بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤١٥
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

وأقول : يمكن أن يكون المراد بالنفس هنا ايضا المعنى الشائع لان الاقالة وإن كان الغالب نسبتها إلى العثرات والذنوب ، لكن يمكن نسبتها إلى النفس ايضا فان الاقالة في الاصل هو أن يشتري الرجل متاعا فيندم فيأتي البايع فيقول له : أقلني! أي اترك ما جرى بيني وبينك ، ورد علي ثمني ، وخذ متاعك ، واستعمل في غفران الذنوب لانه بمنزلة معاوضة بينه وبين الرب تعالى فكأنه أعطى الذنب وأخذ العقوبة ، والنفس مرهونة في تلك المعاملة يقتص منها ، فكما يمكن نسبة الاقالة إلى الذنب يمكن نسبتها إلى النفس أيضا بل هو أنسب ، لانه يريد أن يفك نفسه عن العقوبة كما قال تعالى : «كل امرئ بما كسب رهين» (١) وقال سبحانه : «كل نفس بما كسبت رهينة» (٢) وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الا إن أنفسكم مرهونة بأعمالكم ففكوها باستغفاركم ، مع أنه يمكن تقدير مضاف اي عثرة نفسه.

١٣٣

( باب )

* «( العصبية والفخر والتكاثر في الاموال والاولاد وغيرها )» *

الايات : الانعام : وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا اليس الله بأعلم بالشاكرين (٣).

الكهف : فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا (٤).

مريم : وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا * وكم أهلكنا قبلهم من قرية هم أحسن أثاثا

____________________

(١) الطور : ٢١.

(٢) المدثر : ٣٨.

(٣) الانعام : ٥٣.

(٤) الكهف : ٣٤.

٢٨١

ورئيا * قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا * حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب وإما الساعة فسيعلمون من هو شر مكانا وأضعف جندا إلى قوله تعالى : أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لاوتين مالا وولدا * أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا * كلا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا * ونرثه ما يقول ويأتينا فردا (١).

المؤمنون : وقال الملا من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة وأترفناهم في الحيوة الدنيا ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون * ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون (٢).

الشعراء : قالوا أنؤمن لك واتبعك الارذلون * قال وما علمي بما كانوا يعملون * إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون * وما أنا بطارد المؤمنين (٣).

الزخرف : أم أنا خير من هذا الذي هو مهين * ولا يكاد يبين * فلولا القي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملئكة مقترنين (٤).

الدخان : ذق إنك أنت العزيز الكريم (٥).

الفتح : إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية (٦).

الحجرات : يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير (٧).

الحديد : اعلموا أنما الحيوة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الاموال والاولاد (٨).

وقال تعالى : والهل لا يحب كل مختال فخور (٩).

____________________

(١) مريم : ٨٠٧٣. (٢) المؤمنون : ٣٤٣٣.

(٣) الشعراء : ١١٤١١١. (٤) الزخرف : ٥٣٥٢.

(٥) الدخان : ٤٩. (٦) الفتح : ٢٦.

(٧) الحجرات : ١٣. (٨) الحديد : ٢٠.

(٩) الحديد : ٢٣.

٢٨٢

العلق : فليدع ناديه * سندع الزبانية (١).

التكاثر : ألهيكم التكاثر حتى زرتم المقابر * كلا سوف تعلمون * ثم كلا سوف تعلمون (٢).

١ ـ كا : عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم عن داود بن النعمان ، عن منصور بن حازم ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : من تعصب أو تعصب له ، فقد خلع ربقة الايمان من عنقه (٣).

بيان : قال في النهاية : فيه العصبي من يعين قومه على الظلم ، العصبي هو الذي يغضب لعصبته ، ويحامي عنهم ، والعصبة الاقارب من جهة الاب لانهم يعصبونه ، ويعتصب بهم ، أي يحيطون به ويشتد بهم ، ومنه الحديث ليس منا من دعا إلى عصبية أو قاتل عصبية ، والتعصب المحامات والمدافعة.

وقال في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : فقد خلع ربقة الاسلام من عنقه : الربقة في الاصل عروة في حبل تجعل في عنق البهيمة أو يدها تمسكها ، فاستعارها للاسلام ، يعني ما يش دالمسلم به نفسه من عرى الاسلام ، أي حدوده وأحكامه وأوامره ونواهيه وتجمع الربقة على ربق مثل كسرة وكسر ويقال للحبل الذي تكون فيه الربقة ربق ، ويجمع على رباق وأرباق انتهى.

والتعصب المذموم في الاخبار هو أن يحمي قومه أو عشيرته أو أصحابه في الظلم والباطل ، أو يلج في مذهب باطل أو ملة باطلة ، لكونه دينه أو دين آبائه أو عشيرته ، ولا يكون طالبا للحق بل ينصر ما لا يعلم أنه حق أو باطل ، للغلبة على الخصوم ، أو لاظهار تدربه في العلوم ، أو اختار مذهبا ثم ظهر له خطاؤه فلا يرجع عنه لئلا ينسب إلى الجهل أو الضلال.

فهذه كلها عصبية باطلة مهلكة ، توجب خلع ربقة الايمان ، وقريب منه

____________________

(١) العلق : ١٨١٧.

(٢) التكاثر : ٤١.

(٣) الكافي ج ٢ ص ٣٠٧.

