بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٣٥
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

كشفه والتكوين الإحداث والإيجاد وقعد بها أي أقعدها وأعجزها والغرض الدلالة على عجز العقول عن إدراك ذاته سبحانه فإنها إذا عجزت عن إدراك مخلوق ظاهر للعيون على الصفات المذكورة فهي بالعجز عن إدراكه سبحانه ووصفه أحرى وكذلك الألسن في تلخيص صفته وتأدية نعته.

ودمج الشيء كنصر دموجا دخل في الشيء واستحكم فيه وأدمجه غيره والذرة واحدة الذر وهي صغار النمل والهمجة واحدة الهمج كذلك وهو ذباب صغير كالبعوض يسقط على وجوه الغنم والحمر وأعينها والحيتان جمع حوت والأفيلة جمع فيل والمعروف بين أهل اللغة فيلة كعنبة كما في بعض النسخ وأفيال وفيول وقال ابن السكيت ولا تقل أفيلة ووأى أي وعد واضطرب أي تحرك والشبح الشخص وأولج أي وأدخل والحمام ككتاب قضاء الموت وقدره.

٢ ـ تنبيه الخاطر للورام ، دخل طاوس اليماني على جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام فقال له أنت طاوس قال نعم فقال طاوس طير مشوم ما نزل بساحة قوم إلا آذنهم بالرحيل (١).

بيان : يدل على تأثير الطيرة في الجملة.

٣ ـ الكافي ، عن العدة عن البرقي عن القاسم بن يحيى عن جده الحسن عن يعقوب بن جعفر الجعفري قال : ذكر عند أبي الحسن عليه‌السلام حسن الطاوس فقال لا يزيدك على حسن الديك الأبيض بشيء (٢) قال وسمعته يقول الديك أحسن صوتا من الطاوس وهو أعظم بركة ينبهك في مواقيت الصلاة وإنما يدعو الطاوس بالويل بخطيئته (٣) التي ابتلي بها (٤).

وقال الدميري الطاوس طائر معروف تصغيره طويس وكنيته أبو الحسن

__________________

(١) تنبيه الخاطر :.

(٢) في المصدر : شيء.

(٣) في المصدر : لخطيئة.

(٤) فروع الكافي ٦ : ٥٥٠.

٤١

وأبو الوشي وهو من الطير كالفرس من الدواب (١) عزا وحسنا وفي طبعه العفة وحب الزهو بنفسه والخيلاء والإعجاب بريشه وعقده لذنبه كالطاق لا سيما إذا كانت الأنثى ناظرة إليه والأنثى تبيض بعد أن يمضي لها من العمر ثلاث سنين وفي ذلك الأوان يكمل ريش الذكر ويتم لونه وتبيض الأنثى مرة واحدة في السنة اثنتي عشرة بيضة وأكثر (٢) ويفسد في أيام الربيع ويلقي ريشه في الخريف كلما يلقي الشجر ورقه فإذا بدا طلوع الأوراق في الشجرة طلع ريشه وهو كثير العبث بالأنثى إذا حضنت وربما كسر البيض ولهذه العلة يحضن بيضه تحت الدجاج ولا تقوى الدجاجة على حضن أكثر من بيضتين وينبغي أن تتعاهد الدجاجة بجميع ما تحتاج إليه من الأكل والشرب مخافة أن تقوم عنه فيفسده الهواء والفرخ الذي يخرج من حضن الدجاجة يكون قليل الحسن ناقص الخلق وناقص الجثة ومدة حضنه ثلاثون يوما وأعجب الأمور أنه مع حسنه يتشأم به وكان هذا والله أعلم أنه لما كان سببا لدخول إبليس الجنة وخروج آدم منها وسببا لخلو تلك الدار من آدم مدة دوام الدنيا كرهت إقامته في الدور بسبب ذلك (٣).

٤ ـ الكافي ، عن العدة عن أحمد بن محمد عن بكر بن صالح عن سليمان الجعفري عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : الطاوس مسخ كان رجلا جميلا فكابر امرأة رجل مؤمن تحبه فوقع بها ثم راسلته بعد فمسخهما الله عز وجل طاوسين أنثى وذكرا فلا تأكل لحمه ولا بيضه (٤).

__________________

(١) في المصدر : وهو في الطير كالفرس في الدواب.

(٢) في المصدر : وأقل وأكثر ولا تبيض متتابعا.

(٣) حياة الحيوان ٢ : ٥٩ و ٦٠.

(٤) فروع الكافي ٦ : ٢٤٧ فيه : « ولا يؤكل » ورواه أيضا بالاسناد في ص ٢٤٥ الا انه اقتصر فقال : الطاوس لا يحل اكله ولا بيضه.

٤٢

٥

(باب)

(الدراج والقطا والقبج وغيرها من الطيور وفضل لحم بعضها على بعض)

١ ـ الكافي ، عن محمد بن يحيى عن محمد بن موسى عن علي بن سليمان عن ابن أبي عمير عن محمد بن حكيم عن أبي الحسن الأول عليه‌السلام قال : أطعموا المحموم لحم القباج فإنه يقوي الساقين ويطرد الحمى طردا (١).

٢ ـ ومنه ، عن محمد بن يحيى عن محمد بن عيسى عن علي بن مهزيار قال : تغذيت مع أبي جعفر عليه‌السلام فأتي بقطاط [ بقطاة ] فقال إنه مبارك وكان أبي يعجبه وكان يأمر أن يطعم صاحب اليرقان يشوى له فإنه ينفعه (٢).

