بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٣٥
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

فيما مضى وسيأتي.

٢٩ ـ الشهاب ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من اتبع الصيد غفل.

الضوء ، ضوء الشهاب معناه والله أعلم أن الذي يتبع الصيد وينقطع إليه بنفسه وراءه يصده عن العبادات الواجبة عليه ولا شك أن للصيد ضراوة وحرصا وشهوة تصده عن جميع المهمات وتصدف عن العبادات ويجوز أن يكون الصيد كناية عن طلب الدنيا فيقول عليه‌السلام من اتبع الصيد أي الدنيا غفل أي من حبس نفسه على الحطام وجعله من أهم الأمور فكأنه يصيد صيدا (١).

٣٠ ـ صحيفة الرضا ، بالإسناد عنه عليه‌السلام بإسناده إلى جعفر عليه‌السلام قال : مر جعفر بصياد فقال يا صياد أي شيء أكثر ما يقع في شبكتك قال الطير الزاق قال فمر وهو يقول هلك صاحب العيال (٢).

بيان : الزاق الذي له فرخ يزقه وزق الطائر إطعامه فرخه.

٣١ ـ قرب الإسناد ، عن هارون بن مسلم عن مسعد بن زياد قال : سئل جعفر عن صيد الكلاب والبزاة والرمي فقال عليه‌السلام أما ما صاده الكلب المعلم وقد ذكر اسم الله عليه فكله وإن كان قد قتله وأكل منه وقال في الذي يرمي بالسيف والحجر والنشاب والمعراض لا يؤكل إلا ما ذكي منه وكذا ما صاد البازي والصقورة وغيرهما من الطير لا تأكل إلا ما ذكي منه (٣).

بيان : قوله والرمي كذا في أكثر النسخ وكأنه تصحيف وعلى تقديره أعرض عليه‌السلام عن جوابه ويمكن أن يقرأ الرمي كغني وهو سحابة عظيمة القطر فالمراد به ما سقط بالصاعقة والرمي كما لو صوت الحجر يرمي به الصبي وهو أيضا مناسب أو هو بالفتح والمراد بالبنادق والجلاهق وفي القاموس النشاب بالضم النبل الواحدة بهاء وبالفتح متخذة وأقول قد تقدم الكلام فيه.

__________________

(١) شرح الشهاب : ليس عندي.

(٢) صحيفة الرضا : لم نجده فيه.

(٣) قرب الإسناد : ٣٩ و ٤٠.

٢٨١

٣٢ ـ قرب الإسناد ، عن الحسن بن ظريف عن الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه عن علي عليه‌السلام أنه قال : إذا أخذ الكلب المعلم الصيد فكله أكل منه أو لم يأكل قتل أو لم يقتل (١).

٣٣ ـ الخصال ، عن أبيه عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن إسماعيل بن مرار عن يونس يرفعه إلى أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يا علي ثلاث يقسين القلب استماع اللهو وطلب الصيد وإتيان باب السلطان الخبر (٢).

٣٤ ـ ومنه ، عن أبيه عن أحمد بن إدريس عن محمد بن أحمد الأشعري قال روي عن الحسن (٣) بن علي بن أبي عثمان عن موسى المروزي عن أبي الحسن عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أربع يفسدن القلب وينبتن النفاق في القلب كما ينبت الماء الشجر استماع اللهو والبذاء وإتيان باب السلطان وطلب الصيد (٤).

بيان : البذاء الفحش والكلام القبيح.

٣٥ ـ مجالس ابن الشيخ ، عن أبيه عن عبد الواحد بن محمد عن ابن عقدة عن أحمد بن يحيى عن عبد الرحمن عن أبيه عن الحسن بن الحكم عن عدي بن ثابت عن رجل من الأنصار عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من بدا جفا ومن تبع الصيد غفل (٥) ومن لزم السلطان افتتن وما يزداد من السلطان قربا إلا زاد من الله تعالى بعدا (٦).

توضيح في النهاية من بدا جفا أي من نزال البادية صار فيه جفاء الأعراب (٧)

__________________

(١) قرب الإسناد : ٥١.

(٢) الخصال ...

(٣) في المصدر : روى الحسن.

(٤) الخصال ١ : ٢٢٧.

(٥) في المصدر : ومن اتبع الصيد غفل.

(٦) الأمالي ١ : ٢٧٠ طبعة النجف.

(٧) النهاية ١ : ٨١.

٢٨٢

وقال من اتبع الصيد غفل أي يشتغل به قلبه ويستولي عليه حتى يصير فيه غفلة (١).

وفي الفائق بدوت أبدو إذا أتيت البدو جفا أي صار فيه جفاء الأعراب لتوحشه وانفراده عن الناس غفل أي شغل الصيد قلبه وألهاه حتى صارت فيه غفلة وليس الغرض ما تزعمه جهلة الناس أن الوحش نعم الجن فمن تعرض لها خبلته وغفلته انتهى.

وقال الطيبي من اعتاده للهو والطرب غفل لأنهما يصدران من القلب الميت ومن اصطاد للقوت جاز انتهى.

وأقول يحتمل أن يكون المعنى أنه لولوعه بالصيد يغفل عن المهالك في المسالك فيخاطر بنفسه.

٣٦ ـ العلل ، عن أبيه عن محمد بن يحيى العطار عن محمد بن أحمد الأشعري عن البرقي عن رجل عن ابن أسباط عن عمه رفع الحديث إلى علي عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا تتبعوا الصيد فإنكم على غرة الخبر (٢).

بيان : على غرة بالكسر أي على غفلة في تلك الحالة عما يعرض لكم من المهالك كما ذكرنا في الخبر السابق وكأن المراد اتباع الصيد إلى حيث يذهب من المسافات البعيدة أو هي من الغرر بمعنى الهلاك أي أنتم بمعرض هلاك وفي بعض النسخ على غيره وكأنه تصحيف.

