الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ١٦

الشيخ محمد الصادقي

الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ١٦

المؤلف:

الشيخ محمد الصادقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: انتشارات فرهنگ اسلامى
المطبعة: اسماعيليان
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٤٤

١
٢

٣
٤

(١٤) سُورَة ابراهيم مكِيَّة

وآيَاتها ثِنتانِ وَخَمسُونَ

٥
٦

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (١) اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ (٢) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (٣) وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٤)

٧

وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ)(٥)

«سورة ابراهيم» وقد سبقتها سورة هود ويوسف وتلحقها سورة محمد ، سور اربع تحمل اسماء اربعة من النبيين اثنان من اولي العزم وآخران من سواهم.

نرى لهذه السورة الابراهيمية ختاما كبداية : (هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ) (٥٢) وبينهما تفاصيل عن دعوات للمرسلين بغاياتها وعرقلاتها ، ونرى الرسول محمدا (ص) أصلا تحول حوله وتحور حوره الرسالات كلها مهما سميت السورة باسم جده الامام شيخ المرسلين ، حيث تبدء السورة به وتختتم بما بدأت ، كأنه هو الموضوع للسورة كلها وحقا انه (ص) هو هو.

و «الر» هنا كما في اربع اخرى أمثالها (١) ومن الطريف ان هذه الخمس

__________________

(١) وهي : يونس ـ هود ـ يوسف ـ الحجر ، ففي يونس : «الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ» (١) وفي هود : «كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ» (١) وفي يوسف : تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (١) وفي الحجر : «تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ» (١).

٨

نظائر في مفتتحاتها بعد «الر» في آية واحدة تتحدث عن موقف القرآن : آيات (الْكِتابِ الْمُبِينِ) ـ (قُرْآنٍ مُبِينٍ) ـ (الْكِتابِ الْحَكِيمِ) (كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ).

(كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)(١).

هذا ، وهي في ختاماتها كبداياتها تذكر القرآن او نبي القرآن (١) مما يربط هذه السور الخمس بعضها ببعض ، وكما هي متقاربة في مواضعها ومواضيعها ، واربعة اخماسها تتسمى باسم الأنبياء الخصوص ، وهم مطويون بداية ونهاية وفيما بينهما في الرسالة القدسية المحمدية عليه أفضل سلام وتحية.

والهدف الاسمى من إنزال هذا الكتاب (لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ ...) وفي «لتخرج» أنت الرسول دون «ليخرج» لمحة صارحة صارخة ان ليس الكتاب بمفرده مخرجا من الظلمات الى النور إلّا بالرسول كمعلم الوحي والمربي بالوحي (يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٦٧ : ٢) كما الرسول ليس ليخرج إلّا بالكتاب ، فالثقلان هما المخرجان من الظلمات الى النور ، والرسول وعترته المعصومون هم مجامع الثقلين ، فالرسول كرسول هو أفضل من القرآن دون القرآن بلا رسول أو الرسول دون القرآن ، فهو مصداق تام للقرآن

__________________

(١) ففي يونس : «وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ» (١٠٩) وفي هود : «... فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ» (١٢٣) وفي يوسف «.. ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ» (١) (١١١) وفي الحجر : «وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ» (٩٩).

٩

اضافة الى تفسيره وتطبيقه.

وفي ذلك الإخراج سواء ناس العرب وسواهم في الطول التاريخي والعرض الجغرافي ، محلقا على كافة اللغات والقوميات والاقليميات ما تشملهم لغة «الناس» وكما يبرز ذلك الشمول والجمعية الكافلة في آيات أمثالها : (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) (٧ : ١٥٨) وكالتي تختم بها السورة (هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ).

ثم ولا فحسب الناس ، فإنهم ليسوا إلا الأفضل بين المرسل إليهم في هذه الرسالة السامية ، فالدعوة القرآنية تشملهم وكل البشر (نَذِيراً لِلْبَشَرِ) (٧٤ : ٣٦) وهو أعم من الجنة والناس وسواهم من المكلفين ، حيث النذارة القرآنية تشمل كل من بلغ : (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) (٦ : ١٩) بلوغ المنذر والمنذر ، فالقرآن بلاغ لايّ كان من بالغ حد التكليف من العالمين : (تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً) (٢٥ : ١) ولان اقل الجمع ثلاثة فأقل النذارة في هذا القرآن مثلث الانس والجن أمن هو ممن لا نعرفه من سكنة هذه الكرة وسائر الكرات فإنهم ممن حول ام القرى (لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها) (٤٢ : ٧) فالمركز الرئيسي لهذه الدعوة الاخيرة هو ام القرى ثم «من حولها» يعم العالمين اجمع حين يشمل «حولها» في العالم اجمع دون اختصاص بهذه البسيطة.

