بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤١٥
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

فايدة الحديث إعلام أن الفقر من اصعب الاشياء ، ومكابرته من أهول الامور ، وأن الحسد أمره شديد ، والحديث متضمن للنهي عنه.

٣٢ ـ الشهاب : إن الحسد ليأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب.

الضوء : الحسد تمني زوال نعمة غيرك ، يقول صلى‌الله‌عليه‌وآله : الحسد يفسد الحسنات وهي الافعال الحسنة ، ويلطخها ويغيرها ويغطي عليها ويسوؤها ، ويجعلها بحيث لا يعتد بهاكما تأكل النار الحطب ، حيث تجعله رمادا أو فحما ، وذلك أن الحسود ولو حصلت منه الافعال الصالحة ، لكانت مشينة لمكان الحسد ، ثم إن الحاسد يعارض ربه فيما يفعل ، لان النعمة على المحسود من قبله ، وهو يتمنى زواله وكأنه يخطئ الله تعالى فيما أولاه تعالى وتقدس.

وروي عن سفيان [ قال : ] بلغني أن الله تعالى يقول : الحاسد عدو نعمتي ، غير راض بقسمتي التي قسمت بين عبادي ، وقال منصور الفقيه :

الا قل لمن كان بي حاسدا

أتدري على من أسأت الادب

أسأت على الله في فعله

إذا أنت لم ترض لي ما وهب

جزاؤك منه الزيادات لي

وأن لا تنال الذي تطلب

وقيل : الحاسد بارز ربه من ستة أوجه : أبغض كل نعمة تظهر على غيره وسخط القسمة ، وضاد قضاء الله ، وكابر مقدوره ، وخذل وليه ، وأعان عدوه وقيل : الحاسد جاحد لانه لم يرض بحكم الواحد ، وقيل في قوله تعالى : «إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها ومابطن» (١) يعني الحسد ، وقيل : الحسد منصف لانه يؤثر في الحاسد ، ولا يؤثر في المحسود.

وقال : اصبر على حسد الحسود فان صبرك قاتل

فالنار تأكل نفسها إن لم تجد ماتأكله (٢)

____________________

(١) الاعراف : ٣٣.

(٢) قد مر بعض هذا آنفا.

٢٦١

وقال :

إني لارحم حاسدي لحر ما

ضمنت صدورهم من الاسعار

نظروا صنيع الله لي فعيونهم

في جنة وقلوبهم في نار

وقيل : الحسود لا يسود ، وروي أن في السماء الخامسة ملكا يمر به عمل عبدله ضوء كضوء الشمس ، فيقول : قف فأنا ملك الحسد ، اضرب به وجه صاحبه فانه حاسد ، ويقال : لا يوجد ظالم وهو مظلوم إلا الحاسد وأنشد :

قل للحسود إذا تنفس حسرة

يا ظالما وكأنه مظلوم

وفائدة الحديث النهي عن الحسد والامر بتجنبه.

١٣٢

* ( باب ) *

* «( ذم الغضب ، ومدح التنمر في ذات الله )» *

الايات : طه : قال يا ابن أم لا تاخذ بلحيتي ولا برأسي (١).

الشعراء : وإذا بطشتم بطشتم جبارين (٢).

١ ـ ن (٣) لى : ابن المتوكل ، عن السعد آبادي ، عن البرقي ، عن عبدالعظيم الحسني ، عن أب جعفر الثاني ، عن أبيه عليهما‌السلام قال : دخل موسى بن جعفر عليه‌السلام على هارون الرشيد وقد استخفه الغضب على رجل ، فقال له : إنما تغضب لله عزوجل ، فلا تغضب له بأكثر مما غضب لنفسه (٤).

٢ ـ لى : عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : لا نسب أوضع من الغضب (٥).

____________________

(١) ط : ٩٤.

(٢) الشعراء : ١٣٠.

(٣) عيون الخبار ج ١ ص ٢٩٢.

(٤) أمالي الصدوق : ١٤.

(٥) أمالي الصدوق : ١٩٣.

٢٦٢

أقول : قد مضى الاخبار في باب الحلم وكظم الغيظ (١).

٣ ـ لى : سئل أمير المؤمنين عليه‌السلام منأحلم الناس؟ قال : الذي لا يغضب (٢).

٤ ـ ل : عن ابن المتوكل ، عن السعد آبادي ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن يونس ، عن داود بن فرقد ، عن ابي عبدالله عليه‌السلام قال : الغضب مفتاح كل شر (٣).

٥ ـ ل : أبي ، عن محمد بن أحمد بن علي بن الصلت ، عن البرقي ، عن أبيه عن يونس ، عن ابن سنان ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قال الحواريون لعيسى بن مريم : يا معلم الخير أعلمنا اي الاشياء اشد؟ فقال : أشد الاشياء غضب الله عز وجل ، قالوا : فبم يتقى غضب الله ، قال : بأن لا تغضبوا ، قالوا : وما بدؤ الغضب؟ قال : الكبر والتجبر ومحقرة الناس (٤).

كتاب الغايات : عن أبي عبدالله عليه‌السلام وذكر نحوه.

٦ ـ ل : عن أبيه ، عن أحمد بن إدريس ، عن الاشعري ، عن موسى بن جعفر ، عن ابن معبد ، عن إبراهيم بن إسحاق ، عن عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يتعوذ في كل يوم من ست : من الشك ، والشرك والحمية ، والغضب ، والبغي ، والحسد (٥).

٧ ـ ن : عن محمد بن أحمد بن الحسين البغدادي ، عن علي بن محمد بن عنبسة عن بكر بن أحمد بن محمد بن إبراهيم ، عن فاطمة بنت الرضا ، عن أبيها ، عن أبيه عن جعفر بن محمد ، عن أبيه وعمه زيد ، عن أبيهما علي بن الحسين ، عن أبيه وعمه ، عن علي بن ابي طالب صلوات الله عليهم أجمعين قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من كف غضبه كف الله عنه عذابه ، ومن حسن خلقه بلغه الله درجة الصائم القائم (٦).

