ٣١ من أماليه.

(٣) الاعراف : ٨٩.

(٤) قال بعد ذلك : مما لا يجوز أن تختلف العبادات فيه والشرعيات يجوز فيها اختلاف العبادة من حيث تبعت المصالح والالطاف والمعلوم من أحوال المكلفين ، فكانه قال : ان ملتكم لا نعود فيها مع علمنا بان الله قد نسخها وأزال حكمها الا أن يشاء الله أن يتعبدنا بمثلها فنعود اليها ، وتلك.

١٣٠

وثانيها أنه أراد أن ذلك لا يكون أبدا من حيث علقه بمشية الله تعالى ، لما كان معلوما أنه لا يشاؤه ، وكل أمر علق بما لا يكون فقد نفي كونه على أبعد الوجوه ، و تجري الآية مجرى قوله تعالى : «ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط» وثالثها ما ذكره قطرب من أن في الكلام تقديما وتأخيرا وإن الاستثناء من الكفار وقع لا من شعيب فكأنه تعالى قال ـ حاكيا عن الكفار ـ : لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا إلا أن يشاء الله أن تعود في ملتنا ، ثم قال حاكيا عن شعيب : وما يكون لنا أن نعود فيها على كل حال.

ورابعها أن تعود الهاء التي في قوله تعالى : «فيها» إلى القرية لا إلى الملة لان ذكر القرية قد تقدم كما تقدم ذكر الملة ، ويكون تلخيص الكلام : إنا سنخرج من قريتكم ولا نعود فيها إلا أن يشاء الله بما ينجزه لنا من الوعد في الاظهار عليكم والظفر بكم فنعود إليها.

وخامسها أن يكون المعنى : إلا أن يشاء الله أن يردكم إلى الحق فنكون جميعا على ملة واحدة غير مختلفة ، لانه لما قال تعالى حاكيا عنهم : «أو لتعودن في ملتنا» كان معناه أو لتكونن على ملة واحدة غير مختلفة فحسن أن يقول من بعد : إلا أن يشاء الله أن يجمعكم معنا على ملة واحدة. فإن قيل : الاستثناء بالمشية إنما كان بعد قوله : وما يكون لنا أن نعود فيها فكأنه قال : ليس نعود فيها الا أن يشاء الله فكيف يصح هذا الجواب؟ قلنا : هو كذلك إلا أنه لما كان معنى أن نعود فيها هو أن تصير ملتنا واحدة غير

________________

* الافعال التى كانوا متمسكين بها مع نسخها عنهم ونهيهم عنها وان كانت ضلالا وكفرا فقد كان يجوز فيما هو مثلها أن يكون ايمانا وهدى ، بل فيها أنفسها قد كان يجوز ذلك ، وليس تجرى هذه الافعال مجرى الجهل بالله تعالى الذى لا يجوز أن يكون إلا قبيحا ، وقد طعن بعضهم على هذا الجواب فقال : كيف يجوز أن يتعبدهم الله تعالى بتلك الملة مع قوله «قد افترينا على الله كذبا ان عدنا في ملتكم بعد إذ نجينا الله منها»؟ فيقال له : لم ينف عودهم اليها على كل حال ، وانما نفى العود اليها مع كونها منسوخة منهيا عنها ، والذى علقه بمشية الله تعالى من العود اليها هو بشرط أن يأمر بها ويتعبد بمثلها ، والجواب مستقيم لا خلل فيه انتهى. يوجد ذلك ف ج ٢ ص ٦٤.

١٣١

مختلفة جاز أن يوقع الاستثناء على المعنى فيقول : إلا أن يشاء الله أن نتفق في الملة بأن ترجعوا أنتم إلى الحق.

فإن قيل : وكان الله ما شاء أن ترجع الكفار إلى الحق؟ قلنا : بلى قد شاء ذلك إلا أنه ما شاء على كل حال ، بل من وجه دون وجه ، وهو أن يؤمنوا ويصيروا إلى الحق مختارين ليستحقوا الثواب الذي أجرى بالتكليف إليه ، ولو شاءه على كل حال لما جاز أن لا يقع منهم. (١)

وسادسها أن يكون المعنى : إلا أن يشاء الله أن يمكنكم من إكراهنا ويخلي بينكم وبينه فنعود إلى إظهارها مكرهين ، ويقوي هذا الوجه قوله تعالى : «أولو كنا كارهين». وسابعها أن يكون المعنى : إلا أن يشاء الله أن يتعبدنا بإظهار ملتكم مع الاكراه لان إظهار كلمة الكفر قد سن في بعض الاحوال إذا تعبد الله تعالى بإظهاره ; وقوله : «أولو كنا كارهين» يقوي هذا الوجه أيضا.

