بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤١٥
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

بسم الله الرحمن الرحيم

١٢٢

* ( باب ) *

* «( حب الدنيا وذمها ، وبيان فنائها وغدرها بأهلها وختل الدنيا بالدين )» *

الايات : البقرة : أولئك الذين اشتروا الحيوة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون (١).

وقال : زين للذين كفروا الحيوة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا والذين اتقوا فوقهم يوم القيمة والله يرزق من يشاء بغير حساب (٢).

آل عمران : زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والانعام والحرث ذلك متاع الحيوة الدنيا والله عنده حسن المآب * قلءأنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد (٣).

وقال : منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة (٤).

وقال : وما الحيوة الدنيا إلا متاع الغرور (٥).

الانعام : وما الحيوة الدنيا إلا لعب ولهو وللدار الآخرة خير للذين

____________________

(١) البقرة : ٨٦.

(٢) البقرة : ٢١٢. (٣) آل عمران : ١٥١٤.

(٤) آل عمران : ١٥٢. (٥) آل عمران : ١٨٥.

١

يتقون أفلا تعلقون (١).

وقال تعالى : وغرتهم الحيوة الدنيا (٢).

الاعراف : فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الادنى ويقولون سيغفر لنا وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب ألا يقولوا على الله إلا الحق ودرسوا ما فيه والدار الآخرة خير للذين يتقون افلا تعقلون (٣).

التوبه : أرضيتم بالحيوة الدنيا من الآخرة فما متاع الحيوة الدنيا في الآخرة إلا قليل (٤).

وقال تعالى : فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحيوة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون (٥).

وقال تعالى : كالذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأكثر أموالا وأولادا فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلهم بخلاقهم وخضتم كالذي خاضوا أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك هم الخاسرون * ألم يأتهم نبؤ الذين من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم واصحاب مدين والمؤتفكات أتتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون (٦).

يونس : إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحيوة الدنيا واطمأنوا بها والذينهم عن آياتنا غافلون * أولئك مأويهم النار بما كانوا يكسبون (٧).

وقال تعالى : إنما مثل الحيوة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الارض مما يأكل الناس والانعام حتى إذا أخذت الارض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتيها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن

____________________

(١) الانعام : ٣٢. (٢) الانعام : ٧٠.

(٣) الاعراف : ١٦٩. (٤) براءة : ٣٨.

(٥) براءة : ٥٥. (٦) براءة : ٦٩ ٧٠.

(٧) يونس : ٨٧.

٢

بالامس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون (١).

وقال تعالى : قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون (٢).

وقال تعالى : متاع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون (٣).

وقال سبحانه : وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملاه زينة وأموالا في الحيوة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك (٤).

هود : من كان يريد الحيوة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون * أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون (٥).

الرعد : وفرحوا بالحيوة الدنيا وما الحيوة الدنيا في الآخرة إلا متاع (٦).

ابراهيم : الذين يستحبون الحيوة الدنيا على الآخرة ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا أولئك في ضلال بعيد (٧).

الحجر : لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم ولا تحزن عليهم (٨).

النحل : ما عندكم ينفد وما عند الله باق ولنزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون (٩).

وقال تعالى : ذلك بأنهم استحبوا الحيوة الدنيا على الاخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرون (١٠).

اسرى : وأمددناكم بأموال وبنين (١١).

____________________

(١) يونس : ٢٤.

(٢) يونس : ٥٨. (٣) يونس : ٧٠.

(٤) يونس : ٨٨. (٥) هود : ١٦١٥.

(٦) الرعد : ٢٦. (٧) ابراهيم : ٣.

(٨) الحجر : ٨٨. (٩) النحل : ٩٦.

(١٠) النحل : ١٠٧. (١١) أسرى : ٦.

٣

وقال تعالى : من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصليها مذموما مدحورا * ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا * كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا * انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا (١).

الكهف : تريد زينة الحيوة الدنيا (٢).

وقال تعالى : واضرب لهم مثل الحيوة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الارض فاصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شئ مقتدرا * المال والبنون زينة الحيوة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا (٣).

طه : ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحيوة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى (٤).

القصص : وما أوتيتم من شئ فمتاع الحيوة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى افلا تعقلون * أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحيوة الدنيا ثم هو يوم القيمة من المحضرين (٥).

وقال تعالى : فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحيوة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم * وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقيها إلا الصابرون (٦).

العنكبوت : ماهذه الحيوة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون (٧).

____________________

(١) أسرى : ٢١١٨. (٢) الكهف : ٢٨.

(٣) الكهف : ٤٦٤٥. (٤) طه : ١٣١.

(٥) القصص : ٦١٦٠. (٦) القصص : ٨٠٧٩.

(٧) العنكبوت : ٦٤.

٤

الروم : يعلمون ظاهرا من الحيوة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون (١).

لقمان : يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحيوة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور (٢).

فاطر : يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحيوة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور (٣).

ص : فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب (٤).