إذا ف (لِتُخْرِجَ النَّاسَ) لا تختص دعوته بالكتاب بخصوص الناس حيث الهدف الشامل ، (لِتُخْرِجَ النَّاسَ) وما الناس في الميدان إلّا كمحور في هذه الرسالة السامية مرسلا إليهم ، كما الناس محور في الرسالة.

ثم (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) تذكرة مكرورة في ذلك الإخراج انه ليس ـ فقط ـ من خلفيات هذه الدعوة ف (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ

١٠

وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (٢٨ : ٥٦) وانما (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) تشريعا وتكوينا (إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ) : القادر الغالب «الحميد» : في عزته دون الاعزة المذمومين ، فان صراطهم زور وغرور.

فالنور واحد هو صراط العزيز الحميد ، والظلمات عدة هي السبل المتفرقة عن صراطه ، فالإيمان على ضوء القرآن بدلالة نبي القرآن نور تشرق به النفس وتشف ، فترى الصراط واضحا لا يشوبها غش ولا غبش ولا ضباب ، حيث خرجت من الظلمات كل الظلمات على قدر شفافية الايمان وجلائه.

فالنور هو صراط العزيز الحميد ، والظلمات هي السبل المتفرقة عن النور وهي صراط الذليل اللعين ، وصاحب الصراط النور هو :

(اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ)(٢).

فمن له الكون كله ملكا وملكا وقدرة فهو العزيز الحميد ، وهو صراطه النور (وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ) بذلك الإله (مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ) هنا معيشة ضنكا وفي الاخرى أشد وانك ، والكافرون هم :

(الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ)(٣).

قد تستحب الحياة الدنيا ذريعة ومتاعا للحياة الآخرة فهو سبيل المؤمنين ، وقد تبغض وتكره زعم أنها دنيئة على إطلاقها حتى وان كانت ذريعة الآخرة وهذا تقشف ورهبانية مبتدعة ، وأهلها عوان بين اهل الدنيا والآخرة ، وثالثة تستحب الحياة الدنيا على الآخرة إيثارا لها عليها وركونا واخلادا إليها ، فذلك كفر بالحياة الاخرى ، وظلمات بعضها فوق بعض ،

١١

بعيد عن النور كل البعد.

انه لا تعطيل ولا تبطيل في الإسلام للحياة الدنيا نظرة الآخرة حيث الدنيا مزرعة الآخرة ، تعميرا لها واستعمارا بالحق. والفضيلة ابتغاء رضوان الله : (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ) ولكنها متاع الغرور وعلى حد المروي عن الامام علي (ع)(من ابصر بها بصّرته ومن أبصر إليها أعمته)!.

وهم إذا استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة في أنفسهم دون تعد في طورهم وكورهم على من سواهم فهم في ضلال قريب ، ولكنهم (وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) من آمن او كاد (وَيَبْغُونَها عِوَجاً أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) فسبيل الله وهي القرآن وهي نبي القرآن بالقرآن هم يصدون عنها : (رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً) (٤ : ٦١) (لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً) (٣ : ٩٩) صدا عن الايمان قبله او بعده في محاولة كافرة ماكرة.

واما (يَبْغُونَها عِوَجاً) فهل تعني يبغون فيها عوجا تغييرا أو تحويرا لكي تحرف عن جهات اشراعها؟ وصيغته الصحيحة «يبغون فيها»! ولا تنحصر المحاولات الكافرة في الصد عن سبيل الله في تحريفها عما هي عليه بل وتزييفها على ما هي عليه ، ف (يَبْغُونَها عِوَجاً) هي ان يطلبوها معوجة بتحريف ان قدروا عليه ، ام تزييف ان لم يقدروا على تحريف ، استغلالا لضعاف العقول ، واستحمارا لهم على استكبار. (فلو ان الحق خلص لم يكن للباطل حجة ولو ان الباطل خلص لم يكن اختلاف ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيمزجان فيجيئان معا فهنالك استحوذ الشيطان على أوليائه ونجى الذين سبقت لهم من الله الحسنى).