فإن قيل : فكيف يجوز من نبي من أنبياء الله تعالى أن يتعبد بإظهار الكفر و خلاف ما جاء به من الشرع؟ قلنا : يجوز أن يكون لم يرد بالاستثناء نفسه بل قومه فكأنه قال : وما يكون لي ولا لامتي أن نعود فيها إلا يشاء الله أن يتعبد امتي باظهار ملتكم على سبيل الاكراه ، وهذا جائز غير ممتنع.

وقال طيب الله رمسه : إن سأل سائل عن تأويل قوله تعالى : «فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحيوة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون» (٢) فقال : كيف يعذبهم بالاموال والاولاد ومعلوم أن لهم فيها سرورا ولذة؟ وما تأويل

________________

(١) وفيه بعد ذلك زيادة وهى قوله : فكان شعيبا عليه‌السلام قال : ان ملتنا لا تكون واحدة أبدا الا أن يشاء الله أن يلجئكم إلى الاجتماع معنا على ديننا وموافقتنا في ملتنا ، والفائدة في ذلك واضحة ، لانه لو اطلق أنا لا نتفق أبدا ولا تصير ملتنا واحدة لتوهم متوهم أن ذلك مما لا يمكن على حال من الاحوال فافاد بتعليقه له بالمشية هذا الوجه ، ويجرى قوله تعالى : «الا أن يشاء الله» مجرى قوله تعالى : «ولو شاء ربك لامن من في الارض كلهم جميعا». ج ٢ ص ٦٥.

(٢) التوبة : ٥٥.

١٣٢

قوله : «ماتوا وهم كافرون» فظاهره يقتضي أنه أراد كفرهم من حيث أراد أن تزهق أنفسهم في حال كفرهم لان القائل إذا قال : أريد أن يلقاني فلان وهو لابس ; أو على صفة كذا وكذا فالظاهر أنه أراد كونه على هذه الصفة.

قلنا : أما التعذيب بالاموال والاولاد ففيه وجوه :

أحدها ما روي عن ابن عباس وقتادة وهو أن يكون في الكلام تقديم وتأخير ، ويكون التقدير فلا تعجبك يا محمد! ولا تعجب المؤمنين معك أموال هؤلاء الكفار و المنافقين وأولادهم في الحياة الدنيا ، إنما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة عقوبة لهم على منعهم حقوقها ; واستشهد على ذلك بقوله تعالى : «اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون» (١) فالمعنى : فألقه إليهم فانظر ماذا يرجعون ثم تول عنهم. وثانيهما أن يكون المعنى : ما جعله للمؤمنين من قتالهم وغنيمة أموالهم وسبي أولادهم واسترقاقهم ، وفي ذلك لا محالة إيلام لهم واستخفاف بهم. (٢)

وثالثها أن يكون المراد بتعذيبهم بذلك كل ما يدخله في الدنيا عليهم من العموم والمصائب بأموالهم وأولادهم التي هي لهؤلاء الكفار والمنافقين عقاب وجزاء ، وللمؤمنين محنة وجالبة للنفع والعوض ، ويجوز أيضا أن يراد به ما ينذر به الكافر ـ قبل موته وعند

________________

(١) النمل : ٢٨.

(٢) قال بعد ذلك : وانما أراد الله تعالى بذلك إعلام نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله والمؤمنين أنه لم يرزق الكفار الاموال والاولاد ولم يبقها في أيديهم كرامة لهم ورضى عنهم ، بل للمصلحة الداعية إلى ذلك ، وأنهم مع هذه الحالة معذبون بهذه النعم من الوجه الذى ذكرناه ، فلا يجب أن يغبطوا بها ويحسدوا عليها ، اذ كانت هذه عاجلتهم ، والعقاب الاليم آجلتهم ، وهذا جواب أبى على الجبائى وقد طعن عليه بعض من لا تأمل له فقال : كيف يصح هذا التأويل مع أنا نجد كثيرا من الكفار لا تنالهم أيدى المسلمين ، ولا يقدرون على غنيمة أموالهم ، ونجد أهل الكتاب أيضا خارجين عن هذه الجملة ، لمكان الذمة والعهد؟ وليس هذا الاعتراض بشئ ، لانه لا يمتنع أن تختص الاية بالكفار الذين لا ذمة لهم ولا عهد ممن أوجب الله تعالى محاربته ، فاما الذين هم بحيث لا تنالهم الايدى ، أو هم من القوة على حد لا يتم معه غنيمة أموالهم فلا يقدح الاعتراض بهم في هذا الجواب ، لانهم ممن أراد الله أن يسبى ويغنم ويجاهد ويغلب ، وان لم يقع ذلك ، وليس في ارتفاعه بالتعذر دلالة على أنه غير مراد. انتهى ج ٢ ص ١٥٣.

