الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ٣٠

الشيخ محمد الصادقي

الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ٣٠

المؤلف:

الشيخ محمد الصادقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٦٠

والحسد انفعال نفساني وجاه نعم الله على بعض العباد زائدا على سواهم ، مع تمني زوالها ، ونحن نستعيذ من شر الحاسد إذا حسد : أبرز انفعاله بشكل من الأشكال في النيل من المحسود.

صحيح أن الحسد شر نفساني ، ولكنه لا يتعدى الحاسد إلى المحسود ما لم يحسد ويوجه انفعاله النفسي إلى المحسود.

ولكي نأمن كيد الحاسدين ، علينا أن نخفي النعم المحسود عليها ـ ما أمكن ـ عنهم ، أو نبرد ونخمد نيران الأحقاد بمياه الأخلاق الطيبة والعشرة الحسنة والموعظة الصالحة ، أو ـ أخيرا ـ بل : أولا وأخيرا : نعوذ برب الفلق : .. ولكي يفلق حسد الحاسد ويدفع شره ، وبعد ما كلّت محاولا تنافي دفعه.

إن الحسد ـ أيا كان ـ إنه حماقة وسوء ظن بالله ومعارضة للقدر ، كما عن الرسول الأقدس : «كاد الحسد أن يغلب القدر» فإذ يفضل الله عبدا من عباده على غيره لاستحقاق معروف أم غير معروف ، أم لما يراه من مصلحة فردية أو جماعية ، فالحسد إذ ذاك اعتراض على الله ، فليحاول الحاسد أن يبلغ بسعيه مبلغ المحسود لكي يؤتيه الله من فضله كما آتى المحسود ، إن كان مما يحصل بالسعي تماما ، أو يحاول للوصول إلى ما أشبهه ، وأما أن يجمد على حاله ثم يحسد ويحاول في إزالة النعمة عن المحسود بشتى المحاولات والحيل ، فهذه معارضة فكرية وعملية ضد الألوهية : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) (٤ : ٥٥) :

نزلت في جماعة من اليهود الذين حسدوا الرسول الأقدس محمدا صلّى الله عليه وآله وسلّم على اصطفائه بالرسالة الأخيرة ، ومن حقدهم على هذه الرسالة السامية أنهم كانوا يفضلون المشركين على المسلمين : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ

٥٤١

بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً. أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً. أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ ..) (٤ : ٥٤).

كانوا يحسدون الرسول كأنهم يملكون فضل الله ، فليستأذنهم الله فيمن يصطفيه رسولا! وهم لا يرضون رسالة إلا في إسرائيل!.

ولقد كانت جماعة من أهل الكتاب تحاول أن ترد المسلمين كفارا : (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٢ : ١٠٩).

فعلى المحسود ذي النعمة أن يحافظ على ما أنعم الله عليه بفضل سعيه هو وبفضل الله ، ولا سيما النعم الروحية ، ثم يحاول من وراء ذلك أن يجرّ الحاسد إلى ما هو عليه من النعمة ما أمكن ، بتوجيهه إلى السعي اللازم.

وعلى الحاسد أن يخرج من حماقة الطغيان إلى ميدان السعي والإيمان بالله ، فما وصل إليه بالسعي فهو ، وما لم يصل إليه فليثق بالله ولا يتهمه في تفضيل المحسود عليه ، وأن ليس للإنسان إلا ما سعى.

وللحسود علامات منها : «يغتاب إذا غاب ، ويتملق إذا شهد ، ويشمت بالمصيبة» ومن مقالات الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام في التنديد بالحاسدين : «أما بعد فإن الأمر ينزل من السماء إلى الأرض كقطرات المطر إلى كل نفس بما قسم لها من زيادة أو نقصان ، فإذا رأى أحدكم لأخيه غفيرة في أهل أو مال أو نفس ، فلا تكونن له فتنة ، فإن المرء المسلم البريء من الخيانة ما لم يغش دناءة فيخشع لها إذا ذكرت ، وتغرى بها لئام الناس ، كان كالفالج الياسر ، الذي ينتظر

