بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤١٥
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

وأركب الدابة الفارهة ، ويتبعني الغلام ، فترى في هذا شيئا من التجبر فلا أفعله؟ فأطرق ابوعبدالله عليه‌السلام ثم قال : إنما الجبار الملعون من غمص الناس وجهل الحق قال عمر : قلت : أما الحق فلا أجهله والغمص لا أدري ما هو؟ قال : من حقر الناس وتجبر عليهم فذلك الجبار (١).

بيان : في النهاية دابة فارهة أي نشيطة حادة قوية انتهى ، وكأن السائل إنما سأل عن هذه الاشياء لانها سيرة المتكبرين ، لتفرعها على الكبر ، وكون الكبر سبب ارتكابها غالبا فأجاب عليه‌السلام ببيان معنى التكبر ليعلم أنها إن كانت مستلزمة للتكبر فلا بد من تركها ، وإلا فلا ، كيف وسيأتي أن الله جميل يحب الجمال ، وإطراقه وسكوته عليه‌السلام للاشعار بأنها في محل الخطر ومستلزمة للتكبر ببعض معانيه والتجبر التكبر والجبار العاتي.

١٤ ـ كا : عن محمد بن جعفر ، عن محمد بن عبدالحميد ، عن عاصم بن حميد عن ابي حمزة ، عن ابي جعفر عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم : شيخ زان ، وملك جبار ومقل مختال (٢).

بيان : «لا يكلمهم الله» إشارة إلى قوله تعالى : «إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيمة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم» (٣) والمعنى لا يكلمهم كلام رضا بل كلام سخط مثل «اخسؤا فيها ولا تكلمون» (٤).

وقيل : لا يكلمهم بلا واسطة ، بل الملائكة يتعرضون لحسابهم وعتابهم وقيل : هو كناية عن الاعراض والغضب ، فان من غضب على أحد قطع كلامه وقيل : اي لا ينتفعون بكلام الله وآياته ، ومعنى لا ينظر إليهم أنه لا ينظر إليهم

____________________

(١ و ٢) الكافي ج ٢ ص ٣١١.

(٣) آل عمران : ٧٧.

(٤) المؤمنون : ١٠٨.

٢٢١

نظر الكرامة والعطف والبر والرحمة والاحسان ، لضعفهم وحقارتهم عنده ، أو كناية عن شدة الغضب ، لان من اشتد غضبه على أحد استهان به وأعرض عنه وعن التكلم معه والالتفات نحوه ، كما أن من اعتد بغير يقاوله ويكثر النظر إليه.

وقيل : في قوله : «يوم القيمة» إشعار بأن المعاصي المذكورة بل غيرها أيضا لا تمنع من إيصال الخير والنعمة إليهم في الدنيا ، لان إفضاله فيها يعم الابرار والفجار ، تأكيدا للحجة عليهم.

«ولا يزكيهم» اي لا يطهرهم من ذنوبهم ، أو لا يقبل عملهم ، أو لا يثني عليهم ، وتخصيص الثلاثة بالذكر ليس لاجل أن غيرهم معذور ، بل لان عقوبتهم اعظم واشد ، لان المعصية مع وجود الصارف عنها ، وعدم الداعي القوي عليها أقبح وأشنع : وذلك في الشيخ لانكسار قوته وانطفاء شهوته ، وطول اعذاره ومدته وقرب الانتقال إلى الله ، فهوحري بأن بأن يتدارك ما فات ، ويستعد لما هو آت فاذا ارتكب الزنا أشعر ذلك بأنه غير مقر بالدين ، ومستخف بنهي رب العالمين فلذا استحق العذاب المهين ، وفيه إشعار بأن الشيخ في أكثر المعاصي بل [ جميعها أشد عقوبة من الشاب ، وعلى أنالشاب بالعفة أمدح من الشيخ والصارف للملك عن كونه جبارا مشاهدة كمال نعمه تعالى عليه ] (١) حيث سلطه على عباده وبلاده ، وجعلهم تحت يده وقدرته ، فاقتضى ذلك أن يشكر منعمه ، ويعدل بين خلق الله ، ويرتدع عن الظلم والفساد ، ويشاهد ضعفه بين يدي الملك المنان فاذا قابل كل ذلك بالكفران ، استحق عذاب النيران.

والصارف للمقل الفقير عن الاختيال والاستكبار فقره ، لان الاختيال إنما هو بالدنيا ، وليست عنده ، فاختياله عناد ، ومن عاند ربه العظيم صار محروما

____________________

(١) أضفنا ما بين العلامتين من شرح الكافي ج ٢ ص ٣٠٠.

٢٢٢

من رحمته ، وله عذاب أليم.

واقول : يحتمل أن لا يكون تخصيص الملك لكون الصارف فيه أكثر ، بل لكونه أقوى على الظلم وأقدر.

وفي الصحاح أقل افتقر ، وقال الراغب : الخيلاء التكبر عن تخيل فضيلة تراءت للانسان من نفسه ، ومنها يتأول لفظ الخيل ، لما قيل : إنه لا يركب أحد فرسا إلا وجد في نفسه نخوة (١) ، وفي النهاية : فيه من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه ، الخيلاء بالضم والكسر الكبر والعجب ، يقال : اختال فهو مختال وفيه خيلاء ومخيلة أي كبر.

١٥ ـ كا : عن العدة ، عن أحمد بن محمد ، عن مروك بن عبيد ، عمن حدثه عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن يوسف عليه‌السلام لما قدم عليه الشيخ يعقوب عليه‌السلام دخله عز الملك فلم ينزل إليه ، فهبط عليه جبرئيل فقال : يا يوسف ابسط راحتك فخرج منها نورساطع ، فصار في جو السماء ، فقال يوسف عليه‌السلام : ما هذا النور الذي خرج من راحتي؟ فقال : نزعت النبوة عن عقبك ، عقوبة لما لم تنزل إلى الشيخ يعقوب ، فلا يكون من عقبك نبي (٢).