٣ ـ الخرائج ، روي عن الحسن عليه‌السلام أن عليا عليه‌السلام كان يوما بأرض قفر فرأى دراجا فقال يا دراج منذ كم أنت في هذه البرية ومن أين مطعمك ومشربك فقال يا أمير المؤمنين أنا في هذه البرية منذ مائة سنة إذا جعت أصلي عليكم فأشبع وإذا عطشت أدعو على ظالميكم فأروى (٣).

٤ ـ المحاسن ، عن أبي الحسن النهدي عن ابن أسباط رفعه إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه ذكر عنده لحم الطير فقال أطيب اللحم لحم فرخ غذته فتاة من ربيعة بفضل قوتها (٤).

__________________

(١) فروع الكافي ٦ : ٣١٢.

(٢) فروع الكافي ٦ : ٣١٢.

(٣) الخرائج.

(٤) المحاسن ٤٧٤.

٤٣

٥ ـ ومنه ، عن عمرو بن عثمان رفعه إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : الإوز (١) جاموس الطيور والدجاج خنزير الطير والدراج حبش الطير فأين أنت عن فرخين ناهضين ربتهما امرأة من ربيعة بفضل قوتها (٢).

٦ ـ ومنه ، عن السياري رفعه قال : ذكرت اللحمان عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام وعمر حاضر فقال عمر إن أطيب اللحمان لحم الدجاج وقال (٣) أمير المؤمنين عليه‌السلام كلا إن ذلك خنازير الطير وإن أطيب اللحم لحم فرخ حمام قد نهض أو كاد ينهض (٤).

٧ ـ ومنه ، عن السياري عمن رواه قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من سره أن يقتل غيظه فليأكل لحم الدراج (٥).

الكافي ، عن العدة عن البرقي عن السياري مثله (٦).

٨ ـ الطب ، طب الأئمة عليهم‌السلام عن مروان بن محمد عن علي بن النعمان عن علي بن الحسن عن موسى بن جعفر عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قال سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول من سره أن يقتل (٧) غيظه فليأكل الدراج (٨).

٩ ـ وعنه عليه‌السلام قال : من اشتكى فؤاده وكثر غمه فليأكل الدراج (٩).

١٠ حياة الحيوان ، الدراج بالضم كرمان واحدته دراجة وهو طائر مبارك

__________________

(١) في المصدر : الوز جاموس الطير.

(٢) المحاسن : ٤٧٤.

(٣) في المصدر : فقال.

(٤ و ٥) المحاسن : ٤٧٥. وروى نحوه الكليني عن العدة عن البرقي في الفروع ٦ : ٣١٢.

(٦) الفروع ٦ : ٣١٢ فيه : « عمن رواه عن أبي عبد الله ( عليه‌السلام ) » وفيه : أن يقل.

(٧) في النسخة المخطوطة : أن يقل غيظه.

(٨) طب الأئمة :.

(٩) طب الأئمة.

٤٤

كثير النتاج مبشر بالربيع (١) وتطيب نفسه على الهواء الصافي وهبوب الشمال ويسوء حاله بهبوب الجنوب حتى إنه لا يقدر على الطيران وهو طائر أسود باطن الجناحين وظاهرهما أغبر على خلقة القطا إلا أنه ألطف منه والجاحظ جعله من أقسام الحمام ومن شأنه أنه لا يجعل بيضه في موضع واحد بل ينقله لئلا يعرف أحد مكانه قال ابن سينا لحمه أفضل من لحوم الفواخت وأعدل وألطف وأكله يزيد في الدماغ والفهم والمني (٢).

وقال القبج بفتح القاف وإسكان الباء الحجل والقبجة اسم جنس يقع على الذكر والأنثى حتى تقول يعقوب (٣) فيختص بالذكر وكذلك الدراجة حتى تقول الحيقطان (٤) والنحلة حتى تقول يعسوب ومثله كثير (٥) والذكر يوصف بالقوة على السفاد ولكثرة سفاده يقصد موضع البيض فيكسره لئلا تشتغل الأنثى بحضنه عنه ولذا الأنثى إذا أتى أوان بيضها تهرب وتختبئ رغبة في الفرخ وهي إذا هربت بهذا السبب ضاربت الذكور بعضها بعضا وكثر صياحها ثم إن المقهور يتبع القاهر ويفسد القوي الضعيف والقبج يغير أصواته بأنواع شتى بقدر حاجته إلى ذلك وتعمر خمس عشرة سنة (٦) ومن عجيب أمرها أنها إذا قصدها الصياد خبأت رأسها تحت الثلج وتحسب أن الصياد لا يراها وذكورها شديد الغيرة على إناثها والأنثى تلقح من رائحة الذكر وهذا النوع كله يحب الغناء والأصوات

__________________

(١) زاد في المصدر : وهو القائل : « بالشكر تدوم النعم » وصوته مقطع على هذه الكلمات.

(٢) حياة الحيوان ٢ : ٢٤٣.

(٣) يعقوب : ذكر الحجل.

(٤) في المصدر : حتى تقول : حيقطان والبومة حتى تقول : صدى او فياد ، والحبارى حتى تقول : خرب ، وكذا النعامة حتى تقول : ظليم ، والنحلة.