٣٧ ـ معاني الأخبار ، روي أن العادي اللص والباغي الذي يبغي الصيد لا يجوز لهما التقصير في السفر ولا أكل الميتة في حال الاضطرار (٣).

٣٨ ـ قرب الإسناد ، عن عبد الله بن الحسن عن علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام قال : سألته عن رجل لحق حمارا أو ظبيا فضربه بالسيف فقطعه نصفين هل يحل

__________________

(١) النهاية ٣ : ١٧٦.

(٢) علل الشرائع ٢ : ٢٨٠ طبعة قم.

(٣) معاني الأخبار : ٢١٤ طبعة الغفارى.

٢٨٣

أكله قال نعم إذا سمى وسألت عن رجل لحق حمارا أو ظبيا فضربه بالسيف فصرعه أيؤكل قال إذا أدرك ذكاته أكل وإن مات قبل أن يغيب عنه أكله (١).

تبيان قال في المسالك إذا رمى الصيد بآلة كالسيف فقطع منه قطعة كعضو منه فإن بقي الباقي مقدورا عليه وحياته مستقرة فلا إشكال في تحريم ما قطع منه لأنه قطعة أبينت من حي قبل تذكيته وإن لم يبق حياة الباقي مستقرة فمقتضى قواعد الصيد حل الجميع لأنه مقتول به فكان بجملته حلالا ولو قطعه نصفين أي قطعتين وإن كانا مختلفتين في المقدار فإن لم يتحركا فهما حلالان وكذا لو تحركا حركة المذبوح سواء خرج منها دم معتدل أم من أحدهما أم لا وكذا لو تحرك أحدهما حركة المذبوح دون الآخر وسواء في ذلك النصف الذي فيه الرأس وغيره وإن تحرك أحدهما حركة مستقر الحياة وذلك لا يكون إلا في النصف الذي فيه الرأس فإن كان قد أثبته بالجراحة الأولى فقد صار مقدورا عليه فتعين الذبح ولا تجزي سائر الجراحات وتحل تلك القطعة دون المبانة وإن لم يثبته بها ولا أدركه وذبحه بل جرحه جرحا آخر مدنفا حل الصيد دون تلك القطعة وإن مات بهما ففي حلها وجهان أجودهما العدم وإن مات بالجراحة الأولى بعد مضي زمان ولم يتمكن من الذبح حل باقي البدن وفي القطعة السابقة الوجهان وأولى بالحل هنا لو قيل به ثمة والأصح التحريم هذا هو الذي تقتضيه قواعد أحكام الصيد مع قطع النظر عن الروايات الشاذة وفي المسألة أقوال منتشرة مستندة إلى اعتبارات أو روايات شاذة مشتملة على ضعف وقطع وإرسال منها أنه مع تحرك أحد النصفين دون الآخر فالحلال هو المتحرك خاصة وأن حلهما معا مشروط بحركتهما أو عدم حركتهما معا مع خروج الدم وهو قول الشيخ في النهاية.

ومنها أن حلهما مشروط بتساويهما ومع تفاوتهما يؤكل ما فيه الرأس إذا كان أكبر ولم يشترط الحركة ولا خروج الدم وهو قول الشيخ أيضا في كتابي الفروع.

__________________

(١) قرب الإسناد : ١١٧ و ١١٨.

٢٨٤

ومنها اشتراط الحركة وخروج الدم في كل واحد من النصفين ومتى انفرد أحدهما بالشرط أكل وترك ما لا يجمعها فلو لم يتحرك واحد منهما حرم وهو قول القاضي.

ومنها أنه مع تساويهما يشترط في حلهما خروج الدم منهما وإن لم يخرج دم فإن كان أحد الشقين أكثر ومعه الرأس حل ذلك الشق فإن تحرك أحدهما حل المتحرك وهو قول ابن حمزة واختار المحقق وجماعة حلهما مطلقا إن لم يكن في المتحرك حياة مستقرة وهو الأقوى انتهى.

وبالجملة المسألة في غاية الإشكال وصحيحة الحلبي تدل على الحل مطلقا وكذا هذا الخبر وسائر الأخبار مقتضى الجميع بينها أنه إذا قده بنصفين عرفا بأن لا يكون بينهما تفاوت كثير يحلان مطلقا إلا إذا تحرك أحدهما ولم يتحرك الآخر فيحل المتحرك حسب ولو كان بينهما تفاوت كثير يحل الأكبر إذا كان من جانب الرأس دون الأصغر ولو كان بالعكس يحلان وبه يمكن الجمع بينها والله يعلم ويدل الحديث على جواز الاصطياد بالسيف وعلى حل حمار الوحش.

قوله إذا أدرك ذكاته أي أدركه حيا وذكاه.

٣٩ ـ تفسير علي بن إبراهيم ، « يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ » وهو صيد الكلاب المعلمة خاصة أحلها الله إذا أدركته وقد قتله لقوله « فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ » وأخبرني أبي عن فضالة بن أيوب عن سيف بن عميرة عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن صيد البزاة والصقور والفهود والكلاب قال لا تأكلوا إلا ما ذكيتم إلا الكلاب قلت فإن قتلته قال كل فإن الله يقول « وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ » ثم قال كل شيء من السباع تمسك الصيد على نفسها إلا الكلاب المعلمة فإنها تمسك على صاحبها وقال إذا أرسلت الكلب المعلم فاذكر الله عليه فهو ذكاته (١).

__________________

(١) تفسير علي بن إبراهيم : ١٥١. طبعة التفرشى فيه : فاذكر اسم الله عليه فهو ذكاته.