بيان : الملك بضم الميم وسكون اللام السلطنة ، وبفتح الميم وكسر اللام السلطان ، وبكسر الميم وسكون اللام ما يملك وإضافة العز إليه لامية ، والنزول إما عن الدابة أو عن السرير ، وكلاهما مرويان ، وينبغي حمله على أن ما دخله لم يكن تكبرا أو تحقيرا لوالده ، لكون الانبياء منزهين عن أمثال ذلك ، بل راعى فيه المصلحة لحفظ عزته عند عامة الناس ، لتمكنه من سياسة الخلق ، وترويج الدين ، إذ كان نزول الملك عندهم لغيره موجبا لذلة ، وكان رعاية الادب للاب مع نبوته ومقاساة الشدايد لحبه أهم وأولى من رعاية تلك المصلحة ، فكان هذا منه عليه‌السلام تركا للاولى ، فلذا عوتب عليه ، وخرج نور النبوة من صلبه ، لانهم لرفعة شأنهم وعلو درجتهم يعاتبون بأدنى شئ ، فهذا كان شبيها بالتكبر ، ولم

____________________

(١) مفردات غريب القرآن ١٦٢.

(٢) الكافي ج ٢ ص ٣١١.

٢٢٣

يكن تكبرا «فصار في جو السماء» أي استقر هناك أو ارتفع إلى السماء.

١٦ ـ كا : عن علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض اصحابه ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : ما من عبد إلا وفي رأسه حكمة ، وملك يمسكها ، فاذا تكبر قال له : اتضع وضعك الله ، فلا يزال أعظم الناس في نفسه ، واصغر الناس في أعين الناس ، وإذا تواضع رفعها الله عزوجل ، ثم قال له : انتعش نعشك الله فلا يزال أصغر الناس في نفسه ، وارفع الناس في أعين الناس (١).

بيان : قال الجوهري : حكمة اللجام ما أحاط بالحنك ، وقال في النهاية : يقال : أحكمت فلانا اي منعته ، ومنه سمي الحاكم لانه يمنع الظالم ، وقيل : هو منحكمت الفرس وأحكمته إذا قدعته وكففته ، ومنه الحديث ما من آدمي إلا وفي رأسه حكمة ، وفي رواية : في راس كل عبد حكمة ، إذا هم بسيئة فان شاء الله أن يقدعه بها قدعه ، الحكمة حديدة في اللجام تكونن على أنف الفرس وحنكه ، تمنعه عن مخالفة راكبه ، ولما كانت الحكمة تأخذ بفم الدابة وكان الحنك متصلا بالراس ، جعلها تمنع من هي في رأسه كما تمنع الحكمة الدابه ومنه الحديث إن العبد إذا تواضع رفع الله حكمته أي قدره ومنزلته ، يقال : له عندنا حكمة أي قدر ، وفلان عالي الحكمة ، وقيل : الحكمة من الانسان أسفل وجهه ، مستعار من موضع حكمة اللجام ، ورفعها كناية عن الاعزاز ، لان في صفة الذليل تنكيل راسه انتهى.

وقبل : المراد بالحكمة هنا الحالة المقتضية لسلوك سبيل الهداية ، على سبيل الاستعارة ، وبامساك الملك إياها إرشاده إلى ذلك السبيل ونهيه عن العدول عنه.

«اتضع» أمر تكويني أو شرعي ، «وضعك الله» دعاء عليه ، ودعاء الملك مستجاب أو إخبار بأن الله أمر بوضعك ، وقدر مذلتك «رفعها الله» اي الحكمة وإنما غير الاسلوب ولم ينسبها إلى الملك ، لان نسبة الخير واللطف إلى الله

____________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٣١٢.

٢٢٤

تعالى أنسب ، وإن كان الكل بأمره تعالى ، وقيل : هو التنبيه على أن الرفع مترتب على التواضع من غير حاجة إلى دعاء الملك ، بخلاف الوضع ، فانه غير مترتب على التكبر ما لم يدعو الملك عليه بالوضع ، وما ذكرنا أنسب.

«ثم قال له» اي الرب تعالى أوالملك «انتعش» يحتمل الوجهين المتقدمين يقال : نعشه الله كمنعه وأنعشه اي أقامه ورفعه ، ونعشه فانتعش اي رفعه فارتفع «نعشك الله» ايضا إما إخبار بما وقع من الرفع أو دعاء له بالثبات والاستمرار.

واقول : هذا الخبر في طرق العامة هكذا قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما من أحد إلا وله ملكان ، وعليه حكمة يمسكانه بها ، فانهو رفع نفسه جيذاها ثم قالا : اللهم ضعه ، فان وضع نفسه قالا : اللهم ارفعه.

١٧ ـ كا : عن محمد بن يحيى ، عن محمد بن أحمد ، عن بعض أصحابه ، عن النهدي ، عن يزيد بن إسحاق شعر ، عن عبدالله بن المنذر ، عن عبدالله بن بكير قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : ما من أحد يتيه إلا من ذلة يجدها في نفسه.

وفي حديث آخر عن ابي عبدالله عليه‌السلام قال : ما من رجل تكبر أو تجبر إلا لذلة وجدها في نفسه (١).

بيان : في النهاية فيه إنك امرء تائه أي متكبر أو ضال متحير ، وقد تاه يتيه تيها إذا تحير وضل وإذا تكبر انتهى.

«أو تجبر» يمكنان يكون الترديد من الراوي وإن كان منه عليه‌السلام فيدل على فرق بينهما في المعنى كما يومئ إليه قوله تعالى : «الجبار المتكبر» وفي الخبر إيماء على أن التكبر أقوى من التجبر ، ويمكن أن يقال في الفرق بينهما أن التجبر يدل على جبر الغير وقهره على ما أراد ، بخلاف التكبر فانه جعل نفسه أكبر وأعظم من غيره ، وإن كانا متلازمين غالبا.