٥٤٢

أول فورة من قداحة توجب له المغنم ، ويرفع بها عنه المغرم ، وكذلك المرء المسلم البريء من الخيانة ، ينتظر من الله إحدى الحسنيين : إما داعي الله ، فما عند الله خير ، وإما رزق الله ، فإذا هو ذو أهل ومال ومعه دينه وحسبه ، إن المال والبنين حرث الدنيا ، والعمل الصالح حرث الآخرة ، وقد يجمعهما الله لأقوام ، فاحذروا من الله ما حذركم من نفسه ، واخشوه خشية ليس بتعذير ، واعملوا في غير رياء ولا سمعة ، فإنه من يعمل لغير الله يكله الله إلى من عمل له ، نسأل الله منازل الشهداء ، ومعايشة السعداء ، ومرافقة الأنبياء».

٥٤٣

سورة الناس ـ مكية ـ وآياتها ست

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (١) مَلِكِ النَّاسِ (٢) إِلهِ النَّاسِ (٣) مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ (٤) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (٥) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ)(٦)

* * *

ندرس في سورة الناس كيف يجب علينا أن نستعيذ؟ وبمن؟ وممن؟ وما هي الاستعاذة؟ ولماذا تجب؟

أركان الاستعاذة أربعة : المستعيذ ـ المستعاذ به ـ المستعاذ منه ـ المستعاذ من أجله.

وهي على الترتيب : ١ ـ المكلف ـ ٢ ـ الرب الملك الإله ـ ٣ ـ الوسواس الخناس من الجنة والناس ـ ٤ ـ مطلق الشر.

والاستعاذة هي طلب الإعاذة ـ وليس طلبها لفظا باللسان ، ولا عقدا بالجنان ، وليس المقال هنا إلا إشارة إلى الحال : كيف يجب أن تكون حالة الإنسان ـ النفسية والعملية ـ تجاه هذه الشرور؟ إنها حالة الفرار : لفظيا وعقيديا وعمليا بكل ما لديه من طاقات الايجابية ، ولكنها ليست بالتي تعيذه ،

٥٤٤

لو لم تدركه الرحمة والعصمة الإلهية ، فعبادة الرحمان وعصيان الشيطان كلاهما بحاجة ماسة إلى تأييد الله وإعانته : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) فكما لا عبادة دون استعانة كالعكس ، كذلك لا فرار عن الشيطان دون استعاذة ، كما لا استعاذة دون محاولة الفرار بكل ما لدينا من الطاقات.

هنا نعرف : لماذا يؤمر الرسول بالاستعاذة على عصمته؟ يؤمر بها لأن عصمته منوطة باستعاذته : (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً) (١٧ : ٧٤) بعد ما هي مربوطة بمحاولاته لمنتهى المكنة والاستطاعة

(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) :

إنه أمر أن يخبر العبد عن نفسه : أنه يستعيذ ، وليست الاستعاذة من مقولة اللفظ ، إنما هو يحكي عنها حكاية صادقة أم كاذبة ، والقرآن لا يأمرنا بالقول الكذب ، إنما يأمر هنا بما تتطلبها هذه المقالة ، من استعاذة عقائدية وعملية : أن نفرّ من شيطنات العقائد والأعمال ، مستعيذين حالها وقبلها وبعدها ، بالرب الملك الإله المتعال.

هذه الاستعاذة تستحضر من صفات الله ما به يدفع الشر ، الوسواس فعلى المستعيذ أن يستظل في ظلال الربوبية : علميا وتربويا ، وفي ظلال ملكيته طاعة واستقامة ، وفي ظلال الألوهية تخضعا وعبادة ، ولكي يعيذه الله تعالى من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس.

وفي كل واحدة من هذه الثلاث كفاية لكي نتخذه تعالى وكيلا ومعيذا : يدل على ذلك عدم العطف هنا (.. بِرَبِّ النَّاسِ ، مَلِكِ النَّاسِ. إِلهِ النَّاسِ) فانه» ردف دون عطف ، وكما أفردت بذكر كل واحدة منها في آيات ثلاث : (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) (٣٩ : ٦) (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً) (٧٣٠ : ٩) (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) (٥٧ : ٥) هذا ـ ولكنما الجمع بين الثلاث هنا ، فيه كمال

٥٤٥

العوذ واللواذ بالله تعالى ، وكلما كان الاستظلال في ظل هذه الظلال أوسع وأعمق كانت الاستعاذة أوفق ، فهو بالإعاذة أحرى وأحق (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى).

