بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٣٥
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

المثل في القوة والنجدة والبسالة وشدة الإقدام والصولة (١) وقيل لحمزة أسد الله ويقال من نبل الأسد أنه اشتق لحمزة من اسمه وللأسد من الصبر على الجوع وقلة الحاجة إلى الماء ما ليس لغيره من السباع ولا يأكل (٢) من فريسة غيره وإذا شبع من فريسته تركها ولم يعد إليها وإذا جاع ساءت أخلاقه وإذا امتلأ من الطعام ارتاض ولا يشرب من ماء ولغ فيه كلب وهو ينهش ولا يأكل وريقه قليل جدا ولذلك يوصف بالبخر ويوصف بالشجاعة والجبن فمن جبنه أنه يفزع من صوت الديك ونقر الطست ومن السنور ويتحير عند رؤية النار وهو شديد البطش ولا يألف شيئا من السباع لأنه لا يرى فيها ما يكافئه ومتى وضع جلدها على شيء من جلودها تساقطت شعورها ولا يدنو من المرأة الطامث ولو بلغه الجهد (٣) ويعمر كثيرا وعلامة كبره سقوط أسنانه.

وفي الحلية ، لأبي نعيم قال بلغني أن الأسد لا يأكل إلا من أتى محرما.

وروى محمد بن المنكدر عن ١٤ سفينة مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه ركبت سفينة في البحر فانكسرت فركبت لوحا فأخرجني إلى أجمة فيها أسد فأقبل إلي فقلت أنا سفينة مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا تائه فجعل يغمزني بمنكبه حتى أقامني على الطريق ثم همهم فظننت أنه السلام.

ودعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على عتبة بن أبي لهب فقال اللهم سلط عليه كلبا من كلابك فافترسه الأسد بالزرقاء من أرض الشام.

وروى الحافظ أبو نعيم بسنده عن الأسود بن هبار قال : تجهز أبو لهب وابنه عتبة نحو الشام فخرجت معهما فنزلنا السراة قريبا من صومعة راهب فقال الراهب ما أنزلكم هاهنا هنا سباع فقال أبو لهب أنتم عرفتم سني وحقي قلنا أجل قال إن محمدا دعا على ابني فاجمعوا متاعكم على هذه الصومعة ثم افرشوا لابني عليه

__________________

(١) في المصدر : والجرأة والصولة.

(٢) في المصدر : ومن شرف نفسه انه لا يأكل.

(٣) في المصدر : ولو بلغه الجهد ولا يزال محموما.

٨١

ونوموا حوله ففعلنا ذلك وجمعنا المتاع حتى ارتفع ودرنا حوله وبات عتبة فوق المتاع فجاء الأسد فشم وجوهنا ثم وثب فإذا هو فوق المتاع فقطع رأسه فقال سيفي يا كلب ولم يقدر على غير ذلك وفي رواية فضربه (١) بيده ضربة واحدة فخدشه فقال قتلني فمات من ساعته وطلبنا الأسد فلم نجده.

وإنما سماه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كلبا لأنه شبهه (٢) في رفع رجله عند البول

وروى البخاري في صحيحه أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : فر من المجذوم فرارك من الأسد (٣).

وفي حديث آخر أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أخذ بيد مجذوم وقال بسم الله ثقة بالله وتوكلا عليه وأدخلها معه الصحفة.

قال الشافعي في عيوب الزوجين إن الجذام والبرص يعدي وقال إن ولد المجذوم قل ما يسلم منه.

قلت معنى قوله إنه يعدي أي بتأثير الله تعالى لا بنفسه لأن الله تعالى أجرى العادة بابتلاء السليم عند مخالطة المبتلى وقد يوافق قدرا وقضاء فيظن أنه عدوى وقد قال صلى‌الله‌عليه‌وآله لا عدوى ولا طيرة وقوله في الولد قل ما يسلم منه فقد قال الصيدلاني معناه أن الولد قد ينزعه عرق من الأب فيصير أجذم وقد قال صلى‌الله‌عليه‌وآله لرجل قد قال له إن امرأتي ولدت غلاما أسود لعل عرقا نزعه.

وبهذا الطريق يحصل الجمع بين هذه الأحاديث وجاء في الحديث أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لا يورد ذو عاهة على مصح. والذي ذكره أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أتاه مجذوم ليبايعه فلم

__________________

(١) في المصدر : فوثب الأسد فضربه.

(٢) في المصدر : لانه يشبهه.