٢٨٣

الحمية قال سبحانه : «إذ جعل في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية» (١) قال الطبرسي رحمه الله : الحمية الانفة والانكار ، يقال فلان : ذو حمية منكرة ، إذا كان ذا غضب وأنفة اي حميت قلوبهم بالغضب كعادة آبائهم في الجاهلية أن لا يذعنوا لاحد ولا ينقادوا له (٢) وقال الراغب : عبر عن القوة الغضبية إذا ثارت بالحمية فقيل : حميت على فلان أي غضبت انتهى وأما التعصب في دين الحق والرسوخ فيه ، والحماية عنه ، وكذا في المسائل اليقينية والاعمال الدينية أو حماية أهله أو عشيرته بدفع الظلم عنهم ، فليس من الحمية والعصبية المذمومة ، بل بعضها واجب.

ثم إن [ هذا الذم والوعيد في المتعصب ظاهر ، وأما المتعصب له ، فلا بد من تقييده بما إذا كان هو الباعث له ، والراضي به ، وإلا فلا إثم عليه و ] (٣) خلع الايمان إما كناية عن خروجه من الايمان رأسا للمبالغة ، أو عن إطاعة الايمان ، للاخلال بشريعة عظيمة من شرايعه ، أو المعنى خلع ربقة من ربق الايمان التي لزمها الايمان عليه من عنقه.

كا : عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ودرست بن أبي منصور ، عن ابي عبدالله عليه‌السلام مثله (٤).

٢ ـ كا : عن علي ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من كان في قلبه حبة من خردل من عصبية بعثه الله تعالى يوم القيامة مع أعراب الجاهلية (٥).

بيان : في النهاية الاعراب ساكنوا البادية من العرب الذين لا يقيمون في الامصار ، ولا يدخلونها إلا لحاجة ، وقال : الجاهلية الحال التي كانت عليها العرب قبل الاسلام ، من الجهل بالله وبرسوله وشرايع الدين ، والمفاخرة بالانساب والكبر والتجبر وغير ذلك انتهى وكأنه محمول على التعصب في الدين الباطل.

٣ ـ كا : عن الاشعري ، عن محمد بن عبدالجبار ، عن صفوان بن يحيى ، عن خضر ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : من تعصب عصبه الله بعصابة

____________________

(١) الفتح : ٢٦. (٢) مجمع البيان ج ٩ ص ١٢٥ ١٢٦.

(٤٣) راجع شرح الكافي ج ٢ ص ٢٩٠. (٥) الكافي ج ٢ ص ٣٠٨.

٢٨٤

من نار (١).

بيان : قال الجوهري : العصب الطي الشديد ، وتقول : عصب رأسه بالعصابة تعصيبا ، والعصب العمامة ، وكل ما يعصب به الرأس ، وقال الفيروز آبادي : العصابة بالكسر ما عصب به ، والعمامة وتصب : شد العمامة وأتى بالعصبية.

٤ ـ كا : عن العدة ، عن ابن خالد ، عن ابن أبي نصر ، عن ابن مهران ، عن عامر بن السمط ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن علي بن الحسين عليه‌السلام قال : لم تدخل الجنة حمية غير حمية حمزة بن عبدالمطلب ، وذلك حين أسلم غضبا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث السلا الذي ألقي على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢).

بيان : «لم تدخل الجنة» على بناء الافعال والحمية الانفة والغيرة ، وفي القاموس الحمي من لا يحتمل الضيم وحمي من الشئ كرضي حمية أنف ، وفي النهاية فيه إن المشركين جاؤا بسلا جزور فطرحوه علي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يصلي السلا الجلد الرقيق الذي يخرج فيه الولد من بطن أمه ملفوفا فيه ، وقيل : هو في الماشية السلا ، وفي الناس المشيمة والاول أشبه ، لان المشيمة تخرج بعد الولد ولا يكون الولد فيها حين يخرج.

أقول : قد مرت قصة السلا وإسلام حمزة في مواضعها ، واختلفوا في سبب إسلامه ، قال علي بن برهان الدين الحلبي الشافعي : ومما وقع له صلى‌الله‌عليه‌وآله من الاذية ما كان سببا لاسلام عمه حمزة رض‌الله‌عنه وهو ما حدث به ابن إسحاق عن رجل من أسلم أن أبا جهل مر برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عند الصفا ، وقيل : عند الحجون ، فآذاه وشتمه ، ونال منه مانكرهه ، وقيل : إنه صب التراب على رأسه ، وقيل : القى عليه فرثا ووطئ برجله على عاتقه ، فلم يكلمه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومولاة لعبد الله بن جدعان في مسكن لها تسمع ذلك وتبصره ، ثم انصرف رسول الله إلى نادي قريش فجلس معهم.

فلم يلبث حمزة أن أقبل متوشحا بسيفه راجعا من قنصه أي من صيده ، وكان

____________________

(١ و ٢) الكافي ج ٢ ص ٣٠٨.

٢٨٥

من عادته إذا رجع من قنصه لا يدخل إلى أهله بعد أن يطوف بالبيت ، فمر على تلك المولاة فأخبرته الخبر ، وقيل : أخبرته مولاة أخته صفية قالت له : إنه صب التراب على رأسه ، وألقى عليه فرثا ، ووطئ برجله على عاتقه ، وعلى إلقاء الفرث عليه اقتصر أبوحيان ، فقال لها حمزة : أنت رايت هذا الذي تقولين؟ قالت : نعم.