١٣٣

احتضاره وانقطاع التكليف عنه مع أنه حي ـ من العذاب الدائم الذي قد أعد له ، و إعلامه أنه صائر إليه.

ورابعها أن يكون المراد بذلك ما ألزمه هؤلاء الكفار من الفرائض والحقوق في أموالهم لان ذلك يؤخذ منهم على كره ، وهم إذا أنفقوا فيه أنفقوا بغير نية ولا عزيمة فتصير نققتهم غرامة وعذابا من حيث لا يستحقون عليها أجرا ، وفي هذا الوجه نظر. (١)

________________

(١) قال قدس الله روحه : وهذا وجه غير صحيح ، لان الوجه في تكليف الكافر اخراج الحقوق من ماله ، كالوجه في تكليف المؤمن ذلك ، ومحال أن يكون انما كلف اخراج هذه الحقوق على سبيل العذاب والجزاء ، لان ذلك لا يقتضى وجوبه عليه ، والوجه في تكليف الجميع هذه الامور هو المصلحة واللطف في التكليف ، ولا يجرى ذلك مجرى ما قلناه في الجواب الذى قبل هذا من أن المصائب والغموم تكون للمؤمنين محنة وللكافرين عقوبة ، لان تلك الامور مما يجوز أن يكون وجه حسنها للعقوبة والمحنة جميعا ، ولا يجوز في هذه الفرائض أن يكون لوجوبها على المكلف إلا وجه واحد وهو المصلحة في الدين ، فافترق الامران ، وليس لهم أن يقولوا : ليس التعذيب في إيجاب الفرائض عليهم ، وإنما هو في إخراجهم لاموالهم على سبيل التكره والاستثقلال ، وذلك أنه اذا كان الامر على ما ذكروه خرج الامر من أن يكون مرادا لله تعالى ، لانه عزوجل ما أراد منهم اخراج المال على هذا الوجه بل على الوجه الذى هو طاعة وقربة ، فاذا أخرجوها متكرهين مستثقلين لم يرد ذلك ، فكيف يقول : إنما يريد الله ليعذبهم بها؟ ويجب أن يكون ما يعذبون به شيئا يصح أن يريده الله تعالى.

(٢) أقول : أورد شيخ الطائفة في التبيان وجوها اخر ، أولها ما حكى عن ابن زيد أن المعنى : انما يريد الله ليعذبهم يحفظها والمصائب فيها مع حرمان المنفعة بها.

ثانيها : أن مفارقتها وتركها والخروج عنها بالموت صعب عليهم شديد ، لانهم يفارقون النعم ، لا يدرون إلى ماذا يصيرون بعد الموت ، فيكون حينئذ عذابا عليهم ، بمعنى أن مفارقتها غم وعذاب ; ومعنى تزهق أنفسهم أى تهلك وتذهب بالموت ، يقال : زهق بضاعة فلان أى ذهبت أجمع. وأورد وجوها اخر متقاربة مع ما ذكره السيد رحمه الله وقال بعد ذلك : وليس في الاية ما يدل على ان الله تعالى أراد الكفر على ما يقوله المجبرة ، لان قوله : «وهم كافرون» في موضع الحال ، كقولك : اريد أن نذمه فهو كافر ، وأريد أن نضربه وهو عاص ، وأنت لا تريد كفره ولا عصيانه ، بل تريد ذمه في حال كفره وعصيانه ، وتقدير الاية : انما يريد الله عذابهم وازهاق أنفسهم ، أى أى اهلاكها في حال كونهم كافرين. «التبيان ج ١ ص ٨٣٧».