ثم اعلم ان الخبرين يحتملان وجوها : الاول أن يكون المراد أن التكبر ينشأ من دناءة النفس وخستها ورداءتها ، الثاني أن يكون المعنى أن التكبر إنما

____________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٣١٢.

٢٢٥

يكون فيمن كان ذليلا فعز وأما من نشأ في العزة لا يتكبر غالبا بل شأنه التواضع الثالث أن التكبر إنما يكون فيمن لم يكن له كمال واقعي فيتكبر لاظهار الكمال الرابع أن يكون المراد المذلة عند الله اي من كان عزيزا ذا قدر ومنزلة عند الله لا يتكبر ، الخامس ما قيل : إن اللام لام العاقبة أي يصير ذليلا بسبب التكبر.

١٨ ـ كا : عن علي ، عن ابيه ، عن القاسم بن محمد ، عن سليمان بن داود ، عن حفص بن غياث ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قال عليه‌السلام : ومن ذهب أن له على الآخر فضلا فهو من المستكبرين ، فقلت : إنما يرى أن له عليه فضلا بالعافية إذا رآه مرتكبا للمعاصي ، فقال : هيهات هيهات فلعله أن يكون غفر له ما أتى وأنت موقوف محاسب ، أما تلوت قصة سحرة موسى عليه‌السلام الحديث (١).

١٩ ـ كا : عن علي ، عن ابيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رجل فقال : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنا فلان ابن فلان حتى عد تسعة فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أما إنك عاشرهم في النار (٢).

بيان : «أما إنك عاشرهم في النار» أي إن آباءك كانوا كفارا وهم في النار فما معنى افتخارك بهم وأنت ايضا مثلهم في الكفر باطنا إن كان منافقا أو ظاهرا ايضا إن كان كافرا ، فلا وجه لافتخارك اصلا ، والحاصل أن عمدة أسباب الفخر بل أشيعها وأكثرها الفخر بالآباء ، وهو باطل لان الآباء إن كانوا ظلمة أو كفرة فهم من أهل النار ، فينبغعي أن يتبرء منهم لا أن يفتخر بهم ، وإن كانوا باعتبار أن لهم مالا فليعلم أن المال بيس بكمال يقع به الافتخار ، بل ورد في ذمه كثير من الاخبار ولو كان كمالا كانلهم لا له ، والعاقل لا يفتخر بكمال غيره [ وإن كان باعتبار أنه كان خيرا أو فاضلا أو عالما فهذا جهل من حيث إنه تعزز بكمال غيره ] (٣) ولذلك قيل :

لئن فخرت بآباء ذوي شرف

لقد صدقت ولكن بئس ما ولدوا

فالمتكبر بالنسب إن كان خسيسا في صفات ذاته فمن أن يجبر خسته كمال غيره ، وايضا ينبغي أن يعرف نسبه الحقيقي فيعرف أباه وجده ، فان أباه نطفة

____________________

(١) الكافي ج ٨ ص ١٢٨ في حديث طويل.

(٢) الكافي ج ٢ ص ٣٢٩. (٣) راجع شرح الكافي ج ٢ ص ٣١٦.

٢٢٦

قذرة ، وجده البعيد تراب ذليل ، وقد عرفه الله نسبه فقال : «الذي أحسن كل شئ خلقه نوبدء خلق الانسان من طين * ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين» (١) فمن أصله من التراب المهين الذي يداس بالاقدام ، ثم خمر طينه ، حتى صار حمأ مسنونا كيف يتكبر؟ وأخس الاشياء ما إليه نسبه ، فان قال : افتخرت بالاب فالنطفة والمضغة أقرب إليه من لاب فليحتقر نفسه بهما.

والسبب الثاني الحسن والجمال فان افتخر به فليعلم أنه قد يزول بأدنى الامراض والاسقام ، وما هو في عرضة الزوال ليس بكمال يفتخر به ، ولينظر ايضا إلى اصله وما خلق منه كما مر ، وإلى ما يصير إليه في القبر من جيفة منتنة وإلى ما في بطنه من الخبائث ، مثل الاقذار التي في جميع اعضائه والرجيع الذي في أمعائه ، والبول الذي في مثانته ، والمخاط الذي في أنفه ، والوسخ الذي في أذنيه والدم الذي في عروقه ، والصديد الذي تحت بشرته ، إلى غير ذلك من المقابح والفضائح ، فاذا عرف ذلك لم يفتخر بجماله الذي هو كخضراء الدمن.

الثالث القوة والشجاعة ، فمن افتخر بهما فليعلم أن الذي خلقه هو اشد منه قوة ، وأن الاسد والفيل أقوى منه ، وأن ادنى العلل والامراض يجعله أعجز من كل عاجز ، وأذل من كل ذليل ، وان البعوضة لو دخلت في أنفه أهكلته ولم يقدر على دفعها.

الرابع الغنا والثروة والخامس كثرة الانصار والاتباع والعشيرة وقرب السلاطين ، والاقتدار من جهتهم ، والكبر والفخر لهذين السببين اقبح لانه أمر خارج عن ذات الانسان وصفاته ، فلو تلف ماله أو غصب أو نهب أو تغير عليه السلطان وعزله ، لبقي ذليلا عاجزا ، وإن من فرق الكفار من هو أكثر منه مالا وجاها ، فالمتكبر بهما في غاية الجهل.

السادس العلم ، وهو أعظم الاسباب وأقواها ، فانه كمال نفساني عظيم عند الله تعالى وعند الخلايق ، وصاحبه معظم عند جميع المخلوقات ، فاذا تكبر

____________________

(١) السجدة : ٧ و ٨.