____________________

(١) راجع ج ٧١ ص ٤٢٨٣٩٧.

(٢) أمالي الصدوق : ٢٣٧.

(٤٣) الخصال ج ١ ص ٧.

(٥) الخصال ج ١ ص ١٦٠.

(٦) عيون الاخبار ج ٢ ص ٧١.

٢٦٣

٨ ـ ما : جماعة ، عن ابي المفضل ، عنمحمد بن جعفر الرزاز ، عن محمد بن عيسى القيسي ، عن محمد بن الفضيل ، عن الرضا ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رجل للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا رسول الله علمني عملا لا يحال بينه وبين الجنة ، قال : لا تغضب ولا تسأل الناس شيئا ، وارض للناس ما ترضى لنفسك ، الخبر (١).

٩ ـ لى : عن أبيه ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن ابن فضال ، عن علي بن عقبة ، عن أبيه ، عن أبي بصير ، عن الصادق ، عن أبيه عليهما‌السلام أنه ذكر عند الغضب فقال : إن الرجل ليغضب حتى ما يرى أبدا ، ويدخل بذلك النار ، فأيما رجل غضب وهو قائم فليجلس ، فانه سيذهب عنه رجز الشيطان ، وإن كان جالسا فليقم وأيما رجل غضب على ذي رحمه فليقم إليه ، وليدن منه وليمسه ، فان الرحم إذا مست الرحم سكنت (٢).

١٠ ـ ما : عن الفحام ، عن المنصوري ، عن عم أبيه ، عن أبي الحسن الثالث عن آبائه ، عن الكاظم عليهم‌السلام قال : من لم يغضب في الجفوة ، لم يشكر في النعمة (٣).

١١ ـ ثو : عن أبيه ، عن محمد بن أحمد بن علي بن الصلت ، عن البرقي عن ابن مهران ، عن ابن عميرة ، عمن سمع أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : من كف غضبه ستر الله عورته (٤).

١٢ ـ ثو : عن ابيه ، عن سعد ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سيف عن أخيه ، عن أبيه ، عن عاصم ، عن الثمالي ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : من كف نفسه عن أعراض الناس كف الله عنه عذاب يوم القيامة ، ومن كف غضبه عن الناس أقاله الله نفسه يوم القيامة (٥).

____________________

(١) أمالي الطوسي ج ٢ ص ١٢١.

(٢) أمالي الصدوق : ٢٠٥.

(٣) أمالي الطوسي ج ١ ص ٢٩٠.

(٥٤) ثواب الاعمال : ١٢٠.

٢٦٤

ختص : عن الباقر عليه‌السلام مثله (١).

١٣ ـ ضا : أروي أن رجلا سأل العالم أن يعلمه ما ينال به خير الدنيا والآخرة ولا يطول عليه ، فقال : لا تغضب.

١٤ ـ شى : عن الاصبغ بن نباتة قال : سمعت أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : إن أحدكم ليغضب فما يرضى حتى يدخل به النار ، فأيما رجل منكم غضب على ذي رحمه فليدن منه ، فانالرحم إذا مستها الرحم استقرت ، وإنها متعلقة بالعرش ينتقضه انتقاض الحديد ، فينادي اللهم صل من وصلني ، واقطع من قطعني ، وذلك قول الله في كتابه : «واتقوا الله الذي تسائلون به والارحام إن الله كان عليكم رقيبا» (٢) وايما رجل غضب وهو قائم فليلزم الارض من فوره ، فانه يذهب رجز الشيطان (٣).

١٥ ـ جع : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : الغضب جمرة من الشيطان وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : الغضب يفسد الايمان كما يفسد الصبر العسل وكما يفسد الخل العسل.

وقال إبليس عليه اللعنة : الغضب وهقي (٤) ومصيادي ، وبه اصد خيار الخلق عن الجنة وطريقها.

وعن جعفر بن محمد عليه‌السلام قال : من لم يغتب فله الجنة ، ومن لم يغضب فله الجنة ، ومن لم يحسد فله الجنة (٥).

١٦ ـ ختص : قال الصادق عليه‌السلام : كان ابي محمد عليه‌السلام يقول : أي شئ اشر من الغضب؟ إن الرجل إذا غضب يقتل النفس ، ويقذف المحصنة (٦).

١٧ ـ ين : فضالة ، عن ابن فرقد ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : جاء أعرابي

____________________

(١) الاختصاص : ٢٢٩. (٢) الاية الاولى من سورة النساء.

(٣) تفسير العياشي ج ١ ص ٢١٧.

(٤) الوهق محركة وتسكن الهاء : حبل في طرفيه انشوطة يطرح في عنق الدابة والانسان حتى تؤخذ ، قيل هو معرب وهك.

(٥) جامع الاخبار : ١٨٦.

(٦) الاختصاص : ٢٤٣.

٢٦٥

إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا رسول الله علمني شيئا واحدا فاني رجل اسافر فأكون في البادية ، فقال له رسول الله : لا تغضب ، فاستيسرها الاعرابي فرجع إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا رسول الله علمني شيئا واحدا فاني أسافر فأكون في البادية فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تغضب فاستيسرها الاعرابي فرجع فأعاد السؤال فأجابه رسول الله فرجع الرجل إلى نفسه وقال : لا أسأل عن شئ بعد هذا إني وجدته قد نصحني وحذرني لئلا أفتري حين أغضب ، ولئلا أقتل حين اغضب.

وقال أبوعبدالله عليه‌السلام : الغضب مفتاح كل شر ، وقال : إن إبليس كان مع الملائكة وكانت الملائكة تحسب أنه منهم ، وكان في علم الله أنه ليس منهم ، فلما أمر بالسجود لآدم ، حمي وغضب ، فأخرج الله ما كان في نفسه بالحمية والغضب.