٢٨٥

٤٠ ـ القصص ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام كان ورشان يفرخ في شجرة وكان رجل يأتيه إذا أدرك الفرخان فيأخذ الفرخين فشكا ذلك الورشان إلى الله تعالى فقال إني سأكفيكه قال فأفرخ الورشان وجاء الرجل ومعه رغيفان فصعد الشجرة وعرض له سائل فأعطاه أحد الرغيفين ثم صعد فأخذ الفرخين ونزل بهما فسلمه الله لما تصدق به (١).

بيان : كأن فيه إيماء إلى كراهة أخذ الفراخ من الأوكار كما ذكره الأصحاب ووردت به الروايات قال في الدروس يكره صيد الطير والوحش ليلا وأخذ الفراخ من أعشاشها.

٤١ ـ المحاسن ، محمد بن عيسى اليقطيني عن أبي عاصم عن هاشم بن ماهويه المداري (٢) عن الوليد بن أبان الرازي قال : كتب ابن زاذان فروخ إلى أبي جعفر الثاني عليه‌السلام يسأله عن الرجل يركض في الصيد لا يريد بذلك طلب الصيد وإنما يريد بذلك التصحيح قال لا بأس بذلك إلا اللهو (٣).

بيان : الركض تحريك الرجل والدفع واستحثاث الفرس للعدو والعدو كذا في القاموس والفعل كنصر قوله لا يريد بذلك طلب الصيد يحتمل وجهين الأول أنه لا يصيد لكنه يركض خلف الصيد والثاني أنه يصيد ليس غرضه اللهو بالصيد ولا الصيد في نفسه وإنما غرضه طلب صحة البدن وما يوجبها كهضم الطعام ودفع فضول الرطوبات عن البدن والأخير أظهر معنى والأول لفظا ولا يبعد جواز هذا النوع من الصيد من فحاوي كلام الأصحاب فإنهم حكموا بحرمة الصيد لهوا وبطرا وبحل الصيد للقوت وللتجارة ودلائلهم على تحريم الأول وجواز الأخيرين يقتضي جواز هذا وأمثاله قال في التذكرة اللاهي بسفره كالمتنزه بصيده بطرا ولهوا لا يقصر عند علمائنا لأن اللهو حرام فالسفر له معصية ولو كان الصيد لقوته وقوت عياله وجب القصر لأنه فعل مباح ولو كان للتجارة فالوجه القصر في الصلاة والصوم

__________________

(١) قصص الأنبياء : مخطوط.

(٢) في المصدر : هشام بن ماهويه المدارى.

(٣) المحاسن : ٦٢٨ ، فيه : لا للهو.

٢٨٦

لأنه مباح انتهى وكون هذا المقصود مباحا ظاهر.

٤٢ ـ فقه الرضا ، قال عليه‌السلام اعلم يرحمك الله أن الطير إذا ملك جناحه فهو لمن أخذه إلا أن يعرف صاحبه فيرد عليه ولا يصلح أخذ الفراخ من أوكارها في جبل أو بئر أو أجمة حتى ينهض وإذا أردت أن ترسل الكلب على الصيد فسم الله عليه فإن أدركته حيا فاذبحه أنت وإن أدركته وقد قتله كلبك (١) فكل منه وإن أكل بعضه لقوله « فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ » وإن لم يكن معك حديد تذبحه فدع الكلب على الصيد وسميت عليه حتى يقتل ثم تأكل منه.

وإن أرسلت على الصيد كلبك فشاركه كلب آخر فلا تأكله إلا أن تدرك ذكاته وإن رميت وسميت وأدركته وقد مات فكله إذا كان في السهم زج حديد وإن وجدته من الغد وكان سهمك فيه فلا بأس بأكله إذا علمت أن سهمك قتله وإن رميت وهو على جبل فأصابه سهمك ووقع في الماء ومات فكله إذا كان رأسه خارجا من الماء وإن كان رأسه في الماء فلا تأكله ولا تأكل ما اصطدت بباز أو صقر أو فهد أو عقاب أو غير ذلك إلا ما أدركت ذكاته إلا الكلب المعلم فلا بأس بأكل ما قتلته إذا كنت سميت عليه (٢).

تبيين أكثر هذا الفصل أورده الصدوق في الفقيه (٣).

قوله إذا ملك جناحه أي استقل بالطيران فالتقييد لكراهة الصيد قبل الطيران وهو بعيد أو المراد عدم كونه مقصوصا فإنه علامة سبق الملك فلا يملكه الآخذ إلا بعد التعريف وكذا إذا كان معقورا وظاهره أن الأصل في الطير الإباحة بعد الطيران وإن علم أنه كان له مالك إلا أن يعرف المالك بعينه فيرده عليه لكن لم أر قائلا به وقيل المراد بملك الجناحين نهوضه من الوكر فالمراد أنه لا يجوز اصطياده بالرمي ونحوه فإنه غير ممتنع ولا يخفى بعده قوله وسميت عليه حال بتقدير قد أي وقد سميت عليه حين إرسال الكلب فلا تحتاج إلى تسمية أخرى فشاركه كلب

__________________

(١) في المصدر : الكلب.

(٢) فقه الرضا : ٤٠.

(٣) من لا يحضره الفقيه ٣ : ٢٠٥ راجعه ففيه اختلاف حش.

٢٨٧

آخر أي غير معلم أو غير مسمى عليه وعلم أن إزهاق الروح بهما أو لم يعلم أنه بهما أو بأيهما وإذا علم أنه بالمعلم المسمى عليه لم يضر ويؤيده ما رواه الكليني في الصحيح عن أبي عبيدة (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام حيث قال : إن وجد معه كلبا غير معلم فلا يأكل منه.

