بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٠٥
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

أعرفة كأعرفة الديكة ونغانغ كنغانغ الديكة وأجنحة كأجنحة الطير من ألوان أشد بياض [ بياضا ] من الفضة فدعا المنصور بالطست فإذا الخلق فيها لا يزيد ولا ينقص فأذن له فانصرف ثم قال للربيع ويلك يا ربيع هذا الشجا المعترض في حلقي من أعلم الناس.

٨ ـ شرح النهج : لمحمد بن الحسين الكيدري ولابن ميثم رحمة الله عليهما قالا روي أن زرارة وهشاما اختلفا في الهواء أهو مخلوق أم لا فرفع إلى الصادق عليه السلام بعض مواليه وقال إني متحير فإني أرى أصحابنا يختلفون فقال ليس هذا بخلاف يؤدي إلى الكفر والضلال.

بيان : يدل على أن الخطاء في أمثال تلك الأمور التي لا تعلق لها بأصول الدين ولا فروعه لا يوجب ضلالا ووبالا بل يومئ إلى أن العلم بها ليس مما يورث للإنسان فضلا وكمالا ثم إنه يحتمل أن يكون اختلافهما في وجود الهواء بمعنى الخلإ والبعد الذي هو مكان عند المتكلمين كما ذكره ابن ميثم وقد تقدم كلامه في ذلك في الباب الأول ويحتمل أن يراد به الهواء الذي هو أحد العناصر.

فائدة : اعلم أن في عدد طبقات الهواء مع طبقات سائر العناصر بين الحكماء خلافا فقال نصير الملة والدين في التذكرة طبقات العناصر ثمان طبقة للنار الصرفة ثم طبقة لما يمتزج من النار والهواء الحار التي تتلاشى فيه الأدخنة المرتفعة من السفل وتتكون فيها الكواكب ذوات الأذناب والنيازك وما يشبههما من الأعمدة وذوات القرون ونحوها وربما يوجد هذه الأمور المتكونة في هذه الطبقة متحركة بحركة الفلك الأعظم ثم طبقة الهواء الغالب التي تحدث فيها الشهب ثم طبقة الزمهريرية الباردة التي هي منشأ السحب والرعد والبرق والصواعق ثم طبقة الهواء الحار الكثيف المجاور للأرض والماء ثم طبقة الماء وبعض هذه الطبقة منكشفة عن الأرض عناية من الحضرة الإلهية لتكون مسكنا للحيوانات المتنفسة ثم طبقة الأرض المخالطة لغيرها التي تتولد فيها الجبال والمعادن وكثير من النباتات والحيوانات ثم طبقة الأرض الصرفة المحيطة بالمركز.

٣٤١

وقيل إنها تسع ثامنها الطبقة الطينية التي يخلط فيها الأرض بالماء وتاسعها طبقة الأرض الصرفة وباقي الطبقات على النحو المذكور وقيل إنها سبع الأولى طبقة النار الصرفة ثم الطبقات الخمس التي تحت النار الصرفة على النحو المذكور وسابع الطبقات هي طبقة الأرض وقيل إنها سبع الأولى طبقة للنار وطبقة للماء والطبقات الثلاث الأخيرة التي تعلقت بالأرض بحالها على النحو المذكور والهواء ينقسم إلى طبقتين باعتبار مخالطة الأبخرة وعدمها إحداهما الهواء اللطيف الصافي من الأبخرة والأدخنة والهيئات المتصاعدة من كرتي الأرض والماء بسبب أشعة الشمس وغيرها من الكواكب لأن تلك الهيئات تنتهي في ارتفاعها إلى حد لا يتجاوزه وهو من سطح الأرض وجميع نواحيها أحد وخمسون ميلا وكسر قريب من تسعة عشر فرسخا فمن هذه النهاية إلى كرة الأثير هو الهواء الصافي وهو شفاف لا يقبل النور والظلمة والألوان كالأفلاك. وثانيتهما هي الهواء المتكاثف بما فيهما من الأجزاء الأرضية والمائية وشكل هذا الهواء شكل كرة محيطة بالأرض والماء على مركزها وسطح مواز لسطحها لتساوي غاية ارتفاع الهيئات المذكورة عن مركز الأرض في جميع النواحي المستلزم لكرية هذه الطبقة لكنها مختلفة القوام لأن الأقرب إلى الأرض أكثف من الأبعد لأن الألطف يتصاعد أكثر من الأكثف لكن لا يبلغ في التكاثف بحيث يحجب ما وراءه عن الإبصار وهذه الكرة تسمى كرة البخار وعالم النسيم يعني مهب الرياح لأن ما فوقها من الهواء الصافي ساكن لا يضطرب وتسمى كرة الليل والنهار إذ هي القابلة للنور والظلمة بما فيها من الأجزاء الأرضية والمائية القابلة لهما دون ما عداهما من الهواء الصافي.