١٨ ـ ين : عن النضر ، عن القاسم بن سليمان ، عن الصباح ، عن زيد بن علي قال : أوحى الله عزوجل إلى نبيه داود عليه‌السلام : إذا ذكرني عبدي حين يغضب ذكرته يوم القيامة في جميع خلقي ولا أمحقه فيمن أمحق.

١٩ ـ نوادر الراوندي : باسناده عن موسى بن جعفر ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الغضب يفسد الايمان كما يفسد الخل العسل ، أو كما يفسد الصبر العسل (١).

كتاب الامامة والتبصرة : عن أحمد بن علي ، عن محمد بن الحسن الصفار ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه مثله.

٢٠ ـ نهج : قال عليه‌السلام : الحدة ضرب من الجنون ، لان صاحبها يندم فان لم يندم فجنونه مستحكم (٢).

٢١ ـ منية المريد : سئل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما يبعد من غضب الله تعالى؟ قال لا تغضب.

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : من كف غضبه ستر الله عورته.

____________________

(١) نوادر الراوندي : ١٧.

(٢) نهج البلاغة الرقم ٢٥٥ من الحكم.

٢٦٦

وقال أبوالدرداء : قلت : يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة قال : لا تغضب.

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : الغضب يفسد الايمان كما يفسد الصبر العسل.

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما غضب أحد إلا اشفى على جهنم.

وذكر الغضب عند ابي جعفر الباقر عليه‌السلام فقال : إن الرجل ليغضب فما يرضى ابدا حتى يدخل النار.

وعنه عليه‌السلام قال : مكتوب في التوراة فيما ناجى الله عزوجل به موسى عليه‌السلام : يا موسى أمسك غضبك عمن ملكتك عليه ، أكف عنك غضبي.

وعن ابي حمزة الثمالي قال : قال أبوجعفر عليه‌السلام : إن هذا الغضب جمرة من الشيطان تتوقد في قلب ابن آدم ، وإن أحدكم إذا غضب احمرت عيناه ، وانتفخت أوداجه ، ودخل الشيطان فيه.

٢٢ ـ كا : عن علي ، عن ابيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن ابي عبدالله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الغضب يفسد الايمان كما يفسد الخل العسل (١).

بيان : «كما يفسد الخل العسل» اي إذا ادخل الخل العسل ، ذهبت حلاوته وخاصيته ، وصار المجموع شيئا آخر ، فكذا الايمان إذا دخله الغضب فسد ولم يبق على صرافته ، وتغيرت آثاره ، فلا يسمى إيمانا حقيقة ، أو المعنى أنه إذا كان طعم العسل في الذائقة ، فشرب الخل ذهبت تلك الحلاوة بالكلية ، فلا يجد طعم العسل فكذا الغضب إذا ورد على صاحب الايمان لم يجد حلاوته ، وذهبت فوائده.

قال بعض المحققين : الغضب شعلة نار اقتسبت من نار الله الموقدة إلا أنها لا تطلع على الافئيدة ، وإنها لمستكنة في طي الفؤاد ، استكنان الجمر تحت الرماد ويستخرجها الكبر الدفين من قلب كل جبار عنيد ، كما يستخرج الحجر النار من الحديد ، وقد انكشف للناظرين بنور اليقين ، أن الانسان ينزع منه عرق إلى

____________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٣٠٢.

٢٦٧

الشيطان اللعين ، فمن اسعرته نار الغضب ، فقد قويت فيه قرابة الشيطان ، حيث قال : «خلقتني من نار وخلقته من طين» (١) فمن شأن الطين السكون والوقار ، وشأن النار التلظي والاستعار ، والحركة والاضطراب والاصطهار ، ومنه قوله تعالى : «يصهر به ما في بطونهم والجلود» (٢) ومن نتائج الغضب الحقد والحسد ، وبهما هلك من هلك ، وفسد من فسد.

ثم قال : اعلم أنالله تعالى لما خلق الانسان معرضا للفساد والموتان ، بأسباب في داخل بدنه ، واسباب خارجة منه ، أنعم عليه بما يحميه الفساد ، ويدفع عنه الهلاك إلى أجل معلوم ، سماه في كتابه.

أما السبب الداخل فانه ركبه من الرطوبة ، والحرارة ، وجعل بين الرطوبة والحرارة عداوة ومضادة ، فلا تزال الحرارة تحلل الرطوبة ، وتجففها وتبخرها حتى يتفشى أجزاؤها بخارا يتصاعد منها ، فلو لم يتصل بالرطوبة مدد من الغذاء يجبر ما انحل وتبخر من أجزائها لفسد الحيوان ، فخلق الله الغذاء الموافق لبدن الحيوان ، وخلق للحيوان شهوة تبعثه على تناول الغذاء كالموكل به في جبر ما انكسر وسد ما انثلم ، ليكون حافظا له من الهلاك ، بهذه الاسباب.

وأما الاسباب الخارجة التي يتعرض لها الانسان فكالسيف والسنان ، وسائر المهلكات التي يقصد بها ، فافتقر إلى قوة وحمية تثور من باطنه ، فيدفع المهلكات عنه فخلق الله الغضب من النار ، وغرزه في الانسان ، وعجنه بطينته ، فمهما قصد في غرض من أغراضه ، ومقصود من مقاصده ، اشتعلت نار الغضب ، وثارت ثورانا يغلى به دم القلب ، وينتشر في العروق ، ويرتفع إلى أعالي البدن كما ترتفع النار وكما يرتفع الماء الذي يغلى في القدر.

ولذلك ينصب إلى الوجه فيحمر الوجه والعين ، والبشرة بصفائها تحكي لون ما وراءها من حمرة الدم ، كما تحكي الزجاجة لون ما فيها ، وإنما ينبسط الدم إذا غضب على من دونه ، واستشعر القدرة عليه ، فان صدر الغضب على من هو فوقه

____________________

(١) الاعراف : ١٢ ص ٧٦. (٢) الحج : ٢٠.