وعن أبي (٢) بصير عنه عليه‌السلام قال : سألته عن قوم أرسلوا كلابهم وهي معلمة كلها وقد سموا عليها فلما أن مضت الكلاب دخل فيها كلب غريب لا يعرفون لها صاحبا فاشتركت جميعها في الصيد فقال لا يؤكل منه لأنك لا تدري أخذه معلم أم لا.

قوله عليه‌السلام إذا كان في السهم إلخ محمول على ما إذا لم يخرق بحده كما مر.

قوله وإن رميت في الفقيه إن رميته وهو على جبل فسقط ومات فلا تأكله وإن رميته وأصابه سهمك ووقع في الماء فمات فكله إذا كان رأسه خارجا من الماء وإن كان رأسه في الماء فلا تأكله.

والمشهور بين الأصحاب أنه لا يحل إذا تردى من جبل أو وقع في ماء فمات نعم لو صير حياته غير مستقرة حل.

وفي صحيحة الحلبي (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه سئل عن رجل يرمي صيدا و

__________________

(١) رواه الكليني في الفروع ٦ : ٢٠٣ بإسناده عن العدة عن سهل وعلي بن إبراهيم عن ابيه ومحمد بن يحيى عن أحمد بن محمد جميعا عن ابن محبوب عن علي بن رئاب عن أبي عبيدة الحذاء ورواه الشيخ في التهذيب ٩ : ٢٦ عن الحسن بن محبوب.

(٢) رواه الكليني في الفروع ٦ : ٢٠٦ عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد عن بعض أصحابنا عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن أبيه عن ابى بصير وفيه : ولم يعرفوا له صاحبا فاشتركن جميعا ورواه الشيخ في التهذيب ٩ : ٢٦ بإسناده عن محمد بن يعقوب.

(٣) رواه الكليني في الفروع ٦ : ٢١٥ عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي. ورواه الشيخ في التهذيب ٩ : ٣٨ عن محمد بن يعقوب.

٢٨٨

هو على جبل أو حائط فيخرق فيه السهم فيموت فقال كله منه وإن وقع في الماء من رميتك فمات فلا تأكل منه.

وروي نحوه بسند موثق عن سماعة (١) وعن عبد الرحمن بن (٢) الحجاج عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : لا تأكل من الصيد إذا وقع في الماء فمات.

وقال في المسالك هذا أي عدم الحل إذا علم استناد موته إليهما أو إلى غير الرمية أو شك في الحال ولو علم استناد موته إلى الرمية عادة حل لوجود المقتضي وانتفاء المانع وإن أفاد الماء في التردي تعجيلا وقيد الصدوقان الحل بأن يموت ورأسه خارج الماء ولا بأس به لأنه أمارة على قتله بالسهم إن لم يظهر خلاف ذلك.

٤٣ ـ السرائر ، نقلا من كتاب موسى بن بكر عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إذا رميت بسهمك فوجدته وليس به أثر غير أثر سهمك وترى أنه لم يقتله غير سهمك فكل تغيب عنك أو لم يتغيب عنك (٣).

٤٤ ـ العياشي ، عن أبي بكر الحضرمي قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن صيد البزاة والصقور والفهود والكلاب فقال لا تأكل من صيد شيء منها إلا الكلاب (٤) قلت فإنه قتله قال كل فإن الله يقول « وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ » (٥).

__________________

(١) رواه الكليني في الفروع ٦ : ٢١٥ عن العدة عن أحمد بن محمد بن خالد عن عثمان بن عيسى عن سماعة. ورواه الشيخ في التهذيب ٩ : ٣٨ عن محمد بن يعقوب.

(٢) هكذا في الكتاب والموجود في المصادر : خالد بن الحجاج ، روى الكليني في الفروع ٦ : ٢١٥ الحديث عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن عيسى عن حجاج عن خالد بن الحجاج ورواه الشيخ في التهذيب ٩ : ٣٧ عن أحمد بن محمد بن عيسى.

(٣) السرائر : ٤٦٤.

(٤) في المصدر : لا تأكل من صيد شيء منها الا ما ذكيت الا الكلاب.

(٥) تفسير العياشي ١ : ٢٩٤ ورواه الكليني والشيخ وعلي بن إبراهيم في الكافي والتهذيب والتفسير راجع الوسائل ١٦ : ٢٠٨.

٢٨٩

٤٥ ـ ومنه ، عن أبي عبيدة عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن الرجل سرح الكلب المعلم ويسمي إذا سرحه قال يأكل مما أمسك عليه وإن أدركه وقتله وإن وجد معه كلب غير معلم فلا يأكل منه قلت والصقر والعقاب والبازي قال إن أدركت ذكاته فكل منه وإن لم تدرك ذكاته فلا تأكل منه قلت فالفهد ليس بمنزلة الكلب قال فقال لا ليس شيء مكلب إلا الكلب (١).

٤٦ ـ ومنه ، عن سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : كان أبي يفتي وكنا نفتي ونحن نخاف في صيد البازي والصقور فأما الآن فإنا لا نخاف ولا يحل صيدهما إلا أن يدرك ذكاته وإنه لفي كتاب علي عليه‌السلام أن الله قال « ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ » فهي الكلاب (٢).

بيان : فهي الكلاب أي الجوارح المذكورة في الآية المراد بها الكلاب لقوله « مُكَلِّبِينَ » وقال المحدث الأسترآبادي رحمه‌الله يعني أن المراد من المكلبين الكلاب.

وفي تفسير علي بن إبراهيم رواية أخرى يؤيد ذلك فعلم من ذلك أن قراءة علي بفتح اللام والقراءة الشائعة بين العامة بكسر اللام انتهى.