وقال بعض المحققين منهم الأولى أن يقال طبقات العنصريات سبع أولاها طبقة النار الصرفة وثانيتها طبقة الهواء الصافي الذي يصل إليه الدخان وثالثتها طبقة الهواء الذي يصل الدخان إليه ولم يصل إليه البخار ويتكون في الطرف الأعلى منه النيازك وشبهها وفي الطرف الأدنى منه الشهب ورابعتها طبقة الهواء

٣٤٢

الذي يصل إليه البخار ويبقى على برودته الحاصلة وهي الطبقة الزمهريرية التي تتكون فيها السحب والرعد والبرق والصواعق وخامستها طبقة الهواء الكثيف المجاور للأرض والماء وسادستها طبقة الماء وسابعتها طبقة الأرض وهو الترتيب المختار عند بعض في تفسير قوله تعالى « اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ » بأن يكون المراد بالأرض غير السماوات وما فيها وقالوا إن الزرقة التي يظن الناس أنها لون السماء فإنها تظهر في كرة البخار لأنه لما كان الألطف منه أشد صعودا عن الأكثف كانت الأجزاء القريبة من سطح كرة البخار أقل قبولا للضوء لكثرة البعد واللطافة من الأجزاء القريبة من الأرض ولهذا تكون كالظلمة بالنسبة إلى هذه الأجزاء فيرى الناظر في كرة البخار لونا متوسطا بين الظلام والضياء لأن الناظر إذا رأى شيئا مظلما من خلف شيء مضيء رأى لونا مخلوطا من الظلمة والضياء أو لأن كرة البخار مستضيئة دائما بأشعة الكواكب وما وراءها لعدم قبول الضوء كالمظلم بالنسبة إليها فإذا نفذ نور البصر من الأجزاء المستنيرة بأشعة الكواكب ووصل إلى المظلم رأى الناظر ما فوقه من الجو المظلم بما يمازجه من الضياء الأرضي والضياء الكوكبي لونا متوسطا بين الظلام والضياء وهو اللون اللاجوردي كما إذا نظرنا من وراء جسم مشف أحمر مثلا إلى جسم أخضر فإنه يظهر لنا لون مركب من الحمراء والخضرة وهذا اللون اللاجوردي أشد الألوان مناسبة وتقوية بالنسبة إلى الأبصار فظهوره للأبصار إنما هو من العناية الإلهية ليكون للناظرين المتأملين في السماوات لذة وقوة للأبصار في النظر كما يكون لعقولهم لذة عقلية في التأمل فيها.

أقول : هذا ما قالوا في ذلك رجما بالغيب وأخذا بالظن والله يعلم حقائق مخلوقاته وحججه الكرام عليهم السلام.

٣٤٣

(٢٨)

(باب)

(السحاب والمطر والشهاب والبروق والصواعق والقوس)

(وسائر ما يحدث في الجو)

الآيات :

البقرة : « الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ » (١) وقال تعالى « إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ » (٢).

الأنعام : « وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ » (٣)

الأعراف : « وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالاً سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ » (٤).

الرعد : « هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ » (٥).

__________________

(١) البقرة : ٢٢.

(٢) البقرة : ٦٤.

(٣) الأنعام : ٩٩.

(٤) الأعراف : ٥٧.

(٥) الرعد : ١٢ ـ ١٣.

٣٤٤

إبراهيم : « وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ » (١).

الحجر : « إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ » (٢) وقال تعالى « وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ » (٣).

النحل : « هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ » (٤) وقال تعالى « وَاللهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ » (٥).

الحج : « وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ » (٦) وقال تعالى « أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ » (٧).

المؤمنون : « وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ لَكُمْ فِيها فَواكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ » (٨)

النور : « أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِي سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ

__________________

(١) إبراهيم : ٣٢.

(٢) الحجر : ١٨.

(٣) الحجر : ٢١ ـ ٢٢.

(٤) النحل : ١٠.

(٥) النحل : ٦٥.

(٦) الحج : ٥.

(٧) الحج : ٦٣.

(٨) المؤمنون : ١٨ ـ ١٩.

٣٤٥

لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ » (١).

الفرقان : « وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً » (٢).

النمل : « وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَإِلهٌ مَعَ اللهِ » إلى قوله تعالى « وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ » (٣).

العنكبوت : « وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللهُ » (٤).

الروم : « وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ » (٥) وقال تعالى « اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ » (٦).

لقمان : « وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ » (٧).

__________________

(١) النور : ٤٣ ـ ٤٤.

(٢) الفرقان : ٤٨ ـ ٥٠.

(٣) النمل : ٦٠ ـ ٦٤.

(٤) العنكبوت : ٦٣.

(٥) الروم : ٢٤.

(٦) الروم : ٤٨ ـ ٥١.

(٧) لقمان : ١٠.

٣٤٦

فاطر : « وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ » (١).

الصافات : « إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ » (٢).

الزمر : « أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ » (٣).

المؤمن : « هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً » (٤).

حمعسق : « هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ » (٥).

الزخرف : « وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ تُخْرَجُونَ » (٦).

الجاثية : « وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ » (٧).

ق : « وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ رِزْقاً لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ » (٨).

الذاريات : « وَالذَّارِياتِ ذَرْواً فَالْحامِلاتِ وِقْراً فَالْجارِياتِ يُسْراً فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً » (٩).

__________________

(١) فاطر : ٩.

(٢) الصافات : ١٠.

(٣) الزمر : ٢١.