٢٦٨

وكان معه يأس من الانتقام تولد منه انقباض الدم من ظاهر الجلد إلى جوف القلب وصار حزنا ولذلك يصفر اللون ، وان كان الغضب على نظير يشك فيه تولد منه تردد بين انقباض وانبساط فيحمر ويصفر ، ويضطرب.

وبالجملة فقوة الغضب محلها القلب ومعناها غليان دم القلب ، لطلب الانتقام وانما يتوجه هذه القوة عند ثورانها إلى دفع الموذيات ، قبل وقوعها ، والى التشفي والانتقام بعد وقوعها ، والانتقام قوت هذه القوة وشهوتها ، وفيه لذتها ، ولا تسكن الا به.

ثم الناس في هذه القوة على درجات ثلاث في اول الفطرة وبحسب ما يطرأ عليها من الامور الخارجة من التفريط والافراط والاعتدال ، اما التفريط فبفقد هذه القوة او ضعفها بان لايستعملها فيما هو محمود عقلا وشرعا مثل دفع الضرر عن نفسه على وجه سائغ ، والجهاد مع أعدائه والبطش عليهم ، واقامة الحدود على الوجه المعتبر ، والامر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، فتحصل فيه ملكة الجبن بل ينتهي إلى عدم الغيرة على حرمه وأشباه ذلك.

وهذا مذموم معدود من الرذايل النفسانية ، وقد وصف الله تعالى الصحابة بالشدة والحمية ، فقال «أشداء على الكفار» (١) وقال تعالى «يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم» (٢) وانما الغلظة والشة من آثار قوة الحمية وهو الغضب ، واما الافراط فهو الاقدام على ماليس بالجميل ، واستعمالها فيما هو مذموم عقلا وشرعا مثل الضرب والبطش والشتم والنهب والقتل والقذف وأمثال ذلك مما لايجوزه العقل والشرع.

واما الاعتدال فهو غضب ينتظر اشارة العقل والدين ، فينبعث حيث تجب الحمية ، وينطفي حيث يحسن الحلم ، وحفظه على حد الاعتدال هو الاستقامة التي كلف الله تعالى به عباد ، وهو الوسط الذي وصفه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث قال :

____________________

(١) الفتح : ٢٩

(٢) التحريم : ٩

٢٦٩

خير الامور أوساطها ، فمن مال غضبه إلى الفتور حتى أحس من نفسه ضعف الغيرة وخسة النفس واحتمال الذل والضيم في غير محله فينبغي أن يعالج نفسه حتى يقوى غضبه ومن ماله غضبه إلى الافراط حتى جره إلى التهور واقتحام الفواحش ، فينبغي أن يعالج نفسه ليسكن من سورة الغضب ، ويقف على الوسط الحق بين الطرفين ، فهو الصراط المستقيم ، وهو ادق من الشعر ، وأحد من السيف فينبغي أن يسعى في ذلك بحسب جهده ، ويتوسل إلى الله تعالى في أن يوفقه لذلك.

٢٣ ـ كا : أبوعلي الاشعري ، عن محمد بن عبدالجبار ، عن ابن فضال ، عن علي بن عقبة ، عن ابيه ، عن ميسر قال : ذكر الغضب عند ابي جعفر عليه‌السلام فقال : إن الرجل ليغضب فما يرضى ابدا حتى يدخل النار ، فأيما رجل غضب على قوم وهو قائم فليجلس من فوره ذلك ، فانه سيذهب عنه رجز الشيطان ، وأيما رجل غضب على ذي رحم فليدن منه ، فليمسه ، فانالرحم إذا مست سكنت (١).

بيان : فما يرضى ابدا فيه تنبيه على أنه ينبغي أن لا يغضب وإن غضب لا يستمر عليه ، بل يعالجة قريبا بالسعي في الرضا عنه ، إذ لو استمر عليه اشتد غضبه آنا فآنا وشيئا فشيئا إلى أن يصدر عنه ما يوجب دخوله النار ، كالقتل والجرح وأمثالهما ، أو يصير الغضب له عادة وخلقا ، فلا يمكنه تركه ، حتى يدخل بسببه النار.

واعلم أن علاج الغضب أمران : علمي وفعلي أما العلمي فبأن يتفكر في الآيات والروايات التي وردت في ذم الغضب ، ومدح كظم الغيظ والعفو والحلم ويتفكر في توقعه عفو الله عن ذنبه ، وكف غضبه عنه ، وأما الفعلي فذكر عليه‌السلام هنا أمران :

الاول قوله : «فأيما رجل» «ما» زائدة «من فوره» كأن «من» بمعنى «في» وقال الراغب : الفور شدة الغليان ، ويقال ذلك في النار نفسها إذا هاجت ، وفي القدر وفي الغضب ، ويقال : فعلت كذا من فوري أي في غليان

____________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٣٠٢.

٢٧٠

الحال ، وقبل سكون الامر (١).

وقال البيضاوي في قوله تعالى : «ويأتوكم من فورهم هذا» (٢) أي من ساعتهم هذه ، وهو في الاصل مصدر فارت القدر إذا غلت ، فاستعير للسرعة ثم أطلق للحال التي لا ريث فيها ولا تراخي ، والمعنى أن يأتوكم في الحال (٣) وقال في المصباح : فار الماء يفور فورا نبع وجرى ، وفارت القدر فورا وفورانا ، وقولهم الشفعة على الفور من هذا اي على الوقت الحاضر الذي لا تأخير فيه ، ثم استعمل في الحالة التي لا بطئ فيها ، يقال : جاء فلان في حاجته ، ثم رجع من فوره اي من حركته التي وصل فيها ، ولم يسكن بعدها ، وحقيقته أن يصل ما بعد المجئ بما قبله من غير لبث انتهى.

وضمير «فوره» للرجل وقيل : للغضب : والاول أنسب بالآية ، و «ذلك» صفة فوره «فانه سيذهب» كيمنع والرجز فاعله أو علي بناء الافعال ، والضمير المستتر فاعله ، وراجع إى مصدر «فليجلس» و «الرجز» مفعوله ، وفي النهاية الرجز بكسر الراء العذاب والاثم والذنب ورجز الشيطان وساوسه انتهى.