١٣٤

ثم اعلم أن جيمع الوجوه التي حكيناها في هذه الآية إلا جواب التقديم والتأخير مبنية على أن الحياة الدنيا ظرف للعذاب ، وما يحتاج عندنا إلى جميع ما تكلفوه إذا لم نجعل الحياة ظرفا للعذاب ، بل جعلناها ظرفا للفعل الواقع بالاموال والاولاد المتعلق بهما ، لانا قد علمنا أولا أن قوله : ليعذبهم بها لابد من الانصراف عن ظاهره لان الاموال والاولاد أنفسهما لا تكون عذابا ، فالمراد على سائر وجوه التأويل الفعل المتعلق بها والمضاف إليها ، سواء كان إنفاقها ، أو المصيبة بها والغم عليها ، أو إباحة غنيمتها و إخراجها عن أيدي مالكيها ، وكان تقدير الآية : إنما يريد الله ليعذبهم بكذا وكذا مما يتعلق بأموالهم وأولادهم ويتصل بها ، وإذا صح هذا جاز أن تكون الحياة الدنيا ظرفا لافعالهم القبيحة في أموالهم وأولادهم التي تغضب الله وتسخطه كإنفاقهم الاموال في وجوه المعاصي ، وحملهم الاولاد على الكفر ، فتقدير الكلام : إنما يريد الله ليعذبهم بفعلهم في أموالهم وأولادهم الواقع ذلك في الحياة الدنيا.

وأما قوله تعالى : «وتزهق أنفسهم وهم كافرون» فمعنا تبطل وتخرج أي أنهم يموتون على الكفر ، ليس يجب إذا كان مريدا لان تزهق أنفسهم وهم على هذه الحال أن يريد الحال نفسها على ما ظنوه. (١) وقد ذكر في ذلك وجه آخر وهو أن لا يكون قوله : وهم كافرون ، حالا لزهوق أنفسهم بل يكون كأنه كلام مستأنف ، و التقدير فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم ، إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم مع ذلك كله كافرون صائرون إلى النار ، وتكون الفائدة أنهم مع عذاب الدنيا قد اجتمع عليهم عذاب الآخرة ، ويكون معنى تزهق أنفسهم المشقة الشديدة والكلفة الصعبة.

أقول : قد مضى بعض الاخبار في معنى القدر والقضاء في باب البداء.

________________

(١) قال : لان الواحد منا قد يامر غيره ويريد منه أن يقاتل أهل البغى وهم محاربون ، ولا يقاتلهم وهم منهزمون ، ولا يكون مريدا لحرب أهل البغى للمؤمنين وان أراد قتلهم على هذه الحالة ، وكذلك قد يقول لغلامه : اريد أن تواظب على المصير إلى في السجن وأنا محبوس ، وللطبيب : صرالى ولازمنى وأنا مريض وهو لا يريد المرض ولا الحبس ، وان كان قد أراد ما هو متعلق بهاتين الحالتين.

١٣٥

*«باب ٤»*

*«الاجال»*

الايات ، آل عمران «٣» وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ١٤٥ «وقال تعالى» يقولون لو كان لنا من الامر شئ ما قتلنا هيهنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم ١٥٤.

الانعام «٦» هو الذي خلقكم من طين تم قضى اجلا وأجل مسمى عنده ثم أنتم تمترون ٣.

الاعراف «٧» ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ٣٤.

يونس «١٠» لكل امة أجل إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ٤٩

الحجر «١٥» وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم * ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون ٤ ـ ٥.

النحل «١٦» ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يوخرهم إلى أجل مسمى فاذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ٦١.

مريم «١٩» فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا ٨٤.

طه «٢٠» ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى ١٢٩.

العنكبوت «٢٩» ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون ٥٣.

فاطر «٣٥» وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير ١١.

حمعسق «٤٢» ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم ١٤.

المنافقين «٦٣» ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها ١١.

١٣٦

نوح «٧١» ويؤخركم إلى أجل مسمى إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون ٤.

تفسير : قال الرازي في تفسيره : اختلفوا في تفسير الاذن :

الاول : أن يكون الاذن هو الامر ، أي يأمر ملك الموت بقبض الارواح ، فلا يموت أحد إلا بهذا الامر.

الثاني : أن المراد به الامر التكويني كقوله تعالى : «أن نقول له كن فيكون» ولا يقدر على الحياة والموت أحد إلا الله.

الثالث : أن يكون الاذن هو التخلية والاطلاق ، وترك المنع بالقهر والاجبار وبه فسر قوله تعالى : «وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله» أي بتخليته ، فإنه تعالى قادر على المنع من ذلك بالقهر.

الرابع : أن يكون الاذن بمعنى العلم ، ومعناه أن نفسا لا تموت إلا في الوقت الذي علم الله موتها فيه.