فاحتمل حمزة الغضب ودخل المسجد فرأى أبا جهل جالسا في القوم فأقبل نحوه حتى قام على رأسه ورفع القوس فضربه فشجه شجة منكرة ، ثم قال : أتشتمه وأنا على دينه ، أقول ما يقول؟ فرد علي ذلك إن استطعت ، وفي لفظ : إن حمزة لما قام على راس أبي جهل بالقوس صار أبوجهل يتضرع إليه ويقول : سفه عقولنا ، وسب آلهتنا ، وخالف آباءنا ، فقال : ومن أسفه منكم؟ تعبدون الحجارة من دون الله أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.

فقامت رجال من بني مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل فقالوا : ما نراك إلا قد صبأت ، فقال حمزة : ما يمنعني وقد استبان لي منه ، أنا أشهد أنه رسول الله وأن الذي يقوله حق ، والله لا أنزع فامنعوني إن كنتم صادقين ، فقال لهم أبوجهل : دعوا أبا يعلى فاني والله قد اسمعت ابن أخيه شيئا قبيحا.

وتم حمزة على إسلامه ، فقال لنفسه لما رجع إلى بيته : أنت سيد قريش اتبعت هذا الصابي وتركت دين آبائك؟ الموت خير لك مما صنعت؟ ثم قال : اللهم إن كان رشدا فاجعل تصديقه في قلبي ، وإلا فاجعل لي مما وقعت فيه مخرجا فبات بليلة لم يبت بمثلها من وسوسة الشيطان حتى اصبح.

فغدا إلى رسول الله فقال : يا ابن اخي إني وقعت في أمر لا أعرف المخرج منه ، وإقامة مثلي على مالا ادري أرشد هو أم غي شديد ، فأقبل عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فذكره ووعظه وخوفه وبشره فألقى الله في قلبه الايمان بما قال رسول الله صلى الله لعيه وآله ، فقال : أشهد أنك لصادق ، فأظهر يا ابن اخي دينك ، وقد قال ابن عباس : في ذلك نزل «أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في

٢٨٦

الناس» (١) يعني حمزة «كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها» يعني أبا جهل وسر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله باسلامه سرورا كثيرا لانه كان أعز فتى في قريش ، وأشدهم شكيمة ، ومن لما عرفت قريش أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد عز كفوا عن بعض ما كانوا ينالون منه وأقبلوا على بعض اصحابه بالاذية سيما المستضعفين منهم الذين لا جوار لهم انتهى.

٥ ـ كا : عنه ، عن أبيه ، عن فضالة ، عن داود بن فرقد ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن الملائكة كانوا يحسبون أن إبليس منهم ، وكان في علم الله أنه ليس منهم فاستخرج ما في نفسه بالحمية والغضب فقال : «خلقتني من نار وخلقته من طين» (٢).

بيان : «كانوا يحسبون أن إبليس منهم» أي في طاعة الله ، وعدم العصيان لمواظبته على عبادة الله تعالى في أزمنة متطاولة ، ولم يكونوا يجوزون أنه يعصي الله ويخالفه في أمره ، لبعد عدم علم الملائكة بأنه ليس منهم بعد أن أسروه من بين الجن ورفعوه [ إلى السماء ، فهو من قبيل قولهم عليهم‌السلام : «سلمان منا أهل البيت» ويمكن أن يكون المراد كونه من جنسهم ، ويكون ذلك الحسبان لمشاهدتهم تباين أخلاقه ظاهرا ] (٣) للجن ، وتكريم الله تعالى له وجعله بينهم بل رئيسا على بعضهم كما قيل فظنوا أنه كان منهم وقع بين الجن أو يقال كان الظان جمع من الملائكة لم يطلعوا على بدو أمره. «فاستخرج ما في نفسه» أي اظهر إبليس ما في نفسه اي أخذته الحمية والانفة والعصبية ، وافتخر وتكبر على آدم بأن أصل آدم من طين ، وأصله من نار ، والنار أشرف من الطين ، وأخطأ في ذلك بجهات شتى : منها أنه إنما نظر إلى جسد آدم ولم ينظر إلى روحه المقدسة التي أودع الله فيها غرائب الشؤون ، وقد ورد ذلك في الاخبار ، ومنها أن ما ادعاه من شرافة النار وكونه أعلى من الطين في محل المنع ، فان الطين لتذلله منبع لجميع الخيرات ومنشأ لجميع الحبوب والرياحين والثمرات ، والنار لرفعتها واشتعالها يحصل منها جميع

____________________

(١) الانعام : ١٢٢.

(٢) الكافي ج ٢ ص ٣٠٨. (٣) راجع شرح الكافي ج ٢ ص ٢٩١.

٢٨٧

الشرور ، والصفات الذميمة ، والاخلاق السيئة ، فثمرتها الفساد ، وآخرها الرماد.

ثم اعلم أن هذا الخبر مما يدل على أن إبليس لم يكن من الملائكة وقد اختلف اصحابنا والمخالفون في ذلك ، فالذي ذهب إليه أكثر المتكلمين من أصحابنا وغيرهم أنه لم يكن من الملائكة ، قال الشيخ المفيد برد الله مضجعه في كتاب المقالات : إن إبليس من الجن خاصة وإنه ليس من الملائكة ، ولا كان منها قال الله تعالى : «إلا إبليس كان من الجن» (١) وجاءت الاخبار متواترة عن الائمة الهدى من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك ، وهو مذهب الامامية كلها ، وكثير من المعتزلة وأصحاب الحديث انتهى.