وأقول لا ضرورة إلى هذا التكلف وتغيير القراءة المشهورة.

٤٧ ـ العياشي ، عن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ما خلا الكلاب مما يصيد الفهود والصقور وأشباه ذلك فلا تأكلن من صيده إلا ما أدركت ذكاته لأن الله قال « مُكَلِّبِينَ » فما خلا الكلاب فليس صيده بالذي يؤكل إلا أن تدرك ذكاته (٣).

٤٨ ـ ومنه ، عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام أن في كتاب علي عليه‌السلام قال الله إلا ما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فهي الكلاب (٤).

٤٩ ـ ومنه ، عن جميل عن أبي عبد الله عليه‌السلام سئل عن الصيد يأخذه الكلب

__________________

(١) تفسير العياشي ١ : ٢٩٤ ورواه الكليني والشيخ راجع الوسائل ١٦ : ٢٠٧.

(٢) تفسير العياشي ١ : ٢٩٤ ورواه الكليني والشيخ راجع الوسائل ١٦ : ٢٢٠.

(٣) تفسير العياشي ١ : ٢٩٥.

(٤) تفسير العياشي ١ : ٢٩٥.

٢٩٠

فيتركه الرجل حتى يموت قال نعم كل إن الله يقول « فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ » (١)

بيان : هذا مختصر من صحيحة جميل المتقدمة في الحكم التاسع وقد مر الكلام فيه.

٥٠ ـ العياشي ، عن أبي جميلة عن أبي حنظلة (٢) عنه عليه‌السلام في الصيد يأخذه الكلب فيدركه الرجل فيأخذه ثم يموت في يده أيأكل (٣) قال نعم إن الله يقول « فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ » (٤)

بيان : كأنه محمول على عدم استقرار الحياة على طريقة القوم أو عدم إمكان الذبح لقصر الزمان أو فقد الآلة على قول أو قتل الكلب له مع بعد على قول.

٥١ ـ العياشي ، عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله « وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ » قال لا بأس بأكل ما أمسك الكلب مما لم يأكل الكلب منه فإذا أكل الكلب منه قبل أن تدركه فلا تأكله (٥).

٥٢ ـ ومنه ، عن رفاعة عن أبي عبد الله قال : الفهد مما قال الله مكلبين (٦).

٥٣ ـ ومنه ، عن أبان بن تغلب قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول كل ما أمسك عليك الكلب وإن بقي ثلثه (٧).

٥٤ ـ الهداية ، كل كل ما صاد الكلب المعلم وإن قتله وأكل منه ولم يبق منه إلا بضعة واحدة ولا تأكل ما صيد بباز أو صقر أو فهد أو عقاب إلا ما أدركت ذكاته ومن أرسل كلبه ولم يسم تعمدا فأصاب صيدا لم يحل أكله لأن الله عز وجل يقول « وَلا

__________________

(١) تفسير العياشي ١ : ٢٩٥.

(٢) في المصدر : عن ابن حنظلة.

(٣) في المصدر : أياكل منه.

(٤) تفسير العياشي ١ : ٢٩٥.

(٥) تفسير العياشي ١ : ٢٩٥.

(٦) تفسير العياشي ١ : ٢٩٥.

(٧) تفسير العياشي ١ : ٢٩٥ فيه : ما امسك عليه الكلاب.

٢٩١

تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ » (١) وإن نسي فليسم حين يأكل وكذلك في الذبيحة ولا بأس بأكل لحم الحمر الوحشية ولا بأس بأكل ما صيد بالليل ولا يجوز صيد الحمام بالأمصار ولا يجوز أخذ الفراخ من أوكارها في جبل أو بئر أو أجمة حتى ينهض (٢).

بيان : فليسم حين يأكل محمول على الاستحباب ولا بأس بأكل أي ليس الفعل بحرام أو المعنى أن كراهة الفعل لا يسري إلى الأكل ولا يجوز ظاهره الحرمة ولم أر قائلا بها غيره وكذا ذكره في المقنع أيضا وحمله على الاصطياد بالكلب والسهم وأمثاله بعيدة نعم يمكن حمل عدم الجواز في كلامه على الكراهة الشديدة قال في المختلف يكره أخذ الفراخ من أعشاشهن.

وقال الصدوق وأبوه لا يجوز أخذ الفراخ من أوكارها في جبل أو بئر أو أجمة حتى ينهض فإن قصد التحريم صارت المسألة خلافية لنا الأصل عدم التحريم.

٥٥ ـ السرائر ، نقلا من كتاب جميل بن دراج عن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام في رجل صاد حماما أهليا قال إذا ملك جناحه فهو لمن أخذه (٣).

٥٦ ـ ومنه ، نقلا من جامع البزنطي عن إسحاق بن عمار قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام الطير يقع في الدار فنصيده وحولنا حمام لبعضهم فقال إذا ملك جناحه فهو لمن أخذه قال قلت يقع علينا فنأخذه وقد نعلم لمن هو قال إذا عرفته فرده على صاحبه (٤).

بيان : قال في الروضة لا يملك الصيد المقصوص أو ما عليه أثر الملك لدلالة القص والأثر على مالك سابق والأصل بقاؤه ويشكل بأن مطلق الأثر إنما يدل على المؤثر أما المالك فلا لجواز وقوعه من غير مالك أو ممن لا يصلح للتملك أو ممن لا يحترم

__________________

(١) زاد في المصدر بعد ذلك وانه لفسق يعنى حرام.

(٢) الهداية : ١٧.

(٣) السرائر : ٤٦٨.

(٤) السرائر : ٤٦٩ فيه : وقد نعرف لمن هو.