(٥) في المصدر هنا زيادة منها : واناثه تبيض خمس عشرة بيضة.

(٦) في المصدر : ويعمر خمس عشرة سنة.

٤٥

الطيبة وربما وقعت من أوكارها عند سماع ذلك فيأخذها الصياد (١).

وقال القطا معروف واحده قطاة وهو نوعان كدري وجوني وزاد الجوهري نوعا ثالثا وهو القطاط (٢) والكدري أغبر اللون رقش الظهر والبطون صفر الحلوق قصار الأذناب وهي ألطف من الجونية والجونية سود بطون الأجنحة والقوادم وظهرها أغبر أرقط تعلوه صفرة (٣) وإنما سميت جونية لأنها لا تفصح بصوتها إذا صوتت وإنما تغرغر بصوت في حلقها والكدرية فصيحة تنادي باسمها (٤) وفي طبعها أنها إذا أرادت الماء ارتفعت من أفاحيصها أسرابا (٥) لا متفرقة عند طلوع الفجر فتقطع إلى حين طلوع الشمس مسيرة سبع مراحل فحينئذ تقع على الماء فتشرب نهلا (٦) والعرب تصف القطا بحسن المشي وتشبه مشي النساء الخفرات بمشيها (٧) وروى ابن حيان وغيره من حديث أبي ذر رضي الله عنه وابن ماجه من حديث جابر أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة بنى الله تعالى له بيتا في الجنة.

مفحص القطاة بفتح الميم موضعها الذي تجثم (٨) فيه وتبيض كأنها تفحص

__________________

(١) حياة الحيوان ٢ : ١٦٨ و ١٦٩ زاد فيه : وحكمها : حل الاكل لأنها من الطيبات.

(٢) هكذا في الكتاب والصحيح كما في المصدر : الغطاة.

(٣) زاد في المصدر : وهي أكبر من الكدرى تعدل جونية بكدرتين.

(٤) زاد في المصدر : ولا تضع القطاط بيضها الا افرادا.

(٥) جمع السرب : القطيع من الظباء والطير وغيرهما.

(٦) زاد في المصدر : والنهل : شرب الإبل والغنم أول مرة ، فإذا شربت اقامت حول الماء متشاغلة الى مقدار ساعتين أو ثلاث ثم تعود الى الماء ثانية.

(٧) في المصدر : « بحسن المشى لتقارب خطاها ومشيها يشبه مشى النساء الخفرات بمشيتهن ».

أقول : خفرت الجارية : استحيت أشد الحياء فهي خفر وخفرة ومخفار.

(٨) جثم الطائر : تلبد بالارض ، والمجثم : محل الجثوم.

٤٦

عنه التراب أي تكشفه والفحص البحث والكشف وخصت القطا بهذا لأنها لا تبيض في شجرة ولا على رأس جبل إنما تجعل مجثمها على بسيط الأرض دون تلك الطيور (١) فلذلك شبه به المسجد ولأنها توصف بالصدق كأنه أشار بذلك إلى الإخلاص في بنائه وقيل إنما شبه بذلك لأن أفحوصها يشبه محراب المسجد في استدارته وتكوينه وقيل خرج ذلك مخرج الترغيب بالقليل من مخرج الكثير كما خرج مخرج التحذير بالقليل عن الكثير كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده. ولأن الشارع يضرب المثل بما لا يكاد يقع كقوله ولو سرقت فاطمة بنت محمد وهي عليها‌السلام لا يتوهم عليها السرقة (٢).

__________________

(١) في المصدر : دون سائر الطيور.

(٢) حياة الحيوان ٢ : ١٨٠ و ١٨١ فيه : منها السرقة.

٤٧

(أبواب)

(الوحوش والسباع من الدواجن وغيرها)

١

باب

(الكلاب وأنواعها وصفاتها وأحكامها والسنانير والخنازير)

(في بدء خلقها وأحكامها)

الآيات المائدة « قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ ».

الأعراف « وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا ».

الكهف « وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ » إلى قوله تعالى « سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ».

تفسير سيأتي تفسير الآية الأولى.

وقال الدميري دل على أن للعالم فضيلة ليست للجاهل لأن الكلب إذا علم تحصل له فضيلة على غير المعلم فالإنسان أولى بذلك لا سيما (١) إذا عمل بما علم

__________________

(١) في المصدر : والإنسان إذا كان له علم أولى أن يكون له فضل على غيره كالجاهل لا سيما.

٤٨

كما قال علي عليه‌السلام لكل شيء قيمة وقيمة المرء ما يحسنه (١). وأما آيات الأعراف فالمشهور أنها في بلعم بن باعوراء كما مرت قصته في المجلد الخامس.

قال الدميري قال قتادة هذا مثل ضربه الله تعالى لكل من عرض عليه الهدى فأبى أن يقبله « وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها » أي وفقناه للعمل بها فكان (٢) يرفع بذلك منزلته في الدنيا والآخرة « وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ » أي ركن إلى الدنيا وشهواتها ولذاتها فعوقب في الدنيا بأنه كان يلهث كما يلهث الكلب يشبه (٣) به صورة وهيئة.

قال القتيبي كل شيء يلهث إنما يلهث من إعياء أو عطش إلا الكلب فإنه يلهث في حال الكلال (٤) وحال الراحة وفي حال الري وفي حال العطش فضربه الله تعالى مثلا لمن كذب بآياته فقال إن وعظته فهو ضال وإن تركته فهو ضال كالكلب إن طردته لهث وإن تتركه على حالة لهث انتهى.