الزمر : فاذا مس الانسان ضر دعانا ثم إذا خولناه نعمة منا قال إنما أوتيته على علم بل هي فتنة ولكن أكثرهم لا يعلمون * قد قالها الذين من قبلهم فما أغنى عنهم ما كانو يكسبون * فأصابهم سيئات ما كسبوا والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ماكسبوا وماهم بمعجزين * أولم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء و يقدر إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون (٥).

المؤمن : وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد * يا قوم إنما هذه الحيوة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار (٦).

حمعسق : من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب (٧).

وقال تعالى : فما أوتيتم من شئ فمتاع الحيوة الدنيا وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون (٨).

الزخرف : وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم * أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحيوة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات

____________________

(١) الروم : ٧.

(٢) لقمان : ٣٣. (٣) فاطر : ٥.

(٤) ص : ٣٢. (٥) الزمر : ٥٢٤٩.

(٦) المؤمن : ٣٩٣٨. (٧) الشورى : ٢٠. (٨) الشورى : ٣٦.

٥

ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون * ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون * ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون * وإن كل ذلك لما متاع الحيوة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين (١).

الجاثية : ذلكم بأنكم اتخذتم آيات الله هزوا وغرتكم الحيوة الدنيا فاليوم لا يخرجون منها ولا هم يستعتبون (٢).

محمد : إنما الحيوة الدنيا لعب ولهو وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم ولا يسألكم أموالكم (٣).

النجم : فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحيوة الدنيا ذلك مبلغهم من العلم (٤).

الحديد : واعلموا أنما الحيوة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الاموال والاولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتريه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحيوة الدنيا إلا متاع الغرور (٥).

المجادلة : لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا أولئك اصحاب النار هم فيها خالدون (٦).

المنافقون : يا أيها الذين آمنوا لا تهلكم أموالكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون (٧).

____________________

(١) الزخرف : ٣٥٣١. (٢) الجاثية : ٣٥.

(٣) القتال : ٣٦.

(٤) النجم : ٣٠٢٩.

(٥) الحديد : ٢٠.

(٦) المجادلة : ١٧.

(٧) المنافقون : ٩.

٦

التغابن : إنما أموالكم وأولادكم فتنه والله عنده أجر عظيم (١).

القيمة : كلا بل تحبون العاجلة وتذرون الاخرة (٢).

الدهر : إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون ورائهم يوما ثقيلا (٣).

النازعات : فأما من طغى * وآثر الحيوة الدنيا * فإن الجحيم هي المأوى * وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى (٤).

الاعلى : بل تؤثرون الحيوة الدنيا * والاخرة خير وأبقى * إن هذا لفي الصحف الاولى * صحف إبراهيم وموسى (٥).

الضحى : وللاخرة خير لك من الاولى (٦)

١ ـ كا : عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن درست بن أبي منصور ، عن رجل ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام وهشام عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : راس كل خطيئة حب الدنيا (٧).

بيان : «رأس كل خطيئة حب الدنيا» لان خصال الشر مطوية في حب الدنيا وكل ذمائم القوة الشهوية والغضبية مندرجة في الميل إليها ولذا قال الله عزوجل «من كان يريد حرث الاخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وماله في الآخرة من نصيب» (٨) ولا يمكن التخلص من حبها إلا بالعلم بمقابحها ومنافع الاخرة وتصفية النفس وتعديل القوتين.

٢ ـ كا : عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن النعمان ، عن أبي أسامة زيد ، عن ابي عبدالله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من لم يتعز بعزاء الله تقطعت نفسه حسرات على الدنيا ، ومن أتبع بصره ما في أيدي الناس كثر همه ولم يشف غيظه

____________________

(١) التغابن : ١٥. (٢) القيامه : ٢٠ ٢١.

(٣) الدهر : ٢٧. (٤) النازعات : ٣٧ ٤١.

(٥) الاعلى : ١٩١٦. (٦) الضحى : ٤.

(٧) الكافى ج ٢ ص ٣١٥.

(٨) الشورى : ٢٠.

٧

ومن لم ير لله عزوجل عليه نعمة إلا في مطعم أو مشرب أو ملبس فقد قصر عمله ودنا عذابه (١).

بيان : «من لم يتعز بعزاء الله» قال في النهاية : فيه ومن لم يتعز بعزاء الله فليس منا اي من لم يدع بدعوى الاسلام فيقول يا للاسلام ويا للمسلمين ويالله ، وقيل أراد بالتعزي التسلي والتصبر عند المصيبة وأن يقول : إنا لله وإنا إليه راجعون كما أمر الله تعالى ومعنى قوله بعزاء الله اي بتعزية الله تعالى إياه فأقام الاسم مقام المصدر انتهى وقيل : العزاء مصدر بمعنى الصبر او اسم للتعزية وكلاهما مناسب وعلى الاول إسناده إلى الله تعالى لانه السبب له والباء إما للالية المجازية كما قيل في قوله تعالى : «فتقبلها ربها بقبول حسن» (٢) أو للسببية والحاصل أنه من لم يصبر على ما فاته من الدنيا وعلى البلايا التي تصيبه فيها بما سلاه الله في قوله «وبشر الصابرون * الذين إذا اصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون» (٣) وساير الايات الواردة في ذم الدنيا وفنائها ومدح الرضا بقضائه تعالى تقطعت نفسه للحسرات على المصائب وعلى ما فاته من الدنيا وربما يحمل الحسرات على ما يحصل له عند الموت من مفارقتها أو الاعم منها ومما يحصل له في الدنيا وجمعية الحسرات مع كونها مصدرا لارادة الانواع.