(بِرَبِّ النَّاسِ) :

بمالكهم ومربيهم ، الذي يعرف ناسهم ونسناسهم ، يعرف فضائل الأخلاق ورذائلها ، فله أن يخرجنا من الظلمات لأنه يعرفها ، إلى النور لأنه يعرفه ، يعرف الخير والشرّ وكما هدانا إليهما.

وعلى المستعيذ ، من اللاتربية إلى التربية ، أن يستعيذ برب الناس : وليعرف الموازين التربوية ، علمية وتطبيقية ، وليعرف الشيطنات كلها ، ولكي يستطيع الفرار من الظلمات إلى النور ، في ظل ربوبية الرب المعيذ.

إننا لا نستعيذ بالأنبياء ، فهم المستعيذون أيضا كأمثالنا لا معيذون نهتدي بدلالاتهم الرسالية : وإنما نستعيذ برب الناس : رب الرسل والمرسل إليهم ..

ثم قد تكون الاستعاذة ناقصة غير ناجحة ، إذا لم يكن المعيذ ملكا قديرا ، فربّ ربّ يحاول الإعاذة ولكنه لا يملكها ، لأنه ليس ملكا قديرا يدحر الشياطين بقوة ، فكمال الاستعاذة إذا يتطلب أن تكون بملك الناس :

(مَلِكِ النَّاسِ) :

الذي يملك الجنة والناس ، ويملك الخير والشر ، ولكنه ليس منه شر ، إنما يدفع عنه إلى الخير ، فالمحاولات التربوية لا تكفي إعاذة من الشرور واقعيا مهما كانت قوية.

فقد تتطلب قوة للدفع ولتطبيق شريعة الله ودحر الشياطين ، فشريعة الله ليست شريعة علم وأحكام فحسب ، إنها شريعة القدرة والطاقة الجبارة أيضا : إنها نظام وتطبيق ، فالنظام بحاجة إلى تطبيق ، والتطبيق فاشل ما لم تكن سلطة.

٥٤٦

ثم إذا واجهتنا القوة المعاندة ، يأتي دور الاستعاذة ب : «بملك الناس» .. الملك الرب ، فلتجابه الطاقات المعاندة بالملكية العادلة.

(إِلهِ النَّاسِ) :

وفي آخر المطاف نعطف بأنفسنا وبهم إلى الإله : طوعا وكرها ، فهو أول المطاف (بِرَبِّ النَّاسِ) وهو آخر المطاف (إِلهِ النَّاسِ) وقد تجب في الوسط السيطرة الملكية لحمل النسناس إلى سيرة الناس ، ولكي يعقلوا أخيرا ويضطروا للخضوع أمام : (مَلِكِ النَّاسِ).

هنا لك تمت الاستعاذة ، وتوفرت شروطها : استعاذة ومستعاذا به ، وليكن الإنسان هو الموضوع ، ويحمل عليه وفي هامشه سائر المكلفين من الجنة وسواهم ، ولا يختص الناس بإنسان الأرض ، إنه يعمه وسواه من إنسان الكون ، في الكرات المعمورة ..

فاختصاص الناس هنا بالذكر ليس إلّا لأنهم من أفضل المكلفين ، فلا يخرج الجن عنهم ، إنما يخرج النسناس من الجنة والناس الذين يستعاذ منهم ، هؤلاء الذين يفقدون التربية الإلهية كأن الله ليس ربهم ، وإنما هو الشيطان ، كما سئل الإمام الحسن عليه السّلام عن الناس؟ فقال : «نحن الناس ، وشيعتنا أشباه الناس ، وسائر الناس نسناس» (١).

(مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ. الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ. مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) :

صفات ثلاث للمستعاذ منه ، على عدد الثلاث للمستعاذ به : ثلاث وجاه

__________________

(١) هنا الإمام يشطر بني آدم إلى شطري الناس والنسناس ، وفي الناس أصول وفروع ، فالقادة الهداة المعصومون هم الأصول ، وأشياعهم هم الفروع ، ثم المتخلفون عن شريعة الله هم النسناس ، من الجنة والناس.

٥٤٧

ثلاث ، وكما أن جنود العقل والجهل تساوى بعضها البعض عددا وعددا ، خمسة وسبعين بخمسة وسبعين ، كذلك هنا ، إلا في العدد فهما ، لأن الله تعالى لا ينهزم في المعركة ، طالما عباده ينهزمون لو لم يستعيذوا به كما يؤمرون ، وإذا لم يخرجوا من طاعة الشيطان إلى طاعته.

هنا تطلق الصفة أولا : (الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ) ثم حدود العمل ومجاله : (الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ) ثم العامل المحاول في التضليل : (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ).

فبالصفات تعرف الذوات ، فذات الشرير ، الحيادية ، لا يجب دحرها ، إنما لصفاتها المعادية المتعدية : الوسواس ..

(مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ) : إن المضلل لا يأتيك كمصلل لتعرفه فتحذره فيخيب سعيه ، إنما يأتيك كمدلل ، فيوسوس في صدرك الذي فيه قلبك ، يوسوس إلى صدرك ويجتازه إلى قلبك ، فيملك زمامك في أمورك كلها لو انك فتحت له باب صدرك فقلبك فالوسواس قد يتخفى في الجانب الخفي من كيان الإنسان ، كالنفس الأمارة بالسوء : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) (٥٠ : ١٦) وكالشيطان (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما) (٧ : ٢٠) فالنفس والشيطان يتخفيان في صدر الإنسان الذي هذا الفتحة الاصلية إلى قلبه.

أو أنه جلي في ذاته خفي في وسواسه ، كما الإنسان الشيطان كذلك : (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) خفية او جلية.

فالجنة جمع الجان ، آي الخفي ، فتشمل النفس الأمارة بالسوء داخل كيان الإنسان ، والشيطان خارجه ، والناس هم الناس : الوسواس الجلي ، و «أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك» والشيطان من الجن والإنس ، المنفصل عن كيانك ، لا يقدر ولا يجرو على وسواسك ما لم يجد تجاوبا من شيطانك الداخل «النفس الأمارة بالسوء» فالشيطانان الوسواسان هما المتعاملان المتعاونان في إضلال الإنسان.

٥٤٨

وأصل الوسواس هو صوت الحلّي والهمس الخفي ، والوسوسة هي الخطرة الرديئة ، وبما أن الخطرات هي التي تدفع الإنسان إلى مختلف الحالات والانفعالات الخيرة والشريرة ، فليدحر الإنسان عن نفسه الخطرات الشريرة ، المختبئة في صدره ، بكفاح صارم دائم مستعيذا بالرب الملك الإله.

«الخناس» ويزيد الوسواس خطورة وشرا ما إذا كان خناسا : يخفي عنك أنه وسواس ، فالخناس هو المنقبض وهو الكثير الاختفاء بعد الظهور : يحاول في تضليلك خافيا ، فإذا برز لك أنه الوسواس ، فمحاولة ثانية في إخفائه ، إراءة لك أنه يريد صالحك : (ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها) .. غشاوات وغشاوات ليغطي عليك أنه شيطانك ، ويستدل بالعقل وبالآيات والروايات ليفصلك عما يقتضيه العقل وتقتضيه الآيات والروايات ، وعلى حد قوم إمام المتقين أمير المؤمنين علي عليه السّلام : «إنما بدء وقوع الفتن أهواء تتبع وأحكام تبتدع يخالف فيها كتاب الله ويتولى عليها رجال رجالا ، فلو أن الحق خلص من مزاج الباطل لم يكن للباطل حجة ولو أن الباطل خلص من مزاج الحق لم يكن اختلاف ، ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيمزجان فيجيئان معا فهنالك استحوذ الشيطان على أوليائه ، ونجي الذين سبقت لهم من الله الحسنى».