واللهث نفس (٥) بسرعة وحركة أعضاء الفم معها وامتداد اللسان (٦) قال الواحدي وغيره هذه الآية من أشد الآي على أهل العلم وذلك أن الله تعالى أخبر أنه آتاه من (٧) اسمه الأعظم والدعوات المستجابات والعلم والحكمة فاستوجب بالسكون إلى الدنيا واتباع الهوى تغيير النعم (٨) بالانسلاخ عنها ومن ذا الذي (٩)

__________________

(١) حياة الحيوان ٢ : ٢٢٠.

(٢) في المصدر : فكنا نرفع.

(٣) في المصدر : فشبه به.

(٤) في المصدر : فى حال التعب.

(٥) في المصدر : تنفس.

(٦) زاد في المصدر : وخلقة الكلب انه يلهث على كل حال.

(٧) في المصدر : آتاه آياته من اسمه.

(٨) في المصدر : تغيير النعمة عليه.

(٩) في المصدر : ومن الذي.

٤٩

يسلم من هاتين الحالتين إلا من عصمه الله (١).

وقال أكثر أهل التفسير على أن كلب أهل الكهف كان من جنس الكلاب وروي عن ابن جريح (٢) أنه قال كان أسدا ويسمى الأسد كلبا وقال قوم كان رجلا طباخا لهم حكاه الطبري ويضعفه بسط الذراعين فإنه في العرف من صفة الكلب وروي أن جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام قرأ كالبهم فيحتمل أن يريد هذا الرجل وقال خالد بن معدان ليس في الجنة من الدواب سوى كلب أهل الكهف وحمار عزير وناقة صالح وقيل إن من أحب أهل الخير نال من بركتهم كلب أحب أهل فضل صحبهم ذكره الله تعالى في القرآن معهم والوصيد فناء الكهف وقيل هو التراب وقيل هو الباب وقيل عتبة الباب وقيل إن الكلب كان لهم وقيل مروا بكلب فنبح لهم فطردوه فعاد فطردوه مرارا (٣) فقام الكلب على رجليه ورفع يديه إلى السماء كهيئة الداعي ونطق فقال لا تخافوا مني فإني أحب أحباء الله فنوموا حتى أحرسكم.

وقال السدي لما خرجوا مروا براع ومعه كلب فقال الراعي إني أتبعكم على أن أعبد الله تعالى معكم قالوا سر فسار معهم وتبعهم الكلب فقالوا يا راعي هذا الكلب ينبح علينا وينبه بنا فما لنا به من حاجة فطردوه فأبى إلا أن يلحق بهم فرجموه فرفع يديه كالداعي فأنطقه الله تعالى فقال يا قوم لم تطردونني لم ترجمونني لم تضربونني فو الله لقد عرفت الله قبل أن تعرفوه بأربعين سنة فتعجبوا من ذلك وزادهم الله بذلك هدى قال محمد الباقر عليه‌السلام كان أصحاب الكهف صياقلة (٤).

قال عمرو بن دينار إن مما أخذ على العقرب أن لا تضر أحدا في ليل أو

__________________

(١) حياة الحيوان ٢ : ٢٢٢.

(٢) الصحيح كما في المصدر : ابن جريج بالجيم في الأول والآخر.

(٣) في المصدر : مرارا وهو يعود.

(٤) حياة الحيوان ٢ : ٢٠٤ و ٢٠٥.

٥٠

نهار صلى على نوح (١) ومما أخذ على الكلب أن لا يضر أحدا حمل عليه في ليل أو نهار قرأ (٢) « وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ » وقال القرطبي بلغنا عمن تقدم أن في سورة الرحمن آية يقرؤها الإنسان على الكلب إذا حمل عليه فلا يؤذيه بإذن الله عز وجل وهي « يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ » الآية (٣).

١١ ـ الكافي ، عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : يكره أن يكون في دار الرجل المسلم الكلب (٤).

١٢ ـ ومنه ، عن العدة عن أحمد بن محمد عن ابن فضال عن ابن بكير عن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ما من أحد يتخذ كلبا إلا نقص في كل يوم من عمل صاحبه قيراط (٥).

بيان : لعله محمول على الكراهة كما يشير إليه الخبر السابق وعلى كلب لم يكن في اتخاذه منفعة أو لم يكن بينه وبينه باب مغلق مع أنه يحتمل أن يكون مع الحالين أخف كراهة.

قال الدميري لا يجوز اقتناء الكلب الذي لا نفع فيه وذلك لما في اقتنائها من مفاسد الترويع والعقر للمار ولعل ذلك لمجانبة الملائكة لمحلها ومجانبة الملائكة أمر شديد لما في مخالطتهم من الإلهام إلى الخير والدعاء إليه واختلف الأصحاب في جواز اتخاذ الكلب لحفظ الدرب والدور على وجهين أصحهما الجواز واتفقوا على جواز اتخاذه للزارع (٦) والماشية والصيد لكن يحرم اقتناء كلب

__________________

(١) في موضع من المصدر : أن لا يضر باحد في ليل ولا نهار قال : سلام على نوح.

(٢) في موضع من المصدر : باحد ممن حمل عليه إذا قال.

(٣) حياة الحيوان ٢ : ٢١٤ و ٢١٨.