(٤) المؤمن : ١٣.

(٥) الشورى : ٢٨.

(٦) الزخرف : ١١.

(٧) الجاثية : ٥.

(٨) ق : ٩ ـ ١١.

(٩) الذاريات : ١ ـ ٤.

٣٤٧

القمر : « فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ » (١).

الواقعة : « أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً فَلَوْ لا تَشْكُرُونَ » (٢).

الجن : « وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً » إلى قوله تعالى « وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً » (٣).

تفسير : « وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً » قال البيضاوي خروج الثمار بقدرة الله ومشيته ولكن جعل الماء الممزوج بالتراب سببا في إخراجها ومادة لها كالنطفة للحيوان بأن أجرى عادته بإفاضة صورها وكيفياتها على المادة الممزوجة منهما أو أبدع في الماء قوة فاعلة وفي الأرض قوة قابلة تتولد من اجتماعهما أنواع الثمار وهو قادر على أن يوجد الأشياء كلها بلا أسباب ومواد كما أبدع نفوس الأسباب والمواد ولكن له في إنشائها مدرجا من حال إلى حال صنعا وحكما يجدد فيها لأولي الأبصار عبرا وسكونا إلى عظم قدرته ليس في إيجادها دفعة ومن الأولى للابتداء سواء أريد بالسماء السحاب فإن ما علاك سماء أو الفلك فإن المطر يبتدئ من السماء إلى السحاب ومنه إلى الأرض على ما دلت عليه الظواهر أو من أسباب سماوية تثير الأجزاء الرطبة من أعماق الأرض إلى جو الهواء فتنعقد سحابا ماطرا (٤).

« إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ » قيل إنما جمع السماوات وأفرد الأرض لأن السماوات طبقات متفاصلة بالذات مختلفة بالحقيقة بخلاف الأرضين « بِما يَنْفَعُ النَّاسَ » أي ينفعهم أو بالذي ينفعهم « وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ » من الأولى

__________________

(١) القمر : ١١.

(٢) الواقعة : ٦٨ ـ ٧٠.

(٣) الجن : ٨ ـ ١٦.

(٤) أنوار التنزيل : ج ١ ، ص ٤٦.

٣٤٨

للابتداء والثانية للبيان وقال البيضاوي السماء يحتمل الفلك والسحاب وجهة العلو (١) وقال الرازي فإن قيل أفتقولون إن الماء ينزل من السماء على الحقيقة أو من السحاب أو تجوزون ما قاله بعضهم من أن الشمس تؤثر في الأرض فتخرج منها أبخرة متصاعدة فإذا وصلت الجو بردت فثقلت فنزلت من فضاء المحيط إلى ضيق المركز اتصلت فتتولد من اتصال بعض تلك الذرات بالبعض قطرات هي قطرات المطر قلنا بل نقول إنه ينزل من السماء كما ذكر الله تعالى وهو الصادق في خبره وإذا كان قادرا على إمساك الماء في السحاب فأي بعد في أن يمسكه في السماء وأما قول من يقول إنه من بخار الأرض فهذا ممكن في نفسه لكن القطع بأنه كذلك لا يمكن إلا بعد القول بنفي الفاعل المختار وقدم العالم وذلك كفر لأنا متى جوزنا أن الفاعل المختار قادر على خلق الجسم فكيف يمكننا مع إمكان هذا القسم أن نقطع بما قالوه (٢) انتهى.

« فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ » أي بالنبات مجازا « وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ » قال البيضاوي عطف على أنزل كأنه استدل بنزول المطر وتكون النبات به وبث الحيوانات في الأرض أو على أحيا فإن الدواب ينمون بالخصب ويعيشون بالحيا والبث النشر والتفريق (٣) وقال الرازي في تصريف الرياح وجه الاستدلال أنها مخلوقة على وجه يقبل التصريف وهو الرقة واللطافة ثم إنه سبحانه يصرفها على وجوه (٤) يقع بها النفع العظيم في الإنسان والحيوانات ثم ذلك من وجوه أحدها أنها مادة النفس التي لو انقطع ساعة عن الحيوان لمات لا جرم كان وجدانه أسهل من وجدان كل شيء وبعد الهواء الماء لأن الماء لا بد

__________________

(١) أنوار التنزيل : ج ١ ، ص ١٢٦.

(٢) مفاتيح الغيب : ج ٢ ، ص ١٠٠ ، لكن مع وجود الدلائل القاطعة الحاصلة من التجارب العلمية يمكن حصول العلم العادى به كحصول العلم بوجود سائر المعاليل الطبيعية عند وجود عللها.

(٣) أنوار التنزيل : ج ١ ، ص ١٢٦.

(٤) في المصدر : على وجه يقع به.