إن الخناس من طبعه أن يختفي أو يبتعد عنك مليا ، إذا ملّ منك وكلّ وخاب سعيه ، ولكنه خناس : يرجع ويرجع في خطوات ومحاولات ، وآخر المطاف أن يأخذك معه شر مأخذ ، فكما هو دائب في تخنسه فلتكن أنت دائب اليقظة والكفاح ، مسلحا بنور المعرفة لتنتصر في المعركة ، فلتذكر الله ربك كلما وضع خطمه على قلبك ، وعلى حد قول الرسول الأقدس صلّى الله عليه وآله وسلّم «إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم ، فإذا ذكر الله خنس ، وإذا نسي التقم ، فذلك

٥٤٩

الوسواس الخناس» (١).

(مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) : إنه كما عرفت مسبقا : هو الجنة الخافية من النفس الأمارة من الجن ، وهو كذلك الناس الذين يتدسسون إلى الصدور كالجنة.

نحن لا نعرف من وسواس الجنة إلا كما عرّفنا الله تعالى بها : عنه وعن لسان الجنة : (.. ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ) (٧ : ١٧) (لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً) (١٧ : ٦٢).

وما نجده من هواجس ووساوس تتنافس في نفوسنا ، مهما كان الخلط بين وسواس الجن ووسواس النفس ، إلا أنه وسواس.

وأما الناس فنحن نعرف عن وسوستهم الكثير الكثير ، ونعرف ما هو أشر وأخطر من وساوس الشياطين ، كأنهم أساتذتهم! :

رفيق السوء الذي يوسوس إلى صدر رفيقه من حيث لا يحتسب ومن حيث لا يحترس لأنه مأمون! وإلى أمثاله من حملة السوء ودعاته بشتى ألوان الدعوة والدعاية : من حاشية الشر للسلاطين ، والنامين الواشين ، وبائعي الشهوات ، وعشرات وعشرات من الوسواسين الخناسين الذين ينصبون الأحابيل ويخفونها ويتسربون بها إلى الصدور وإلى القلوب ، وهم شر من الجنة وعلّهم أخفى منهم دبيبا.

__________________

(١) نور الثقلين ج ٥ ص ٧٢٥ ، وهذا الحديث يبين طرفا من أطراف خنس الوسواس ، وهو آخر المطاف ، إذ يفر من الإنسان الذي حقق الاستعاذة حقا ، ورواه الدر المنثور عن أنس عنه (ص) مثله ج ٦ ص ٤٢٠ ، وفيه عنه (ص): أن للوسواس خطما كخطم الطائر ، فإذا غفل ابن آدم وضع ذلك المنقار في أذن القلب يوسوس ، فإن ابن آدم ذكر الله نكص وخنس فلذلك سمي الوسواس الخناس.

٥٥٠

إن حملة الوسواس تخنس في حملتها بألوان عدة علّها تنتصر : تخفي نفسها حالة الوسوسة ، ثم تختبئ إذا قوبلت بحملة دفاعية ، نظرة أن تجد الفرصة سانحة فتدب وتوسوس.

فعلى الإنسان اليقظة الدائمة والنبهة الدائبة ، كيلا يخسر هذه المعركة المتواصلة : يقظة بقوة العقل المتأيدة بوحي السماء ، و (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً) (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) إنه لا يحتنك إلا الحمر دون العباد الصالحين (لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً) فادحر الوسواس الخناس أن أن يستحمرك ويحتنكك ، وكن من القليل الذين ليس للشيطان عليهم سلطان وسبيل والحمد لله أولا وآخرا.