(٣) رواه الصدوق في الفقيه ٤ : ٢٥٨ بإسناده عن حماد بن عمرو وانس بن محمد عن أبيه جميعا عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب عليه‌السلام عن النبي « صلى‌الله‌عليه‌وآله ».

٨٢

يمد يده إليه بل قال أمسك يدك فقد بايعتك.

وفي مسند أحمد ، أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لا تطيلوا النظر إلى المجذوم وإذا كلمتموه فليكن بينكم وبينه قيد رمح (١).

وقد ذكر الشيخ صلاح الدين في القواعد أن الأم إذا كان بها جذام أو برص سقط حقها من الحضانة لأنه يخشى على الولد من لبنها ومخالطتها وروى الطبراني وغيره (٢) عن أبي هريرة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : أتدرون ما يقول الأسد في زئيره قالوا الله ورسوله أعلم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنه يقول اللهم لا تسلطني على أحد من أهل المعروف.

وعن ابن عباس (٣) قال : إذا كنت بواد تخاف فيه الأسد فقل أعوذ بدانيال وبالجب من شر الأسد.

انتهى أشار بذلك إلى ما رواه البيهقي في الشعب أن دانيال عليه‌السلام طرح في الجب وألقيت عليه السباع فجعلت السباع تلحسه وتبصبص إليه فأتاه ملك فقال له دانيال (٤) الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره.

وروى ابن أبي الدنيا أن بختنصر ضرى (٥) أسدين وألقاهما في جب وأمر بدانيال فألقي عليهما فمكث ما شاء الله ثم اشتهى الطعام والشراب فأوحى الله تعالى إلى أرميا وهو بالشام أن يذهب إلى دانيال بطعام وشراب وهو بأرض العراق فذهب إليه (٦) حتى وقف على رأس الجب وقال دانيال دانيال فقال من هذا

__________________

(١) في المصدر : قدر رمح.

(٢) في المصدر : الطبراني وأبو منصور الديلمي والحافظ المنذرى.

(٣) في المصدر : روى ابن السنى في عمل اليوم والليلة من حديث داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس عن علي عليه‌السلام.

(٤) في المصدر : فاتاه ملك فقال له : يا دانيال ، فقال : من أنت؟ قال : أنا رسول ربك ارسلنى إليك بطعام ، فقال دانيال.

(٥) ضرى الكلب بالصيد : عوده إياه واغراه به.

(٦) في المصدر : فذهب به إليه.

٨٣

قال أرميا قال ما جاء بك قال أرسلني إليك ربك قال دانيال الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره والحمد لله الذي لا يخيب من رجاه والحمد لله الذي من وثق به لم يكله إلى سواه والحمد لله الذي يجزي بالإحسان إحسانا والحمد لله الذي يجزي بالصبر نجاة وغفرانا والحمد لله الذي يكشف ضرنا بعد كربنا والحمد لله الذي هو ثقتنا حين يسوء ظننا بأعمالنا والحمد لله الذي هو رجاؤنا حين تنقطع الحيل منا.

وروى ابن أبي الدنيا من وجه آخر أن الملك الذي كان دانيال في سلطانه جاءه المنجمون وأصحاب العلم وأخبروه أنه يولد ليلة كذا وكذا غلام يفسد ملكك فأمر بقتل من ولد في تلك الليلة فلما ولد دانيال ألقته أمه في أجمة أسد فبات الأسد ولبؤته يلحسانه نجاه الله بذلك حتى بلغ ما بلغ وكان من أمره ما قدره العزيز العليم (١).

__________________

(١) حياة الحيوان ١ : ٢ ـ ٤.

٨٤

٣

(باب)

(الظبي وسائر الوحوش)

١ الإختصاص ، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن محمد بن علي عن علي بن محمد الخياط (١) عن محمد بن سكين عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : بينا علي بن الحسين عليه‌السلام مع أصحابه إذ أقبل ظبي من الصحراء حتى قام حذاءه وحمحم فقال بعض القوم يا ابن رسول الله ما تقول هذه الظبية قال تقول إن فلانا القرشي أخذ خشفها بالأمس وأنها لم ترضعه من أمس شيئا فبعث إليه علي بن الحسين عليه‌السلام أرسل إلي بالخشف فبعث به فلما رأته حمحمت وضربت بيديها ثم رضع منها فوهبه علي بن الحسين عليه‌السلام لها وكلمها بكلام نحو كلامها فتحمحمت وضربت بيديها وانطلقت والخشف معها فقالوا له يا ابن رسول الله ما الذي قالت فقال دعت الله لكم وجزتكم خيرا (٢).

