الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ٩

الشيخ محمد الصادقي

الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ٩

المؤلف:

الشيخ محمد الصادقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: انتشارات فرهنگ اسلامى
المطبعة: اسماعيليان
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٨

١
٢

٣
٤

سورة المائدة

من الاية (٤٨) الى اخر السورة

٥
٦

بسم الله الرحمن الرحم

(وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٤٨) وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللهُ

٧

أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ (٤٩) أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٥٠) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥١) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ (٥٢) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ (٥٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ

٨

فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٥٤) إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ (٥٥) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ (٥٦) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ وَاتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٥٧) وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ)(٥٨)

(وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (٤٨).

... بعد إنزال الكتاب إلى الرسولين العظيمين موسى والمسيح عليهما السلام (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ) بجمعية الصفات المفيضة عليك يا خاتم النبيين ذلك «الكتاب» القرآن الناطق بالحق المطلق المطبق والتعبير عن القرآن

٩

ب «الكتاب» كأنه يستغرق كل كتابات الوحي فإنه مستغرق كلما أراد الله أن يقوله للمكلفين إلى يوم الدين ، دون «القرآن» أو «هذا الكتاب ـ و ـ هذا القرآن» ، ذلك ليدل على أنه هو الكتاب الجامع لكل كتاب ، كما أن رسوله يجمع في نفسه ميزات الرسل كلهم وزيادة.

«أنزلنا» حال كونه (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ) النازل على الرسولين ومن قبلهما من الرسل (وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) فالتصديق لكتب السماء لا يحمل إلّا تصديقا لنزولها بالوحي ، ثم الهيمنة عليه ـ التي لا تحملها إلّا هذه الآية ، اللهم إلا آية الحشر لله «المهيمن» (٢٣) هي الحيطة الحفيظة الرقيبة الشهيدة الكتابية ، فكما الله مهيمن على خلقه كلهم ، كذلك كتابه الأخير مهيمن على كتبه كلها حيطة وشهادة ورقابة أمّاهيه من أبعاد الهيمنة.

فمن هيمنته عليها الحفاظ على أصولها الثابتة التي لا تتغير في أية شرعة ، ومنها نسخ ما يجب نسخه حكما يناسب كل الأجيال إلى يوم القيامة فإنه نسخ للأحكام المؤقتة ، أو نسخ إلى مثل المنسوخ أو خير منه «ليبلوكم» : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها) (٢ : ١٠٦)(١) .. وكما منها تبيين ما حرف منها : (قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ ...) (٥ : ١٥) ـ (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى

__________________

(١) نور الثقلين ١ : ٦٣٨ في كتاب الاحتجاج عن معمر بن راشد قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : قال رسول الله (ص) وقد ذكر الأنبياء صلوات الله عليهم ، «وان الله عز وجل جعل كتابي المهيمن على كتبهم الناسخ لها ..» وفيه في روضة الكافي بسند متصل عن علي بن عيسى رفعه قال : «ان موسى (ع) ناجاه ربه تبارك وتعالى فقال في مناجاته أوصيك يا موسى وصية الشقيق المشفق بابن البتول عيسى ابن مريم ومن بعده بصاحب الجمل الأحمر الطيب الطاهر المطهر فمثله في كتابك إنه مؤمن مهيمن على الكتب كلها ...».

١٠

بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ. وَإِنَّهُ لَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) (٢٧ :) ٧٦).

وفي جملة مختصرة (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ...) (١٧ : ٩) فمهما كانت كتب السماء كلها قيّمة ، ولكنها ليست إلّا لردح خاص من الزمن وأهليه ، لا تصلح لإقامة المكلفين إلى يوم الدين ، لكلّ قوامة معينة لهم من رب العالمين.

وترى حين يكون كيان القران ـ العام ـ الهيمنة الطليقة على كل كتابات السماء ، أفلا يكون مهيمنا على نفسه بيانا وتبيانا ، أم لا يكون مهيمنا على ما يروى عن الرسول (ص) والأئمة المعصومين من آله عليهم السلام.