٢٩٢

ماله فكيف يحكم بمجرد الأثر بمالك محترم مع أنه أعم والعام لا يدل على الخاص وعلى المشهور يكون مع الأثر لقطة ومع عدم الأثر فهو لصائده وإن كان أهليها كالحمام للأصل إلا أن يعرف مالكه فيدفعه إليه.

٥٧ ـ المختلف ، نقلا من كتاب عمار الساباطي عن الصادق عليه‌السلام خرء الخطاف لا بأس به وهو مما يحل أكله ولكن كره أكله لأنه استجار بك وأوى في منزلك كل طير يستجير بك فأجره (١).

بيان : يدل على كراهة صيد كل ما عشش في دار الإنسان أو هرب من سبع وغيره وأوى إليه.

__________________

(١) المختلف ٢ : ١٢٧.

٢٩٣

٨

(باب)

(التذكية وأنواعها وأحكامها)

الآيات البقرة « إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً » إلى قوله « فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ »

المائدة « حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ »

الأنعام « فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ وَما لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ »

وقال تعالى « وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ »

وقال تعالى « وَأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا افْتِراءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ »

وقال تعالى « أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ »

الحج « لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ »

وقال تعالى « وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها »

الكوثر « فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ »

تفسير « أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً » ظاهره أن البقرة مذبوحة لا منحورة قال الطبرسي رحمه‌الله الذبح فري الأوداج وذلك في البقر والغنم والنحر في الإبل ولا يجوز فيها عندنا غير ذلك وفيه خلاف بين الفقهاء وقيل للصادق عليه‌السلام إن أهل مكة يذبحون

٢٩٤

البقرة في اللبة فما ترى في أكل لحمها فسكت هنيئة ثم قال قال الله « فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ » لا تأكل إلا من [ ما ] ذبح من مذبحه (١).

أقول وقد مضى تفسير آية المائدة وتدل على وجوب التذكية وحرمة ما ذكي بغير اسم الله من الأصنام وغيرها وسيأتي في الأخبار تفسيرها.

« فَكُلُوا » قال الطبرسي رحمه‌الله إن المشركين لما قالوا للمسلمين أتأكلون ما قتلتم أنتم ولا تأكلون ما قتل ربكم فكأنه سبحانه قال لهم أعرضوا عن جهلكم فكلوا والمراد به الإباحة وإن كانت الصيغة صيغة الأمر « مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ » يعني ذكر الله (٢) عند ذبحه دون الميتة وما ذكر عليه اسم الأصنام والذكر هو قول بسم الله وقيل هو كل اسم يختص الله سبحانه به أو صفة تختصه كقول باسم الرحمن أو باسم القديم أو باسم القادر لنفسه أو العالم لنفسه وما يجري مجراه والأول مجمع على جوازه والظاهر يقتضي جواز غيره لقوله سبحانه « قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى » (٣)

« إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ » يعني إن كنتم مؤمنين بأن عرفتم الله ورسوله وصحة ما أتاكم به من عند الله فكلوا ما أحل دون ما حرم وفي هذه الآية دلالة على وجوب التسمية على الذبيحة وعلى أن ذبائح الكفار لا يجوز أكلها لأنهم لا يسمون الله عليها ومن سمى منهم لا يعتقد وجوب ذلك ولأنه يعتقد أن الذي يسميه هو الذي أبد شرع موسى أو عيسى فإذن لا يذكرون الله حقيقة « وَما لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ » تقديره أي شيء لكم في أن لا تأكلوا فيكون ما للاستفهام وهو اختيار الزجاج وغيره من البصريين ومعناه ما الذي يمنعكم أن تأكلوا مما ذكر اسم الله عند ذبحه وقيل معناه ليس لكم أن لا تأكلوا فيكون ما للنفي « وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ » أي بين لكم « ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ » قيل هو ما ذكر في سورة المائدة من قوله « حُرِّمَتْ

__________________

(١) مجمع البيان ١ : ١٣٢.

(٢) يعني ذكر اسم الله.

(٣) الإسراء : ١١٠.

٢٩٥

عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ » الآية واعترض عليه بأنها نزلت بعد الأنعام بمدة إلا أن يحمل (١) على أنه بين على لسان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وبعد ذلك نزل به القرآن وقيل إنه ما فصل في هذه السورة في قوله « قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً » الآية وقرأ أهل الكوفة غير حفص « فَصَّلَ لَكُمْ » بالفتح ما حرم بالضم وقرأ أهل المدينة وحفص ويعقوب وسهل « فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ » كليهما بالفتح وقرأ الباقون فصل لكم ما حرم بالضم فيهما « وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ » يعني عند الذبح من الذبائح وهذا تصريح في وجوب التسمية على الذبيحة لأنه لو لم يكن كذلك لكان ترك التسمية غير محرم لها « وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ » يعني وإن أكل ما لم يذكر اسم الله عليه لفسق « وَإِنَّ الشَّياطِينَ » يعني علماء الكافرين ورؤساءهم المتمردين في كفرهم « لَيُوحُونَ » أي يؤمون ويشيرون « إِلى أَوْلِيائِهِمْ » الذين اتبعوهم من الكفار « لِيُجادِلُوكُمْ » في استحلال الميتة قال الحسن كان مشركو العرب يجادلون المسلمين فيقولون لهم كيف تأكلون ما تقتلونه أنتم ولا تأكلون مما يقتله الله وقتيل الله أولى بأكل من قتلكم فهذه مجادلتهم وقال عكرمة إن قوما من مجوس فارس كتبوا إلى مشركي قريش وكانوا أولياءهم في الجاهلية أن محمدا وأصحابه يزعمون أنهم يتبعون أمر الله ثم يزعمون أن ما ذبحوه حلال وما قتله الله حرام فوقع ذلك في نفوسهم فذلك إيحاؤهم إليهم وقال ابن عباس معناه أن الشياطين من الجن وهم إبليس وجنوده ليوحون إلى أوليائهم من الإنس والوحي إلقاء المعنى إلى النفس من وجه خفي وهم يلقون الوسوسة إلى قلوب أهل الشرك ثم قال سبحانه « وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ » أيها المؤمنون فيما يقولونه من استحلال الميتة وغيره « إِنَّكُمْ » إذا « لَمُشْرِكُونَ » لأن من استحل الميتة فهو كافر بالإجماع ومن أكلها محرما لها مختارا فهو فاسق وهو قول الحسن وجماعة المفسرين وقال عطا إنه مختص بذبائح العرب التي كانت تذبحها للأوثان (٢).

« لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا » قال البيضاوي أي في الذبح وإنما يذكرون أسماء

__________________

(١) في المصدر : فلا يصح أن يقال : إنه فصل الا أن يحمل.

(٢) مجمع البيان ٤ : ٣٥٦ ـ ٣٥٨.

٢٩٦

الأصنام عليها وقيل لا يحجون على ظهورها « افْتِراءً عَلَيْهِ » نصب على المصدر لأن ما قالوه تقول على الله والجار متعلق بقالوا أو بمحذوف فهو صفة له (١) أو على الحال أو المفعول له والجار متعلق به أو بالمحذوف « سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ » بسببه أو بدله (٢) « أَوْ فِسْقاً » قد مر تفسيره ويدل على تحريم ما ذكر اسم غير الله عند ذبحه « لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ » يدل على أن النسك إنما يصح ويتقبل إذا ذكر عليه عند ذبحه اسم الله دون غيره وإنما خص بالأنعام إيماء إلى أن الهدي لا يكون إلا منها ويدل على أن الهدي والأضحية وذكر اسم الله على الذبيحة كان في جميع الشرائع حيث قال « وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ » إلخ.

« فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها » قال الطبرسي ره أي في حال نحرها وعبر به عن النحر وقال ابن عباس هو أن يقول الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر اللهم منك ولك « صَوافَ » أي قياما مقيدة على سنة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله عن ابن عباس وقيل هو أن تعقل إحدى يديها وتقوم على ثلاث (٣) تنحر كذلك وتسوي بين أوظفتها (٤) لئلا يتقدم بعضها على بعض عن مجاهد وقيل هو أن تنحر وهي صافة أي قائمة قد ربطت يداها بين الرسغ (٥) والخف إلى الركبة عن أبي عبد الله عليه‌السلام هذا في الإبل فأما البقر فإنه تشد يداها ورجلاها ويطلق ذنبها والغنم تشد ثلاث قوائم منها ويطلق فرد رجل منها « فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها » أي سقطت إلى الأرض وعبر بذلك عن تمام خروج الروح منها « فَكُلُوا مِنْها » وهذا إذن وليس بأمر لأن أهل الجاهلية كانوا يحرمونها على نفوسهم وقيل إن الأكل منها واجب إذا تطوع بها انتهى (٦)

__________________

(١) في المصدر : او بمحذوف هو صفة له.

(٢) أنوار التنزيل ١ : ٤٠٥.

(٣) في المصدر : على ثلاثة.

(٤) الاوظفة جمع الوظيف : مستدق الذراع او الساق من الخيل والإبل وغيرها.

(٥) الرسغ : الموضع المستدق بين الحافر وموصل الوظيف من اليد والرجل. المفصل ما بين الساعد والكف او الساق والقدم ومثل ذلك من الدابة.

(٦) مجمع البيان ٧ : ٨٦.

٢٩٧

« فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ » في الجمع أي فصل صلاة العيد وانحر هديك وقيل صل صلاة الغداة بجمع (١) وانحر البدن بمنى والجمع هو المشعر قال محمد بن كعب إن أناسا كانوا يصلون لغير الله وينحرون لغير الله فأمر الله تعالى نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله أن تكون صلاته ونحره للبدن تقربا إلى الله وخالصا له انتهى (٢).

وأقول يدل هذه التفاسير على كون النحر مشروعا في البدن بل عدم جواز غيره فيها.

ولنرجع إلى تفاصيل الأحكام المستنبطة من تلك الآيات الأول تدل بعمومها على حل كل ما ذكر اسم الله عليها إلا ما أخرجه الدليل وقد مر الكلام فيه.

الثاني استدل بها على وجوب التسمية عند الذبح بل عند الاصطياد أيضا مطلقا إلا ما أخرجه الدليل من السمك والجراد ولعل مرادهم بالوجوب الوجوب الشرطي بمعنى اشتراطها في حل الذبيحة ولذا عبر الأكثر بالاشتراط وأما الوجوب بالمعنى المصطلح فيشكل إثباته إلا بأن يتمسك بأن ترك التسمية إسراف وإتلاف للمال بغير الجهة الشرعية وأما الاشتراط فلا خلاف فيه من بين الأصحاب فلو أخل بها عمدا لم يحل قطعا وظاهر الآية عدم الحل مع تركها نسيانا أيضا لكن الأصحاب خصوها بالعمد للأخبار الكثيرة الدالة على الحل مع النسيان وفي بعضها إن كان ناسيا فليسم حين يذكر ويقول بسم الله على أوله وآخره وحمل على الاستحباب إذ لا قائل ظاهرا بالوجوب وفي الجاهل وجهان وظاهر الأصحاب التحريم ولعله أقرب لعموم الآية والأقوى الاكتفاء بها وإن لم يعتقد وجوبها لعموم الآية خلافا للعلامة ره في المختلف قال في الدروس لو تركها عمدا فهو ميتة إذا كان معتقدا لوجوبها وفي غير المعتقد نظر وظاهر الأصحاب التحريم ولكنه يشكل بحكمهم بحل ذبيحة المخالف على الإطلاق

__________________

(١) في المصدر : صلاة الغداة المفروضة بجمع.