ف «عوجا» حال عن هؤلاء وبغيهم وعن سبيل الله ، إذ يبغونها حال

١٢

اعوجاجهم عن الفطرة ، فبطبيعة الحال يعوجون عن السبيل ـ فان اقامة الوجه الى الفطرة من الشروط الاصيلة لابتغاء السبيل (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها).

ثم ويبغونها على بغيهم هذا عوجا في تحريف او تزييف (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا) فحقا (أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) فانه إضلال بعد ضلال (ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ).

ذلك الضلال البعيد ، ولكن الرسالات الالهية مكافحة لكل ضلال قريب ام بعيد إذ تملك بيانا للحق الصارم ، ناصحا ناصعا لا يشوبه ريب ولا عيب :

(وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(٤).

أترى ما هو (بِلِسانِ قَوْمِهِ)؟ هل هو لغتهم التي بها يتكلمون (١)؟ واولوا العزم من الرسل أرسلوا الى العالمين بمختلف لغاتهم ، مهما كان الموارد الأولى لدعواتهم قوم واحدهم عائشوهم ، ولكنهم كبداية الدعوة ، ثم منطلقها إلى سائر المكلفين ، وهم جميعا قومهم المرسل إليهم!.

ام «قومه» هم قوم هذا الرسول (ص) فما أرسل من رسول إلا بلسانهم العربي وهم كانوا يترجمونها الى لغات اقوامهم؟ (٢) ولم يسبق للرسول

__________________

(١) الدر المنثور ٤ : ٧٠ واخرج احمد عن أبي ذر قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يبعث الله نبيا الا بلغة قومه.

(٢) نور الثقلين ٢ : ٥٢٥ ح ٤ عن الباقر (عليه السلام) قال : ما انزل الله تبارك وتعالى كتابا ولا وحيا الا بالعربية فكان يقع في مسامع الأنبياء (عليهم السلام) بالسنة ـ

١٣

ذكر حتى يرجع اليه ضمير «قومه»! وحتى لو ذكر فلما ذا (بِلِسانِ قَوْمِهِ) دون «لسانه» وهو أعرب العرب! ثم ولا تمت (لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) بصلة الى اللغة العربية حيث البيان لا ينحصر فيها.

ام «قومه» هم قوم كلّ رسول ، في رسالة خاصة كالرسل الفروع ، أم عامة كأولي العزم من الرسل ولكن «قومه» في هؤلاء هم الذين نشأ فيهم دون سائر العالمين مهما كانوا قومه في البعد الرسالي!

فموسى يرسل بلغة قومه الإسرائيلين : العبرانية ، ثم ويدعو من سواهم من قبط الفرعونية وسائر المكلفين بمختلف لغاتهم ، ومحمد (ص) يرسل بلغة قومه العرب وهو يدعوا قومه الرسالي وهم كافة المكلفين.

ولوط يرسل بلسان قومه من كلدة وهم سريانيون ، ثم ويرسل الى المؤتفكات العبرانيين.

ذلك ، ولكن (لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) لا تناسب لغة القوم الاول لكل رسول ، حيث البيان الرسالي لا تخص من نشأ فيهم الرسول ، فكل المرسل إليهم أيا كانت لغتهم وفي اي زمان او مكان ، يستحقون ذلك البيان ، فهم كلهم قومه ، مهما قام عن قوم خصوص لهم لغتهم وعاداتهم!.

ثم و (لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) بالقرآن ، ليست لتعني الا إخراجا ببيان القرآن ، وهو عربيا ليس الا بيانا للعرب دون سائر العالمين!.

__________________

ـ قومهم وكان يقع في مسامع نبينا بالعربية فإذا كلم به قومه كلمهم بالعربية فيقع في مسامعهم بلسانهم وكان احد لا يخاطب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) باي لسان خاطبه الا وقع في مسامعه بالعربية كل ذلك يترجم جبرئيل (عليه السلام) عنه تشريعا من الله عز وجل له (صلى الله عليه وآله وسلم)

١٤

(بِلِسانِ قَوْمِهِ) قد لا تعني لغة قومه مهما شملت لغتهم ، وانما هو البيان الذي يفهمون ، سواء أكان بلغتهم ام ترجمة لها إليها ، فانما المعنى المستفاد منها هو الواضح المبين ، الساذج الناضح المناسب لافهامهم.