«ومن أتبع نظره ما في أيدي الناس» اي نظر إلى من هو فوقه من أهل الدنيا وما في أيديهم من نعيمها وزبرجها نظر رغبة وتحسر وتمن «كثر همه» لعدم تيسرها له ، فيغتاظ لذلك ويحسدهم عليها ، ولا يمكنه شفاء غيظه إلا بأن يحصل له مما في أيديهم أو يسلب الله عنهم جميع ذلك ولا يتيسر له شئ من الامرين فلا يشفى غيظه أبدا ولا يتهنأ له العيش ما رأى في نعمة أحدا ولا يتفكر في أنه إنمامنعه الله تعالى ذلك لانه علم أنه سبب هلاكه فهو يتمنى حالهم ولا يعلم حقيقه مآلهم كما حكى الله

____________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٣١٥.

(٢) آل عمران : ٣٧.

(٣) البقرة : ١٥٦.

٨

سبحانه عن قوم تمنوا حال قارون حيث قالوا «يا ليت مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم * وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقيها إلا الصابرون * فلما خسف الله به وبداره الارض اصبح الذين تمنوا مكانه بالامس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون» (١) وانتفاء الخسف الظاهري بأهل الاموال والتجبر من هذه الامة لا يوجب انتهاء الخسف في دركات الشهوات النفسانية ومهاوي التعلقات الجسمانية ، والحرمان عن درجات القرب والكمال ، وخسفهم في الآخرة في عظيم النكال وشديد الوبال ، أعاذنا الله وساير المؤمنين من جميع ذلك وسهل لنا الوصول في الدارين إلى أحسن الاحوال.

«ومن لم ير أن لله عليه نعمة إلا في مطعم» اي من توهم أن نعمة الله عليه منحصرة في هذه النعم الظاهرة كالمطعم والمشرب والمسكن وأمثالها ، فاذا فقدها أو شيئا منها ظن أنه ليس لله عليه نعمة ، فلا ينشط في طاعة الله ، وإن عمل شيئا مع هذه العقيدة الفاسدة وعدم معرفة منعمه لا ينفعه ولا يتقبل منه ، فيكون عمله قاصرا وعذابه دانيا ، لان هذه النعم الظاهرة حقيرة في جنب نعم الله العظيمة عليه من الايمان والهداية والتوفيق والعقل والقوى الظاهرة والباطنة والصحة ودفع شر الاعادي وغيرها بما لا يحصى ، بل هذا الفقر أيضا من أعظم نعم الله عليه «وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها» (٢).

وقال بعض المحققين : معنى الحديث أن من لم يصبر ولم يسل أو لم يحسن الصبر والسلوة على ما رزقه الله من الدنيا ، بل أراد الزيادة في المال أو الجاه مما لم يرزقه الله إياه تقطعت نفسه متحسرا حسرة بعد حسرة ، على ما يراه في يدي غيره ممن فاق عليه في العيش ، فهو لم يزل يتبع بصره ما في أيدي الناس ومن أتبع بصره ما في أيدي الناس كثر همه ولم يشف غيظه ، فهو لم ير أن لله عليه

___________________

(١) العنكبوت : ٨٢٧٩.

(٢) ابراهيم : ٣٤.

٩

نعمة إلا نعم الدنيا ، وإنما يكون كذلك من لا يوقن بالآخرة ومن لم يوقن بالآخرة قصر عمله ، وإذ ليس له من الدنيا إلا قليل بزعمه مع شدة طعمه في الدنيا وزينتها فقد دنى عذابه ، نعوذ بالله من ذلك ، ومنشأ ذلك كله الجهل وضعف الايمان وأيضا لما كان عمل أكثر الناس على قدر ما يرون من نعم الله عليه عاجلا وآجلا لا جرم من لم ير من النعم عليه إلا القليل ، فلا يصدر عنه من العمل إلا قليل وهذا يوجب قصور العمل ودنو العذاب.

٣ ـ كا : عن العدة ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن منصور بن العباس عن سعيد بن جناح ، عن عثمان بن سعيد ، عن عبدالحميد بن علي الكوفي ، عن مهاجر الاسدي ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : مر عيسى بن مريم عليه‌السلام على قرية قد مات أهلها وطيرها ودوابها فقال : أما إنهم لم يموتوا إلا بسخطة ، ولو ماتوا متفرقين لتدافنوا فقال الحواريون : يا روح الله وكلمته ادع الله أن يحييهم لنا فيخبرونا ما كانت أعمالهم فنجتنبها.