أجل ، وكما الله مهيمن على الكائنات كلها دون شريك ولا معين ، كذلك قرآنه العظيم له الهيمنة الطليقة المطبقة العميقة على الوحي كله دونما ندّ ولا شريك ، وما السنة المحمدية (ص) إلّا شرحا هامشيا له دونما استقلال له ولا استغلال ، فضلا عما سواها من شهرة أو عقلية أو إجماع ، فضلا عن قياس أو استحسان أو استصلاح فإنها كلها بجنب القرآن هباء منثور ، فلا حجة قيّمة معصومة إلّا القرآن ، أو ما وافقه من المروي عن معصوم.

أجل ، فالهيمنة القرآنية هي الوحيدة غير الوهيدة بين كتب السماء ، كما أن هيمنة الله هي الوحيدة بين كل الكائنات ، لا توازى ولا تسامى.

ذلك ، ومن لزامات الهيمنة القرآنية عدم تحرّفه بجنب خاتميته ، وعدم غموضه في ظواهره ورموزه ، فإنه بيان للناس ونور مبين ، فلا هيمنة طليقة على الوحي كله إلّا للوحي الأخير ، الثابت كما أنزل بلا تحوير أو تغيير ، حيث المحرّف بحاجة إلى هيمنة فلا يكون ـ إذا ـ مهيمنا لما سواه.

وقضيته الهيمنة الطليقة القرآنية فالحاكم بالقرآن مهيمن على الحكم كله وعلى الحكام

كلهم : (فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا

١١

جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ) المطلق المهيمن المطبق (فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ) وهم كل الملل الكتابية والمسؤولون أمام كتب السماء (بِما أَنْزَلَ اللهُ) في هذا القرآن ، فإنه يحمل كل ما أنزله من قبل وما يحتاجه المكلفون إلى يوم الدين.

(وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ) : تجاوزا عما جاءك من الحق إلى أهواءهم ، وتراه بالإمكان أن يتبع أهواءهم عما جاءه من الحق؟ كلّا ولكن لتستأصل أهواءهم فيه بمحاولة استهوائه بما وعدوه.

وهنا (عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ) تحقق له أن يحكم لهم بما أنزل الله في شرعته ومنهاجه ، فلئن اختلف حكم التوراة عما فيها لم يحكم إلّا بما أنزل الله فيها دون التوراة ، وإذا توافقا فالحكم متوافق بين الشرعتين والمنهاجين.

ذلك ، ف (فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ) يحلّق حكمه الرسالي على الملل الخمس أن يحكم بينهم (بِما أَنْزَلَ اللهُ) من شرعته ومنهاجه ، فلم يخير من ذي قبل بين الحكم وتركه : (فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ) إلّا تخيّرا بين الحكم بما أنزل الله عليه أو تركه إطلاقا حين لا يصدقونه ، ثم (وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ) وليس القسط هناك إلّا «ما أنزل الله» هنا ، لا سيما وأن حكم الرجم أم سواه كان متحدا بين التوراة وشرعة القرآن.

فليس للرسول (ص) أن يحكم في التحاكم إليه بين غير المسلمين بحكم يخالف شرعته ومنهاجه لمكان النسخ.

فأنت أنت الحاكم المطلق بين الكتابيين أجمعين ، فان شرعتك هي الدين كله : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) «لكلّ» من المذكورين وهم اهل الملل الثلاث اليهود والنصارى والمسلمين ، ومن غير المذكورين وهم أمة نوح وإبراهيم عليهما السلام ، فالمخاطبون هنا هم كافة المكلفين على مدار الزمن الرسالي كله في مثلث الزمان ، ان تحكم على كل ملة رسالية شرعة واحدة في مجالتها.