فقد تكون الرسالة بلغتهم ولكنها مغلقة غير مفهومة ، تعبيرا ام معبرا عنه ، حيث لا توافق حاجياتهم مهما فهموها ، ام توافق ولكنهم ليسوا ليفهموها ، فهذه الرسالة هي بلغتهم وليست بلسانهم.

واما الرسالة بلسانهم ، فهي المفهومة لديهم وان بوسيط الترجمان ، المقبولة لديهم حيث يناسب حاجاتهم ، وكما نرى في هذه الرسالة السامية (فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا) (١٩ : ٩٧) (فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (٤٤ : ٥٨) فالتبشير والإنذار والتذكار ليست على أساس اللغة في متهافت حالاتها ودلالاتها ، وانما هو «لسانك» : لسان القرآن : عربي مبين ، بلسان نبي القرآن ، لسان ميسّر تذكارا وتبشيرا وإنذارا لمن يتحرى عن الهدى ، ولا يتردى في الهوى.

فقد نزل القرآن بلسان قوم الرسول الخاتم ، وهم مختلف الأقوام بمختلف اللغات والافهام في طول الزمان وعرض المكان ، فكل من يبلغه القرآن ببيان نبي القرآن يتذكر به وينذر ويبشّر ، إلّا من استحب الحياة الدنيا على الآخرة فاستحب الكفر على الايمان واتبع هواه وكان أمره فرطا (يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً).

فليس لسان هذه الرسالة ان يخاطب كل قوم بلغتهم ، وانما بلسانهم الذي يفهمون ، ان عربيا فبنفسه ، وان أعجميا فبترجمته او ترجمانه ، ثم وعلى كافة المرسل إليهم ان يتعلموا لغة القرآن ، لكيلا يحيدوا عما يحويه ، في ترجمة زائفة ام ترجمان زائغ ، مهما كان التقليد للأورع الأعلم فيه الكفاية لمن لم يتعلم ، ام تعلم اللغة ولم يمعن في معانيها ومطاويها.

١٥

ولأن «قومه» أخص من «أمته» فقد يعني المحطّة الأولى لدعوة كل رسول ، وهو بطبيعة الحال قومه الذين نشأ منهم ونما فيهم ، (بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) ثم هم يحملون ما بيّن لهم لسواهم بنفس اللغة لأهلها ، وترجمة لها لسواهم ، فالبيان ـ إذا ـ عام موقفه الاوّل قوم كل رسول.

ثم وليس من المفروض ان يدعو الرسول كل المرسل إليهم بنفسه ، فانها دعوة مستحيلة ، ولا سيما بعد ارتحاله الى رحمة ربه (١).

ومن ثم فعلى حملة رسالته من خلفائه المعصومين وسائر الفقهاء في الدين ان يحملوها على ضوء القرآن والسنة إلى كافة الأرجاء والأصقاع ، إذا فلا تعارض بين رسالته للعالمين ، ورسالته بلسان قومه في تقدير الله وواقع الحياة الرسالية.

(فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ) عن أية رسالة في زمنها (وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ)

__________________

(١) نور الثقلين ٢ : ٥٢٥ ح ٥ عن عبد الله بن بكير الرجائي قال : قال الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) اخبرني عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كان عاما للناس أليس قد قال الله في محكم كتابه (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ) لأهل الشرق والغرب واهل السماء والأرض من الجن والانس هل بلغ رسالته إليهم كلهم؟ قلت : لا ادري ، قال (عليه السلام) : يا ابن بكير ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يخرج من المدينة فكيف بلغ اهل الشرق والغرب؟ قلت : لا ادري ، قال (عليه السلام) : ان الله تبارك وتعالى امر جبرئيل فاقتلع الأرض بريشة من جناحه ونصبها لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وكانت بين يديه مثل راحته في كفه ينظر الى اهل المشرق والمغرب ويخاطب كل قوم بألسنتهم ويدعوهم الى الله والى نبوته بنفسه فما بقيت قرية ولا مدينة الا دعاهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بنفسه أقول ، وهذا بيان لواقع الدعوة الواسعة في هذه الرسالة لا ان الرسول بالفعل دعى المرسل إليهم كلهم ، اللهم إلّا بما يحمله حملته الى الناس كافة.