فدعا عيسى عليه‌السلام ربه فنودي من الجو أن نادهم ، فقام عيسى عليه‌السلام بالليل على شرف من الارض فقال : يا أهل هذه القرية فأجابه منهم مجيب لبيك يا روح وكلمته ، فقال : ويحكم ما كانت أعمالكم؟ قال : عبادة الطاغوت وحب الدنيا ، مع خوف قليل ، وأمل بعيد ، في غفلة ولهو ولعب ، فقال : كيف كان حبكم للدنيا؟ قال : كحب الصبي لامه ، إذا أقبلت علينا فرحنا وسررنا ، وإذا ادبرت عنا بكينا وحزنا ، قال : كيف كانت عبادتكم للطاغوت؟ قال : الطاعة لاهل المعاصي ، قال : كيف كانت عاقبة أمركم؟ قال : بتنا ليلة في عافية وأصبحنا في الهاوية ، فقال : وما الهاوية؟ قال : سجين ، قال : وما سجين؟ قال : جبال من جمر توقد علينا إلى يوم القيامة قال : فما قلتم وما قيل لكم؟ قال : قلنا ردنا إلى الدنيا فنزهد فيها ، قيل لنا : كذبتم قال : ويحك كيف لم يكلمني غيرك من بينهم؟ قال : يا روح الله وكلمته إنهم ملجمون بلجام من نار ، بأيدي ملائكة غلاظ شداد ، وإني كنت فيهم ولم أكن عنهم ، فلما نزل العذاب عمني معهم ، فأنا معلق بشعرة على شفير جهنم ، لا ادري أكبكب فيها

١٠

أم أنجو منها.

فالتفت عيسى عليه‌السلام إلى الحواريين فقال : يا أولياء الله أكل الخبز اليابس بالملح الجريش ، والنوم على المزابل ، خير كثير مع عافية الدنيا والآخرة (١).

بيان : «أما إنهم» قال الشيخ البهائي قدس الله روحه : أما بالتخفيف حرف استفتاح وتنبيه ، يدخل على الجمل لتنبيه المخاطب ، وطلب إصغائه إلى ما يلقى إليه وقد يحذف ألفها نحو أم والله زيد قائم «إلا بسخطة» السخط بالتحريك وبضم أوله وسكون ثانيه الغضب «لتدافنوا» الظاهر أن التفاعل هنا بمعنى فعل كتواني ويمكن إبقاؤه على أصل المشاركة بتكلف «فقال الحواريون» هم خواص عيسى عليه‌السلام قيل : سموا حواريين لانهم كانوا قصارين يحورون الثياب أي يقصرونها وينقونها من الاوساخ ويبيضونها ، مشتق من الحور ، وهو البياض الخالص.

أقول : وقد قيل إنهم إنما سموا حواريين لنقاء ثيابهم ، وقيل : لنقاء قلوبهم وقيل : الحواري بمعنى الناصر وقد كان الحواريون أنصار عيسى عليه‌السلام وقيل : لانهم كانوا نورانيين عليهم أثر العبادة ونورها وحسنها ، وقيل : إنهم اتبعوا عيسى عليه‌السلام فكانوا إذا جاعوا قالوا يا روح الله جعنا ، فيضرب عليه‌السلام بيده الارض سهلا كان أو جبلا ويخرج لكل منهم رغيفين وإذا عطشوا قالوا : يا روح الله عطشنا ، فيضرب بيده الارض فيخرج ماء ويشربون ، فقالوا : يا روح الله من أفضل منا؟ إذا شئنا أطعمنا وإذا شئنا سقينا ، وقد آمنا بك واتبعناك؟ فقال عيسى عليه‌السلام : أفضل منكم من يعمل بيده ويأكل من كسبه فصاروا يغسلون الثياب بالكرى بعد ذلك ، ويأكلون من أجرته ، وسيأتي في مطاوي شرح حديث الكافي في أواسط هذا الباب كلام أيضا في معنى الحواريين فانتظره.

وقال بعض العلماء : إنهم لم يكونوا قصارين على الحقيقة ، وإنما أطلق هذا الاسم عليهم رمزا إلى أنهم كانوا ينقون نفوس الخلائق من الاوساخ والاوصاف الذميمة والكدورات ، ويرفعونها إلى عالم النور من عالم الظلمات.

____________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٣١٨.

١١

«يا روح الله» أقول : في تسميته روحا أقوال أحدها أنه إنما سماه روحا لانه حدث عن نفخة جبرئيل عليه‌السلام في درع مريم بأمر الله تعالى ، وإنما نسبه إليه لانه كان بأمره ، وقيل إنما أضافه إليه تفخيما لشأنه كما قال : الصوم لي وأنا أجزي به وقد يسمى النفخ روحا ، والثاني أن المراد به يحيى به الناس في دينهم كما يحيون بالارواح ، واللاثالث أن معناه إنسان أحياه الله بتكوينه بلا واسطة من جماع ونطفة كما جرت العادة بذلك ، الرابع أن معناه : ورحمة منه ، والخامس أن معناه روح من الله خلقها فصورها ثم أرسلها إلى مريم فدخلت في فيها فصيرها الله سبحانه عيسى عليه‌السلام ، السادس سماه روحا لانه كان يحيي الموتى كما أن الروح يصير سببا للحياة.