١٢

اجل ليس المخاطبون الفرق الكتابية في زمان واحد ، فإن كل شرعة من الخمس تحلق على كافة المكلفين في زمنها ، دون أن تعدوا شرعة إلى زمن أخرى اختلاقا للاختلاف المرفوض في دين الله حيث (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ...) (٤٢ : ١٣).

ومهما كان الدين في أصله واحدا ولكن شرائع الدين تختلف في بعض الطقوس والشكليات ، فلو أن شرائع الدين كانت متحكمة في كل زمان لكان الاختلاف لزاما للديّنين ، رغم أن الوحدة هي المقصودة دون خلاف : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ. إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ ...) (١١ : ١١٩).

ولو صح تقارن الشرائع لبطلت الدعوة القرآنية الموجهة إلى أهل الكتاب بل وسواهم لو كانوا مؤمّرين بشرعة الدين المحكّمة عليهم من ذي قبل ، وبطلت الدعوة الإنجيلية الموجهة إلى اليهود وسواهم ، وبطلت الدعوة التوراتية.

فالشرائع الخمس على مدار الزمن الرسالي في ولاية العزم الرسولي ، كلّ متحكم لردح من الزمن دون أي تقارن.

(لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً ..).

وهل ان ضمير الجمع المكرر مرات تسع يعني كل واحد من المكلفين؟ (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها) (٣٢ : ١٣) تحيله!.

أم يعني الأمم الكتابية الحاضرة زمن الخطاب؟ ولا أممية كتابية في زمان واحد ، وليس الجعل الرباني لكل شرعة ومنهاج إلّا لردح خاص من الزمن إلّا الشرعة الأخيرة!.

أم يعنيهم على مدار الزمن الرسالي خطابا على وجه القضايا الحقيقية؟ وخطاب الماضين من الأمم لا طائل تحته!.

١٣

والصحيح أن الخطاب موجه إلى الأمم الحاضرة وإلى يوم الدين ، نبهة على أن شرعة كلّ تختص بردح خاص من الزمن ، فليؤمنوا كلهم بهذه الشرعة القرآنية المهيمنة على السالفة ، دون جمود على شرائعهم المجعولة كلّ منها لردح خاص من الزمن.

فالأمم الكتابية الخمس ، وهم كافة المكلفين في الأدوار لخمسة الرسالية ، لكلّ جعل الله شرعة ومنهاجا ، ولو شاء الله لجعلهم كلهم منذ آدم إلى يوم الدين أمة واحدة لهذه الشرعة القرآنية الجامعة لها كلها ، ولكن ليبلوكم فيما آتاكم من الشرائع.

هذا وليست صدفة غير قاصدة توافق عديد النص في مختلف صيغ : «الناس» ال ٢٤١ مرة و «الإنسان» ٦٥ و «الإنس» ١٨ و «أناس» ٥ و «أناسي» ١ و «انسيّا» ١ و «بشر» ٢٦ و «بشرا» ١٠ و «بشرين» ١ ـ والجمع (٣٦٨) مرة ، مع مختلف النصوص في الرسل فانها ايضا (٣٦٨) مرة!.

والشرعة هي الأحكام الأصيلة الشارعة إلى الدين الواحد ، تحملها كتاب الوحي لولي العزم الرسولي ، والمنهاج يحمل السنة المنهجية الهامشية الشارحة للشرعة ، فلكل صاحب شرعة بيان رسالي بما أراه الله على ضوء كتاب وحيه الأصيل فالشرعة والمنهاج سبيل وسنة(١).

__________________

(١) نور الثقلين ١ : ٦٣٩ في أصول الكافي بسند متصل عن أبي جعفر عليهما السلام حديث طويل يقول فيه (ع) فلما استجاب لكل نبي من استجاب له من قومه من المؤمنين جعل لكل منهم شرعة ومنهاجا وقال الله لمحمد (ص) : إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده ، وأمر كل نبي بالأخذ بالسبيل والسنة وكان من السبيل والسنة التي امر الله عزّ وجل بها موسى (ع) «ان جعل عليهم السبت» وفيه عن علل الشرائع حنان بن سدير قال قلت لأبي عبد الله (ع) لأي علة لم يسعنا إلّا أن نعرف كل امام بعد النبي (ص) ويسعنا ان لا نعرف كل امام قبل النبي (ص)؟ قال : لاختلاف الشرائع.