١٦

فمن شاء ضلاله شاء الله ومن شاء هداه شاءه الله ، ف «من يشاء» تعم المشيئتين حيث الخلقية منها تتبنى الخالقية (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) و «من يشاء» هنا تعم المشيئتين البشرية والإلهية ، فمن يشاء الضلال شاءه الله ، ومن يشاء الهدى شاءها الله ، والمشيئة البادية الإلهية هي الهادية ، حيث أرسل رسله لها ، وقدم مقدمات صالحة للسالكين فيها.

ثم هو يتبع مشيئات المكلفين تخييرا دون تسيير (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ).

(وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) في إرساله رسله ومشيئته لإضلال من ضل وهدى من اهتدى ، فانها ليست بعزة دون حكمة ، ان يرسل دون حكمة ، او يضل ويهدي دون حكمة.

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ)(٥).

أترى ما هي ايام الله؟ والأيام كلها لله! انها الأيام التي يبرز فيها حكم الله إذ لا حكم فيها الا لله ، سواء فيها ايام الفرح والترح ، وهما قبل الموت ام بعده ، فمما بعده يوم البرزخ ويوم القيامة وكما تعنيهما فيما تعنيه آية الجاثية : (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ)(١٤).

ومما قبله يوم الرجعة وهذه الثلاثة (١) هي الأيام الرئيسية من ايام الله ، ومن ثم ايام الرحمة والعذاب التي يبرزان فيها انهما من الله دون سواه ، فهما

__________________

(١) نور الثقلين ٢ : ٥٢٦ عن الخصال عن مثنى الحناط قال سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : ايام الله يوم يقوم القائم ويوم الكرة ويوم القيامة ، وروى القمي في تفسيره قال : ايام الله ثلاثة : يوم القائم ويوم الموت ويوم القيامة.

١٧

«نعماءه وبلائه ببلائه سبحانه» (١).

فمن ايام العذاب يوم عاد وثمود وقوم نوح واصحاب الرس ويوم فرعون والمؤتفكات والذين من بعدهم ، كما ومن ايام الرحمة يوم نوح بسفينته ويوم ابراهيم بناره ويوم موسى بتابوته في يمه ويوم عيسى إذ شبه به عدوه ويوم محمد في ليلة المبيت والغار وايام اخرى تترى تلو بعض للصالحين من عباد الله الظاهرة فيها رحمة الله كما ظهرت هنالك نقمته للطالحين.

فهنالك التذكير بأيام نقم الله التي أوقعها بالماضين ، والأيام التي أنعم الله عليهم فيها وعلى الماضين بوقم الأعداء وكشف اللأواء ، وإسباغ النعماء ، فالأيام إذا تذكر لمن أراد ان يتذكر وظن نشورا.

ولخاصة بني إسرائيل ايام النعم والنقم من بأسهم بفرعون وسوء عمله ، وبأس فرعون في غرقه بسوء عمله ، المسرودة كاملة في الذكر الحكيم.

فذلك التذكير لقوم موسى يعم الإنذار والتبشير وكما لكل قوم يعيشون افراحا واتراحا ملموسا لهم ام في التاريخ.

(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) صبرا على نعمته فلا يزهو وعلى نقمته فلا يشكو.

__________________

(١) المصدر عن امالي الطوسي باسناده الى أبي جعفر (عليه السلام) قال حدثني عبد الله بن عباس وجابر بن عبد الله الأنصاري ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال في قوله عز وجل (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ ..) ايام الله. وعن العياشي بسنده عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الآية قال : بآلاء الله يعني بنعمته.

١٨

وترى كيف يتقيد (لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) في محمد (ص) (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) ولكن (أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) في موسى لا يتقيد بإذن؟ علّه لأن الأمر في أخرج شامل إذنه حيث يشمل إخراجه كرسول امرا شرعيا ، وإخراجه كذريعة أمرا تكوينيا ، ولأن ضرورة الإذن في محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لزامها الاولى الإذن في موسى (عليه السلام) ، ام انه يخص الإخراج دلاليا وتكوينيا.

وهنا نرى موسى يذكرهم بأيام النعم والنقم كما امره الله ، ولأنهم كانوا أشداء في إخلادهم إلى الدنيا لا يذكرهم إلّا بأيامها دون الأخرى :

(وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (٦) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ (٧) وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (٨) أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللهُ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ

١٩

فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (٩) قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (١٠) قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١١) وَما لَنا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (١٢) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (١٣) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذلِكَ

٢٠