٣٤٩

فيه من تكلف الاغتراف بخلاف الهواء فإن الآلات المهيأة لجذبه حاضرة أبدا ثم بعد الماء الحاجة إلى الطعام شديدة لكن دون الحاجة إلى الماء فلا جرم كان تحصيل الطعام أصعب من تحصيل الماء وبعد الطعام الحاجة إلى تحصيل المعاجين والأدوية النادرة قليلة فلا جرم عزت هذه الأشياء وبعد المعاجين الحاجة إلى أنواع الجواهر من اليواقيت والزبرجد نادرة جدا ولا جرم كانت في نهاية العزة فثبت أن كلما كان الاحتياج إليه أشد كان وجدانه أسهل وكلما كان الاحتياج إليه أقل كان وجدانه أصعب وما ذلك إلا رحمة منه على العباد ولما كانت الحاجة إلى رحمة الله أعظم الحاجات نرجو أن يكون وجدانها أسهل من وجدان كل شيء وثانيها لو لا تحرك الهواء لما جرت الفلك وهذا مما لا يقدر عليه أحد إلا الله تعالى فلو أراد كل من في العالم أن يقلب الريح من الشمال إلى الجنوب إذا كان الهواء ساكنا أن يحركه لتعذر.

« وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ » سمي السحاب سحابا لانسحابه في الهواء ومعنى التسخير التذليل وإنما سماه مسخرا لوجوه أحدها أن طبع الماء يقتضي النزول فكان بقاؤه في جو الهواء على خلاف الطبع فلا بد من قاهر يقسره على ذلك ولذلك سماه بالمسخر الثاني أن هذا السحاب لو دام لعظم ضرره من حيث إنه يستر ضوء الشمس ويكثر الأمطار ولو انقطع لعظم ضرره لأنه يفضي إلى القحط وعدم العشب الثالث أن السحاب لا يقف في موضع معين بل يسوقه الله تعالى بواسطة تحريك الرياح إلى حيث أراد وشاء وذلك هو التسخير (١) انتهى.

« لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ » قال البيضاوي يتفكرون فيها وينظرون إليها بعيون عقولهم والكلام المجمل في دلالة هذه الآيات على وجود الإله ووحدته أنها أمور ممكنة وجد كل منها بوجه مخصوص من وجوه محتملة وأنحاء مختلفة إذ كان من الجائز مثلا أن لا تتحرك السماوات أو بعضها كالأرض وأن تتحرك بعكس حركتها

__________________

(١) مفاتيح الغيب : ج ٢ ، ص ١٠٢.

٣٥٠

وبحيث تصير المنطقة دائرة مارة بالقطبين وأن لا يكون لها أوج وحضيض أصلا أو على هذا الوجه لبساطتها وتساوي أجزائها فلا بد لها من موجد قادر حكيم يوجدها على ما تستدعيه حكمته وتقتضيه مشيته متعاليا عن معارضة غيره إذ لو كان معه إله يقدر على ما يقدر عليه الآخر فإن توافقت إرادتهما فالفعل إن كان لهما لزم اجتماع مؤثرين على أثر واحد وإن كان لأحدهما لزم ترجيح الفاعل بلا مرجح وعجز الآخر النافي لإلهيته وإن اختلفت لزم التمانع والتطارد كما أشار إليه بقوله تعالى « لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتا » (١) انتهى.

وأقول : قد مر في كتاب التوحيد بسط القول في الاستدلال بحدوث تلك الأشياء وإمكانها على افتقارها إلى صانع قديم واجب بذاته واشتمالها على الحكم المتناهية على قدرته سبحانه وعلمه وحكمته ولطفه وبانتظامها وتلازمها على وحدة صانعها فلا نعيد الكلام فيها.

« وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً » قال الرازي اختلف الناس فيه فقال الجبائي إنه تعالى ينزل الماء من السماء إلى السحاب ومن السحاب إلى الأرض قال لأن ظاهر النص يقتضي نزول المطر من السماء والعدول عن الظاهر إلى التأويل إنما يحتاج إليه عند قيام الدليل على أن إجراء اللفظ على ظاهره غير ممكن وفي هذا الموضع لم يقم دليل على امتناع نزول المطر من السماء فوجب إجراء اللفظ على ظاهره وأما قول من يقول إن البخارات الكثيرة تجتمع في باطن الأرض ثم تصعد وترتفع إلى الهواء فينعقد الغيم منها ويتقاطر وذلك هو المطر فقد احتج الجبائي على فساده بوجوه الأول أن البرد قد يوجد في وقت الحر بل في صميم الصيف ونجد المطر في أبرد وقت ينزل غير جامد وذلك يبطل قولهم الثاني إن البخارات إذا ارتفعت وتصاعدت وتفرقت لم يتولد منها قطرات الماء الثالث لو كان تولد المطر من صعود البخارات فالبخارات دائمة الارتفاع من البحار فوجب أن يدوم هناك نزول المطر وحيث لم يكن الأمر كذلك علمنا

__________________

(١) أنوار التنزيل : ج ١ ، ص ١٢٦.

٣٥١

فساد قولهم قال فثبت بهذه الوجوه أنه ليس تولد المطر من بخار الأرض.