وذهاب ذلك بالجلوس مجرب كما أن من جلس عند حملة الكلب وجده ساكنا لا يحوم حوله ، وفيه سر لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم ، وربما يقال : السر فيه هو الاشعار بأنه من التراب ، وعبد ذليل لا يليق به الغضب ، أو التوسل بسكون الارض وثبوتها.

واقول : كأنه لقلة دواعيه إلى المشي للقتل والضرب وأشباههما ، أو للانتقال من حال إلى حال أخرى ، والاشتغال بأمر آخر فانهما مما يذهل عن الغضب في الجملة ، ولذا ألحق بعض العلماء الاضطجاع والقيام إذا كان جالسا ، والوضوء بالماء البارد وشربه بالجلوس في ذهاب الرجز.

____________________

(١) مفردات غريب القرآن ٣٨٧.

(٢) آل عمران : ١٢٥.

(٣) أنوار التنزيل : ٨١.

٢٧١

وأقول : يؤيده ما رواه الصدوق في مجالسه عن أبيه ، عن سعد بن عبدالله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن فضال ، عنعلي بن عقبة [ عن أبيه ] ، عن أبي بصير ، عن ابي عبدالله ، عن ابيه عليهما‌السلام أنه ذكر عنده الغضب فقال : إن الرجل ليغضب حتى ما يرضى ابدا ، ويدخل بذلك النار ، وأيما رجل غضب وهو قائم فليجلس فانه سيذهب عنه رجز الشيطان ، وإن كان جالسا فليقم ، وأيما رجل غضب على ذي رحمه فليقم إليه وليدن منه ، وليمسه ، فان الرحم إذا مست الرحم (١).

وما رواه العامة عن أبي هريرة قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا غضب وهو قائم جلس ، وإذا غضب وهو جالس اضطجع ، فيذهب غيظه.

وقال بعضهم : علاج الغضب أن تقول بلسانك : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم هكذا أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يقال عند الغيظ ، وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا غضبت عائشة أخذ بأنفها ، وقال : يا عويش قولي : اللهم رب النبي محمد ، اغفر لي ذنبي ، وأذهب غيظ قلبي ، وأجري ن من مضلات الفتن ، ويستحب أن تقول ذلك ، وإن لم يزل بذلك فاجلس إن كنت قائما ، واضطجع إن كنت جالسا ، واقرب من الارض التي منها خلقت لتعرف بذلك ، واطلب بالجلوس والاضطجاع السكون ، فان سبب الغضب الحرارة ، وسبب الحرارة الحركة إذ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله إن الغضب جمرة تتوقد ألم تر إلى انتفاخ أوداجه وحمرة عينيه؟.

فان وجد أحدكم من ذلك شيئا فان كان قائما فليجلس ، وإن كان جالسا فلينم ، فان لم يزل ذلك فليتوضأ بالماء البارد ، وليغتسل ، فان النار لا يطفئها إلا الماء ، وقد قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا غضب أحدكم فليتوضأ وليغتسل ، فان الغضب من النار ، وفي رواية : إن الغضب من الشيطان ، وإن الشيطان خلق من النار ، وإنما يطفي النار الماء ، فاذا غضب أحدكم فليتوضأ.

وقال ابن عباس : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا غضبت فاسكت ، وقال أبوسعيد الخدري : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الغضب جمرة في قلب ابن آدم الا ترون إلى حمرة

____________________

(١) أمالي الصدوق : ٢٠٥ وقد مر تحت الرقم ٩.

٢٧٢

عينيه وانتفاخ أوداجه؟ فمن وجد من ذلك شيئا فليلصق خده بالارض وكأن هذا إشارة إلى السجود ، وهو تمكين أعز الاعضاء من أذل المواضع ، وهو التراب لتستشعر به النفس الذل ، وتزايل به العزة والزهو الذي هو سبب الغضب.

وأما العلاج الثاني فهو خاص بذي الرحم ، حيث قال : «وأيما رجل غضب على ذي رحم فليدن منه» أي الغاضب من ذي رحمه «إذا مست» على بناء المجهول أي بمثلها ، ويحتمل المعلوم أي مثلها ، وما في رواية المجالس المتقدم ذكره اظهر ويظهر منها أنه سقط من رواية الكتاب بعض الفقرات متنا وسندا فتفطن إذ هي عين هذه الرواية ، والظاهر أن «سكنت» على بناء المعلوم المجرد ، ويحتمل المجهول من بناء التفعيل.

وقيل : ضمير «فليدن» راجع إلى ذي الرحم ، وضمير «منه» إلى الرجل وهو بعيد هنا ، وإن كان له شواهد من بعض الاخبار منها ما رواه الصدوق رحمه الله في عيون أخبار الرضا باسناده عن موسى بن جعفر عليه‌السلام قال : لما دخلت على الرشيد سلمت عليه فرد علي السلام ثم قال : يا موسى بن جعفر خليفتين يجبى إليهما الخراج؟ فقلت : يا أمير المؤمنين أعيذك بالله أن تبوء بإثمي وإثمك ، وتقبل الباطل من أعدائنا علينا ، فقد علمت أنه قد كب علينا منذ قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بما علم ذلك عندك فان رأيت بقرابتك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن تأذن لي أحدثك بحديث أخبرني به أبي عن آبائه ، عن جدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : إن الرحم إذا مست الرحم تحركت واضطربت فناولني يدك جعلني الله فداك ، فقال : ادن فدنوت منه فأخذ بيدي ثم جذبني إلى نفسه وعانقني طويلا ثم تركني ، وقال : اجلس يا موسى ، فليس عليك بأس فنظرت إليه فاذا إنه قد دمعت عيناه ، فرجعت إلي نفسي ، فقال : صدقت وصدق جدك لقد تحرك دمي واضطربت عروقي حتى غلبت علي الرقة ، وفاضت عيناي إلى آخر الخبر (١).