وذهب طائفة من المتكلمين إلى أنه من الملائكة واختاره من أصحابنا شيخ الطائفة روح الله روحه في التبيان وقال : وهو المروي عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، والظاهر في تفاسيرنا ، ثم قال رحمه الله : ثم اختلف من قال كان منهم ، فمنهم من قال إنه كان خازنا للجنان ، ومنهم من قال : كان له سلطان سماء الدنيا ، وسلطان الارض ، ومنهم من قال : إنه كان يسوس ما بين السماء والارض (٢).

٦ ـ كا : عن علي ، عن أبيه ، وعلي بن محمد القاساني ، عن القاسم بن محمد ، عن المنقري ، عن عبدالرزاق ، عن معمر ، عن الزهري قال : سئل علي بن الحسين عليه‌السلام عن العصبية فقال : العصبية التي يأثم عليها صاحبها أن يرى الرجل شرار قومه خيرا من خيار قوم آخرين ، وليس من العصبية أن يحب الرجل قومه ولكن من العصبية أن يعين قومه على الظلم (٣).

بيان «أن يرى» على بناء المجرد أو الافعال «أن يحب الرجل قومه»

____________________

(١) الكهف : ٥٠.

(٢) قال المؤلف العلامة في ج ١١ ص ١٤٤ من هذه الطبعة باب سجود الملائة بعد مثل هذا الكلام ، والحق ما اختاره المفيد رحمه الله وسنورد الاخبار في ذلك في كتاب السماء والعالم.

(٣) الكافي ج ٢ ص ٣٠٨.

٢٨٨

إما محض المحبة فانه من الجبلة الانسانية أن يحب الرجل قومه وعشيرته وأقاربه أكثر من غيرهم ، وقلما ينفك عنه أحد ، والظاهر أنه ليس من الصفات الذميمة أو بالافعال أيضا بأن يسعى في حوائجهم أكثر من السعي في حوائج غيرهم ، ويبذل لهم المال أكثر من غيرهم والظاهر أن هذا ايضا غير مذموم شرعا بل ممدوح ، فان أكثره من صلة الرحم وبعضه من رعاية الاخلاء والاخوان والاصحاب ، وقد مر عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في صلة الرحم الحث على جميع ذلك وعن غيره عليه‌السلام فظهر أن العصبية المذمومة إما إعانة قومه على الظلم ، أو إثبات ما ليس فيهم لهم ، أو التفاخر بالامور الباطلة التي توجب المنقصة ، أو تفضيلهم على غيرهم من غير فضل وغير ذلك.

٧ ـ لى : عن ابن المغيرة ، عن جده ، عن جده ، عن السكوني ، عن الصادق عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من عصبية ، بعثه الله عزوجل يوم القيامة مع أعراب الجاهلية (١).

ثو : عن ابن المتوكل ، عن علي ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني مثله (٢).

٨ ـ ل : عن أبيه ، عن أحمد بن إدريس ، عن الاشعري ، عن موسى بن جعفر عن ابن معبد ، عن إبراهيم بن إسحاق ، عن ابن سنان ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يتعوذ في كل يوم من ست : من الشك ، والشرك ، والحمية والغضب ، والبغي ، والحسد (٣).

٩ ـ ل : عن ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن ابي الخطاب ، عن محمد بن أسلم الجبلي باسناده يرفعه إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : إن الله عزوجل يعذب ستة بست : العرب بالعصبية ، والدهاقنة بالكبر ، والامراء بالجور ، والفقهاء بالحسد والتجار بالخيانة ، وأهل الرستاق بالجهل (٤).

____________________

(١) أمالى الصدوق ٣٦١.

(٢) ثواب الاعمال ص ٢٤١.

(٣) الخصال ج ١ ص ١٦٠.

(٤) الخصال ج ١ ص ١٥٨.

٢٨٩

١٠ ـ ن : بالاسانيد الثلاثة ، عن الرضا ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أول من يدخل النار أمير متسلط لم يعدل ، وذو ثروة من المال لم يعط المال حقه ، وفقير فخور (١).

١١ ـ ما : عن ابن الصلت ، عن ابن عقدة ، عن جعفر بن أحمد ، عن عباد عن عمه ، عن ابيه ، عن مطرف ، عن الشعبي ، عن صعصعة بن صوحان قال : عادني أمير المؤمنين عليه‌السلام في مرض ثم قال : انظر فلا تجعلن عبادتي إياك فخرا على قومك ، وإذا رأيتهم في أمر فلا تخرج منه ، فانه ليس بالرجل غنا عن قومه ، إذا خلع منهم يدا واحدة يخلعون منه ايدي كثيرة ، فاذا رأيتهم في خير فأعنهم عليه وإذا رأيتهم في شر فلا تخذلنهم ، فليكن تعاونكم على طاعة الله ، فانكم لن تزالوا بخير ما تعاونتم على طاعة الله تعالى وتناهيتم عن معاصيه (٢).

١٢ ـ ل : عن محمد بن أحمد القضاعي ، عن إسحاق بن العباس بن إسحاق ابن موسى بن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن الحسين بن علي عليهم‌السلام : قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : أهلك الناس اثنان : خوف الفقر ، وطلب الفخر (٣).