وكذا اختلفوا في تسميته كلمة في قوله سبحانه «إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم» (١) وقوله تعالى «إنما المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته ألقيها إلى مريم وروح منه» (٢) على أقوال أحدها أنه إنما سمي بذلك لانه حصل بكلمة من الله من غير والد ، وهو قوله «كن» كما قال سبحانه «إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون » (٣).

والثاني أنه سمي بذلك لان الله تعالى بشر به في الكتب السالفة أو بشرت بها مريم على لسان الملائكة.

والثالث أنه يهتدي به الخلق كما اهتدوا بكلام الله ووحيه.

« فنودي من الجو » الجو بالفتح والتشديد : ما بين السماء والارض «على شرف» قال الشيخ البهائي قدس‌سره : الشرف المكان العالي قيل : ومنه سمي الشريف شريفا تشبيها للعلو المعنوي بالعلو المكاني «فقال ويحك» ويح اسم فعل بمعنى الترحم

____________________

(١) آل عمران : ٤٥.

(٢) النساء : ١٧١.

(٣) آل عمران ، ٥٩.

١٢

كما أن ويل كلمة عذاب وبعض اللغويين يستعمل كلا منهما مكان الاخرى والطاغوت فلعوت من الطغيان ، وهو تجاوز الحد ، وأصله طغيوت فقدموا لامه على عينه ، على خلاف القياس ، ثم قلبوا الياء ألفا فصار طاغوت ، وهو يطلق على الكاهن والشيطان والاصنام ، وعلى كل رئيس في الضلالة ، وعلى كل ما يصد عن عبادة الله تعالى ، وعلى ما عبد من دون الله ، ويجئ مفردا لقوله تعالى : «يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به» (١) وجمعا كقوله تعالى : «والذين كفروا أوليائهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات» (٢).

وقال قدس‌سره : لعلك تظن أن ما تضمنه هذا الحديث من أن الطاعة لاهل المعاصي عبادة لهم ، جار على ضرب من التجوز لا الحقيقة ، وليس كذلك بل هو حقيقة ، فان العبادة ليست إلا الخضوع والتذلل والطاعة والانقياد ، ولهذا جعل سبحانه اتباع الهوى والانقياد إليه عبادة للهوى ، فقال : «أرأيت من اتخذ إلهه هويه» (٣) وجعل طاعة الشيطان عبادة له ، فقال تعالى : «ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان» (٤).

ثم نقل أخبارا كثيرة في ذلك فقال بعد ذلك : وإذا كان اتباع الغير والانقياد إليه عبادة له فأكثر الخلق عند التحقيق مقيمون على عبادة أهواء نفوسهم الخسيسة الدنية وشهواتهم البهيمية والسبعية على كثرة أنواعها واختلاف أجناسها ، وهي أصنامهم التي هم عليها عاكفون ، والانداد التي هم لها من دون الله عابدون ، وهذا هو الشرك الخفي نسال الله سبحانه أن يعصمنا عنه ويطهر نفوسنا عنه بمنه وكرمه.

«وغفلة» عطف على «خوف» وعطفه على عبادة الطاغوت بعيد «في لهو»

____________________

(١) النساء : ٦٠.

(٢) البقرة : ٢٥٧.

(٣) الفرقان : ٤٣.

(٤) يس : ٦٠.

١٣

قال الشيخ البهائي رحمه الله : لفظة «في» هنا إما للظرفية المجازية كما في نحو النجاة في الصدق ، أو بمعنى «مع» كما في قوله تعالى : «ادخلوا في أمم» (١) وللسببية كقوله تعالى : «فذلكن الذي لمتنني فيه» (٢).

«إذا أقبلت علينا» قال قدس‌سره : الشرطيتان واقعتان موقع اي المفسرة لحب الصبي لامه.

«قال الطاعة لاهل المعاصي» قال رحمه الله : ما ذكره هذا الرجل المتكلم لعيسى على نبينا وآله وعليه‌السلام في وصف اصحاب تلك القرية ، وما كانوا عليه من الخوف القليل ، والامل البعيد ، والغفلة واللهو واللعب ، والفرح باقبال الدنيا والخوف بادبارها ، هو بعينه حالنا وحال أهل زماننا ، بل أكثرهم خال عن ذلك الخوف القليل أيضا. نعوذ بالله من الغفلة ، وسوء المنقلب.