٢٢٧

العالم وافتخر ، فليعلم أن خطر أهل العلم أكثر من خطر أهل الجهل ، وأن الله تعالى يحتمل من الجاهل ما لا يحتمل من العالم ، وأن العصيان مع العلم أفحش من العصيان مع الجهل ، وأن عذاب [ العالم أشد من عذاب الجاهل وأنه تعالى شبه العالم الغير العامل تارة بالحمار ، وتارة بالكلب ، وأن الجاهل ] (١) أقرب إلى السلامة من العالم لكثرة آفاته ، وأن الشيطاطين أكثرهم على العالم ، وأن سوء العاقبة وحسنها أمر لايعلمه إلا الله سبحانه فلعل الجاهل يكون أحسن عاقبة من العالم.

السابع العبادة والورع والزهادة ، والفخر فيها ايا فتنة عظيمة ، والتخلص منها صعب ، فاذا غلب عليه فليتفكر أن العالم أفضل منه ، فلا ينبغغي أن يفتخر عليه ولا ينبغي أيضا ان يفتخر على من تأخر عنه في العمل ايضا إذ لعل قليل عمله يكون مقبولا وكثير عمله مردودا ، ولا على الجاهل والفاسق ، إذ قد يكون لهماخصلة خفية ، وصفة قلبية موجبة لقرب الرب سبحانه ورحمته ، ولو فرض خلوهما عن جميع ذلك بالفعل ، فلعل الاحوال في العاقبة تنعكس ، وقد وقع مثل ذلك كثيرا ولو فرض عدم ذلك فليتصور أن تكبره في نفسه شرك فيحبط عمله ، فيصير هو في الآخرة مثلهم ، بل اقبح منهم ، والله المستعان.

٢٠ ـ كا : عن علي بن إبراهيم ، عن ابيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن ابي عبدالله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : آفة الحسب الافتخار والعجب (٢).

بيان : الحسب الشرف والمجد الحاصل من جهة الآباء ، وقد يطلق على الشرافة الحاصلة من الافعال الحسنة ، والاخلاق الكريمة ، وإن لم تكن من جهة الآباء ، في القاموس الحسب ما تعده من مفاخر آبائك أو المال أو الدين أو الكرم أو الشرف في الفعل أو الفعال الصالح أو الشرف الثابت في الاباء أو البال أو الحسب والكرم قد يكونان لمن لا آباء له شرفاء والشرف والمجد لا يكونان

____________________

(١) ما بين العلامتين اضفناه من شرح الكافي ج ٢ ص ٣١٦.

(٢) الكافي ج ٢ ص ٣٢٨ ومثله في ص ٣٢٩.

٢٢٨

إلا بهم.

واقول : الخبر يحتمل وجوها الاول أن لكل شي ء آفة تضيعه ، وآفة الشرافة من جهة الآباء الافتخار والعجب الحاصلان منها ، فانه يبطل بهما هذا الشرف الحاصل له بتوسط الغير عند الله وعند الناس ، الثاني أن المراد بالحسب الاخلاق الحسنة ، والافعال الصالحة ، وتضييعها الافتخار بهما ، وذكرهما والاعجاب بهما كما مر. الثالث أن يكون المراد به أن الحسب يستتبع آفة الافتخار ويوجبها لان آفة الافتخار بالحسب تضييعه كما قيل ، والاول اظهر الوجوه.

٢١ ـ كا : عن الاشعري ، عن محمد بن عبدالجبار ، عن محمد بن إسماعيل ، عن حنان ، عن عقبة بن بشير الاسدي قال : قلت لابي جعفر عليه‌السلام : أنا عقبة بن بشير الاسدي وأنا في الحسب الضخم من قومي ، قال : فقال : ما تمن علينا بحسبك إن الله تعالى رفع بالايمان من كان الناس يسمونه وضيعا إذا كان مؤمنا ، ووضع بالكفر من كان الناس يسمونه شريفا إذا كان كافرا ، فليس لاحد فضل على أحد إلا بالتقوى (١).

بيان : في القاموس الضخم بالفتح والتحريك العظيم من كل شئ «ما تمن» «ما» للاستفهام الانكاري أو نافية «فليس لاحد» إشارة إلى قوله تعالى : «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقيكم» (٢) وكفى بهذه الآية واعظا وزاجرا عن الكبر والفخر.

٢٢ ـ كا : عن العدة ، عن البرقي ، عن ابن عيسى ، عن ابن الضحاك قال : قال أبوجعفر عليه‌السلام : عجبا للمختال الفخور ، وإنماخلق من نطفة ، ثم يعود جيفة ، وهو فيما بين ذلك لا يدري ما يصنع به (٣).

بيان : «عجبا» بالتحريك مصدر باب علم وهو إمابتقدير حرف النداء

____________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٣٢٨.

(٢) الحجرات : ١٣.

(٣) الكافي ج ٢ ص ٣٢٩ ومثله في ص ٣٢٨ وفيه «عجبا للمتكبر الفخور» وعليه يبتنى شرح المؤلف.

٢٢٩

أومفعول مطلق لفعل محذوف ، اي أعجب عجبا فعلى الاول «للمتكبر» (١) صفة لقوله «عجبا» وعلى الثاني خبر مبتدأ محذوف بتقدير هو للمتكبر ، والضمير المحذوف راجع إلى عجبا.

وقال النحويون لا يمكن أن يكون صفة لعجبا لان الفعل كما لا يكون موصوفا فكذلك النائب الوجوبي له لا يكون موصوفا ، وحذف الفعل وإقامة المصدر مقامه في تلك المواضع واجب.

واقول : هذا الخبر وأمثاله نسخ أدوية من الحكماء الربانية ، لمعالجة أعظم الادواء الروحانية ، وهو الفخر المترتب على الكبر ، وحاصلها أن في الانسان كثير من صفات النقصان ، وإن كان فيه كمال فمن رب الانس والجان ، فلا يليق به أن يفتخر على غيره من الاخوان ، وفيها إشعار بأن دفع هذا المرض باختياره ، وعلاجة مركب من أجزاء علمية وعملية.