١٣ ـ ل : عن ابيه ، عن علي ، عن أبيه ، عن الفارسي ، عن الجعفري ، عن عبدالله بن الحسين بن زيد ، عن أبيه ، عن جعفر بن محمد ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أربعة لا تزال في أمتي إلى يوم القيامة : الفخر بالاحساب ، و الطعن في الانساب ، والاستسقاء بالنجوم ، والنياحة ، وإن النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقوم يوم القيامة وعليها سربال من قطران ، ودرع من جرب عليه‌السلام (٤).

١٤ ـ ل : عن أبيه وابن الوليد معا ، عن محمد العطار وأحمد بن إدريس معا عن الاشعري ، عن جعفر بن محمد بن عبدالله ، عن أبي يحيى الواسطي ، عمن ذكره

____________________

(١) عيون الاخبار ج ٢ ص ٢٨.

(٢) أمالي الطوسي ج ١ ص ٣٥٧.

(٣) الخصال ج ١ ص ٣٦.

(٤) الخصال ج ١ ص ١٠٧.

٢٩٠

أنه قال لابي عبدالله عليه‌السلام : أترى هذا الخلق كله من الناس؟ فقال : ألق منهم النارك للسواك ، والمتربع في موضع الضيق ، والداخل فيما لا يعنيه ، والمماري فيما لا علم له به ، والمتمرض من غير علة ، والمتشعث من غير مصيبة ، والمخالف على أصحابه في الحق وقد اتفقوا عليه ، والمفتخر يفتخر بآبائه وهو خلو من صالح أعمالهم ، فهو بمنزلة الخلنج (١) يقشر لحا عن لحاحتى يوصل إلى جوهريته ، وهو كما قال الله عزوجل : « إن هم إلا كالانعام بل هم أضل سبيلا (٢)

١٥ ـ مع : عن الهمداني ، عن علي ، عن أبيه ، عن ابن ابي عمير ، عن محمد بن حمران ، عن أبيه ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : ثلاثة من عمل الجاهلية : الفخر بالانساب والطعن في الاحساب ، والاستسقاء بالانواء (٣)

١٦ ـ ثو : عن أبيه ، عن علي ، عن أبيه ، عنابنأب ي عمير ، عن هشام بن سالم ودرست بن أبي منصور ، عن ابي عبدالله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من تعصب أو تعصب له فقد خلع ربقة الاسلام من عنقه (٤)

١٧ ـ ثو : عن ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن يزيد ، عن صفوان ، عن عبدالله بن الوليد ، عن ابن أبي يعفور ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : من تعصب أو تعصب له خلع ربقة الايمان من عنقه (٥).

١٨ ـ ثو : بهذا الاسناد ، عن صفوان ، عن حضر ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : من تعصب عصبه الله عزوجل بعصابة من نار (٦)

١٩ ـ ثو : عن ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن يزيد ، عن العمي رفعه ____________________

(١) شجر كالطرفاء وله زهر أحمر وأصفر وحبه كالخردل وخشبه متين يصنع منه القصاع لصلابته.

(٢) الخصال ج ٢ ص ٣٩ والاية في سورة الفرقان : ٤٤.

(٣) معاني الاخبار ص ٣٢٦.

(٦٤) ثواب الاعمال ص ٢٤١.

٢٩١

قال : من تعصب حشره يوم القيامة مع أعراب الجاهلية (١).

٢٠ ـ ثو : أبي ، عن سعد ، عن ابن يزيد ، عن محمد بن إبراهيم النوفلي ، عن الحسين بن المختار رفعه إلى أمير المؤمنين صلوات الله عليه قال : من صنع شيئا للمفاخرة حشره الله يوم القيامة أسود (٢).

٢١ ـ سن : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : ثلاث إذا كن في المرء فلا تتحرج أن تقول إنه في جهنم : البذاء والخيلاء والفخر (٣).

٢٢ ـ كش : ودت بخط جبرئيل بن أحمد ، عن محمد بن عبدالله بن مهران عن البزنطي قال : دخلت على أبي الحسن عليه‌السلام أنا وصفوان بن يحيى ومحمد بن سنان واظنه قال : وعبدالله بن المغيرة أو عبدالله بن جندب وهو بصريا (٤) قال : فجلسنا عنده ساعة ثم قمنا فقال : أما أنت يا أحمد فاجلس فجلست فأقبل يحدثني وأسأله ويجيبني حتى ذهب عامة الليل ، فلما أردت الانصراف قال لي : يا أحمد تنصرف أوتبيت؟ فقلت : جعلت فداك ذاك الليل إن أمرت بالانصراف انصرفت وإن أمرت بالمقام أقمت قال : أقم فهذا الحرس وقد هدأ الناس وباتوا فقام وانصراف.

فلما ظننت أنه قد دخل خررت لله ساجدا فقلت : الحمد لله ، حجة الله ووارث علم النبيين آنس بي من بين إخواني وحببني فأنا في سجدتي وشكري فما علمت إلا وقد رفسني برجله ، ثم قمت فأخذ بيدي فغمزها ثم قال : يا أحمد إن أمير المؤمنين عليه‌السلام عاد صعصعة بن صوحان في مرضه ، فلما قام من عنده قال : يا صعصعة لا تفتخرن على إخوانك بعيادتي إياك واتق الله ، ثم انصرف عني (٥).

____________________

(١) ثواب الاعمال ص ٢٤١.

(٢) ثواب الاعمال ص ٢٢٨.

(٣) المحاسن ص ١٢٤.