«قال جبال من جمر» في القاموس الجمرة النار المتقدة ، والجمع جمر ، قال الشيخ المتقدم ذكره رحمه الله : هذا صريح في وقوع العذاب في مدة البرزخ أعني ما بين الموت والبعث ، وقد انعقد عليه الاجماع ، ونطقت به الاخبار ، ودل عليه القرآن العزيز ، وقال به أكثر أهل الملل ، وإن وقع الاختلاف في تفاصيله والذي يجب علينا هو التصديق المجمل بعذاب واقع بعد الموت وقبل الحشر ، في الجملة ، وأما كيفياتها وتفاصيله فلم نكلف بمعرفتها على التفصيل ، وأكثرها مما لا تسعه عقولنا فينبغي ترك البحث والفحص عن تلك التفاصيل ، وصرف الوقت فيما هو أهم منها أعني فيما يصرف ذلك العذاب ويدفعه عنا كيف ما كان ، وعلى أي نوع حصل ، وهو المواظبة على الطاعات واجتناب المنهيات لئلا يكون حالنا في الفحص عن ذلك والاشتغال به عن الفكر فيمايدفعه وينجي منه كحال شخص أخذه السلطان وحبسه ليقطع في غد يده ، ويجذع أنفه ، فترك الفكر في الحيل المؤدية إلى خلاصه ، وبقي طول ليله متفكرا في أنه هل يقطع بالسكين أو بالسيف؟ وهل

____________________

(١) الاعراف : ٣٨.

(٢) يوسف : ٣٢.

١٤

القاطع زيد أو عمرو؟.

«قيل لنا كذبتم» دل على أنهم «لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه» (١) كما نطقت به الآية أو كذبتم فيما عليه قولكم هذا أنه يمكنكم العود ، وربما يقرء بالتشديد اي كذبتم الرسل ، فلا محيص عن عذابكم.

«قال يا روح الله» في بعض النسخ «يا روح الله وكلمته بقدس الله» فقوله : بقدس الله متعلق بروح الله وكلمته يعني أيها الذي صار روح الله وكلمته بقدس الله كما قيل ، ويحتمل أن يكون الباء بمعنى «مع» أي مع تقدسه عن أن يكون له روح وكلمة حقيقة.

ثم قال الشيخ البهائي رحمه الله : ثم لا يخفى أن ما قاله هذا الرجل من أنه كان فيهم ولم يكن منهم ، فلما نزل العذاب عمه معهم ، يشعر بأنه ينبغي المهاجرة عن أهل المعاصي والاعتزال لهم ، وأن المقيم معهم شريك لهم في العذاب ، ومحترق بنارهم ، وإن لم يشاركهم في أفعالهم وأقوالهم ، وقد يستأنس لذلك بعموم قوله تعالى : «إن الذين توفتهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الارض قالوا ألم تكن ارض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك ويهم جهنم وسائت مصيرا» (٢) ولو لم يكن في الاعتزال عن الناس فائدة سوى ذلك لكفى ، وفيه من الفوائد ما لا يعد ولا يحصى ، نسأل الله سبحانه أن يوفقنا لذلك بمنه وكرمه.

«فأنا معلق» هذا كناية عن أنه مشرف على الوقوع فيها ، ولا يبعد أن يراد به معناه الصريح أيضا ، والشفير حافة الوادي وجانبه «أكبكب فيها» على البناء للمفعول اي أطرح فيها على وجهي ، وفي القاموس جرش الشئ لم ينعم دقه فهو جريش ، وفي الصحاح ملح جريش لم يطيب «مع عافية الدنيا» اي إذا كان مع عافية الدنيا من الخطايا «والآخرة» من النار ، أو فيه عافية الدنيا من تشويش

____________________

(١) الانعام : ١٢٨.

(٢) النساء : ٩٧.

١٥

البال ومشقة تحصيل الاموال ، وعافية الآخرة من العذاب والسؤال.

٤ ـ كا : عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن ابي عبدالله عليه‌السلام قال : ما فتح الله على عبد بابا من أمر الدنيا إلا فتح الله عليه من الحرص مثله (١).

بيان : يدل على زيادة الحرص بزيادة المال وغيره من مطلوبات الدنيا كما هو المجرب.

٥ ـ كا : عن علي ، عن أبيه ، عن القاسم بن محمد المنقري ، عن حفص بن غياث ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قال عيسى بن مريم عليه‌السلام : تعملون للدنيا وأنتم ترزقون فيها بغير عمل ، ولا تعملون للآخرة ، وأنتم لا ترزقون فيها إلا بالعمل ويلكم علماء سوء (٢) الاجر تأخذون ، والعمل تضيعون ، يوشك رب العمل أن يقبل عمله ، ويوشك أن تخرجوا من ضيق الدنيا إلى ظلمة القبر ، كيف يكون من أهل العلم من هو في مسيره إلى آخرته وهو مقبل على دنياه ، وما يضره أحب إليه مما ينفعه (٣).

بيان : «وأنتم ترزقون فيها بغير عمل» أي كد شديد كما قال تعالى «وما من دابة إلا على الله رزقها» (٤) «وأنتم لا ترزقون فيها إلا بالعمل» كما قال تعالى «وأن ليس للانسان إلا ما سعى» (٥) «علماء سوء» بفتح السين قال الجوهري ساءه يسوؤه سوءا بالفتح نقيض سره والاسم السوء بالضم ، وقرئ قوله «عليهم دائرة السوء» (٦) يعني الهزيمة والشر ، ومن فتح فهو من المساءة ، وتقول هذا رجل سوء بالاضافة ثم تدخل عليه الالف واللام فتقول هذا رجل السوء قال الا أخفش ولا يقال : الرجل

____________________

(١ و ٣) الكافي ج ٢ ص ٣١٩.