ثم قال : والقوم إنما احتاجوا إلى هذا القول لأنهم اعتقدوا أن الأجسام قديمة وإذا كان الأمر كذلك امتنع دخول الزيادة والنقصان فيها وحينئذ لا معنى لحدوث الحوادث إلا اتصاف تلك الذوات (١) بصفة بعد أن كانت موصوفة بصفات أخرى فلهذا السبب احتالوا في تكوين كل شيء عن مادة معينة وأما المسلمون فلما اعتقدوا أن الأجسام محدثة وأن خالق العالم فاعل مختار قادر على خلق الأجسام كيف شاء وأراد فعند هذا لا حاجة إلى استخراج هذه التكلفات فثبت أن ظاهر القرآن يدل على أن الماء إنما ينزل من السماء ولا دليل على امتناع هذا الظاهر فوجب القول بحمله على ظاهره فثبت أن الحق سبحانه ينزل المطر من السماء بمعنى أنه يخلق هذه الأجسام في السماء ثم ينزلها إلى السحاب ثم من السحاب إلى الأرض.

والقول الثاني المراد أنزل من جانب السماء ماء.

القول الثالث أنزل من السحاب ماء وسمى الله السحاب سماء لأن العرب تسمي كل ما فوقك سماء كسماء البيت.

ثم قال نقل الواحدي في البسيط عن ابن عباس يريد بالماء هاهنا المطر (٢).

أقول : ورجح في موضع آخر نزول المطر من السحاب قال لأن الإنسان ربما كان واقفا على قلة جبل عال ويرى الغيم أسفل فإذا نزل من ذلك الجبل يرى ذلك الغيم ماطرا عليهم وإذا كان هذا الأمر مشاهدا بالبصر كان النزاع فيه باطلا ولا ينزل نقطة من المطر إلا ومعها ملك والفلاسفة يحملون ذلك الملك على الطبيعة الحالة في تلك الجسمية الموجبة لذلك النزول (٣) انتهى.

« وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً » منهم من قرأ نشرا بضم النون والشين

__________________

(١) في المصدر : الذرات.

(٢) مفاتيح الغيب : ج ٤ ، ص ١٥٣.

(٣) مفاتيح الغيب ، ج ٤ ، ص ١٥٤.

٣٥٢

جمع نشور مثل رسل ورسول أي رياحا منشرة مفرقة من كل جانب وقرأ ابن عامر بضم النون وإسكان الشين بتخفيف العين وقرأ حمزة بفتح النون وإسكان الشين مصدر نشرت الثوب ضد طويته وهنا بمعنى المفعول أو بمعنى الحياة فهو بمعنى الفاعل وقرأ عاصم بالباء جمع بشير أي مبشرات بالمطر أو الرحمة « حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالاً » قال الرازي يقال أقل فلان الشيء إذا حمله أي حتى إذا حملت هذه الرياح سحابا ثقالا بما فيها من الماء والمعنى أن السحاب المسيطر بالمياه العظيمة إنما يبقى معلقا في الهواء لأنه تعالى دبر بحكمته أن يحرك الرياح تحريكا شديدا. فيحصل منها فوائد أحدها أن أجزاء السحاب ينضم بعضها إلى بعض ويتراكم وينعقد السحاب الكثيف الماطر وثانيها أن بسبب تلك الحركات الشديدة التي في تلك الرياح يمنة ويسرة يمتنع على تلك الأجزاء المائية النزول فلا جرم يبقى معلقا في الهواء وثالثها أن بسبب حركات تلك الرياح ينساق السحاب من موضع إلى موضع آخر وهو الموضع الذي علم الله تعالى احتياجهم إلى نزول الأمطار وانتفاعهم بها ورابعها أن حركة الرياح تارة تكون مفرقة لأجزاء السحاب مبطلة لها وخامسها أن هذه الرياح تارة تكون مقوية للزرع والأشجار مكملة لما فيها من النشوء والنماء وهي الرياح اللواقح وتارة تكون مبطلة لها كما تكون في الخريف وسادسها أن هذه الرياح تارة تكون طيبة لذيذة موافقة للأبدان وتارة تكون مهلكة إما بسبب ما فيها من الحرارة الشديدة كما في السموم أو بسبب ما فيها من البرد الشديد كما في الرياح المهلكة جدا وسابعها أن تلك الرياح تارة تكون شرقية وتارة تكون غربية وشمالية وجنوبية وهذا ضبط ذكره بعض الناس وإلا فالرياح تهب من كل جانب من جوانب العالم ولا ضبط لها ولا اختصاص لجانب من جوانب العالم بها وثامنها أن هذه الرياح تارة تصعد من قعر الأرض فإن من ركب البحر يشاهد أن البحر يحصل له غليان شديد فيه بسبب تولد الرياح في قعر البحر إلى ما فوق البحر وحينئذ يعظم هبوب الرياح في وجه البحر وتارة ينزل الريح من جهة الفوق فاختلاف الرياح بسبب هذه

٣٥٣

المعاني أيضا عجيب وعن السدي أنه تعالى يرسل الرياح فيأتي بالسحاب ثم إنه تعالى يبسطه في السماء كيف يشاء ثم يفتح أبواب السماء فيسيل الماء على السحاب ثم يمطر السحاب بعد ذلك ورحمته هو المطر.