(٤) صريا : قرية أسسها موسى بن جعفر عليه‌السلام على ثلاثة أميال من المدينة وقد كثر ذكرها في الحديث ولم نجد ذكرها في المعاجم ، راجع المناقب ج ٤ ص ٣٨٢.

(٥) رجال الكشي ص ٤٩١.

٢٩٢

٢٣ ـ كش : محمد بن الحسن البراني (١) وعثمان بن حامد الكشيان ، عن محمد بن يزداد والحسن بن علي بن النعمان ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال : كنت عند الرضا عليه‌السلام فأمسيت عنده قال : فقلت : أنصرف؟ فقال لي : لا تنصرف فقد أمسيت قال : فأقمت عنده قال : فقال لجاريته : هاتي مضربتي ووسادتي فافرش لاحمد في ذلك البيت.

قال : فلما صرت في البيت دخلني شئ فجعل يخطر ببالي : من مثلي في بيت ولي الله ، وعلى مهاده ، فناداني : يا أحمد إن أمير المؤمنين عليه‌السلام عاد صعصعة بن صوحان فقال : يا صعصعة بن صوحان لا تجعل عيادتي إياك فخرا على قومك ، و تواضع لله يرفعك (٢).

٢٤ ـ ين : ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن أبي عبيدة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : لما كان يوم فتح مكة قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الناس خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس ليبلغ الشاهد الغائب! إن الله تبارك وتعالى قد أذهب عنكم بالاسلام نخوة الجاهلية ، والتفاخر بآبائها وعشائرها ، أيها الناس إنكم من آدم وآدم من طين ، الا ولن خيركم عند الله وأكرمكم عليه اليوم أتقاكم وأطوعكم له.

ألا وإن العربية ليست بأب والد ، ولكنها لسان ناطق ، فمن قصر به عمله لم يبلغه رضوان الله حسبه ، الا وإن كل دم أومظلمة أو إحنة كانت في الجاهلية فهي تطل ، تحت قدمي إلى يوم القيامة.

٢٥ ـ ين : عن النضر ، عن الحسن بن موسى وابن رئاب ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قال : أصل المرء دينه ، وحسبه خلقه ، وكرمه تقواه ، وإن الناس من آدم شرع سواء.

٢٦ ـ ين : عن النضر ، عن ابن رئاب ، عن زرارة قال : قلت لابي جعفر عليه‌السلام الناس يروون عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : اشرفكم في الجاهلية اشرفكم في الاسلام فقال عليه‌السلام : صدقوا وليس حيث تذهبون كان أشرفهم في الجاهلية أسخاهم نفسا

____________________

(١) البرياني ح. (٢) رجال الكشى ص ٤٩١.

٢٩٣

وأحسنهم خلقا ، وأحسنهم جوارا ، وأكفهم أذى ، فذلك الذي إذا أسلم لم يزده إسلامه إلا خيرا.

٢٧ ـ نوادر الراوندي : باسناده ، عن موسى بن جعفر ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أوصي أمتي بخمس : بالسمع والطاعة والهجرة والجهاد والجماعة ومن دعا بدعاء إلحاح الجاهلية فله حثوة من حثى جهنم (١).

٢٨ ـ نهج : قال عليه‌السلام : ما لابن آدم والفخر ، أوله نطفة ، وآخره جيفة لا يرزق نفسه ، ولا يدفع حتفه (٢).

١٣٤

( باب )

* ( النهي عن المدح والرضا به ) *

١ ـ لى : في مناهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنه نهى عن المدح وقال : احثوا في وجوه المداحين التراب (٣).

٢ ـ فس : روي في تفسير قوله تعالى : «لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم» (٤) أنه إن جاءك رجل وقال فيك ما ليس فيك من الخير والثناء والعمل الصالح ، فلا تقبله منه ، وكذبه به فقد ظلمك (٥).

٣ ـ مص : قال الصادق عليه‌السلام : لا يصير العبد عبدا خالصا لله عزوجل حتى يصير المدح والذم عنده سواء ، لان الممدوح عند الله عزوجل لا يصير مذموما بذمهم ، وكذلك المذموم ، فلا تفرح بمدح أحد ، فانه لا يزيد في منزلتك

____________________

(١) نوادر الراوندي ص ٢١.

(٢) نهج البلاغة الرقم ٤٥٤ من الحكم.

(٣) أمالي الصدوق ص ٢٥٦.

(٤) النساء : ١٤٨.

(٥) تفسير القمي : ١٤٥.

٢٩٤

عند الله ، ولا يغنيك عن المحكوم لك ، والمقدور عليك.

ولا تحزن ايضا بذم أحد فانه لا ينقص عنك به ذرة ، ولا يحط عن درجة خيرك شيئا ، واكتف بشهادة الله تعالى لك وعليك قال الله عزوجل «وكفى بالله شهيدا» (١) ومن لا يقدر على صرف الذم عن نفسه ، ولا يستطيع على تحقيق المدح له ، كيف يرجى مدحه أو يخشى ذمه ، واجعل وجه مدحك وذمك واحدا وقف في مقام تغتنم به مدح الله عزوجل لك ورضاه ، فان الخلق خلقوا من العجين من ماء مهين ، فليس لهم إلا ما سعوا قال الله عزوجل «وأن ليس للانسان إلا ما سعى» (٢) وقال عزوجل « ولا يملكون لانفسهم نفعا ولا ضرا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا » (٣).