(٤) فروع الكافي ٦ : ٥٥٢.

(٥) فروع الكافي ٦ : ٥٥٢.

(٦) في النسخة المخطوطة : « للمزارع » وفي المصدر : للزراعة.

٥١

الماشية قبل شرائها وكذلك كلب الزرع والصيد لمن لا يزرع ولا يصيد فلو خالف واقتنى نقص من أجره كل يوم قيراط وفي رواية قيراطان وكلاهما في الصحيح وحمل ذلك على نوع من الكلاب بعضها (١) أشد أذى من بعض أو لمعنى فيها أو يكون ذلك مختلفا باختلاف المواضع فيكون القيراطان في المدن ونحوها والقيراط في البوادي أو يكون ذلك في زمنين ذكر القيراط أولا ثم ذكر التغليظ (٢) فذكر القيراطين والمراد بالقيراط مقدار معلوم عند الله تعالى ينقص من أجر عمله واختلفوا في المراد بما نقص منه فقيل مما مضى من عمله وقيل من مستقبله وقيل قيراط من عمل الليل وقيراط من عمل النهار وقيل قيراط من عمل الفرض وقيراط من عمل النفل وأول من اتخذ الكلب للحراسة نوح عليه‌السلام قال يا رب أمرتني أن أصنع الفلك وأنا في صناعة أصنع أياما فيجيئوني بالليل فيفسدون كل ما عملت فمتى يلتئم لي ما أمرتني به فقد طال علي أمري فأوحى الله إليه يا نوح اتخذ كلبا يحرسك فاتخذ نوح كلبا وكان يعمل بالنهار وينام بالليل فإذا جاء قومه ليفسدوا بالليل (٣) ينبحهم الكلب فينتبه نوح فيأخذ الهراوة ويثب لهم ويهربون منه فالتأم له ما أراد (٤).

١٣ ـ الكافي ، عن العدة عن أحمد بن محمد عن عثمان بن عيسى عن سماعة قال : سألته عن الكلب يمسك في الدار قال لا (٥).

١٤ ـ ومنه ، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن يوسف بن عقيل عن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قال أمير المؤمنين عليه‌السلام لا خير في الكلب

__________________

(١) في المصدر : اذ بعضها.

(٢) في المصدر : فذكر القيراط اولا ثم زاد في التغليظ.

(٣) في المصدر : ليفسدوا بالليل عمله.

(٤) حياة الحيوان ٢ : ٢١٩ فيه : فيهربون.

(٥) فروع الكافي ٦ : ٥٥٢ فيه : نمسكه في الدار.

٥٢

إلا كلب الصيد أو كلب ماشية (١).

١٥ ـ ومنه ، عن العدة عن أحمد بن محمد بن خالد عن أبيه عن النضر بن سويد عن القاسم بن سليمان عن جراح المدائني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : لا تمسك كلب الصيد في الدار إلا أن يكون بينك وبينه باب (٢).

بيان : كأن المراد بالباب الباب المغلق عليه لما روى الصدوق عليه الرحمة في الفقيه عن الصادق عليه‌السلام لا تصل في دار فيها كلب إلا أن يكون كلب الصيد وأغلقت دونه بابا فلا بأس فإن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب ولا بيتا فيه تماثيل ولا بيتا فيه بول مجموع في آنية (٣). انتهى.

ويحتمل أن يكون المراد أن كون الكلب في بيت آخر لا يوجب نقص صلاة المصلي وإن كان بين البيت الذي فيه الكلب وبين البيت الذي يصلى فيه باب فإنهما لا يصيران بذلك بيتا واحدا والأول أظهر لما مر ولما رواه الكليني أيضا عن العدة عن البرقي عن عثمان بن عيسى عن سماعة قال : سألته عن كلب الصيد يمسك في الدار قال إذا كان يغلق دونه الباب فلا بأس (٤).

وقال العلامة قدس‌سره في المنتهى يكره الصلاة في بيت فيه كلب لما رواه ابن بابويه عن الصادق عليه‌السلام وذكر الخبر المتقدم ثم قال وروى الشيخ عن محمد بن مروان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن جبرئيل أتاني فقال إنا معاشر الملائكة لا ندخل بيتا فيه كلب ولا تماثيل جسد ولا إناء يبال فيه. ونفور الملائكة يؤذن بكونه ليس هو موضع رحمة فلا يصلح أن يتخذ للعبادة انتهى (٥)

__________________

(١) فروع الكافي ٦ : ٥٥٢ فيه : فى الكلاب.

(٢) فروع الكافي ٦ : ٥٥٢.

(٣) من لا يحضره الفقيه ١ : ١٥٩.

(٤) فروع الكافي ٦ : ٥٥٢.

(٥) المنتهى :.

٥٣

ونحوه قال الشهيد نور الله مرقده في الذكرى (١).

وقال الدميري قال أبو عمرو بن الصلاح لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب ولا جرس ثم قال وأما قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة فقال العلماء سبب امتناعهم من البيت الذي فيه الصورة كونها معصية فاحشة وفيها مضاهاة خلق الله تعالى (٢) وبعضها في صورة ما يعبدون من دون الله عز وجل وسبب امتناعهم من البيت الذي فيه الكلب لكثرة أكله النجاسات ولأن بعض الكلاب يسمى شيطانا كما جاء في الحديث والملائكة ضد الشيطان ولقبح رائحة الكلب أو لملائكة تكره الرائحة الخبيثة ولأنها منهي عن اتخاذها فعوقب متخذها بحرمانه دخول الملائكة عليه (٣) وصلاتها فيه واستغفارها له وتبركها عليه في بيته ودفعها أذى الشياطين.