وأقول هذا لا يعين حمل خبر المتن على دنو الغاضب ، فانه يدنو كل من

____________________

(١) عيون الاخبار ج ١ ص ٨١.

٢٧٣

يريد تسكين الغضب ، فانه إذا أراد الغاضب تسكين غضبه يدنو من المغضوب [ عليه ] وإذا اراد المغضوب [ عليه ] تسكين غضب الغاضب يدنو منه.

٢٤ ـ كا : علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن داود بن فرقد قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : الغضب مفتاح كل شر (١).

بيان : «مفتاح كل شر» إذ يتولد منه الحقد والحسد والشماتة والتحقير والاقوال الفاحشة ، وهتك الاستار ، والسخرية والطرد والضرب والقتل والنهب ومنع الحقوق إلى غير ذلك مما لا يحصى.

٢٥ ـ كا : عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن ابيه ، عن النضر بن سويد ، عن القاسم بن سليمان ، عن ابي عبدالله عليه‌السلام قال : سمعت أبي عليه‌السلام يقول : أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رجل بدوي فقال : إني أسكن البادية فعلمني جوامع الكلام فقال : آمرك أن لا تغضب فأعاد عليه الاعرابي المسألة ثلاث مرات حتى رجع الرجل إلى نفسه فقال : لا أسأل عن شئ بعد هذا ، ما أمرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلا بالخير قال : وكان أبي يقول : اي شئ أشد من الغضب؟ إن الرجل يغضب فيقتل النفس التي حرم الله ويقذف المحصنة (٢).

بيان : قال في النهاية : فيه أوتيت جوامع الكلم ، يعني القرآن جمع الله بلطفه في الالفاظ اليسيرة منه معاني كثيرة ، واحدها جامعة أي كلمة جامعة ، ومنه الحديث في صفته إنه كان يتكلم بجوامع الكلم أي إنه كان كثير المعاني قليل الالفاظ.

«فأعاد عليه الاعرابي المسألة ثلاث مرات» كأن أصل السؤال كان ثلاث مرات ، فالاعادة مرتان اطلقت على الثلاث تغليبا ، والمعنى أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله في كل ذلك يجيبه بمثل الجواب الاول «حتى رجع الرجل» أي تفكر في أن تكرار السؤال بعد اكتفائه صلى‌الله‌عليه‌وآله بجواب واحد غير مستحسن ، فأمسك وعلم أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يجبه بما أجابه إلا لعلمه بفوائد هذه النصيحة ، وأنها تكفيه ، أو تفكر في مفاسد الغضب فعلم أن تخصيصه صلى‌الله‌عليه‌وآله الغضب بالذكر لتلك الامور.

____________________

(١ و ٢) الكافي ج ٢ ص ٣٠٣.

٢٧٤

«فيقتل النفس» أي إحدى ثمرات الغضب قتل النفس مثلا وهو يوجب القصاص في الدنيا ، والعذاب الشديد في الآخرة ، والاخرى قذف المحصنة ، وهي العفيفة وهو يوجب الحد في الدنيا والعقاب العظيم في الآخرة.

٢٦ ـ كا : عنه ، عن ابن فضال ، عن إبراهيم بن محمد الاشعري ، عن عبدالاعلى قال : قلت لابي عبدالله عليه‌السلام : علمني عظة أتعظ بها ، فقال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أتاه رجل فقال له : يا رسول الله علمني عظة أتعظ بها فقال له : انطلق فلا تغضب ثم عاد إليه فقال له : انطلق فلا تغضب ثلاث مرات (١).

بيان : قال في المصباح : وعظه يعظه عظة أمره بالطاعة ووصاه بها ، فاتعظ اي ائتمر وكف نفسه ، وقال بعض المتقدمين : الوعظ تذكير مشتمل على زجر وتخويف وحمل على طاعة الله بلفظ يرق له القلب والاسم الموعظة.

٢٧ ـ كا : عنه ، عن إسماعيل بن مهران ، عن سيف بن عميرة ، عمن سمع أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : من كف غضبه ستر الله عورته (٢).

بيان : «ستر الله عورته» اي عيوبه وذنوبه في الدنيا ، فلا يفضحه بها ، أو في الآخرة فيكون كفارة عنها أو الاعم منهما وقيل : لانه إذا لم يغضب لا يقول فيه الناس ما يفضحه ، واختلفوا في أن من كان شديد الغضب وكف غضبه ومن لا يغضب أصلا لكونه حليما بحسب الخلقة أيهما افضل؟ فقيل الاول لان الاجر على قدر المشقة ، وفيه جهاد النفس ، وهو أفضل من جهاد العدو.

وغضب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مشهور إلا أن غضبه لم يكن من مس الشيطان ورجزه وإنما كان من بواعث الدين ، وقيل : الثاني لان الاخلاق الحسنة من الفضائل النفسانية ، وصاحب الخلق الحسن بمنزلة الصائم القائم.

٢٨ ـ كا : عنه ، عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن حبيب السجستاني عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : مكتوب في التوراة فيما ناجى الله عزوجل به موسى : يا موسى أمسك غضبك عمن ملكتك عليه أكف عنك غضبي (٣).

____________________

(١ ـ ٣) الكافي ج ٢ ص ٣٠٣.

٢٧٥

بيان : يقال : ناجيته اي ساررته «عمن ملكتك عليه» أي من العبيد والاماء أو الرعية أو الاعم ، وهو أولى ، وغضب الخلق ثوران النفس وحركتها بسبب تصور المؤذي والضار إلى الانتقام والمدافعة ، وغضب الخالق عقابه التابع لعلمه بمخالفة أوامره ونواهيه وغيرهما ، وفيه إشارة إلى نوع من معالجة الغضب وهو أن يذكر الانسان عند غضبه على الغير غضبه تعالى عليه ، فان ذلك يبعثه على الرضا والعفو طلبا لرضاه سبحانه وعفوه لنفسه.