٤ ـ الدرة الباهرة : قال أبوالحسن الثالث عليه‌السلام لرجل وقد أكثر من إفراط الثناء عليه : أقبل على شأنك ، فان كثرة الملق يهجم علي الظنة ، وإذا حللت من أخيك في محل الثقة ، فاعدل عن الملق إلى حسن النية.

٥ ـ نهج : مدح أمير المؤمنين عليه‌السلام قوم في وجهه فقال : اللهم إنك أعلم بي من نفسي ، وأنا أعلم بنفسي منهم ، اللهم اجعلنا خيرا مما يظنون ، واغفر لنا ما لا يعلمون (٤).

وقال عليه‌السلام : الثناء بأكثر من الاستحقاق ملق ، والتقصير عن الاستحقاق عي أو حسد (٥).

وقال عليه‌السلام : رب مفتون بحسن القول فيه (٦).

____________________

(١) النساء : ٧٩.

(٢) النجم : ٣٩.

(٣) مصباح الشريعة ص ٣١ ، والاية في الفرقان : ٣.

(٤) نهج البلاغة الرقم ١٠٠ من الحكم.

(٥) نهج البلاغة الرقم ٣٤٧ من الحكم.

(٦) نهج البلاغة الرقم ٤٦٢ من الحكم.

٢٩٥

١٣٥

* ( باب سوء الخلق ) *

الايات : آل عمران : ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك (١).

القلم : عتل بعد ذلك زنيم (٢).

١ ـ كا : عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن ابي عمير ، عن عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل (٣).

بيان : سوء الخلق وصف للنفس يوجب فسادها وانقباضها وتغيرها على أهل الخلطة والمعاشرة وإيذائهم.

٢ ـ لى : عن ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن عيسى ، عن ابن بزيع ، عن عبدالله بن عثمان ، عن الحسين بن مهران ، عن إسحاق بن غالب ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : من أساء خلقه عذب نفسه (٤).

٣ ـ لى : عن ماجيلويه ، عن علي ، عن أبيه ، عن ابن معبد ، عن ابن خالد عن الرضا ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن جبرئيل الروح الامين نزل علي من عند رب العالمين فقال : يامحمد عليك بحسن الخلق فانه ذهب بخير الدنيا والآخرة ، ألا وإن أشبهكم بي أحسنم خلقا (٥).

٤ ـ ب : عن هارون ، عن ابن صدقة ، عن الصادق ، عن أبيه عليهما‌السلام قال : قال علي عليه‌السلام لابي ايوب الانصاري : يا أبا أيوب ما بلغ من كرم أخلاقك؟ قال :

____________________

(١) آل عمران : ١٥٩.

(٢) القلم : ١٣.

(٣) الكافى ج ٢ ص ٣٢١ باب سوء الخلق وفيه خمس روايات لم يخرج غير هذا الحديث.

(٤) أمالى الصدوق ص ١٢٤ ، ومثله في الكافي.

(٥) أمالي الصدوق ص ١٦٣.

٢٩٦

لا أوذي جارا فمن دونه ، ولا أمنعه معروفا أقدر عليه ، ثم قال عليه‌السلام : ما من ذنب إلا وله توبة ، وما من تائب إلا وقد تسلم له توبته ، ما خلا سيئ الخلق ، لا يكاد يتوب من ذنب إلا وقع في غيره أشر منه (١).

٥ ـ ل : عن الخليل ، عن ابن صاعد ، عن العباس بن محمد ، عن عون بن عمارة ، عن جعفر بن سليمان ، عن مالك بن دينار ، عن عبدالله بن غالب ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : خصلتان لا تجتمعان في مسل : البخل وسوء الخلق (٢).

٦ ـ ل : عن أبيه ، عن علي ، عن أبيه ، عن حماد ، عمن ذكره ، عن ابي عبدالله عليه قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام في وصيته لابنه محمد بن الحنفية : إياك والعجب وسوء الخلق وقلة الصبر ، فانه لا يستقيم لك على هذه الخصال الثلاث صاحب ، ولا يزال لك عليها من الناس مجانب ، والزم نفسك التودد ، الخبر (٣).

٧ ـ ل : قال الصادق عليه‌السلام للثوري : يا سفيان لا مروة لكذوب ، ولا أخ لملول ، ولا راحة لحسود ، ولا سؤدد لسيئ الخلق (٤).

٨ ـ ن : بالاسانيد الثلاثة ، عن الرضا ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الخلق السيئ يفسد العمل كما يفسد الخل العسل (٥).

صح : عنه عليه‌السلام مثله (٦).

٩ ـ ما : جماعة ، عن ابي المفضل ، عن النعمان بن أحمد بن نعيم ، عن محمد

____________________

(١) قرب الاسناد ص ٢٢ في ط و ٣١ في ط.

(٢) الخصال ج ١ ص ٣٨.

(٣) الخصال ج ١ ص ٧٢.

(٤) الخصال ج ١ ص ٨٠.

(٥) عيون الاخبار ج ٢ ص ٣٧.

(٦) صحيفة الرضا ص ١٩.

٢٩٧

ابن شعبة ، عن حفص بن عمر ، عن عبدالله بن محمد بن عمر بن علي بن ابي طالب عن الباقر ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من ساء خلقه عذب نفسه (١).

أقول : قد مضى بعض الاخبار في باب حسن الخلق (٢).

١٠ ـ ع : عن أبيه ، عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن يونس ، عمن ذكره ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : أبى الله عزوجل لصاحب الخلق السيئ بالتوبة ، قيل : وكيف ذاك؟ قال : لانه لا يخرج من ذنب حتى يقع فيما هو أعظم منه (٣).