أقول : قد مر مثله بأسانيد في باب المعجزات.

٢ المحاسن ، عن سعد بن سعد قال : سألت الرضا عليه‌السلام عن الآمص فقال ما هو فذهبت أصفه فقال أليس اليحامير قلت بلى قال أليس تأكلونه (٣) بالخل والخردل والأبزار قلت بلى قال لا بأس به (٤).

بيان : كذا في أكثر النسخ اليحامير وهو جمع اليحمور وهو حمار الوحش وفي القاموس الآمص والآميص طعام يتخذ من لحم عجل بجلده أو مرق السكباج

__________________

(١) في المصدر : « الحناط » وفي نسخة : عن محمد بن مسكين.

(٢) الاختصاص : ٢٩٩.

(٣) في المصدر : أليس يأكلونه.

(٤) المحاسن : ٤٧٢.

٨٥

المبرد المصفى من الدهن معربا خامير انتهى.

فلعلهم كانوا يعملون الآمص من لحوم اليحامير وفي بعض النسخ الخامير مكان اليحامير وهو أنسب بما ذكره الفيروزآبادي لكن ظاهر العنوان في المحاسن الأول حيث قال لحوم الظباء واليحامير وذكر هذه الرواية فقط (١) وضم الظباء مع الخامير غير مناسب وسيأتي الكلام في حل الظباء وأشباهها في الأبواب الآتية ..

٣ حياة الحيوان ، اليحمور دابة وحشية (٢) لها قرنان طويلان كأنهما منشاران ينشر بهما الشجر إذا عطش وورد الفرات يجد الشجر ملتفة فينشرها بهما وقيل إنه اليامور نفسه وقرونه كقرون الأيل يلقيها في كل سنة وهي صامتة لا تجويف فيها ولونه إلى الحمرة وهو أسرع من الأيل وقال الجوهري اليحمور حمار الوحش ودهنه ينفع من الاسترخاء الحاصل في أحد شقي الإنسان إذا استعمل مع دهن البلسان نفع وذكر ابن الجوزي في كتاب العرائس أن بعض طلبة العلم خرج من بلاده فرأى (٣) شخصا في الطريق فلما كان قريبا من المدينة التي قصدها قال له ذلك الشخص قد صار لي عليك حق وذمام وأنا رجل من الجان ولي إليك حاجة فقال ما هي قال إذا أتيت إلى مكان كذا وكذا فإنك تجد فيه دجاجا بينها ديك فاسأل عن صاحبه واشتره منه واذبحه فهذه حاجتي إليك قال فقلت له يا أخي وأنا أيضا أسألك حاجة قال وما هي قلت إذا كان الشيطان ماردا لا تعمل فيه العزائم وألح بالأذى منا ما دواؤه فقال دواؤه أن يؤخذ قدر فتر من جلد يحمور (٤) ويشد به إبهاما المصاب من يديه شدا وثيقا ثم يؤخذ له من دهن السداب

__________________

(١) وليس في الرواية ذكر للظباء ولعله كانت في المحاسن الاصلى رواية تدل على الظباء ولم يظفر بها النساخ.

(٢) في المصدر : وحشية نافرة.

(٣) في المصدر : فرافق.

(٤) في المصدر : ان يؤخذ له وتر قدر شبر من جلد يحمور.

٨٦

البري فتقطر في أنفه الأيمن أربعا وفي الأيسر ثلاثا فإن السالك (١) له يموت ولا يعود إليه بعده.

قال فلما دخلت المدينة أتيت إلى ذلك المكان فوجدت الديك لعجوز فسألتها بيعه فأبت فاشتريته منها بأضعاف ثمنه فلما اشتريته تمثل لي من بعيد وقال لي بالإشارة اذبحه فذبحته فخرج عند ذلك رجال ونساء وجعلوا يضربونني ويقولون يا ساحر فقلت لست بساحر فقالوا إنك منذ ذبحت الديك أصيبت شابة عندنا بجني وأنه منذ سلكها (٢) لم يفارقها فطلبت وترا قدر شبر من جلد يحمور ودهن السداب البري (٣) فأتوني بهما فشددت إبهامي يد الشابة شدا وثيقا فصاح (٤) وقال أنا علمتك على نفسي قال ثم قطرت الدهن في أنفها الأيمن أربعا وفي الأيسر ثلاثا فخر ميتا من ساعته وشفى الله تعالى تلك الشابة ولم يعاودها بعده الشيطان (٥).