مكة المكرمة في ١٧ محرم الحرام ١٣٩٧

محمد الصادقي

 (تمّ هذا الجزء بعون الله تعالى)

٥٥١

فهرست

«سورة البناء»

نبأ الرسالة الاسلامية وولايتها المستمرة ، نبا للتوحيد والقرآن والمعاد.............. ٩ ـ ١٤

الأرض المهاد ، ووالجبال الأوناد ، وخلق الأزواج ، والنوم السبات ، وفي القرآن العلم الحديث       ١٥ ـ ٢٣

لباس الليل معاش النهار. السماوات السبع الشداد وبناؤها ومادتها............. ٢٣ ـ ٢٨

معصرات الرياح والسحاب والتفريقات الكهربائية بمائها الثجاج.................. ٢٩ ـ ٣

يوم الفصل الميقات ، ونفخة الصور ، وأفراج المحشورين ، وفتح السماء فإذا هي أبواب وتسيير الجبال فإذا هي سراب ٣٢ ـ ٣٩

الخالدون في النار والجنة ، فناء النار مع فناء الباقين فيها بدليل القرآن والعقل.... ٤٠ ـ ٥٠

٥٥٢

كتب الاعمال : الضوئية والصوتية ، قيام الروح والملائكة.................... ٥٣ ـ ٦٢

«سورة النازعات»

نازعات سبع ، ناشطات وسابحات .. هل من مدبر غير الله «فالمدبرات امراً»؟.. ٦٥ ـ ٧١

حركات الأرض ، يردون في الحافرة ، فإذا هم بالساهرة....................... ٧١ ـ ٧٨

لطائف في دعوة موسى فرعون ، الآية الكبرى فرعون في تضاد الآلهة........... ٧٨ ـ ٨٦

بناء السماء ورفع سمكها ، دحو الأرض هو تحريكها ، إرساء الجبال............ ٨٦ ـ ٩٢

الطامة الكبرى ، يروز الحجيم............................................. ٩٢ ـ ٩٦

كيف يخاف مقام الرب؟ مرسي الساعة ومنتهاها ، زمن لبت البرزخ.......... ٩٦ ـ ١٠٦

«سورة عبس»

المبوس ليس هو الرسول ، إنما رجل من أمية ، بدلالة الكتاب والسنة والعقل ، قتل الإنسان ما أكفره ، نظر الإنسان إلى طعاميه................................................................... ١٠٧ ـ ١٢٨

الخليفتان لا يعرفان معنى الأب ، فرار يوم القرار عن أقرب الأهلين.......... ١٣١ ـ ١٣٦

٥٥٣

«سورة التكوير»

كور الشمس ودورها في مراحل ، انكدار النجوم......................... ١٣٧ ـ ١٤٢

حشر الوحوش ومطلق الحيوان ، وإذ لا تعقل فلماذا الحشر؟............... ١٤٣ ـ ١٤٦

انفجار البحار وتهيج النار فيها ، البنت حاضرها وغابرها في وادها.......... ١٤٦ ـ ١٥٤

نشر الصحف وكشط السماء .. والحضور العيني للأعمال................ ١٥٤ ـ ١٥٨

أقسام ولا أقسام : إنه لقول رسول كريم «محمد» لا جبريل ، وما رآه في الأفق المبين ، وما هي قوته؟ تتاصر القرآن والتوراة في «وما صاحبكم بمجنون»........................................................... ١٥٩ ـ ١٧٩

وما تشاؤون إلإ أن يشاء الله أليس فيه جبر؟............................ ١٨٠ ـ ١٨٣

«سورة الأنفطار»

بعد انفطار السماء وانتشار الكواكب وتفجر البحار وتبعثر القبور : «جلت نفس ما في قدمت وأخرت» ما غرك بربك الكريم؟................................................................... ١٨٤ ـ ١٩٢

خلق الإنسان وتسويته وتعديلل وتركيبه................................. ١٩٢ ـ ١٩٦

هل للإنسان حافظون غير الله......................................... ١٩٧ ـ ١٩٩

«سورة المطففين»

المطففون في الأموال والنفوس ، هل يكفي ظن البعث؟ ما هو السجين والعليين ، وكتاب الفجار والأبرار فيها؟ الحجاب عن الرب................................................................... ٢٠٥ ـ ٢٢٤

٥٥٤

بين خمر الدنيا والآخرة ، عرض الحال المؤمنين والفجار بين الجنة والنار...... ٢٢٦ ـ ٢٣٤

«سورة الانشقاق»