١١ ـ ع : عن علي بن الحسين بن سفيان بن يعقوب ، عن جعفر بن أحمد بن يوسف ، عن علي بن نوح الحناط ، عن عمرو بن الحسن ، عن عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : أتي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقيل له : إن سعد بن معاذ قد مات فقام رسول الله وقام اصحابه فحمل فأمر بغسل سعد وهو قائم على عضادة الباب فلما أنحنط وكفن وحمل على سريره ، تبعه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بلا حذاء ولا رداء ، ثم كان يأخذ يمنة السرير مرة ويسرة السرير مرة حتى انتهى به إلى القبر فنزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى لحده وسوى عليه اللبن ، وجعل يقول : ناولني حجرا ، ناولني ترابا رطبا ، يسد به ما بين اللبن.

فلما أن فرغ وحثا التراب عليه وسوى قبره قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إني لاعلم أنه سبيلى ويصل إليه البلى ، ولكن الله عزوجل يحب عبدا إذا عمل عملا فأحكمه ، فلما أن سوى التربة عليه قالت أم سعد من جانب : هنيئا لك الجنة فقال رسول الله : يا أم سعد مه! لا تجزمي على ربك ، فان سعدا قد أصابته ضمة.

قال : فرجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ورجع النسا فقالوا : يا رسول الله لقد رأيناك صنعت على سعد ما لم تصنعه على أحد إنك تبعت جنازته بلا رداء ولا حذاء! فقال

____________________

(١) أمالي الطوسى ج ٢ ص ١٢٥.

(٢) راجع ج ٧١ ص ٣٧٢ ٣٩٦.

(٣) علل الشرائع ج ٢ ص ١٧٨.

٢٩٨

صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الملائكة كانت بلا حذاء ولا رداء ، فتأسيت بها ، قالوا : وكيف تأخذ يمنة السرير مرة ويسرة السرير مرة ، قال : كانت يدي في يد جبرئيل آخذ حيث ما أخذ ، فقالوا : أمرت بغسله وصليت على جنازته ، ولحدته ، ثم قلت : إن سعدا اصابته ضمة ، فقال عليه‌السلام : نعم إنه كان في خلقه مع أهله سوء (١).

ما : الغضائري ، عن الصدوق مثله (٢).

١٢ ـ نوادر الراوندي : باسناده ، عن موسى بن جعفر ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أبى الله لصاحب الخلق السيئ بالتوبة ، فقيل : يا رسول الله وكيف ذلك؟ قال : لانه إذا تاب من ذنب وقع في أعظم من الذنب الذي تاب منه (٣).

١٣٦

* ( باب البخل ) *

الايات : النساء : الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا (٤).

وقال تعالى : أم لهم نصيب من الملك فاذا لا يؤتون الناس نقيرا (٥).

اسرى : قل لو أنتم؟ خزائن رحمة ربي إذا لامسكتم خشية الانفاق وكان الانسان قتورا (٦).

محمد : وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم ولا يسئلكم أموالكم * إن يسالكموها فيحفكم تبخلوا ويخرج أضغانكم * ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا

____________________

(١) علل الشرائع ج ١ ص ٢٩٢ ورواه في أماليه ص ٢٣١ مع اختلاف يسير.

(٢) أمالي الطوسى ج ٢ ص ٤١.

(٣) نوادر الراوندي ص ١٨.

(٤) النساء : ٣٧.

(٥) النساء : ٥٣.

(٦) أسرى : ١٠٠.

٢٩٩

في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فانمايبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم (١).

الحديد : الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ومن يتول فان الله هو الغني الحميد (٢).

القلم : مناع للخير معتد أثيم (٣).

١ ـ لى : عن الصادق عليه‌السلام قال : إن كان الخلف من الله عزوجل حقا فالبخل لماذا (٤).

٢ ـ لى : عن الصادق عليه‌السلام : قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أقل الناس راحة البخيل ، وأبخل الناس من بخل بما افترض الله عليه (٥).

٣ ـ لى : عن ابن المتوكل ، عن السعد آبادي ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن الازدي ، عن مالك بن أنس قال : قال الصادق عليه‌السلام : عجبت لمن يبخل بالدنيا وهي مقبلة عليه. أو يبخل بها وهي مدبرة عنه ، فلا الانفاق مع الاقبال يضره ، ولا الامساك مع الادبار ينفعه (٦).

٤ ـ ل (٧) لى : عن محمد بن أحمد الاسدي ، عن أحمد بن محمد العامري عن إبراهيم بن عيسى السدوسي ، عن سليمان بن عمرو ، عن عبدالله بن الحسن بن الحسن ، عنأمه فاطمة بنت الحسين ، عن أبيها قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن صلاح أول هذه الامة بالزهد واليقين ، وهلاك آخرها بالشح والامل (٨).

٥ ـ لى : عن جعفر بن الحسين ، عن ابن بطة ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن

____________________

(١) القتال : ٣٨٣٦. (٢) الحديد : ٢٤.

(٣) القلم : ١٢. (٤) أمالي الصدوق ص ٦.

(٥) أمالى الصدوق ص ١٤.

(٦) أمالى الصدوق ص ١٠٢.

(٧) الخصال ج ١ ص ٤٠.

(٨) أمالى الصدوق ص ١٣٧.

٣٠٠