٤ الدلائل للطبري ، عن محمد بن إبراهيم عن بشر بن محمد عن حمران بن أعين قال : كنت قاعدا عند علي بن الحسين عليه‌السلام ومعه جماعة من أصحابه فجاءت ظبية فتبصبصت وضربت بذنبها فقال هل تدرون ما تقول هذه الظبية قلنا ما ندري (٦) فقال تزعم أن رجلا اصطاد خشفا (٧) لها وهي تسألني أن أكلمه أن يرده عليها فقام وقمنا معه حتى جاء إلى باب الرجل فخرج إليه والظبية معنا فقال له علي بن الحسين عليه‌السلام إن هذه الظبية زعمت كذا وكذا وأنا أسألك أن ترده عليها فدخل

__________________

(١) في المصدر : فان الماسك به.

(٢) في المصدر : منذ مسكها.

(٣) في المصدر : وشيئا من دهن السداب البرى.

(٤) في المصدر : فلما فعلت بها ذلك صاح.

(٥) حياة الحيوان ٢ : ٢٩٤ و ٢٩٥.

(٦) في المصدر : فقلنا : لا.

(٧) الخشف بتثليث الخاء : ولد الظبى اول ما يولد.

٨٧

الرجل مسرعا داره وأخرج إليه الخشف وسيبه (١) ومضت الظبية والخشف معها وأقبلت تحرك ذنبها (٢) فقال علي بن الحسين هل تدرون ما تقول فقلنا ما ندري فقال إنها تقول رد الله عليكم كل حق غصبتم عليه أو كل غائب وكل سبب ترجونه وغفر لعلي بن الحسين كما رد علي ولدي (٣).

٥ حياة الحيوان ، ذكر ابن خلكان في ترجمة جعفر الصادق عليه‌السلام أنه سأل أبا حنيفة ما تقول في محرم كسر رباعية ظبي فقال يا ابن بنت رسول الله لا أعلم (٤) فيه فقال إن الظبي لا يكون له رباعيا [ رباعية ] وهو ثني أبدا.

كذا حكاه كشاجم في كتاب المصائد والمطارد وقال الجوهري في مادة سنن في قول الشاعر في وصف إبل

فجاءت كسن الظبي لم أر مثلها

سناء قتيل (٥) أو حلوبة جائع

أي هي ثنيان لأن الثني هو الذي يلقي ثنيته والظبي لا تثبت له ثنية قط فهي ثني أبدا

وروى الدارقطني والطبراني في معجمه الأوسط عن أنس بن مالك والبيهقي في سننه (٦) عن أبي سعيد الخدري قال : مر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على قوم قد صادوا ظبية وشدوها إلى عمود فسطاط فقالت يا رسول الله إني وضعت ولي خشفان فاستأذن لي أن أرضعهما ثم أعود إليهم فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله خلوا عنها حتى تأتي خشفيها ترضعهما وتأتي إليكم قالوا ومن لنا بذلك يا رسول الله قال صلى‌الله‌عليه‌وآله أنا فأطلقوها فذهبت فأرضعتهما

__________________

(١) سيبه اي تركه مرت حيث شاءت.

(٢) في المصدر : فمضت الظبية ومعها خشفها وهي تحرك ذنبها.

(٣) دلائل الإمامة : ٨٩ فيه قلنا لا قال : تقول.

(٤) في المصدر : لا اعلم ما فيه.

(٥) في المصدر : شفاء عليل.

(٦) في المصدر : « فى شعبه » أقول : أى في كتاب شعب الايمان.

٨٨

ثم عادت إليهم فأوثقوها فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتبيعونيها قالوا هي لك يا رسول الله فخلوا عنها فأطلقها.

وفي رواية عن زيد بن أرقم قال : لما أطلقها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأيتها تسبح في البرية وهي تقول لا إله إلا الله محمد رسول الله ص.

وروى الطبراني عن أم سلمة قالت كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الصحراء فإذا مناد ينادي يا رسول الله فالتفت فلم ير أحدا ثم التفت فإذا ظبية موثوقة فقالت ادن مني يا رسول الله فدنا منها فقال ما حاجتك فقالت إن لي خشفتين في هذا الجبل فخلني حتى أذهب إليهما فأرضعهما ثم أرجع إليك فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتفعلين فقالت عذبني الله عذاب العشار إن لم أفعل فأطلقها فذهبت فأرضعت خشفيها ثم رجعت فأوثقها وانتبه الأعرابي فقال ألك حاجة يا رسول الله قال نعم تطلق هذه فأطلقها فخرجت تعدو وتقول أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله.