والملائكة الذين لا يدخلون بيتا فيه كلب ولا صورة هم ملائكة يطوفون بالرحمة والتبرك والاستغفار وأما الحفظة والموكلون بقبض الأرواح فيدخلون في كل بيت ولا تفارق الحفظة الآدمي في حال (٤) لأنهم مأمورون بإحصاء أعمالهم وكتابتها.

قال الخطابي وإنما لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة مما يحرم اقتناؤه من الكلاب والصور وأما ما ليس اقتناؤه بحرام من كلب الصيد والزرع والماشية والصورة التي تمتهن في البساط والوسادة وغيرها فلا يمتنع دخول الملائكة بسببه وأشار القاضي إلى نحو ما قاله الخطابي وقال النووي والأظهر أنه عام في كل كلب وصورة وإنهم يمتنعون من الجميع لإطلاق الأحاديث وأما الجرو

__________________

(١) الذكرى :.

(٢) في المصدر : وفيها مضاهاة لخلق الله تعالى.

(٣) في المصدر : بيته.

(٤) في المصدر : ولا تفارق الحفظة بني آدم في حال من الأحوال.

٥٤

الذي كان في بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله تحت السرير كان له فيه عذر ظاهر فإنه لم يعلم به ومع هذا امتنع جبرئيل عليه‌السلام من دخول البيت بسببه فلو كان العذر في وجود الكلب والصورة لا يمنعهم لم يمتنع جبرئيل (١).

١٦ ـ الكافي ، عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رخص لأهل القاصية في الكلب يتخذونه (٢).

بيان : القاصية البعيدة عن المعمورة.

١٧ ـ الكافي ، عن علي عن أبيه عن ابن محبوب عن العلاء عن محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الكلب السلوقي فقال إذا مسسته فاغسل يدك (٣).

بيان : غسل اليدين إذا كان رطبا على الوجوب وإذا كان يابسا على الاستحباب على المشهور وسيأتي الكلام فيه في كتاب الطهارة.

وقال الدميري في حياة الحيوان الكلب حيوان معروف وربما وصف به فقيل للرجل كلب وللمرأة كلبة والجمع أكلب وكلاب وكليب مثل أعبد وعباد وعبيد وهو جمع عزيز والأكالب جمع أكلب قال ابن سيده وقد قالوا في جمع كلاب كلابات (٤).

وهو نوعان أهلي وسلوقي نسبة إلى سلوق وهي مدينة باليمن تنسب إليها الكلاب السلوقية وكلا النوعين في الطبع سواء وفي طبعه الاحتلام وتحيض إناثه وتحمل الأنثى ستين يوما ومنها ما يقل عن ذلك وتضع جراءها عميا فلا تفتح عيونها إلا بعد اثني عشر يوما والذكور تهيج قبل الإناث وينزو الذكر إذا كمل له سنة وربما تسفد قبل ذلك وإذا سفد الكلبة كلاب مختلفة الألوان أدت إلى كل كلب شبهه.

__________________

(١) حياة الحيوان ٢ : ٢١٩ و ٢٢٠.

(٢) فروع الكافي ٦ : ٥٥٣.

(٣) فروع الكافي ٦ : ٥٥٣.

(٤) في المصدر : فى جمع كلب : كلاب.

٥٥

وفي الكلب من اقتفاء الأثر وشم الرائحة ما ليس لغيره من الحيوانات والجيفة أحب إليه من اللحم الغريض ويأكل العذرة ويرجع في قيئه وبينه وبين الضبع عداوة شديدة وذلك إذا كان في موضع مرتفع ووطئت الضبع ظله في القمر رمى بنفسه إليها مخذولا فتأكله وإذا دهن كلب بشحمها جن واختلط وإذا حمل إنسان لسان ضبع لم تنبح عليه الكلاب ومن طبعه أنه يحرس ربه ويحمي حرمه شاهدا وغائبا ذاكرا وغافلا نائما ويقظان وهو أيقظ الحيوان عينا في وقت حاجته إلى النوم وإنما غالب نومه نهارا عند الاستغناء عن الحراسة وهو في نومه أسمع من فرس وأحذر من عقعق وإذا نام كسر أجفان عينيه ولا يطبقهما وذلك لخفة نومه وسبب خفته أن دماغه بارد بالنسبة إلى دماغ الإنسان ومن عجيب طباعه أنه يكرم الجلة من الناس وأهل الوجاهة ولا ينبح على أحد منهم وربما حاد عن طريقه وينبح على الأسود من الناس والدنس الثياب والضعيف الحال ومن طباعه البصبصة والترضي والتودد والتألف بحيث إذا دعي بعد الضرب والطرد رجع وإذا لاعبه ربه عضه العض الذي لا يؤلم وأضراسه لو أنشبها في الحجر لنشبت ويقبل التأديب والتلقين والتعليم حتى لو وضعت على رأسه مسرجة وطرح له مأكول لم يلتفت إليه ما دام على تلك الحالة فإذا أخذت المسرجة عن رأسه وثب إلى مأكوله وتعرض له أمراض سوداوية في زمن مخصوص ويعرض للكلب الكلب وهو بفتح اللام وهو داء يشبه الجنون.