فأما العلمية فبأن يعرف الله سبحانه بجلاله ، ويوحده في ذاته وصفاته وأفعاله وأن يعلم أن كل موجود سواه مقهور مغلوب عاجز لا وجود له إلا بفيض جوده ورحمته ، وأن الانسان مخلوق عن أكثف الاشياء وأخسها وهو التراب ، ثم النطفة النجسة القذرة ، ثم العلقة ، ثم المضغة ، ثم العظام ، ثم الجنين الذي غذاؤه دم الحيض ، ثم يصير في القبر جيفة منتنة يهرب منه اقرب الناس إليه.

وهو فيما بين ذلك ينقلب من طور إلى طور ، ومن حال إلى حال ، من مرض إلى صحة ، ومن صحة إلى مرض ، إلى غير ذلك من أحوال المتبادلة ، وهو لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ، ولا حياة ولا نشورا ، وإلى هذا أشار عليه‌السلام بقوله : «وهو فيما بين ذلك مايدري ما يصنع به» ثم لا يعلم ما يأتي عليه في البرزخ والقيامة ، كما ذكرنا سابقا في باب الكبر (١).

وأنه يعلم أن استكمال كل شئ سواء كان طبيعيا أو إراديا لا يتحقق إلا بالانكسار والضعف ، فان العناصر ما لم ينكسر صورة كيفياتها الصرفة ، لم تقبل صورة كمالية معدنية أو نباتية أوحيوانية ، أو إنسانية ، والبذر ما لم يقع في

____________________

(١) يريد باب الكبر من الكافي ، وقد مر في صدر الباب.

٢٣٠

التراب ولم يقرب من التعفن والفساد ، لم يقبل صورة نباتية ، ولم تخرج منه سنبلة ولا ثمرة ، وماء الظهر ما لم يصر منيا منتنا لم تفض عليها صورة إنسانية قابلة للخلافة الربانية ، فمن تفكر في أمثال هذه الحكم والمعارف أمكنه التحرز من الكبر والفخر بفضله تعالى.

وأما العملية فهي المداومة على التواضع لكل عالم وجاهل وصغير وكبير والاقتداء بسنن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والائمة الطاهرين صلوات الله عليهم ، وتتبع سيرهم وأخلاقهم ، وحسن معاشرتهم لجميع الخلق.

[ ٢٣ ـ لى : ] عن الصادق عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمقت الناس المتكبر (١).

وعنه عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من يستكبر يضعه الله.

٢٤ ـ لى : عن حمزة العلوي ، عن علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير عن حفص بن البختري ، عن الصادق ، عن أبيه ، عن جده عليهم‌السلام قال : وقع بين سلمان الفارسي رحمه الله وبين رجل كلام وخصومة فقال له الرجل : من أنت يا سلمان؟ فقال سلمان : أما أولاي وأولاك فنطفة قذرة ، وأما أخراي وأخراك فجيفة منتنة ، فاذا كان يوم القيامة ، ووضعت الموازين ، فمن ثقل ميزانه فهو الكريم ، ومن خفت ميزانه فهو اللئيم (٢).

ع : عن ماجيلويه ، عن عمه ، عن الكوفي ، عن محمد بن سنان ، عن المفضل عن أبي عبدالله عليه‌السلام مثله (٣) وقد مر في باب أحوال سلمان (٤).

٢٥ ـ ب : عن هارون ، عن ابن صدقة ، عن جعفر ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن أحبكم إلي وأقربكم مني يوم القيامة مجلسا أحسنكم خلقا

____________________

(١) أمالي الصدوق : ١٤ ورمز المصدر ساقط عن نسخة الكمباني.

(٢) أمالي الصدوق : ٣٦٣.

(٣) علل الشرائع ج ١ ص ٢٦١.

(٤) راجع ج ٢٢ ص ٣٨٠ من هذه الطبعة.

٢٣١

وأشدكم تواضعا ، وإن أبعدكم يوم القيامة مني الثرثارون ، وهم المستكبرون (١).

٢٦ ـ مع : عن أبيه ، عن علي ، عن أبيه ، عن ابن معبد ، عن ابن خالد عن الرضا ، عن أبيه ، عن جده عليهم‌السلام قال : إن الله تبارك وتعالى ليبغض البيت اللحم ، واللحم السمين ، قال له بعض اصحابه : يا ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إنا لنحب اللحم ، وما تخلو بيوتنا منه ، فكيف ذاك؟ فقال : ليس حيث تذهب إنما البيت اللحم الذي يؤكل فيه لحوم الناس بالغيبة ، وأما اللحم السمين فهو المتكبر المتبختر المختال في مشيه (٢).

ن : عن الهمداني ، عن علي ، عن أبيه مثله (٣).

٢٧ ـ فس : في رواية أبي الجارود ، عن ابي جعفر عليه‌السلام في قوله تعالى : «ولا تمش في الارض مرحا» (٤) يقول : بالعظمة (٥).

٢٨ ـ فس : أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن بكير ، عن ابي عبدالله عليه‌السلام قال : إن في جهنم لواديا للمتكبرين يقال له : سقر ، شكى إلى الله شدة حره وسأله أن يتنفس ، فاذن له فتنفس فأحرق جهنم (٦).

ثو : عن ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن يزيد ، عن ابن ابي عمير مثله (٧).

سن : باسناده إلى ابن بكير مثله (٨).

٢٩ ـ فس : في رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : إن الفرح

____________________

(١) قرب الاسناد : ٢٢.

(٢) معاني الاخبار : ٣٨٨.

(٣) عيون الاخبار ج ١ ص ٣١٤.

(٤) لقمان : ١٨.

(٥) تفسير القمي ٥٠٩.

(٦) تفسير القمي : ٥٧٩ ، في آية الزمر : ٦٠.

(٧) ثواب الاعمال : ٢٠٠.

(٨) المحاسن : ١٢٣.

٢٣٢

والمرح والخيلاء كل ذلك في الشرك والعمل في الارض بالمعصية (١).

٣٠ ـ ل : عن أبيه ، عن سعد ، عن ابن يزيد ، عن ابن أبي نجران رفعه إلى أبي عبدالله عليه‌السلام قال : من رقع جيبه ، وخصف نعله ، وحمل سلعته ، فقد أمن من الكبر (٢).