٢٩ ـ كا : عدة من اصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن عبدالحميد ، عن يحيى بن عمرو ، عن عبدالله بن سنان قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : أوحى الله عزوجل إلى بعض أنبيائه : يا ابن آدم اذكرني في غضبك اذكرك في غضبي ، لا أمحقك فيمن أمحق ، وارض بي منتصرا فان انتصاري لك خير من انتصارك لنفسك (١).

بيان : المراد بذكره له تعالى ذكر قدرته سبحانه عليه وعقابه وبذكر الله له ذكر عفوه عن أخيه ، فيعفو عن زلاته ومعاصيه ، جزاء بما صنع وقوله : «لا أمحقك» بالجزم بدل من أذكرك والمحق هنا إبطال عمله وتعذيبه ، ومحو ذكره أو لحراقه ، في القاموس محقه كمنعه أبطله ومحاه كمحقه فتمحق وامتحق وامحق كافتعل والله الشئ ذهب ببركته والحر الشئ أحرقه ، وفي النهاية المحق النقص والمحو والابطال ، والانتصار الانتقام ، ولما كان الغرض من إمضاء الغضب غالبا هو الانتقام من الظالم ، رغب سبحانه في تركه بأني منتقم من الظالم لك وانتقامي خير من انتقامك ، والخيرية من وجوه شتى : الاول أن انتقامه على قدر قدرته وانتقامه سبحانه أشد وأبقى ، الثاني أن انتقامه يفوت ثوابه ، وانتقامه تعالى لا يفوته ، الثالث أن انتقامه يمكن أن يتعدى إلى مالا يستحقه فيعاقب عليه ، الرابع أن انتقامه يؤدي غالبا إلى المفاسد الكلية والجزئية بانتهاض الخصم للمعادات بخلاف انتقامه تعالى.

٣٠ ـ كا : أبوعلي الاشعري ، عن محمد بن عبدالجبار ، عن ابن فضال ، عن

____________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٣٠٣.

٢٧٦

علي بن عقبة ، عن عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام مثله وزاد فيه : وإذا ظلمت بمظلة فارض بانتصاري لك ، فان انتصاري لك خير من انتصارك لنفسك (١).

بيان : في هذا الخبر وقع قوله : «وإذا ظلمت بمظلة فارض بانتصاري لك» مكان قوله في الخبر السابق : «وارض بي منتصرا» ومفادهما واحد ، ولما كان هذا في اللفظ أطول أطلق عليه لفظ الزيادة ، وإنما ذكر ما بعدها مع كونه مشتركا بينهما للعلم بموضع الزيادة ، وفي المصباح الظلم اسم من ظلمه من باب ضرب ومظلمة بفتح الميم وكسر اللام ، ويجعل المظلمة اسما لما يطلبه عند الظالم ، كالضللامة بالضم.

٣١ ـ كا : عن الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، وعلي بن محمد ، عن صالح ابن أبي حماد جميعا ، عن الوشاء ، عن أحمد بن عائذ ، عن أبي خديجة ، عن معلى بن خنيس ، عن ابي عبدالله عليه‌السلام قال : قال رجل للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا رسول الله علمني قال : اذهب ولا تغضب ، فقال الرجل : قد اكتفيت بذلك ، فمضى إلى أهله فاذا بين قومه حرب قد قاموا صفوفا ولبسوا السلاح ، فلما رأى ذلك لبس سلاحه ثم قام معهم ، ثم ذكر قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تغضب ، فرمى السلاح ثم جاء يمشي إلى القوم الذين هم عدو قومه ، فقال : يا هؤلاء ما كانت لكم من جراحة أو قتل أو ضرب ليس فيه اثر فعلي في مالي أنا أوفيكموه ، فقال القوم : فما كان فهو لكم ، نحن أولى بذلك منكم ، قال : فاصطلح القوم ، وذهب الغضب (٢).

بيان : «ليس فيه اثر» اي علامة ، جراحة لتصح مقابلته للجراحة والاثر بالتحريك بقية الشئ وعلامته وبالضم وبضمتين أثر الجراح ، يبقى بعد البرء «فعلي في مالي» اي لا ابسطه على القبيلة ليكون فيه مضايقة أوتأخير و «أنا» إما تأكيد للضمير المجرور ، لانهم جوزوا تأكيده بالمرفوع المنفصل ، اومبتدأ خبره «أوفيكموه» على بناء الافعال أو التفعيل ، والضمير راجع إلى الموصول اي على دية ما ذكر ، والايفاء والتوفية إعطاء الحق تماما.

____________________

(١ و ٢) الكافي ج ٢ ص ٣٠٤.

٢٧٧

٣٢ ـ كا : عن عدة من اصحابنا ، عن سهل بن زياد ، وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن ابي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : إن هذا الغضب جمرة من الشيطان ، توقد في قلب ابن آدم ، وإن أحدكم إذا غضب احمرت عيناه وانتفخت أوداجه ، ودخل الشيطان فيه ، فاذا خاف أحدكم ذلك من نفسه فليلزم الارض ، فان رجز الشيطان ليذهب عنه عند ذلك (١).

بيان : الجمرة القطعة الملتهبة من النار ، شبه بها الغضب في الاحراق والاهلاك ونسبها إلى الشيطان لان بنفخ نزغاته ووساوسه تحدث وتشتد ، وتوقد في قلب ابن آدم ، وتلتهب التهابا عظيما ، ويغلى بها دم القلب غليانا شديدا كغلي الحميم فيحدث منه دخان بتحليل الرطوبات ، وينتشر في العروق ، ويرتفع إلى أعالي البدن والدماغ والوجه ، كما يرتفع الماء والدخان في القدر ، فلذلك تحمر العين والوجه والبشرة ، وتنتفخ الاوداج والعروق وحينئذ يتسلط عليه الشيطان كمال التسلط ويدخل فيه ويحمله على ما يريد ، فيصدر منه أفعال شبيهة بأفعال المجانين ، ولزوم الارض يشمل الجلوس والاضطجاع والسجود كما عرفت.