وعلامة ذلك أن تحمر عيناه وتعلوهما غشاوة وتسترخي أذناه ويندلع لسانه ويكثر لعابه وسيلان أنفه ويطأطئ رأسه وينحدب ظهره ويتعوج صلبه إلى جانب ولا يزال يدخل ذنبه بين رجليه ويمشي خائفا مغموما كأنه سكران ويجوع فلا يأكل ويعطش فلا يشرب وربما رأى الماء فيفزع منه وربما يموت منه خوفا وإذا لاح له شبح حمل عليه من غير نبح والكلاب تهرب منه فإن دنا منها غفلة بصبصت له وخضعت وخشعت بين يديه فإذا عقر هذا الكلب إنسانا عرض له أمراض ردية

٥٦

منها أن يمتنع من شرب الماء حتى يهلك عطشا ولا يزال يستسقي حتى إذا سقي الماء لم يشربه فإذا استحكمت هذه العلة به فقعد للبول خرج منه شيء على هيئة صورة الكلاب الصغار (١) قال صاحب الموجز في الطب الكلب حالة كالجذام تعرض للكلب والذئب وابن آوى وابن عرس والثعلب ثم ذكر غالب ما تقدم وقال غيره الكلب جنون يصيب الكلاب فتموت وتقتل كل شيء عضته إلا الإنسان فإنه قد يعالج فيسلم قال وداء الكلب يعرض للحمار ويقع في الإبل أيضا فيقال كلبت الإبل تكلب كلبا وأكلب القوم إذا وقع في إبلهم ويقال كلب الكلب واستكلب إذا ضري (٢) وتعود أكل الناس انتهى.

وذكر القزويني في عجائب المخلوقات أن بقرية من أعمال حلب بئرا يقال لها بئر الكلب إذا شرب منها من عضه كلب الكلب (٣) برأ وهي مشهورة.

وأما السلوقي فمن طباعه أنه إذا عاين الظباء قريبة منه أو بعيدة عرف المقبل من المدبر ومشي الذكر من مشي الأنثى ويعرف الميت من الناس والمتماوت حتى أن الروم لا تدفن ميتا حتى تعرضه على الكلاب فيظهر لهم من شمها إياه علامة يستدل بها على حياته أو موته ويقال إن هذا لا يوجد إلا في نوع منها يقال له القلطي وهو صغير الجرم قصير القوائم جدا ويسمى الصيني وإناث السلوقي أسرع تعلما من الذكور والفهد بالعكس والسود من الكلاب أقل صبرا من غيرها.

وفي كتاب فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب ، لمحمد بن خلف المرزبان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : رأى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله رجلا قتيلا فقال ما شأنه فقالوا إنه وثب على غنم بني زهرة فأخذ منها شاة فوثب عليه كلب الماشية

__________________

(١) في المصدر : على هيئة الكلاب الصغار.

(٢) ضرى الكلب بالصيد : تعوده واولع به.

(٣) في المصدر : الكلب الكلب.

٥٧

فقتله فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله قتل نفسه وأضاع دينه (١) وعصى ربه وخان أخاه وكان الكلب خيرا منه.

وقال ابن عباس كلب أمين خير من صاحب خئون قال وكان للحارث بن صعصعة ندماء لا يفارقهم وكان شديد المحبة لهم فخرج في بعض متنزهاته ومعه ندماؤه فتخلف منهم واحد فدخل على زوجته فأكلا وشربا ثم اضطجعا فوثب الكلب عليها فقتلهما فلما رجع الحارث إلى منزله وجدهما قتيلين فعرف الأمر فأنشأ يقول :

فيا عجبا للخل يهتك حرمتي

ويا عجبا للكلب كيف يصون

وما زال يرعى ذمتي ويحوطني

ويحفظ عرسي والخليل يخون

وذكر الإمام أبو الفرج بن الجوزي في بعض مصنفاته أن رجلا خرج في بعض أسفاره فمر على قبة مبنية أحسن بناء بالقرب من ضيعة هناك وعليها مكتوب من أحب أن يعلم سبب بنائها فليدخل القرية فدخل القرية وسأل أهلها عن سبب بناء القبة فلم يجد عند أحد خبرا من ذلك إلى أن دل على رجل قد بلغ من العمر مائتي سنة فسأله فأخبره عن أبيه أنه حدثه أن ملكا كان بتلك الأرض وكان له كلب لا يفارقه في سفر ولا حضر ولا نوم ولا يقظة وكانت له جارية خرساء مقعدة فخرج ذات يوم في تنزهاته (٢) وأمر بربط الكلب لئلا يذهب معه وأمر طباخه أن يصنع له طعاما من اللبن كان يهواه وإن الطباخ صنعه وجاء به فوضعه عند الجارية والكلب وتركه مكشوفا وذهب فأقبلت حية عظيمة إلى الإناء فشربت من ذلك الطعام وردته وذهبت فأقبل الملك من نزهته (٣) وأمر بالطعام فوضع بين يديه فجعلت الجارية تصفق بيديها وتشير إلى الملك أن لا يأكله فلم يعلم أحد ما تريد فوضع الملك يده في الصحفة وجعل الكلب يعوي ويصيح ويجذب نفسه من السلسلة

__________________

(١) في المصدر : واضاع ديته.

(٢) في المخطوطة : « الى متنزهاته » فى المصدر : الى بعض متنزهاته.