ثو : عن أبيه ، عن أحمدبن إدريس ، عن الاشعري ، عن ابن يزيد مثله (٣).

٣١ ـ ل : في وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى علي عليه‌السلام : يا علي أنهاك عن ثلاث خصال [ عظام ] : الحسد والحرص والكبر (٤).

٣٢ ـ ل : عن أبيه ، عن سعد ، عن ابن هاشم ، عن الفارسي ، عن الجعفري عن محمد بن الحسين بن زيد ، عن أبيه ، عن جعفر بن محمد ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : مر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على جماعة فقال : على ما اجتمعتم؟ فقالوا : يا رسول الله هذا مجنون يصرع فاجتمعنا عليه ، فقال : ليس هذا بمجنون ، ولكنه المبتلى ، ثم قال : ألا أخبركم بالمجنون حق المجنون؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : المتبختر في مشيه ، الناظر في عطفيه ، المحرك جنبيه بمنكبيه ، يتمنى على الله جنته وهو يعصيه ، الذي لا يؤمن شره ، ولا يرجى خيره ، فذلك المجنون ، وهذا المبتلى (٥).

أقول : قد مضى بعض الاخبار في باب الحسد (٦) وأن الله يعذب الدهاقنة بالكبر ، وفي باب جوامع مساوي الاخلاق عن أبي عبدالله عليه‌السلام لا يطمعن ذوالكبر

____________________

(١) تفسير القمي ٥٨٨ في آية المؤمن : ٧٧.

(٢) الخصال ج ١ ص ٥٤.

(٣) ثواب الاعمال : ١٦٢.

(٤) الخصال ج ١ ص ٦٢.

(٥) الخصال ج ١ ص ١٦١.

(٦) باب الحسد هو الباب الذي يتلو تحت الرقم ١٣١ ، والحديث المومى اليه يأتى فيه عن الخصال أن الله يعذب ستة بستة ، راجعه ، وهكذا مر في باب جوامع مساوى الاخلاق ج ٧٢ ص ١٩٠ و ١٩٨.

٢٣٣

في الثناء الحسن (١).

٣٣ ـ ع : عن أبيه ، عن سعد ، عن أيوب بن نوح ، عن ابن ابي عمير ، عن غير واحد ، عن أبي عبدالله ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : عجبت لابن ندم أوله نطفة ، وآخره جيفة ، وهو قائم بينهما وعاء للغائط ، ثم يتكبر (٢).

٣٤ ـ مع : عن أبيه ، عنسعد ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال رفعه إلى أبي جعفر عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن لابليس كحلا ولعوقا وسعوطا فكحله النعاس ، ولعوقه الكذب ، وسعوطه الفخر (٣).

٣٥ ـ مع : عن الهمداني ، عن علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمرو ابن جميع ، عن الصادق ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا مشت أمتي المطيطا ، وخدمتهم فارس والروم ، كان بأسهم بينهم (٤).

والمطيطا التبختر ومد اليدين في المشي.

٣٦ ـ مع : الطالقاني ، عن الجلودي ، عن الجوهري ، عن ابن عمارة ، عن ابيه ، عن جابر الجعفي ، عن أبي جعفر ، عن جابر الانصاري قال : مر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله برجل مصروع وقد اجتمع عليه الناس ينظرون إليه فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : على ما اجتمع هؤلاء؟ فقيل له : على مجنون يصرع ، فنظر إليه فقال : ما هذا بمجنون ألا أخبركم بالمجنون حق المجنون؟ قالوا : بلى يا رسول الله قال : إن المجنون حق المجنون المتبختر في مشيه ، الناظر في عطفيه ، المحرك جنبيه بمنكبيه ، فذاك المجنون وهذا المبتلى (٥).

٣٧ ـ مع : عن أبيه ، عن سعد ، عن البرقي ، عن محمد بن علي الكوفي ، عن

____________________

(١) مر في باب جوامع المساوى تحت الرقم ١ عن الخصال ج ٢ ص ٥٣.

(٢) علل الشرائع ج ١ ص ٢١٦.

(٣) معاني الاخبار : ١٣٨ ، وفيه سعوطه الكبر.

(٤) معاني الاخبار : ٣٠١.

(٥) معاني الاخبار : ٢٣٧.

٢٣٤

علي بن النعمان ، عن عبدالله بن طلحة ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لن يدخل الجنة عبد في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر ولا يدخل النار عبد في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان ، قلت : جعلت فداك إن الرجل ليلبس الثوب ، أويركب الدابة ، فيكاد يعرف منه الكبر ، قال : ليس بذاك ، إنما الكبر إنكار الحق والايمان الاقرار بالحق (١).

مع : عن ابن المتوكل ، عن السعد آبادي ، عن البرقي مثله.

٣٨ ـ مع : عن ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابنهاشم ، عن ابن مرار ، عن يونس ، عن أبي أيوب ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام قال : لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر ، قال : قلت : إنا نلبس الثوب الحسن ، فيدخلنا العجب ، فقال : إنما ذاك فيما بينه وبين الله عزوجل (٢).

٣٩ ـ مع : عن ابن المتوكل ، عن السعد آبادي ، عن البرقي ، عن ابن فضال ، عن ابن مسكان ، عن يزيد بن فرقد ، عمن سمع أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال حبة من خردل من الكبر ، ولا يدخل النار من في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان ، قال : فاسترجعت فقال : مالك تسترجع؟ فقلت : لما اسمع منك ، فقال : ليس حيث تذهب إنما أعني الجحود إنماهو الجحود (٣).

٤٠ ـ مع : بهذا الاسناد ، ، عنابن فضال ، عن علي بن عقبة ، عن أيوب ابن الحر ، عن عبدالاعلى ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : الكبر ان يغمص الناس ويسفه الحق (٤).