١٤

فالسبيل هي أصل الشرعة وهي كتاب الوحي الأصيل ، والمنهاج هو الرسول بسنته ، وذلك المثلث يشكل هندسة الشرعة ، فمادة الدعوة الأصيلة الشرعة هي رأس الزاوية ، والداعية الرسولية بسنته الشارحة هما الزاويتان الأخريان.

فليس في ميادين الدين الخمسة إلّا شرعة ومنهاج ، وأما الطريقة المختلقة ادعاء أنها باطن الشرعة والمنهاج ، فهي خارجة عن الشرعة والمنهاج ، فإنهما هما الكافلان لبيان الدين المتين دون حاجة إلى اختلاق طريقة أو شرعة أو منهاج مختلقة ، ويكأن الله قصر أو قصّر في تبين الدين فاحتاج إلى اختلاق طريقة هي أعمق من شرعة الدين ومنهاجه! ولا سيما الطريقة التي تجتاح الشريعة زعم انها قشور غير محتاج إليها لأهل الطريقة!.

أجل وليست كل شرعة ربانية إلّا شرعة من الدين : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ) وشريعة من الأمر : (ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (٤٥ : ١٨).

إذا فالدين : الطاعة ، والدين : الأمر ، واحد لا اختلاف فيه أصليا ، فإنما الشرائع إلى الدين قد تختلف شكليا وابتلائيا ، فالواجبات الأصلية كما المحرمات الأصلية وأصول الدين كلها ثابتة كضابطة في شرايع الدين كلها ، فإنما الاختلاف في الشكليات ابتلاء وامتحانا :

(وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) في الشرعة والمنهاج كما أنتم امة واحدة في أصل الدين ، فقد كان من الممكن أن يشرع الله شرعة واحدة للدين ويفرضها على كل المكلفين منذ البداية إلى يوم الدين ، ولكي لا يختلفوا ويحتاروا : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ. إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ ...) (١١ : ١١٨) فالاختلاف

١٥

في الدين تخلّف عنه في حقل الابتلاء بمختلف الشرائع وهو الهادي والضال في ذلك الحقل تخييرا دون تسيير : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (١٦ : ٩٣) (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) (٤٢ : ٨).

ذلك ، فليست عدّة الأمم إلّا عدّة لبالغ الابتلاء ، حفاظا صارما بليغا على وحدة الدين بعبء المحاولة الدائبة في التسليم لله ، فهذه الأمم هي في الحق أمة واحدة لرسالة واحدة مهما اختلفت طقوس ظاهرية ومظاهر أحكامية : (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) (٢١ : ٩٢) و «... فاتقون» (٢٣ : ٥٢).

ولكن تعدد الشرائع إلى الدين ابتلاء ، كما الدين أصله ابتلاء ، فقد أراد الله مثنّى الابتلاء في حقل الدين استكمالا للبلية :

(وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ) بلوى مستمرة على مدار الزمن الرسالي (فِي ما آتاكُمْ) كلّا في زمنه ، هل أنتم تصبغون شرعة الله بصبغة الطائفية والقومية والإقليمية والعادة أماهيه؟ كما فعله الكثير من اليهود والنصارى المتعصبين المتصلبين على ما آتاهم الله.