(٣) في المصدر : من متنزهه.

٥٨

حتى كاد أن يقتل نفسه فعجب الملك (١) من ذلك وأمر بإطلاقه فأطلق فغدا إلى الملك وقد رفع يده باللقمة إلى فيه فوثب الكلب وضربه على يده فطار اللقمة منها فغضب الملك وأخذ طبرا كان بجنبه وهم أن يضرب به الكلب فأدخل الكلب رأسه في الإناء وولغ من ذلك الطعام وانقلب على جنبه وقد تناثر لحمه فعجب الملك ثم التفت إلى الجارية فأشارت إليه بما كان من أمر الحية ففهم الملك الأمر وأمر بإراقة الطعام وتأديب الطباخ لكونه ترك الآنية مكشوفة وأمر بدفن الكلب وببناء القبة عليه وبتلك الكتابة التي رأيتها قال وهي أغرب ما يحكى.

وفي كتاب النشور (٢) عن أبي عثمان المديني قال إنه كان في بغداد رجل يلعب بالكلاب فأسحر يوما في حاجة له وتبعه كلب كان يختصه من كلابه فرده فلم يرجع فتركه ومشى حتى انتهى إلى قوم كان بينه وبينهم عداوة فصادفوه بغير عدة فقبضوا عليه والكلب يراهم وأدخلوه الدار فدخل الكلب معهم فقتلوا الرجل وألقوه في بئر وطموا رأس البئر وضربوا الكلب وأخرجوه وطردوه فخرج يسعى إلى بيت صاحبه فعوى فلم يعبئوا به وافتقدت أم الرجل ابنها وعلمت أنه قد تلف فأقامت عليه المأتم وطردت الكلاب عن بابها فلزم ذلك الكلب الباب ولم ينطرد فاجتاز يوما بعض قتلة صاحبه بالباب والكلب رابض فلما رآه وثب إليه وخمش (٣) ساقيه ونهشه وتعلق به واجتهد المجتازون في تخليصه منه فلم يمكنهم وارتفعت للناس ضجة عظيمة وجاء حارث الدرب فقال لم يتعلق هذا الكلب بالرجل إلا وله معه قصة ولعله هو الذي جرحه وسمعت أم القتيل الكلام فخرجت فحين رأت الكلب متعلقا بالرجل تأملت الرجل فذكرت (٤) أنه كان أحد أعداء ابنها وممن يتطلبه فوقع في نفسها أنه قاتل ابنها فتعلقت به فرفعوهما إلى الراضي بالله فادعت عليه

__________________

(١) في المصدر : فتذكرت.

(٢) في المصدر : فتعجب الملك.

(٣) في المصدر : وفي كتاب النشوان.

(٤) خمش الوجه : خدشه ولطمه.

٥٩

القتل فأمر بحبسه بعد أن ضربه فلم يقر فلزم الكلب باب الحبس فلما كان بعد أيام أمر الراضي بإطلاقه فلما خرج من باب الحبس تعلق الكلب (١) كما فعل أولا فعجب الناس من ذلك وجهدوا على خلاصه منه فلم يقدروا على ذلك إلا بعد جهد جهيد وأخبر الراضي بذلك فأمر بعض غلمانه أن يطلق الرجل ويرسل الكلب خلفه ويتبعه فإذا دخل الرجل داره بادره ودخل وأدخل الكلب (٢) ومهما رأى الكلب يعمل يعلمه بذلك ففعل ما أمره به فلما دخل الرجل داره بادره غلام الخليفة ودخل وأدخل الكلب معه ففتش البيت فلم ير أثره ولا خبره (٣) وأقبل الكلب ينبح ويبحث عن موضع البئر التي طرح فيها القتيل فعجب (٤) الغلام من ذلك وأخبر الراضي بأمر الكلب فأمر بنبشه فنبشه الغلام فوجد الرجل قتيلا فأخذ (٥) صاحب الدار إلى بين يدي الراضي فأمر بضربة فأقر على نفسه وعلى جماعة بالقتل فقتل فطلب الباقون فهربوا.

وفي عجائب المخلوقات أن شخصا قتل شخصا بأصبهان وألقاه في بئر وللمقتول كلب يرى ذلك فكان يأتي كل يوم إلى رأس البئر وينحي التراب عنها ويشير إليها وإذا رأى القاتل نبح عليه فلما تكرر ذلك منه حفروا البئر فوجدوا القتيل بها ثم أخذوا الرجل وقرروه فأقر فقتلوه به.

وذكر ابن عبد البر في كتاب بهجة المجالس وأنس الجالس ، أنه قيل لجعفر الصادق عليه‌السلام وهو أحد الأئمة الاثني عشر كم تتأخر الرؤيا فقال خمسين سنة لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله رأى كأن كلبا أبقع ولغ في دمه فأوله بأن رجلا يقتل الحسين ابن بنته فكان الشمر بن ذي الجوشن قاتل الحسين عليه‌السلام وكان أبرص فتأخرت

__________________

(١) في المصدر : « تعلق به الكلب » وفيه : فتعجب.

(٢) في المصدر : وادخل الكلب معه ، فمهما.

(٣) في المصدر : فلم ير اثرا ولا خبرا.

(٤) في المصدر : فتعجب.

(٥) في المصدر : فنبشوها فوجدوا الرجل قتيلا فأخذوا.

٦٠