وفي دلائل النبوة للبيهقي عن أبي سعيد قال : مر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بظبية مربوطة إلى خباء فقالت يا رسول الله خلني حتى أذهب فأرضع خشفي ثم أرجع فتربطني فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله صيد قوم وربيطة قوم فأخذ عليها فحلفت له فحلها فما مكثت إلا قليلا حتى جاءت وقد نفضت ما في ضرعها فربطها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم أتى خباء أصحابها (١) فاستوهبها منهم فوهبوها له فحلها ثم قال عليه‌السلام لو علمت البهائم من الموت ما تعلمون ما أكلتم منها سمينا أبدا.

وذكر الأزرقي في تعظيم صيد الحرم عن عبد العزيز بن أبي داود (٢) إن قوما انتهوا إلى ذي طوى ونزلوا بها فإذا ظبي من ظباء الحرم قد دنا منهم فأخذ رجل منهم بقائمة من قوائمه فقال له أصحابه ويلك أرسله فجعل يضحك وأبى أن يرسله

__________________

(١) في المصدر : ثم أتى خباء اصحابها.

(٢) في المصدر : ابى رواد.

٨٩

فبعر الظبي وبال ثم أرسله فناموا في القائلة فانتبه بعضهم فإذا هو بحية منطوية على بطن الرجل الذي أخذ الظبي فقال له أصحابه ويلك لا تحرك فلم تنزل الحية عنه حتى كان منه من الحدث ما كان من الظبي.

ثم روي عن مجاهد قال دخل قوم مكة تجارا من الشام (١) في الجاهلية بعد قصي بن كلاب فنزلوا بوادي طوى تحت سمرات يستظلون بها فاختبزوا ملة (٢) لهم ولم يكن معهم أدم فقام رجل منهم إلى قوسه فوضع عليها سهما ثم رمى به ظبية من ظباء الحرم وهي حولهم ترعى فقاموا إليها فسلخوها وطبخوها ليأتدموا بها فبينما هم كذلك وقدرهم على النار تغلي بها وبعضهم يشوي إذ خرجت من تحت القدر عنق من النار عظيمة فأحرقت القوم جميعا ولم تحرق ثيابهم ولا أمتعتهم ولا السمرات التي كانوا تحتها.

ورأيت في مختصر الإحياء للشيخ شرف الدين بن يونس شارح التنبيه في باب الإخلاص أن من أخلص لله تعالى في العمل وإن لم ينو (٣) ظهرت آثار بركته عليه وعلى عقبه إلى يوم القيامة كما قيل إنه لما أهبط آدم عليه‌السلام إلى الأرض جاءته وحوش الفلاة تسلم عليه وتزوره فكان يدعو لكل جنس بما يليق به فجاءته طائفة من الظباء فدعا لهن ومسح على ظهورهن فظهر منهن نوافج المسك فلما رأى ما فيها من ذلك غزلان أخر فقالوا (٤) من أين هذا لكن فقلن زرنا صفي الله آدم

__________________

(١) في المصدر : دخل مكة قوم تجار من الشام.

(٢) الملة : الجمر. الرماد الحار ، خبز ملة : هو الذي يخبز فيها ، وفي المصدر فاختبزوا على ملة لهم.

(٣) في المصدر : ولم ينو به مقابلا.

(٤) في المصدر : فلما رأى بواقيها ذلك قلن.

٩٠

فدعا لنا ومسح على ظهورنا فمضى البواقي إليه فدعا لهن ومسح على ظهورهن فلم يظهر لهن من ذلك شيء فقالوا قد سلمنا كما فعلتم فلم نر شيئا مما حصل لكم فقالوا أنتم كان عملكم لتنالوا كما نال إخوانكم وأولئك كان عملهم لله من غير شيء فظهر ذلك في نسلهم وعقبهم إلى يوم القيامة (١) انتهى.

__________________

(١) حياة الحيوان ٢ : ٧٠ ـ ٧٤ فيه : فقلن قد فعلنا كما فعلتن فلم نر شيئا مما حصل لكن ، فقيل : انتن كان عملكن لتنلن كما نال اخوانكن واولئك كان عملهن لله من غير شيء فظهر ذلك في نسلهن وعقبهن الى يوم القيامة.

٩١

(أبواب)

(الصيد والذبائح وما يحل وما يحرم من الحيوان وغيره)

١

(باب)

(جوامع ما يحل وما يحرم من المأكولات والمشروبات)

(وحكم المشتبه بالحرام وما اضطروا إليه)

الآيات البقرة « الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ ».

وقال تعالى « هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ».

وقال تعالى « كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللهِ ».