فكما التدين بشرعة من الدين في البداية ابتلاء ، كذلك الانتقال منها إلى شرعة أخرى ناسخة لها ابتلاء ، بل والنقلة أبلى من الابتذاء ولا سيما إلى نبي من غير قومه ، فقد تختصر الحكمة الربانية في عديد الشرايع من الدين وتحتصر في :

(وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ) فكما يبلو المولى عبده ليختبره في مدى طاعته له بمختلف أوامره ، فقد يأمره أوّلا بأمر يأتمره فيه ، ثم يظل فيه متعودا ، ومن ثم يأمره بأمر ثان علّه إمر أكثر مما كان ، وهو في نفسه إمر حيث يخالف

١٦

تعوّده على الأوّل ، فإن ائتمره في كل أوامره عرف تسليمه له دون أن تؤمره عادته وهواه ، وإن جمد على أمره دون نقلة إلى ثان وسواه عرف عدم تسليمه ، وأنه ممن يؤمن ببعض ويكفر بعض ، وأنه متبع هواه دون مولاه.

كذلك الأمر (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً ... لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ) من شرعة سابقة ولاحقة ، فالجامد على السابقة تركا للّاحقة وهما من دين واحد وإله واحد ، إنه ليس متشرعا بالسابق كما اللّاحق ، فإنما هو متبع هواه مهما اتبع من قبل ظاهريا هدى الله ، وهكذا نرى الدنيا بحذافيرها ابتلاء في خيرها وشرها (١).

ثم الأحكام على صنوف عدة ، منها ما تكون مصالحها في أنفسها أمرا أو نهيا دون أي تطبيق كأمر إبراهيم الخليل بذبح إسماعيل ، وأخرى بتطبيق دون مصلحة خارجية أخرى إلّا هو ، وثالثة تتبع مصالح واقعية مقررة من عند الله ، وكلّها حق لا بمعنى أن الله يتبع فيها حقا هو أمر ثالث بعده

__________________

(١). ذلك وعالم التكليف في كل مظاهره تكوينا وتشريعا بلوى وامتحان : «وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ» (٧ : ١٦٨) «وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ» (٢١ : ٣٥) «وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ» (٤٧ : ٣١) «وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ» (٢ : ١٥٥) «وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ» (٦ : ١٦٥.

وبصورة جامعة : «إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً» (١٨ : ٧) «الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً» (٦٧ : ٢ «فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ. كَلَّا ..» (٨٩ : ٧٦)

فقد نعيش ابتلاءات بأشكالها ولكلّ حساب فثواب أو عقاب قدر ما ابتلي ولا يظلمون نقيرا.

١٧

وبعد خلقه ، بل الحق هو الذي يقرره بأية صورة من هذه الثلاث ، والثابت منها هو الموافقة للمصالح الواقعية بسيرتها أم وبصورتها دون الأخريين.

وهكذا يكون دور الابتلاء بمختلف الأحكام في مختلف الشرائع : (لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ).

دون ما اشتهر في خطابات ومؤلفات أن هذه الشرائع الخمس كالصفوف الخمس الدراسية تتدرج حسب تدرج القابليات! فإن شرائع الله في أصولها العقيدية وفروعها الأحكامية ليست من العلوم الصلاحية التي تتدرج في صفوفها للدراسين ، فأصولها الثلاثة يكفي فيها ـ فقط ـ عقل التكليف في أية درجة ، ثم الفروع متلقاة بالقبول على أساس الأصول دونما حاجة إلى أية عبقرية عقلية أو علمية ، فأي فرق بين واجب عقيدة التوحيد والمعاد بين شرعة نوح وشرعة الإسلام ، اللهم إلّا أن الله بين أكمل مدارج التوحيد هنا لأنها شرعة المكلفين منذ بزوغها إلى يوم الدين ، ثم الأحكام الفرعية نازلة فيها كما تحتاجها الأمة الاسلامية على مدار زمنها.

ولو أن الحكمة في تعدد الشرائع كما يقولون لما كان لعديدها ومديدها حد تقف عنده ، فأين العقلية الجامدة الخامدة للجاهليين العرب ، والعقلية المتحضرة في القرن الرابع العشر الحاضر ، فهل من المفروض أن تأتينا شرعة جديدة تناسب هذه العقلية الحاضرة.