شريعة الكدح والعمل ، إلى الرب ولقائه................................ ٢٣٥ ـ ٢٤١

ما هو كتاب اليمين والشمال ووراء الظهر؟.............................. ٢٤١ ـ ٢٤٦

ركوب المسلمين طبقا عن طبق ، وجوب أسماع القرآن حن قرأ............ ٢٤٧ ـ ٢٥٣

«سورة البروج»

قصور السماء : إلهية وملائكية وبشرية................................. ٢٥٥ ـ ٢٥٨

من الشاهد والمشهود؟ قصة أصحاب الأخدود.......................... ٢٥٩ ـ ٢٦٦

قرآن مجد في لوح محفوظ : صيانته عن التحريف......................... ٢٧٠ ـ ٢٧١

«سورة الطارق»

نيازك نارية وطوارق نورية حفاظ النفوس وحفاظها......................... ٢٧٢ ـ ٢٧٤

الصلب والترائب ، وخزائن النطفة الجرثومية وسواها....................... ٢٧٥ ـ ٢٧٦

رجعات أربع للإنسان ، رجع السماء وصدع الأرض...................... ٢٧٧ ـ ٢٧٩

«سورة الأعلى»

تسبيح الإسم؟ الرب الأعلى! غثاء أحوى : الفحم الحجري............... ٢٨١ ـ ٢٨٥

٥٥٥

هل نسي الرسول بعض ما أوحي اليه؟.................................. ٢٨٥ ـ ٢٨٩

لا يموت فيها ولا يحيى!............................................... ٢٩٠ ـ ٢٩٣

«سورة الغاشية»

ما هي الغاشية؟ والوجوه الخاشعة؟ والضريع؟............................. ٢٩٤ ـ ٢٩٧

لا لغو في الجنة ، فهل فيها تكليف؟................................... ٢٩٧ ـ ٣٠٠

نظرة إلى الإبل ، رفع السماء ونصب الجبال وسطح الأرض؟............... ٣٠٠ ـ ٣٠٣

«سورة الفجر»

ما هو الفجر وليال عشر والشفع والوتر!............................... ٣٠٤ ـ ٣٠٩

من هم عاد؟ وما هي إرم ذلت العماد؟ وأوتاد فرعون؟................... ٣٠٩ ـ ٣١٢

ما معنى مجيء الرمية ومجهي جهنم ، وما هي النفس المطمئنة؟.............. ٣١٥ ـ ٣٢٠

سورة البلد

لا قسم بمكة؟ : هل هو تكريم أو مهانة؟ وأنت حل بهذا البلد؟ ووالد وما ولد؟ خلق الإنسان في كبد       ٣٢١ ـ ٣٢٧

من ضرورات الحياة إقتحام العقبات : فلا اقتحم العقبة!................... ٣٢٧ ـ ٣٣٠

٥٥٦

سورة الشمس

أقسام ثمانية ورباطها لإثبات فلاح المزكين انفسهم وخيبة من دساها : أشقى ثمود وعقر الناقة      ٣٣١ ـ ٣٣٦

سورة الليل.......................................................... ٣٣٧ ـ ٣٤٠

سورة الضحى

أضواء على ضلال الرسول كما تناسب ومحتده ، شريعته قبل الإسلام....... ٣٤١ ـ ٣٤٩

سورة الانشراح

وزر الرسول ليس ذنباً ، بشهادة القرآن ، والعقل ، ؛نه وزر الرسالة ، نصب الخليفة بعد الفراغ     ٣٥٠ ـ ٣٥٥

سورة التين

هل في سائر الخلق تقويم كما للإنسان؟ نعم : قليل!...................... ٣٥٦ ـ ٣٦٠

سورة العلق

بداية الوحي إلى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم «علق» : هو البحر المنو ، السابحة العالقة فيه الدودات المنوية   ٣٦١ ـ ٣٦٥

مراحل علم الإنسان ، موارد سجدة التلاوة.............................. ٣٦٢ ـ ٣٧٠

سورة القدر

ما هو النازل ليلة القدر؟ ما القدر؟ وما ليلة القدر ، وكم هي؟ أي القرآن نزل ليلة القدر؟ ما هي ألف شهر؟ وهل تستمر ليلة القدر؟................................................................... ٣٧١ ـ ٣٨١