وقال تعالى « يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ».

وقال سبحانه « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ».

آل عمران « كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلاَّ ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ »

٩٢

المائدة « أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلاَّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ».

وقال تعالى « حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ » إلى قوله تعالى « فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ ».

وقال « الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ »

وقال تعالى « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ »

وقال تعالى « لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ »

وقال تعالى « قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ »

الأنعام « وَما لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ ».

هُوَ الَّذِي (١) « أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا

__________________

(١) الظاهر أنه سقط هنا قوله : « وقال تعالى » على ما هو من دأبه عند فصل الآيات.

٩٣

حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللهُ بِهذا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ » « قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلاَّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ ».

الأعراف « وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ »

وقال تعالى « وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ » « قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ »

وقال تعالى « وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ »

يونس « وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ »

إبراهيم « فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ » إلى قوله « وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ »

الحجر « وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ »

النحل « وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ »

وقال تعالى « وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً

٩٤

وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ »

وقال تعالى « وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ »

وقال تعالى « فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ »

طه « فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ »

وقال تعالى « كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي »

المؤمنون « وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ لَكُمْ فِيها فَواكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ »

لقمان « أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً »

التنزيل « أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ »

فاطر « وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا »

يس « وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ » إلى قوله تعالى « لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ »

المؤمن « اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَمِنْها تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ »

عبس « فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا وَعِنَباً وَقَضْباً وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً وَحَدائِقَ غُلْباً وَفاكِهَةً وَأَبًّا مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ »

٩٥

تفسير « الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً » يدل على جواز الانتفاع بالأرض على أي وجه كان من السكنى والزراعة والعمارة وحفر الأنهار وإجراء القنوات وغيرها من وجوه الانتفاعات إلا ما أخرجه الدليل.

وقوله « رِزْقاً لَكُمْ » (١) يدل على حلية جميع الثمرات وبيعها وسائر الانتفاعات ولكم صفة رزقا إن أريد به المرزوق ومفعول له إن أريد به المصدر كأنه قال رزقه إياكم ويدل تتمة الآية على وجوب شكر المنعم « هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً » امتن سبحانه على عباده بخلق جميع ما في الأرض لهم وهذا يدل على صحة انتفاعهم بكل ما فيها من وجوه المصالحة إذا خلا عن المفسدة ومنه يستدل على أن الأصل في الأشياء الإباحة إذ هي مباحة لمن خلقت له وقيل الامتنان بخلق الجميع يقتضي حل الجميع وأن لكل شيء منها فائدة ونفعا وما يقال من أن ما لا نفع به كالسم والعقرب وبعض الحشرات خارج عن ذلك ففيه نظر وأن عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود ووجود ضرر في شيء لا يدل على انتفاء النفع فيه ألا ترى أن المأكولات الطيبة تضر المريض غاية المضرة ومن تأمل في حكمته تعالى لم يتجاسر بمثل هذا المقال فلعل المراد أن ليس في الخلق ما هو ضرر محض خال عن النفع بل إنما فيه من جهة ضررا وجهة خلا من ذلك الوجه من المنفعة لا يقع به امتنان من تلك الجهة بل الامتنان من جهة النفع مع الخلو عن الضرر والطيب في بعض الآيات إشارة إلى ذلك كما فسره الطبرسي أن المراد الطاهر من كل شبهة خبث وضرر والله أعلم انتهى.

وقال البيضاوي معنى « لَكُمْ » لأجلكم وانتفاعكم في دنياكم باستنفاعكم بها في مصالح أبدانكم بوسط أو غير وسط أو دينكم بالاستدلال والاعتبار والتعرف بما يلائمها من لذات الآخرة وآلامها فهو يقتضي إباحة الأشياء النافعة ولا يمنع اختصاص بعضها ببعض لأسباب عارضة فإنه يدل على أن الكل للكل لا أن كل

__________________

(١) قوله : « جعل لكم » و « رزقا لكم » وأمثالهما تدل على أن ما في الأرض يعم كل فرد من الإنسان وانهم مشتركون فيه بالسوية على الأصل ، إلا ما اخرج بالدليل.

٩٦

واحد لكل واحد وما يعم كل ما في الأرض لا الأرض إلا إذا أريد به جهة السفل كما يراد بالسماء جهة العلو وجميعا حال من الموصول الثاني « كُلُوا وَاشْرَبُوا » ظاهر الخطاب لبني إسرائيل فالمراد ما رزقهم الله من المن والسلوى والعيون ويمكن الاستدلال على العموم بوجه لا يخلو من تكلف (١).

« يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ » قال الطبرسي رحمه‌الله عن ابن عباس أنها نزلت في ثقيف وخزاعة وبني عامر بن صعصعة وبني مدلج لما حرموا على أنفسهم من الحرث والأنعام والبحيرة والسائبة والوصيلة (٢).

وقال قدس‌سره اختلف الناس في المآكل والمنافع لا ضرر على أحد فيها (٣) فمنهم من ذهب إلى أنها على الحظر (٤) ومنهم من ذهب إلى أنها على الإباحة واختاره المرتضى رحمه‌الله ومنهم من وقف بين الأمرين وجوز كل واحد منهما وهذه الآية دالة على إباحة المآكل إلا ما دل الدليل على حظره فجاءت مؤكدة لما في العقل انتهى (٥).

والمراد بالأكل إما خصوص الأكل اللغوي أو مطلق الانتفاع فإنه مجاز شائع والحلال هو الجائز من أفعال العباد ونظيره المباح والطيب يقال لمعان الأول ما حلله الشارع. الثاني ما كان طاهرا.

الثالث ما خلا عن الأذى في النفس والبدن. الرابع ما يستلذه الطبع المستقيم ولا يتنفر عنه. الخامس ما لم يكن فيه جهة قبح توجب المنع عنه كما نفهم من أكثر موارد استعماله وستعرفه والخطاب هنا عام لجميع المكلفين من بني آدم

__________________

(١) أنوار التنزيل.

(٢) مجمع البيان ١ : ٢٥٢ فيه : والوصيلة فنهاهم الله عن ذلك.

(٣) في المصدر : والمنافع التي لا ضرر على أحد فيها.

(٤) الحظر : المنع.

(٥) مجمع البيان ١ : ٢٥٢.

٩٧

والأمر في « كُلُوا » للإباحة ولما كان في المأكول ما يحرم وما يحل بين ما يجب أن يكون عليه من الصفة فقال « حَلالاً » وقيل الأمر للوجوب نظرا إلى مراعاة القيد « طَيِّباً » قيل هو الحلال أيضا جمع بينهما لاختلاف اللفظين تأكيدا وقيل ما تستطيبونه وتلذونه في العاجل والآجل وفي الكشاف والجوامع طاهرا من كل شبهة قيل ولا يبعد على تقدير مفعولية « حَلالاً » وحاليته أن يراد بالحلال ما خلا من جهة الحظر بحسب ذاته وأحواله الغالبة والطيب ما خلا من جهة الحظر من كل وجه (١).

وأقول على تقدير حالية الطيب وحمل الأمر على الرجحان الأظهر أن يكون الحلال للاحتراز عن الحرام والطيب للاحتراز عن الشبهات ثم قوله « حَلالاً » إما مفعول كلوا ومن حينئذ ابتدائية أو بيانية وظاهر الكشاف أنها تبعيضية ومنع منه التفتازاني لأن من التبعيضية في موقع المفعول أي كلوا بعض ما في الأرض.

قال فإن قيل لم لا يجوز أن يكون حالا من حلالا قلنا لأن كون من التبعيضية ظرفا مستقرا وكون اللغو حالا مما لا تقول به النحاة وقيل فيه نظر لأن كون من التبعيضية في موضع المفعول ليس معناه أنه مفعول به من حيث الإعراب مغن عن المفعول به بل إنما يتحد مع المفعول به انتهى.

أو حال من المفعول وهو « مِمَّا فِي الْأَرْضِ » فيكون المراد بما في الأرض المأكولات المحللة أو صفة مصدر محذوف أي كلوا أكلا حلالا ومن للتبعيض أو ابتدائية إما كونه مفعولا له أو تميزا كما زعم بعضهم فغير واضح وطيبا مثل حلالا أو صفته.

أقول هذا ما ذكره القوم والأظهر عندي أن حلالا وطيبا للتأكيد لا للتقييد سواء جعلا حالين مؤكدتين أو غيره لأن التقييد مع حمل الأمر على الإباحة كما ذكره الأكثر يجعل الكلام خاليا عن الفائدة إذ حاصله حينئذ أحل لكم ما أحل لكم إذ يجوز لكم الانتفاع بما أحل لكم.

فإن قيل كيف يستقيم هذا مع أنه معلوم أن ما في الأرض مشتمل على

__________________

(١) تفسير الكشاف :.

٩٨

محرمات كثيرة.