إذا عرفت هذا فنقول اختلاف الرياح في الصفات المذكورة مع أن طبيعة الهواء واحدة وتأثيرات الطبائع والأنجم والأفلاك واحدة تدل على أن هذه الأحوال لم تحصل إلا بتدبير الفاعل المختار سبحانه وتعالى ثم قال تعالى « سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ » والمعنى أنا نسوق ذلك السحاب إلى بلد ميت لم ينزل فيه غيث ولا تنبت فيه خضرة والسحاب لفظه مذكر وهو جمع سحابة فيجوز فيه التذكير والتأنيث فلذا أتى بهما في الآية واللام في قوله لبلد إما بمعنى إلى أو المعنى سقناه لأجل بلد ميت ليس فيه حب نسقيه والضمير في قوله به إما راجع إلى البلد أو إلى السحاب وفي قوله « فَأَخْرَجْنا بِهِ » عائد إلى الماء وقيل إلى البلد وعلى القول الأول فالله تعالى إنما يخلق الثمرات بواسطة الماء.

وقال أكثر المتكلمين إن الثمار غير متولدة من الماء بل الله تعالى أجرى عادته بخلق النبات ابتداء عقيب اختلاط الماء بالتراب وقال جمهور الحكماء لا يمتنع أن يقال أنه تعالى أودع في الماء قوة وطبيعة ثم إن تلك القوة والطبيعة توجبان حدوث الأحوال المخصوصة والمتكلمون احتجوا على فساد هذا القول بأن طبيعة الماء والتراب واحدة ثم إنا نرى أنه يتولد في النبات الواحد الأحوال المختلفة مثل العنب فإن قشره بارد يابس ولحمه وماؤه حار رطب وعجمة بارد يابس فتولد الأجسام الموصوفة بالصفات المختلفة من الماء والتراب يدل على أنها إنما حدثت بإحداث الفاعل المختار لا بالطبع والخاصية (١) انتهى.

« خَوْفاً وَطَمَعاً » قال الزمخشري في انتصابهما وجوه الأول أنه لا يصح أن يكونا مفعولا لهما لأنهما ليسا بفاعل الفعل المعلل به إلا على تقدير حذف المضاف أي إرادة خوف وطمع أو على معنى إخافة وإطماعا الثاني يجوز أن

__________________

(١) مفاتيح الغيب : ج ٤ ، ص ٣٥٥.

٣٥٤

يكونا منتصبين على الحال من البرق كأنه في نفسه خوف وطمع والتقدير ذا خوف وذا طمع الثالث أن يكونا حالا من المخاطبين أي خائفين وطامعين.

وقال الرازي في كونهما خوفا وطمعا وجوه الأول أن عند لمعان البرق يخاف وقوع الصواعق ويطمع في نزول الغيث الثاني أنه يخاف من المطر من له فيه ضرر كالمسافر وكمن في جرابه التمر والزبيب ويطمع فيه من له نفع الثالث أن كل شيء يحصل في الدنيا فهو خير بالنسبة إلى قوم وشر بالنسبة إلى آخرين فكذلك المطر خير في حق من يحتاج إليه في أوانه شر في حق من يضره ذلك إما بحسب المكان أو بحسب الزمان.

ثم اعلم أن حدوث البرق دليل عجيب على قدرة الله سبحانه وبيانه أن السحاب لا شك أنه جسم مركب من أجزاء مائية وأجزاء هوائية ولا شك أن الغالب عليه الأجزاء المائية والماء جسم بارد رطب والنار جسم حار يابس فظهور الضد من الضد التام على خلاف العقل فلا بد من صانع مختار يظهر الضد من الضد.

فإن قيل : لم لا يجوز أن يقال إن الريح احتقن في داخل جرم السحاب واستولى البرد على ظاهره فانجمد السطح الظاهر منه ثم إن ذلك الريح يمزقه تمزيقا عنيفا فيتولد من ذلك التمزيق الشديد حركة عنيفة والحركة العنيفة موجبة للسخونة وهي البرق؟

فالجواب : أن كل ما ذكرتموه على خلاف المعقول وبيانه من وجوه الأول أنه لو كان الأمر كذلك لوجب أن يقال أينما يحصل البرق فلا بد وأن يحصل الرعد وهو الصوت الحادث من تمزق السحاب ومعلوم أنه ليس الأمر كذلك فإنه كثيرا ما يحدث البرق القوي من غير حدوث الرعد الثاني أن السخونة الحاصلة بسبب قوة الحركة مقابلة بالطبيعة المائية الموجبة للبرد وعند حصول هذا المعارض القوي كيف تحدث النارية بل نقول النيران العظيمة تنطفئ بصب الماء عليها والسحاب كله ماء فكيف يمكن أن يحدث فيه شعلة ضعيفة نارية

٣٥٥

الثالث من مذهبكم أن النار الصرفة لا لون لها البتة فهب أنه حصلت النارية بسبب قوة المحاكة الحاصلة في أجزاء السحاب لكن من أين حدث ذلك اللون الأحمر فثبت أن السبب الذي ذكروه ضعيف وأن حدوث النار الخالصة في جرم السحاب مع كونه ماء خالصا لا يمكن إلا بقدرة القادر الحكيم.

« وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ » السحاب اسم الجنس والواحدة سحابة والثقال جمع ثقيلة أي الثقال بالماء واعلم أن هذا أيضا من دلائل القدرة والحكمة وذلك لأن هذه الأجزاء المائية إما يقال إنها حدثت في جو الهواء أو يقال إنها تصاعدت من وجه الأرض فإن كان الأول وجب أن يكون حدوثها بإحداث محدث حكيم قادر وهو المطلوب وإن كان الثاني وهو أن يقال إن تلك الأجزاء تصاعدت من الأرض فلما وصلت إلى الطبقة الباردة من الهواء بردت فثقلت ورجعت إلى الأرض فنقول هذا باطل وذلك لأن الأمطار مختلفة فتارة تكون القطرات كبيرة وتارة تكون صغيرة وتارة تكون متقاربة وأخرى تكون متباعدة تارة تدوم مدة نزول المطر زمانا طويلا وتارة قليلا فاختلاف الأمطار في هذه الصفات مع أن طبيعة الأرض واحدة وطبيعة الأشعة المسخنة للبخارات واحدة لا بد وأن يكون بتخصيص الفاعل المختار وأيضا فالتجربة دلت على أن للدعاء والتضرع في نزول الغيث أثرا عظيما ولذلك شرعت صلاة الاستسقاء فعلمنا أن المؤثر فيه هو قدرة الفاعل لا الطبيعة الخاصة (١) انتهى.

« وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ » قال الطبرسي ره تسبيح الرعد دلالته على تنزيه الله تعالى ووجوب حمده فكأنه هو المسبح وقيل إن الرعد هو الملك الذي يسوق السحاب ويزجره بصوته فهو يسبح الله ويحمده وروي عن النبي صلى الله عليه واله أنه قال : إن ربكم سبحانه يقول لو أن عبادي أطاعوني لأسقيتهم المطر بالليل وأطلعت عليهم الشمس بالنهار ولم أسمعهم صوت الرعد وكان صلى الله عليه واله إذا سمع صوت الرعد قال سبحان من « يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ » وكان ابن عباس يقول : سبحان

__________________

(١) مفاتيح الغيب : ج ٥ ، ص ٢٧٩.

٣٥٦

الذي سبحت له وروى سالم بن عبد الله عن أبيه قال : كان رسول الله صلى الله عليه واله إذا سمع الرعد والصواعق قال اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك قال ابن عباس من سمع الرعد فقال سبحان الذي « يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ » فإن أصابته صاعقة فعلي ذنبه (١).

« وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ » أي وتسبح الملائكة من خيفة الله تعالى وخشيته قال ابن عباس إنهم خائفون من الله ليس كخوف ابن آدم لا يعرف أحدهم من على يمينه ومن على يساره لا يشغله عن عبادة الله طعام ولا شراب ولا شيء « وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ » ويسرفها عمن يشاء إلا أنه حذف ورووا عن أبي جعفر الباقر عليه السلام أن الصواعق تصيب المسلم وغير المسلم ولا تصيب ذاكرا انتهى (٢).

وقال الرازي في قوله تعالى « وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ » أقوال الأول أن الرعد اسم ملك من الملائكة والصوت المسموع هو صوت ذلك الملك بالتسبيح والتهليل عن ابن عباس أن اليهود سألت النبي صلى الله عليه واله عن الرعد ما هو فقال ملك من الملائكة موكل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب حيث يشاء الله تعالى قالوا فالصوت الذي يسمع قال زجرة السحاب وعن الحسن أنه خلق من الله ليس بملك فعلى هذا القول الرعد اسم للملك الموكل بالسحاب وصوته تسبيح لله تعالى وذلك الصوت أيضا مسمى بالرعد ويؤكد هذا ما روي عن ابن عباس كان إذا سمع الرعد قال سبحان الذي سبحت له وعن النبي صلى الله عليه واله أن الله ينشئ السحاب فينطق أحسن المنطق ويضحك أحسن الضحك فنطقه الرعد وضحكه البرق واعلم أن هذا القول غير مستبعد وذلك لأن عند أهل السنة البنية ليست شرطا لحصول الحياة فلا يبعد من الله تعالى أن يخلق الحياة والعلم والقدرة والنطق في أجزاء السحاب فيكون هذا الصوت المسموع فعلا له فكيف

__________________

(١) في المصدر : ديته.

(٢) مجمع البيان : ج ٥ : ص ٢٨٣.

٣٥٧

يستبعد ذلك ونحن نرى أن السمندر يتولد في النار والضفادع تتولد في السحاب (١) والدودة العظيمة ربما تولدت في الثلوج القديمة وأيضا إذا لم يبعد تسبيح الجبال في زمن داود عليه السلام ولا تسبيح الحصى في زمن محمد صلى الله عليه واله فكيف يبعد تسبيح السحاب؟

وعلى هذا القول فهذا الشيء المسمى بالرعد ملك أو ليس بملك فيه قولان أحدهما أنه ليس بملك لأنه عطف عليه الملائكة والثاني أنه لا يبعد أن يكون من جنس الملائكة وأفرد بالذكر على سبيل التشريف.

القول الثاني : إن الرعد اسم لهذا الصوت المخصوص ومع ذلك فإن الرعد يسبح لله تعالى لأن التسبيح والتقديس وما يجري مجراهما ليس إلا وجود لفظ يدل على حصول النزاهة والتقديس لله تعالى فلما كان حدوث هذا الصوت دليلا على وجود موجود متعال عن النقص والإمكان كان ذلك في الحقيقة تسبيحا وهو معنى قوله « وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ».