٤١ ـ مع : عن ابيه ، عن سعد ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن سيف ، عن عبدالاعلى ، عن ابي عبدالله ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن أعظم الكبر غمص الخلق ، وسفه الحق ، قلت : وما غمص الخلق وسفه الحق؟ قال : يجهل الحق ويطعن على أهله ، ومن فعل ذلك فقد نازع الله عزوجل في

____________________

(١ ـ ٤) معاني الاخبار : ٢٤١.

٢٣٥

ردائه (١).

٤٢ ـ مع : عن ماجيلويه ، عن عمه ، عن الكوفي ، عن ابن بقاح ، عن ابن عميرة ، عن عبدالاعلى ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : من دخل مكة مبرءا من الكبر غفر ذنبه ، قلت : وما الكبر؟ قال : غمص الخلق ، وسفه الحق ، قلت : وكيف ذاك؟ قال : يجهل الحق ويطعن على أهله.

قال الصدوق رض‌الله‌عنه : في كتاب الخليل بن أحمد : تقول : فلان غمص الناس وغمص النعمة ، إذا تهاون بها وبحقوقهم ، ويقال : إنه لمغموص عليه في دينه ، اي مطعون عليه ، وقد غمص النعمة والعافية إذا لم يشكرها وقال أبوعبيدة في قوله عليه‌السلام : سفه الاحق هو أن يرى الحق سفها وجهلا ، وقال الله تبارك وتعالى : «ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه» (٢) وقال بعض المفسرين : إلا من سفه نفسه يقول : سفهها وأما قوله : غمص الناس فانه الاحتقار لهم ، والازدراء بهم ، وما أشبه ذلك ، قال : وفيه لغة أخرى في غير هذا الحديث وغمص بالصاد غير معجمة وهو بمعنى غمط ، والغمص في عبر العين ، والقطعة منه غمصة ، والغميصاء كوكب ، والمغمص في المعا غلظة وتقطيع ووجع (٣).

٤٣ ـ سن : عن ابيه ، عن ابن فضال ، عن ابن بكير ، عن ابي عبدالله عليه‌السلام قال : كانت لرسول الله صلى الله عليه ونله ناقة لا تسبق ، فسابق أعرابي بناقته فسبقتها فاكتأب لذلك المسلمون ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنها ترفعت فحق على الله أن لا يرتفع شئ إلا وضعه الله (٤).

٤٤ ـ سن : عن أبيه باسناده رفعه إلى أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن المتكبرين

____________________

(١) معاني الاخبار ص ٢٤١.

(٢) البقرة : ١٣٠.

(٣) معاني الاخبار : ٢٤٢ و ٢٤٣.

(٤) المحاسن : ١٢٢ والظاهر : أن لا يترفع.

٢٣٦

يجعلون في صور الذر فيطأهم الناس حتى يفرغوا من الحساب (١).

سن : في رواية معاوية بن عمار ، عن ابي عبدالله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن في السماء ملكين موكلين بالعباد فمن تجبر وضعاه (٢).

٤٥ ـ مع : أبي ، عن سعد ، عن البرقي ، عن ابيه ، عن أحمد بن النضر ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن ابي جعفر عليه‌السلام أنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : [ أخبرني (٣) جبرئيل عليه‌السلام أن ريح الجنة يوجد من مسيرة ألف عام ما يجدها عاق ولا قاطع رحم ، ولا شيخ زان ، ولا جار إزاره خيلاء ، ولا فتان ، ولا منان ، ولا جعظري ، قال : قلت : فما الجعظري؟ قال : الذي لا يشبع من الدنيا (٤).

١٣١

[ باب الحسد (٥) ]

١ ـ كا : عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم ، قال : قال أبوجعفر عليه‌السلام : إن الرجل ليأي ت باي بادرة فيكفر وإن الحسد ليأكل الايمان كما تأكل النار الحطب (٦).

بيان : في القاموس : البادرة ما يبدر من حدتك في الغضب من قول أو فعل وفي النهاية : البادرة من الكلام الذي يسبق من الانسان في الغضب ، وإذا عرفت هذا فهذه الفقرة تحتمل وجوها :

الاول : أن يكون المعنى أن عدم منع النفس عن البوادر وعدم إزالة مواد

____________________

(١ و ٢) المحاسن : ١٢٣.

(٣) من هنا يبتدء بالصفحة ١٢٦ من الجزء الثالث من نسخة الكمباني وكلها بياض.

(٤) معانى الاخبار : ٣٣٠ ، وقد كان سقط ذيل الحديث وانما أخر جناه بقرينة السند.

(٥) اضفنا عنوان الباب طبقا لفهرس طبعة الكمباني.

(٦) الكافي ج ٢ ص ٣٠٦ تحت الرقم ١ من باب الحسد.

٢٣٧

الغضب عن النفس ، وإرخاء عنان النفس فيها ، ينجر إلى الكفر أحيانا ، أو غالبا كما نرى من كثير من الناس يصدر منهم عند الغضب التلفظ بما يوجب الكفر من سب الله سبحانه وسب الانبياء والائمة عليهم‌السلام او ارتكاب أعمال يوجب الارتداد كوطي المصحف الكريم بالرجل ورميه.

الثاني أن يراد به الحث على ترك البوادر مطلقا ، فان كل بادرة تصير سببا لنوع من أنواع الكفر المقابل للايمان الكامل.

الثالث : أن يقرء «فتكفر» على بناء المجهول من باب التفعيل ، اي البوادر عند الغضب مكفرة غالبا لعذر الانسان فيه في الجملة ، لا سيما إذا تعقبها ندامة وقلما لم تتعقبها ، بخلاف الحسد فانها صفة راسخة في النفس تأكل الايمان ، ويمكن حملها حينئذ على ما إذا غلب عليه الغضب بحيث ارتفع عنه القصد ] (١).

ويمكن أن يقرء بالياء كما في النسخ على هذا البناء أيضا اي ينسب إلى الكفر ، وإن كان معذورا عند الله ، لرفع الاختيار ، فيكون ذكرا لبعض مفاسد البادرة.