٣٣ ـ كا : عدة من اصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبدالله ، عن بعض اصحابه رفعه قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : الغضب ممحقة لقلب الحكيم ، وقال : من لم يملك غضبه لم يملك عقله (٢).

بيان : الممحقة مفعلة من المحق ، وهو النقص والمحو والابطال اي مظنة له ، وإنماخص قلب الحكيم بالذكر لان المحق الذي هو إزالة النور إنما يتعلق بقلب له نور ، وقلب غير الحكيم يعلم بالاولوية ، وإذا عرفت أن الغضب يمحق قلب الحكيم يعني عقله ، ظهر لك حقيقة قوله : «من لم يملك غضبه لم يملك عقله».

قال بعض المحققين : مهما اشتدت نار الغضب وقوي اضطرامها. أعمى صاحبه وأصمه عن كل موعظة ، فاذا وعظ لم يسمع بل تزيده الموعظة غيظا ، وإن

____________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٣٠٤.

(٢) الكافي ج ٢ ص ٣٠٥.

٢٧٨

أراد أن يستضئ بنور عقله ، وراجع نفسه ، لم يقدر على ذلك ، إذ ينفئ نور العقل وينمحي في الحال بدخان الغضب ، فان معدن الفكر الدماغ ، ويتصاعد عند شدة الغضب من غليان دم القلب دخان إلى الدماغ مظلم مستول على معادن الفكر.

وربما يتعدى إلى معادن الحس ، فيظلم عينه ، حتى لا يرى بعينه ، ويسود عليه الدنيا بأسرها ، ويكون دماغه على مثال كهف اضرمت فيه نار فاسود جوه وحمي مستقره ، وامتلا بالدخان جوانبه ، وكان فيه سراج ضعيف فانطفى وانمحى نوره ، فلا يثبت فيه قدم ، ولا يسمع فيه كلام ، ولا ترى فيه صورة ، ولا يقدر على إطفائه لا من داخل ولا من خارج ، بل ينبغي أن يصبر إلى أن يحترق جميع ما يقبل الاحتراق ، فكذلك يفعل الغضب بالقلب والدماغ ، وربما تقوى نار الغضب فتفني الرطوبة التي بها حياة القلب فيموت صاحبه غيظا ، كما تقوى النار في الكهف فيتشقق وتنهد أعاليه على أسافله ، وذلك لابطال النار ما في جوانبه من القوة الممسكة الجامعة لاجزائه ، فهكذا حال القلب مع الغضب.

ومن آثار هذا الغضب في الظاهر تغير اللون وشدة الرعدة في الاطراف وخروج الافعال عن الترتيب والنظام ، واضطراب الحركة والكلام حتى يظهر الزبد على الاشداق ، وتحمر الاحداق ، وتنقلب المناخر ، وتستحيل الخلقة ولو رأى الغضبان في حال غضبه قبح صورته لسكن غضبه حياء من قبح صورته واستحالة خلقته ، وقبح باطنه أعظم من قبح ظاهره ، فان الظاهر عنوان الباطن وإنما قبحت صورة الباطن أولا ثم انتشر قبحها إلى الظاهر ثانيا.

فهذا أثره في الجسد وأما اثره في اللسان فانطلاقه بالشتم والفحش ، وقبيح الكلام الذي يستحيي منه ذووالعقول ، ويستحيي منه قائله عند فتور الغضب ، وذلك مع تخبط النظم ، واضطراب اللفظ ، وأما أثره على الاعضاء فالضرب والتهجم والتمزيق والقتل والجرح عند التمكن من غير مبالات ، فان هرب منه المغضوب عليه أو فاته بسبب وعجز عن التشفي ، رجع الغضب على صاحبه ، فيمزق ثوب نفسه ويلطم وجهه ، وقد يضرب يده على الارض ، ويعدو عدوالواله السكران ، والمدهوش

٢٧٩

المتحير ، وربما سقط صريعا لا يطيق العدو والنهوض لشدة الغضب ، ويعتريه مثل الغشية ، وربما يضرب الجمادات والحيوانات ، فيضرب القصعة على الارض وقد تكسر وتراق المائدة إذا غضب عليها ، وقد يتعاطى أفعال المجانين فيشتم البهيمة والجماد ، ويخاطبه ويقول : إلى متى منك كذا ، ويا : كيت وكيت ، كأنه يخاطب عاقلا حتى ربما رفسته دابة فيرفسها ويقابلها به.

وأما أثره في القلب مع المغضوب عليه ، فالحقد والحسد ، وإظهار السوء والشماتة بالمساءة ، والحزن بالسرور ، والعزم على إفشاء السر وهتك الاستار والاستهزاء ، وغير ذلك من القبايح. فهذه ثمرة الغضب المفرط وقد أشير إليها في تلك الاخبار.

٣٤ ـ كا : عن الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي ، عن عاصم بن حميد ، عن ابي حمزة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من كف نفسه عن أعراض الناس أقال الله نفسه يوم القيامة ، ومن كف غضبه عن الناس كف الله تبارك وتعالى عنه عذاب يوم القيامة (١).

بيان : الاعراض جمع العرض بالكسر ، وفي القاموس العرض بالكسر الجسد وكل موضع يعرق منه ورائحته [ رائحة ] طيبة كانت أو خبيثة ، والنفس وجانب الرجل [ الذي ] يصونه من نفسه وحسبه أن يتنقص ويثلب ، أو سواء كان في نفسه أو في سلفه أو من يلزمه أمره ، أو موضع المدح والذم منه ، أو ما يفتخر به من حسب وشرف (٢) وقال : النفس الروح والدم والجسد والعظمة والعزة والهمة والانفة والعيب والعقوبة.

وقوله عليه‌السلام : «من كف نفسه عن أعراض الناس» اي عن هتك عرضهم بالغيبة والبهتان والشتم وكشف عيوبهم وأمثال ذلك «اقال الله نفسه» قيل : المراد بالنفس هنا العيب.

____________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٣٠٥.

(٢) القاموس ج ٢ ص ٣٣٤.

٢٨٠