(٢) مجمع البيان ١٠ : ٥٤٩ و ٥٥٠.

٢٩٨

ما لم يكن ناصبيا ولا ريب أن بعضهم لا يعتقد وجوبها ويحلل الذبيحة وإن تركها عمدا انتهى.

وقال في الروضة يمكن دفعه بأن حكمهم بحل ذبيحته من حيث هو مخالف وذلك لا ينافي تحريمها من حيث الإخلال بشرط آخر نعم يمكن أن يقال بحلها منه عند اشتباه الحال عملا بأصالة الصحة وإطلاق الأدلة وترجيحا للظاهر من حيث رجحانها عند من لا يوجبها وعدم اشتراط اعتقاده الوجوب بل المعتبر فعلها وإنما يحكم بالتحريم مع العلم بعدم تسميته وهذا حسن ومثله القول في الاستقبال.

الثالث تدل الآية على الاكتفاء بمطلق ذكر اسمه تعالى عند الذبح أو النحر أو إرسال الكلب أو السهم ونحوه فيكفي التكبير أو التسبيح أو التحميد أو التهليل وأشباهها كما صرح به الأكثر ولو اقتصر على لفظة الله ففي الاكتفاء به قولان من صدق ذكر اسم الله عليه ومن دعوى أن العرف يقتضي كون المراد ذكر الله بصفة كمال وثناء وكذا الخلاف لو قال اللهم ارحمني واغفر لي وقالوا لو قال بسم الله ومحمد بالجر لم يجز لأنه شرك وكذا لو قال ومحمد رسول الله ولو رفع فيهما لم يضر لصدق التسمية بالأولى تامة وعطف الشهادة للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله زيادة خير غير منافية بخلاف ما لو قصد التشريك ولو قال اللهم صل على محمد وآله فالأقوى الإجزاء وهل يشترط التسمية بالعربية يحتمله لظاهر قوله اسم الله وعدمه لأن المراد من الله هنا الذات المقدسة فيجزي ذكر غيره من أسمائه وهو متحقق بأي لغة اتفقت وعلى ذلك يتحرج ما لو قال بسم الرحمن وغيره من أسمائه المختصة أو الغالبة غير لفظ الله.

الرابع ذكر الأصحاب أنه يستحب في ذبح الغنم أن يربط يداه ورجل واحد ويطلق الأخرى ويمسك صوفه أو شعره حتى يبرد وفي البقر أن يعقل يداه ورجلاه ويطلق ذنبه وفي الإبل أن تربط خفا يديه معا إلى إبطيه وتطلق رجلاه وتنحر قائمة أو تعقل يده اليسرى من الخف إلى الركبة ويوقفها على اليمنى ويمكن أن يفهم من الآية الكريمة استحباب كون البدن قائمة عند النحر لقوله تعالى « صَوافَ ».

قال البيضاوي قائمات قد صففن أيديهن وأرجلهن وقرئ صوافن من

٢٩٩

صفن الفرس إذا أقام على ثلاث وطرف سنبك الرابعة لأن البدنة تعقل إحدى يديها فتقوم على ثلاث (١).

وقال الطبرسي ره قرأ ابن مسعود وابن عباس وابن عمر وأبو جعفر الباقر وقتادة وعطا والضحاك صوافن بالنون وقرأ الحسن وشقيق وأبو موسى الأشعري وسليمان التيمي صوافي وقال فأما صوافن فمثل « الصَّافِناتُ » وهي الجياد من الخيل إلا أنه استعمل هاهنا في الإبل والصافن الرافع إحدى رجليه متعمدا على سنبكها والصوافي الخوالص لوجه الله انتهى (٢).

وأقول فعلى هذا القراءة المروية عن الباقر عليه‌السلام وغيره يدل على استحباب قيامها وعقل إحدى يديها بل على نحرها على القراءتين وأن ذبحها قائمة غير جائز جدا (٣) وأما الأخبار الواردة في ذلك فقد روي بسند فيه جهالة عن حمران عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن الذبح فقال إذا ذبحت فأرسل ولا تكتف ولا تقلب السكين لتدخلها من تحت الحلقوم وتقطعه إلى فوق والإرسال للطير خاصة فإن تردى في جب أو وهدة من الأرض فلا تأكله ولا تطعمه فإنك لا تدري التردي قتله أو الذبح وإن كان شيء من الغنم فأمسك صوفه أو شعره ولا تمسك (٤) يدا ولا رجلا وأما البقرة فاعقلها وأطلق الذنب وأما البعير فشد أخفافه إلى آباطه وأطلق رجليه وإن أفلتك شيء من الطير وأنت تريد ذبحه أو ند (٥) عليك فارم (٦) بسهمك فإذا هو سقط فذكه بمنزلة الصيد (٧).

__________________

(١) أنوار التنزيل ٢ : ١٠٣ و ١٠٤.

(٢) مجمع البيان ٧ : ٨٥.

(٣) هكذا في المطبوع ، وفي النسخة المخطوطة : فان ذبحها قائمة عسر جدا.

(٤) في المصدر : ولا تمسكن.

(٥) ند البعير : نفر وذهب شاردا.

(٦) في المصدر : فارمه.

(٧) رواه الكليني في الفروع ٦ : ٢٢٩ عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن أبي هاشم الجعفرى عن أبيه عن حمران بن أعين ورواه الشيخ في التهذيب ٩ : ٥٥.

٣٠٠