وفي النهاية : الحسد ان يرى الرجل لاخيه نعمة فيتمنى زوالها عنه ، وتكون له دونه ، والغبطة أن يتمنى أن يكون له مثلها ، ولا يتمنى زوالها عنه انتهى.

واعلم أنه لا حسد إلا على نعمة ، فاذا أنعم الله على أخيك بنعمة فلك فيها حالتان إحداهما أن تكره تلك النعمة وتحب زوالها ، سواء أردت وصولها إليك أم لا ، فهذه الحالة تسمى حسدا والثانية أن لا تحب زوالها ، ولا تكره وجودها ودوامها ، ولكنك تستهي لنفسك مثلها ، وهذه يسمى غبطة ، وقد يخص باسم المنافسة فأما الاول فهو حرام مطلقا كما هو المشهور ، أوإظهاره كما يظهر من بعض الاخبار ، إلا نعمة اصابها كافر أو فاجر ، وهو يستعين على تهييج الفتنة ، وإفساد ذات البين ، وإيذاء الخلق فلا يضرك كراهتك لها ، ومحبتك لزوالها ، فانك لا تحب

____________________

(١) هنا ينتهى ما اضفناه من شرح الكافي ج ٢ ص ٢٨٦ بالقرينة وما بعده مسطور في نسخة الكمباني ص ١٢٧.

٢٣٨

زوالها من حيث إنها نعمة ، بل من حيث هي آلة الفساد ، ولو أمنت فساده لم تغمك تنعمه.

ويظهر من كلام الشيخ كون الحسد من جملة المكروهات لا من المحرمات قال العلامة في كتاب صوم المختلف : مسألة جعل الشيخ رحمه الله التحاسد من باب ما الاولى تركه والامساك عنه ، وقال ابن إدريس : إنه واجب وهو الاقرب ، لعموم النهي عن الحسد ، والنهي يقتضي التحريم انتهى.

أقول : نظر الشيخ بها إلى ما أومأنا إليه آنفا أن بعض الاخبار يدل على أن الحسد المحرم إنما هو إظهاره ، لا مع عدم الاظهار ، وأما أصل الحسد فهو مكروه ، ولذلك قد يصدر عن بعض الانبياء أيضا كما نطق به الآثار والاخبار فتأمل.

وبالجملة الحسد المذموم لا شك أنه مع قطع النظر عن الآيات الكثيرة والاخبار المتواترة الواردة في ذمه والنهي عنه ، صريح العقل أيضا يحكم بقبحه فانه سخط لقضاء الله في تفضيل بعض عباده على بعض ، واي معصية تزيد على كراهتك لراحة مسلم من غير أن يكون لك فيها مضرة ، وسيأتي ذكر بعض مفاسدها.

وأما المنافسة فليست بحرام بل هي إما واجبة أو مندوبة كما قال الله تعالى : «وفي ذلك فليتنافس المتنافسون» (١) وقال سبحانه «سابقوا إلى مغفرة من ربكم» (٢).

فأما الواجبة فهي ما إذا كانت في نعمة وبنية واجبة ، كالايمان والصلاة والزكاة ، فانه إن لم يحب أن يكون له مثل ذلك يكون راضيا بالمعصية وهو حرام والمندوبة فيما إذا كانت لغيره نعمة مباحة يتنعم فيها على وجه مباح ، فيتمنى أن يكون له مثلها يتنعم بها ، من غير أن يريد زوالها عنه في الجميع.

____________________

(١) المطففين : ٢٦.

(٢) الحديد : ٢١.

٢٣٩

وأقول : يمكن أن يفرض فيها فرد حرام كأن يتمنى منصبا حراما أو مالا حلالا ليصرفه في الحرام ، بل مكروه أيضا كأن يتمنى مال شبهة أو مالا حلالا ليصرفها في المصارف المكروهة.

وقيل : للحسد اسباب كثيرة يحصر جملتها سبعة : العداوة ، والتعزز ، والكبر والتعجب ، والخوف من فوت المقاصد المحبوبة ، وحب الرياسة ، وخبث النفس وبخلها فانه إنما يكره النعمة عليها إما لانه عدوه ، فلا يريد له الخير ، وإما أن يكون من حيث يعلم أنه يستكبر بالنعمة عليه وهو لا يطيق احتمال كبره وتفاخره لعزة نفسه ، وهو المراد بالتعزز ، وإما أن يكون في طبعه أن يتكبر على المحسود ويمتنع ذلك عليه بنعمته ، وهو المراد بالتكبر.

وإما أن يكون النعمة عظيمة والمنصب كبيرا فيتعجب من فوز مثله بمثل تلك النعمة كما أخبر الله تعالى عن الامم الماضية إذ قالوا : «ما أنتم إلا بشر مثلنا» (١) «وقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا» (٢) وأمثال ، ذلك كثيرة فتعجبوا من أن يفوز برتبة الرسالة والوحي والقرب ، مع أنهم بشر مثلهم فحسدوهم وهو المراد بالتعجب.

وإما أن يخاف من فوات مقاصده بسبب نعمة بأن يتوصل بها إلى مزاحمته في أغراضه وإما أن يكون بحب الرياسة التي يبتني على الاختصاص بنعمة لا يساوى فيها ، وإما أن لا يكون بسبب من هذه الاسباب ، بل لخبث النفس وشحها بالخير لعباد الله.

فهذه اسباب الحسد وقد يجتمع بعض هذه الاسباب أو أكثرها أو جميعها في شخص واحد ، فيعظم الحسد لذلك ، ويقوى قوة لا يقدر معها على الاخفاء والمجاملة بل يهتك حجاب المجاملة ، ويظهر العداوة بالمكاشفة ، وأكثر المحاسدات يجتمع فيها جملة من هذه الاسباب.

____________________

(١) يس : ١٥.

(٢) المؤمنون : ٤٨.

٢٤٠