(٢) ويلكم عملاء سوء ظ.

(٤) هود : ٦.

(٥) النجم : ٣٩.

(٦) براءة : ٩٨.

١٦

السوء لان السوء ليس بالرجل ، قال : ولايقال : هذا رجل السوء بالضم انتهى (١).

«الاجر تأخذون» بحذف حرف الاستفهام ، وهو على الانكار ، ويحتمل أن يكون المراد أجر الدنيا اي نعم الله سبحانه وعلى هذا يحتمل أن يكون توبيخا لا استفهاما وأن يكون المراد أجر الاخرة فالاستفهام متعين فالواو في قوله «والعمل» للحالية أي كيف تستحقون أخذ الاجرة والحال أنكم تضيعون العمل.

«أن يقبل عمله» أي يتوجه إلى أخذ عمله ، وهو لا يأخذ ولا يقبل إلا العمل الخالص ، فهو كناية عن الطلب ويؤيده أن في مجالس الشيخ «أن يطلب عمله» أو هو من الاقبال على الحذف والايصال ، أي يقبل على عمله.

وقال بعض الافاضل : أريد برب العمل العابد الذي يقلد أهل العلم في عبادته أعني يعمل بما يأخذ عنهم ، وفيه توبيخ لاهل العلم الغير العامل ، وقرء بعضهم يقيل بالياء المثناة من الاقالة أي يرد عمله فان المقيل يرد المتاع.

٦ ـ كا : عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن عبدالله بن سنان وعبدالعزيز العبدي ، عن عبدالله بن أبي يعفور ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : من اصبح وأمسى والدنيا أكبر همه ، جعل الله تعالى الفقر بين عينيه ، وشتت أمره ولم ينل من الدنيا إلا ما قسم له ، ومن أصبح وأمسى والآخرة أكبر همه ، جعل الله تعالى الغنى في قلبه وجمع له أمره (٢).

بيان : «أكبر همه» أي قصده أو حزنه «جعل الله الفقر بين عينيه» لانه كلما يحصل له من الدنيا يزيد حرصه بقدر ذلك فيزيد احتياجه وفقره ، أو لضعف توكله على الله يسد الله عليه بعض أبواب رزقه ، وقيل فهو فقير في الآخرة لتقصيره فيما ينفعه فيها ، وفي الدنيا لانه يطلبها شديدا والغني من لا يحتاج إلى الطلب ولان مطلوبه كثيرا ما يفوت عنه ، والفقر عبارة عن فوات المطلوب ، وأيضا يبخل عن نفسه وعياله خوفا من فوات الدنيا وهو فقر حاضر.

____________________

(١) الصحاح ص ٥٦.

(٢) الكافي ج ٢ ص ٣١٩.

١٧

«وشتت أمره» التشتيت التفريق لانه لعدم توكله على ربه لا ينظر إلا إلى الاسباب ويتوسل بكل سبب ووسيلة ، فيتحير في أمره ولا يدري وجه رزقه ولا ينتظم أحواله أو لشدة حرصه لا يقنع بما حصل له ويطلب الزيادة ولا يتيسر له فهو دائما في السعي والطلب ولا ينتفع بشئ ، وحمله على تفرق أمر الآخرة بعيد.

«ولم ينل من الدنيا إلا ما قسم له» يدل على أن الرزق مقسوم ، ولا يزيد بكثرة السعي ، كما قال تعالى «نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا» (١) ولذلك منع الصوفية من طلب الرزق ، والحق أن الطلب حسن ، وقد يكون واجبا وتقديره لا ينافي اشتراطه بالسعي والطلب ، ولزومه على الله بدون سعي غير معلوم وقيل قدر سد الرمق واجب على الله ، ويحتمل أن يكون التقدير مختلفا في صورتي الطلب وتركه بأن قدر الله تعالى قدرا من الرزق بدون الطلب ، لكن مع التوكل التام عليه ، وقدرا مع الطلب ، لكن شدة الحرص وكثرة السعي لا يزيده ، وبه يمكن الجمع بين أخبار هذا الباب وسيأتي القول فيه في كتاب التجارة إنشاء الله تعالى.

وقيل : المراد بقوله «لم ينل من الدنيا إلا ما قسم له» أنه لا ينتفع إلا بما قسم له ، وإن زاد بالسعي فانه يبقى للوارث ، وهو حظه ، وقيل : فيه إشارة إلى أن ذا المال الكثير قد لا ينتفع به بسبب مرض أو غيره ، وذا المال القليل ينتفع به أكثر منه ، ولا يخفى ما فيه.

«جعل الله الغنا في قلبه» اي بالتوكل على ربه والاعتماد عليه ، وإخراج الحرص وحب الدنيا من قلبه لا بكثرة المال وغيره ، ولذا نسبه إلى القلب.

«وجمع له أمره» اي جعل أحواله منتظمة وباله فارغا عن حب الدنيا وتشعب الفكر في طلبها.

٧ ـ كا : عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن محمد بن عمر فيما أعلم عن ابي علي الحذاء ، عن حريز ، عن زرارة ومحمد بن مسلم ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : أبعد ما يكون

____________________

(١) الزخرف : ٣٢.