الخامس : قال ابن عباس : الاذن : هو قضاء الله وقدره ، فإنه لا يحدث شئ إلا بمشية الله وإرادته ، والآية تدل على أن المقتول ميت بأجله ، وأن تغيير الآجال ممتنع. انتهى.

قوله : لكان لنا من الامر شئ أي من الظفر الذي وعدنا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أولو كنا مختارين لما خرجنا باختيارنا.

قوله تعالى : «لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم» قال الطبرسى رحمه الله : فيه قولان : أحدهما أن معناه : لو لزمتم منازلكم أيها المنافقون والمرتابون لخرج إلى البراز المؤمنون الذين فرض عليهم القتال صابرين محتسبين ، فيقتلون ويقتلون ولما تخلفوا بتخلفكم.

والثاني : أن معناه : لو كنتم في منازلكم لخرج الذين كتب عليهم القتل أي كتب آجالهم وموتهم وقتلهم في اللوح المحفوظ في ذلك الوقت إلى مصارعهم ، وذلك أن ما علم الله كونه فإنه يكون كما علمه لا محالة ، وليس في ذلك أن المشركين غير قادرين على

١٣٧

ترك القتال من حيث علم الله ذلك منهم وكتبه لانه كما علم أنهم لا يختارون ذلك علم أنهم قادرون ، ولو وجب ذلك لوجب أن لا يكون تعالى قادرا على ما علم أنه لا يفعله ، و القول بذلك كفر.

وقال رحمه الله : في قوله تعالى : «ثم قضى أجلا» أي كتب وقدر أجلا «وأجل مسمى عنده» قيل : فيه أقوال : أحدها أنه يعني بالاجلين : أجل الحياة إلى الموت ، وأجل الموت إلى البعث. وروى ابن عباس قال : قضى أجلا من مولده إلى مماته ، وأجل مسمى عنده من الممات إلى البعث ، لا يعلم أحد ميقاته سواه ، فإذا كان الرجل صالحا واصلا لرحمه زاد الله له في أجل الحياة من أجل الممات إلى البعث ، وإذا كان غير صالح ولا واصل نقصه الله من أجل الحياة ، وزاد في أجل المبعث ، قال : وذلك قوله : «وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب».

وثانيها أنه الاجل الذي يحيي به أهل الدنيا إلى أن يموتوا ، وأجل مسمى عنده يعنى الآخرة لانها أجل ممدود دائم لا آخر له.

وثالثها : أن أجلا يعني به أجل من مضى من الخلق ، وأجل مسمى عنده يعني به آجال الباقين.

ورابعها : أن قوله : «قضى أجلا» عنى به النوم يقبض الروح فيه ثم يرجع عند اليقظة ، والاجل المسمى هو أجل الموت ; والاصل في الاجل هو الوقت فأجل الحياة هو الوقت الذي يكون فيه الحياة ، وأجل الموت أو القتل هو الوقت الذي يحدث فيه الموت أو القتل ، وما يعلم الله تعالى أن المكلف يعيش إليه لو لم يقتل لا يسمى أجلا حقيقة ، ويجوز أن يسمى ذلك مجازا ; وما جاء في الاخبار من أن صلة الرحم تزيد في العمر والصدقة تزيد في الاجل وأن الله تعالى زاد في أجل قوم يونس وما أشبه ذلك فلا مانع من ذلك. وقال في قوله تعالى : «ولكل أمة أجل» : أي لكل جماعة و أهل عصر وقت لاستيصالهم. وقيل : المراد بالاجل أجل العمر الذي هو ملة الحياة. قوله : «لا يستأخرن» أي لا يتأخرون ساعة من ذلك الوقت ولا يتقدمون ساعة. وقيل : معناه : لا يبطلون التأخر عن ذلك الوقت للاياس عنه ولا يطلبون التقدم ; ومعنى.

١٣٨

جاء أجلهم : قرب أجلهم ، كما يقال : جاء الصيف : إذا قارب وقته.

قوله تعالى : «ولولا كلمة سبقت من ربك» أي في تأخير العذاب عن قومك وأنه لا يعذبهم وأنت فيهم لقضي بينهم أي لفرغ من عذابهم واستيصالهم ، وقيل : معناه لولا حكم سبق من ربك بتأخيرهم إلى وقت انقضاء آجالهم لقضي بينهم قبل انقضاء آجالهم.