قلنا إذا حملنا من على التبعيض لا يرد ذلك وأيضا يمكن أن يكون هذا قبل تحريم ما حرم من الأشياء فإنه يظهر من بعض الأخبار أنه لم يجب قبل الهجرة شيء سوى الشهادتين وما يتبعهما من العقائد ولم يحرم سوى الشرك وإنكار النبوة وما يلزمهما وبعد الهجرة نزلت الواجبات والمحرمات تدريجا على أنه يمكن أن يكون عاما مخصصا كما في سائر العمومات فتدل على حل ما في الأرض جميعا إلا ما أخرجه الدليل.

وقيل يظهر من عمومات الخطاب حل المحللات للكفار والفساق أيضا وجواز إعطائهم منها إلا ما دل على المنع منه دليل « وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ » أي لا تتبعوا وساوس الشيطان في تحريم ما أحل الله أو في ترك شكر ما أنعم الله ويؤيد الأول قوله « وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ »

وروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه‌السلام أن خطوات الشيطان الحلف بالطلاق والنذر في المعاصي وكل يمين بغير الله (١).

أقول يحتمل أن يكون المراد الحلف والنذر على تحريم المحللات بقرينة صدر الآية.

وقيل في هذا النهي تنبيه على أن المراد بحلالا في الأمر التقييد لا إطلاق حل ما في الأرض والمأكول منه أو الأكل وهو يعم مخالفة الأمر بالتعدي إلى أكل غير الحلال وباجتناب أكل الحلال وفعل غير ذلك من المحرمات انتهى وضعفه ظاهر مما ذكرنا « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ » مضمون صدر الآية قريب مما تقدم إلا أنها خاصة باعتبار الخطاب للمؤمنين وقيل الأمر للترغيب أو لإباحة أكل ما يستلذه المؤمنون ويستطيبونه ويعدونه طيبا لا خبيثا ينفر عنه الطبع ويجزم العقل بقبح أكله مثل الدم والبول والمني والحشرات وغيرها فيفهم منه كونه طاهرا أيضا إذ النجس خبيث وليس مما يعدونه طيبا فهو في الدلالة على

__________________

(١) مجمع البيان ٢ : ٢٥٢.

٩٩

إباحة جميع ما يعده العقل طيبا ولا يجد فيه ضررا وخبثا مما يسمى رزقا لبني آدم أي ينتفع به في الأكل أصرح مما تقدم ففهم كون الأشياء على أصل الحلية منها أولى.

أقول على سياق ما قدمنا يكون الحاصل كلوا مما لم يدل دليل شرعي على تحريمه فيما رزقناكم ومكناكم من التصرف فيه أو مما لم يكن فيه جهة قبح واقعي فيرجع إلى الأول لأنه يعلم ذلك ببيان الشارع أو مما لم يكن مضرا بالنفس والبدن أو مما يستلذه الطبع المستقيم ولا يتنفر عنه إما بناء على الغالب من أنه لا يرغب إلى غير ذلك أو بناء على أن سياق الآية مشتمل على الامتنان وعمدة الامتنان به لا بما تتنفر الطباع عنه أو لمرجوحية أكل الخبائث غير المحرمة بناء على أن الأمر للإباحة الصرفة أو لرجحان التصرف في الطيبات وأكلها بناء على أن الأمر للاستحباب.

وبالجملة يشكل الاستدلال بأمثاله على تحريم ما تتنفر عنه عامة الطباع.

وقال الرازي اعلم أن الأكل قد يكون واجبا وذلك عند دفع الضرر وقد يكون مندوبا وذلك أن الضيف قد يمتنع من الأكل إذا انفرد وينبسط إذا سوعد فهذا مندوب وقد يكون مباحا إذا خلا عن هذه العوارض والأصل في الشيء أن يكون خاليا عن العوارض فلا جرم كان مسمى الأكل مباحا وإذا كان الأمر كذلك كان الأمر كذلك.

ثم قال احتج الأصحاب أن الرزق قد يكون حراما بقوله « مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ » بأن الطيب هو الحلال فلو كان كل رزق حلالا لكان المعنى كلوا من محللات ما حللنا لكم فيكون تكرارا وهو خلاف الأصل وأجابوا عنه بأن الطيب في اللغة عبارة المستلذ المستطاب ولعل أقواما ظنوا أن التوسع في المطاعم والاستكثار من طيباتها ممنوع منه فأباح الله تعالى ذلك بقوله كلوا من لذائذ ما أحللنا لكم فكان تخصيصه بالذكر لهذا المعنى انتهى (١).

__________________

(١) تفسير الرازي.

١٠٠