ثم المكلفون في كل الأدوار الرسالية الخمسة هم درجات في قابلياتهم ، فالمفروض ـ إذا ـ في كل دور شرائع عدة لمختلف صنوف المكلفين دون شرعة واحدة تحكمهم على اختلاف قابلياتهم العقلية والعلمية.

فكما لا تصلح أية دراسة خاصة لمختلف الدارسين على حد سواء ، كذلك شرعة واحدة لمختلف المتشرعين على حد سواء.

١٨

فهذه هرطقة حمقاء ان مختلف الشرائع هي لحكمة مختلف القابليات ، إنما هو كما قال الله : (لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ).

فإنما الدين هو التسليم لرب العالمين في كل قليل وجليل ، تناسيا كافة الأهواء إلّا هدى الله (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ ، فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) (٣ : ٢٠) (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٣ : ٨٥) (أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (٣ : ٨٣) (وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ) (٤ : ١٢٥) (بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ) (٢ : ١١٢) (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) (٣١ : ٢٢) (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ) (٦ : ١٤) (ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا(١) نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (٣ : ٦٧) (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ)(٥ : ١١١).

فإنما الدين الحق : الطاعة لله الحق ، إنه واحد هو الإسلام لله في كل شرايع الدين المتين ، ف (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) (٢ : ١٣٤) في دعواتهم بشرائعهم من الدين إلى أصل واحد هو الدين الطاعة والتسليم الواحد لرب العالمين.

ذلك ، ففي كل شرعة ، وفي حقول الشرائع كلها ، ليس المفروض إلّا التسليم (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) دون الطائفيات والعنصريات والإقليميات أمّا هو آت من غير التسليم الخاص لله رب العالمين.

والخير الأخير المنقطع النظير بين كل بشير ونذير هو الشرعة الإسلامية

١٩

السامية فاجعلوها في سباقاتكم السابغة ، حيث الجمود على شرعة سابقة منسوخة هو شر حيث يتخلف عن شرعته الحاضرة المحكمة.

صحيح أن كل شرعة في زمنها الخاص خير ، ولكنها بعد نسخها ليس خيرا ، إلّا النقلة إلى ناسخها لمكان التسليم الطليق لله.

ذلك ، و (إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً) أيها المتشرعون المختلفون ، إلى إله واحد شرع لكم كل شرعة من الخمس (فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) إنباء علميا صارما بعد ما تجاهلتم في أولاكم ، ثم إنباء عملي بعقوبات تستحقونها (بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ).

(فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) : بادروا فعل الخيرات إن كنتم على غير أمان من حضور الأجل وتضييق الأمل ، وذلك يشبه سباق الخيل فإن كل واحد من فرسانها يشاحّ غيره على بلوغ الغاية المقصودة وينافسه في الإسراع إلى البغية المطلوبة.

وإن شرائع الله كلها خيرات ، وفي كل شرعة خيرات وخيرات ، ولمكان التفاضل في هذه الخيرات ، على الخيّرين أن يستبقوا الخيرات ، لا أن يستبقوا خيرا يجمدون عليه وقد نسخ في شرعة الله ، أم فيها خير منه ، وهكذا نجد الله تعالى يستقطب مساعينا كلنا بكلها للحصول على أفضل الخيرات ، فالبقاء على خير وهنا خير منه شر ، والبقاء على خير منسوخ هو أشر ، والخير المأمور به دوما المحجور هو استباق الخيرات ، طلبا للسابق السابغ في الخير سبقا في الخير في أصله دون سبق المكان أو الزمان.

فالخير للمكلفين أجمعين في شريعة الله هو اجتماعهم على شرعته الأخيرة ، ثم استباقهم فيها ، دون أن يظل كلّ على شرعته ثم التسابق في الجدال ، أو محاولة التوحيد بين هذه الشرائع بفرض المشاركات ورفض

٢٠