١ ـ فس : أبي ، عن النضر ، عن الحلبي ، عن ابن مسكان ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : الاجل المقضي هو المحتوم الذي قضاه الله وحتمه ، والمسمى هو الذي فيه البداء ، يقدم ما يشاء ، ويؤخر ما يشاء ، والمحتوم ليس فيه تقديم ولا تأخير. «ص ١٨١» فس : «إلا ولها كتاب معلوم» أي أجل مكتوب. «ص ٣٤٩»

٢ ـ فس : أحمد بن إدريس ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر عن يحيى الحلبي ، عن هارون بن خارجة ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قول الله : ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها قال : إن عند الله كتبا موقوفة يقدم منها ما يشاء ويؤخر فإذا كان ليلة القدر أنزل فيها كل شئ يكون إلى مثلها(١) فذلك قوله : «ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها» إذا أنزله وكتبه كتاب السماوات وهو الذي لا يؤخره. «ص ٦٨٢»

٣ ـ شى : عن مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام في قوله تعالى «ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده» قال : الاجل الذي غير مسمى موقوف ، يقدم منه ما شاء ، ويؤخر منه ما شاء ، وأما الاجل المسمى فهو الذي ينزل مما يريد أن يكون من ليلة القدر إلى مثلها من قابل ، فذلك قول الله : «إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون».

٤ ـ ما : وعن حمران ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : المسمى ما سمي لملك الموت في تلك الليلة وهو الذي قال الله : «إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون» والآخر له فيه المشية إن شاء قدمه وإن شاء أخره.

٥ ـ ما : الغضائري ، عن التلعكبري ، عن محمد بن همام ، عن محمد بن علي بن

________________

(١) في المصدر : أنزل الله فيها كل شئ يكون إلى ليلة مثلها. م

١٣٩

الحسين الهمداني ، عن محمد بن خالد البرقي ، عن محمد بن سنان ، عن المفضل ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن الله تعالى لم يجعل للمؤمن أجلا في الموت ، يبقيه ما أحب البقاء فإذا علم من أنه سيأتي بما فيه بوار دينه(١) قبضه إليه تعالى مكرها.

٦ ـ قال محمد بن همام : فذكرت هذا الحديث لاحمد بن علي بن حمزة مولى الطالبيين ـ وكان راوية للحديث ـ (٢) فحدثني عن الحسين بن أسد الطفاوي ، (٣) عن محمد بن القاسم عن فضيل بن يسار ، عن رجل ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : من يموت بالذنوب أكثر ممن يموت بالآجال ، ومن يعيش بالاحسان أكثر ممن يعيش بالاعمار.

٧ ـ دعوات الراوندي : قال الصادق عليه‌السلام : يعيش الناس بإحسانهم أكثر مما يعيشون بأعمارهم ، ويموتون بذنوبهم أكثر مما يموتون بآجالهم.

٨ ـ النهج : قال عليه‌السلام : إن مع كل إنسان ملكين يحفظانه ، فإذا جاء القدر خليا بينه وبينه ، وإن الاجل جنة(٤) حصينة.

٩ ـ شى : عن حمران قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن قول الله : «قضى أجلا وأجل مسمى عنده» قال هما أجلان : أجل موقوف يصنع الله ما يشاء وأجل محتوم.

١٠ ـ شى : عن حصين ، عن أبى عبدالله عليه‌السلام قي قوله : قضى أجلا وأجل مسمى عنده قال : الاجل الاول هو الذي نبذه إلى الملائكة والرسل والانبياء ، والاجل المسمى عنده هو الذي ستره عن الخلائق.

بيان : ظاهر بعض الاخبار كون الاجل الاول محتوما والثاني موقوفا ، و بعضها بالعكس ، ويمكن الجمع بأن المعنى أنه تعالى قضى أجلا أخبر به أنبياءه وحججه عليهم‌السلام ، وأخبر بأنه محتوم فلا يتطرق إليه التغيير ، وعنده أجل مسمى أخبر بخلافه غير محتوم ، فهو الذي إذا أخبر بذلك المسمى يحصل منه البداء ، فلذا قال تعالى :

________________

(١) أى هلاك دينه. أقول : متن الحديث لا يخلو عن غرابة.

(٢) الراوية : الذى يروى الحديث والتاء فيه للمبالغة.

(٣) قال الفيروز آبادى في القاموس : الطفاوة بالضم : حى من قيس عيلان.

(٤) بضم الجيم : السترة ، وكل ما وقى من السلاح.

١٤٠