١٨

العبد من الله عزوجل إذا لم يهمه إلا بطنه وفرجه (١).

بيان : «إذا لم يهمه إلا بطنه وفرجه» اي لا يكون اهتمامه وعزمه و سعيه وغمه وحزنه إلا في مشتهيات البطن والفرج ، في القاموس الهم الحزن وما هم به في نفسه ، وهمه الامر حزنه كأهمه فاهتم انتهى فالمراد الافراط فيهما وقصر همته عليهما ، وإلا فللبطن والفرج نصيب عقلا وشرعا وهو ما يحتاج إليه لقوام البدن واكتساب العلم والعمل وبقاء النوع.

٨ ـ كا : عن علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى عن يونس ، عن ابن سنان عن حفص بن قرط ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : من كثر اشتباكه بالدنيا كان أشد لحسرته عند فراقها (٢).

بيان : «من كثر اشتباكه بالدنيا» اي اشتغاله وتعلق قلبه بها ، يقال اشتبكت النجوم إذا كثرت وانضمت وكل متداخلين مشتبكان ، ومنه تشبيك الاصابع لدخول بعضها في بعض ، والغرض الترغيب في رفض الدنيا وترك محبتها لئلا يشتد الحزن والحسرة في مفارقتها.

٩ ـ كا : عن علي ، عن أبيه وعلي بن محمد جميعا ، عن القاسم بن محمد ، عن سليمان النقري ، عن عبدالرزاق بن همام ، عن معمر بن راشد ، عن الزهري محمد ابن مسلم بن عبيدالله قال : سئل علي بن الحسين عليهما‌السلام : اي الاعمال أفضل عندالله؟ قال : ما من عمل بعد معرفة الله عزوجل ومعرفة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل من بغض الدنيا ، فان لذلك لشعبا كثيرة ، وللمعاصي شعب ، فأول ما عصى الله به الكبر معصية إبليس حين «أبى واستكبر وكان من الكافرين» (٣) ثم الحرص وهي معصية آدم وحوا عليهما‌السلام حين قال الله عزوجل لهما «كلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين» (٤) فأخذا ما لا حاجة بهما إليه ، فدخل ذلك على

____________________

(١ و ٢) الكافي ج ٢ ص ٣١٩.

(٣) البقرة : ٣٤.

(٤) الاعراف : ١٩.

١٩

ذريتهما إلى يوم القيامة ، وذلك أن أكثر ما يطلب ابن آدم ما لا حاجة به إليه.

ثم الحسد وهي معصية ابن آدم حيث حسد أخاه فقتله ، فتشعب من ذلك حب النساء ، وحب الدنيا ، وحب الرياسة ، وحب الراحة ، وحب الكلام ، وحب العلو والثروة ، فصرن سبع خصال فاجتمعن كلهم في حب الدنيا فقالت الانبياء والعلماء بعد معرفة ذلك : حب الدنيا رأس كل خطيئة ، والدنيا دنياء ان دنيا بلاغ ودنيا ملعونة (١).

بيان : قد مر هذا الخبر بعينه في باب ذم الدنيا «ما من عمل بعد معرفة الله» يدل على أن المعرفة أفضل لانها أصل جميع الاخلاق والاعمال ، ويدخل في معرفة الرسول معرفة الامام «فان لذلك» كأنه تعليل لكون بغض الدنيا بعد المعرفة أفضل وفيما مضى «وإن» كما في بعض النسخ هنا (٢) وهو اظهر ، و «ذلك» إشارة إلى بغض الدنيا أو إلى الدنيا وقيل : المشار إليه العمل يعني أن للاعمال الصالحة لشعبا يرجع كلها إلى بغض الدنيا وللمعاصي شعبا يرجع كلها إلى حب الدنيا ، ثم اكتفى ببيان أحدهما عن الآخر وكأن ما ذكرنا اظهر.

والمراد بالشعب الاولى أنواع الاخلاق والاعمال الفاضلة ، والثانية أنواع المعاصي ، والاولى مندرجة تحت بغض الدنيا ، والثانية تحت حبها ، فبغضها أفضل الاعمال لاشتماله على محاسن كثيرة كالتواضع المقابل للكبر والقنوع المقابل للحرص وهكذا وبحكم المقابلة حب الدنيا اقبح الاعمال لاشتماله على رذايل كثيرة وهي الكبر إلى آخر ما ذكر. «وذلك أن» وفي بعض النسخ «فلذلك» أي لدخول الحرص على ذريتهما وإنما قال «أكثر» لان طلب المحتاج إليه وهو القدر الضروري من الطعام واللباس والمسكن ونحوها ليس بمذموم بل ممدوح لانه لا يمكن بدونه تكميل النفس بالعلم والعمل.

«حيث حسد أخاه» قيل حسده في قبول قربانه ، وقيل : في حب النساء وقيل :

____________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٣١٦. (٢) رواه الكليني في ص ١٣٠ باب ذم الدنيا والزهد فيها ايضا.

٢٠