٥٥٧

من هو الروح النازل فيها وعل من تنازل الملائكة والروح؟.................. ٣٨٢ ـ ٣٨٥

ما هو كل أمر؟ وما هو سلام القدر حتى مطلع الفجر؟................... ٣٨٥ ـ ٣٨٨

متى هي ليلة القدر؟................................................. ٣٨٨ ـ ٣٩٠

سورة البينة

طهارة أهل الكتاب وعامة الموحدين ، بدليل الكتاب والسنة ، دين القيمة ، اختلاف خلود الكتابي والمشرك في النار  ٣٩١ ـ ٤٠٥

سورة الزلزال

زلزال الأرض وأثقالها ، كيف تحدث الأرض أخبارها : المسجلة الأرضية وشاشتها التلفزيونية ، انعكاس الأعمال وشهودها كما صدرت................................................................... ٤٠٦ ـ ٤١٥

سورة العاديات

عاديات الأفراس والدبابات والطائرات وضبحها!......................... ٤١٦ ـ ٤١٨

سورة القارعة

الحسنات ثقل الميزات والسيئات خفتها ، الموازين هي موازين الإنسانية....... ٤٢٢ ـ ٤٢٩

سورة التكائر

قبور تزور قبورا ، انكشاف الحقائق يوم البرزخ والقيامة ، النعيم المسؤول عنه.. ٤٣٠ ـ ٤٣٦

٥٥٨

سورة العصر

مصاديق ومعاني العصر ، دوافع الخسر وروافعه دعائم أربع تضمن حيوية الإنسان ، الصالحو       ٤٣٧ ـ ٤٤٤

سورة الهمزة

الغياب العيّاب ، الحطمة وأشعة «روتتجن»............................. ٤٤٥ ـ ٤٥٢

سورة الفيل

قصة أصحاب الفيل : المقاتلات الجوية بقنابل من سجيل ،............... ٤٥٣ ـ ٤٦١

سورة قريش

سورة الماعون

واجبات المسلم تجاه اليتيم والمسكين ، الصلاة الويل! ماعون الخلق والخالق؟.. ٤٦٤ ـ ٤٧١

سورة الكوثر

مقارنة بين مريم وفاطمة ، كوثر الرسول في ثمان ، إنباءان غيبيان في هذه السورة ٤٧٢ ـ ٤٨١

سورة الكافرون

هل هنا تكرار؟ إنباء غيبي ، لا متاجرة في الدين ، ولا انصاف حاول....... ٤٨٢ ـ ٤٨٨

سورة النصر

إنباء غيبي بفتح مكة قبله ، حروب الإسلام دفاعية لا توسعية ، الكتب المقدسة والحرب ، السيد المسيح

٥٥٩

والخرب ، كيف يستغفر الرسول دون ذنب؟ موارد الاستغفار................ ٨٩ ـ ٥٠٠

سورة اللهب

تباب اليد ثم تباب الذات ، حمالة الحطب حبل الليف ـ حبل الشيطان ـ حبل الذهب! ٥٠١ ـ ٥٠٩

سورة الاخلاص

استجواب قادة الأحزاب ، سورة الإخلاص تحمل جوابهم أيّا كانوا وفي أي زمن! إنها تفسر بعضها بعضاً ، الأحدية ومراحلها السبع ، الصمد تنفي عنه كل ما يحق نفيه عنه «هو الله أحد» ذات صفات ثبوتية «الله الصمد ..» : صفات سلبية ، كلمة حاسمة حول الثالوث المسيحي وأضرابه............................................................ ٥١٠ ـ ٥٣٣

سورة الفلق

فلق بعد خلق في مراحل ، شر الفاسق والنفاثات في العقد ، وحاسد إذا حسد ، من النفاثات الطائرات النفاثة الحربية التي تنفث في عقد الحرب............................................................. ٥٣٤ ـ ٥٤١

سورة الناس

أركات الاستعاذة ، الأربعة ، أركان المعيذ ، الثلاث ، جولات الوسواس الخناس ومواقعنا الدفاعية    ٥٤٢ ـ ٥٤٩

٥٦٠