الثالث : أن المراد من كون الرعد مسبحا أن من سمع الرعد فإنه يسبح الله تعالى فلهذا المعنى أضيف هذا التسبيح إليه.

الرابع : من كلمات الصوفية الرعد صعقات الملائكة والبرق زفرات أفئدتهم والمطر بكاؤهم.

ثم قال واعلم أن المحققين من الحكماء يذكرون أن هذه الآثار العلوية إنما تتم بقوى روحانية فلكية فللسحاب روح معين من الأرواح الفلكية يدبره وكذا القول في الرياح وسائر الآثار العلوية وهذا غير ما نقلنا أن الرعد اسم الملك.

ثم قال : أمر الصاعقة عجيب جدا وذلك لأنها نار تتولد في السحاب فإذا نزلت من السحاب فربما غاضت البحر وأحرقت الحيتان تحت البحر والحكماء بالغوا في وصف قوتها ووجه الاستدلال أن النار حارة يابسة وطبيعتها ضد طبيعة السحاب فوجب أن يكون طبيعتها في الحرارة واليبوسة أضعف من طبيعة النيران

__________________

(١) في المصدر : فى الماء البارد.

٣٥٨

الحادثة عندنا على العادة لكنه ليس الأمر كذلك فإنها أقوى من نيران هذا العالم فثبت أن اختصاصها بمزيد تلك القوة لا بد وأن يكون بسبب تخصيص الفاعل المختار.

« وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللهِ » أي هؤلاء الكفار مع ظهور هذه الدلائل يجادلون في الله وهو يحتمل وجوها أحدها أن يكون المراد الرد على الكافر الذي قال أخبرنا عن ربنا أمن نحاس أم حديد وثانيها أن يكون المراد الرد على جدالهم في إنكار البعث وإبطال الحشر وثالثها الرد عليهم في طلب سائر المعجزات ورابعها الرد عليهم في استنزال عذاب الاستئصال.

« وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ » المشهور أن الميم أصلية وقيل زائدة والمعنى شديد القوة وقيل شديد المكر وقيل شديد العقوبة وقيل شديد المغالبة وقيل شديد الجدال (١).

« رِزْقاً لَكُمْ » قال البيضاوي أي تعيشون به وهو يشمل المطعوم والملبوس مفعول أخرج و « مِنَ الثَّمَراتِ » بيان له أو حال عنه ويحتمل عكس ذلك ويجوز أن يراد به المصدر فينتصب بالعلة أو المصدر لأن أخرج في معنى رزق (٢).

« إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ » قال البيضاوي بدل من كل شيطان واستراق السمع اختلاسه سرا شبه به خطفتهم اليسيرة من قطان السماوات لما بينهم من المناسبة في الجوهر أو بالاستدلال من أوضاع الكواكب وحركاتها وعن ابن عباس أنهم كانوا لا يحتجبون عن السماوات فلما ولد عيسى عليه السلام منعوا من ثلاث سماوات فلما ولد محمد صلى الله عليه واله منعوا من كلها بالشهب ولا يقدح فيه تكونها قبل المولد لجواز أن يكون لها أسباب أخر وقيل الاستثناء منقطع أي ولكن من استرق السمع « فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ » أي فتبعه ولحقه شهاب « مُبِينٌ » ظاهر للمبصرين و

__________________

(١) مفاتيح الغيب : ج ٥ ، ص ٢٨٢.

(٢) أنوار التنزيل : ج ١ ، ص ٦٣٧.

٣٥٩

الشهاب شعلة نار ساطعة وقد يطلق للكوكب والسنان لما فيها من البريق (١) انتهى.

وقال الرازي لقائل أن يقول إذا جوزتم في الجملة أن يصعد الشيطان إلى السماوات ويختلط بالملائكة ويسمع أخبارا من الغيوب عنهم ثم إنها تنزل وتلقي تلك الغيوب فعلى هذا التقدير يجب أن يخرج الإخبار عن المغيبات عن كونه معجزا دليلا على الصدق ولا يقال إن الله تعالى أخبر عن أنهم عجزوا عن ذلك بعد مولد النبي صلى الله عليه واله لأنا نقول هذا المعجز لا يمكن إثباته إلا بعد القطع بكون محمد صلى الله عليه واله رسولا والقطع بهذا لا يمكن إلا بواسطة المعجز وكون الإخبار عن الغيب معجزا لا يثبت إلا بعد إبطال هذا الاحتمال وحينئذ يلزم الدور وهو باطل محال.

ويمكن أن يجاب عنه بأنا نثبت كون محمد صلى الله عليه واله رسولا بسائر المعجزات ثم بعد العلم بنبوته نقطع بأن الله عجز الشياطين عن تلقف الغيب بهذا الطريق وعند ذلك يصير الإخبار عن الغيب معجزا وحينئذ يندفع الدور (٢) انتهى.

وأقول : يمكن أن يقال يجب في لطف الله وحكمته أن لا يمكن الكاذب في دعوى النبوة والإمامة من هذا وإلا لزم الإغراء بالقبيح ولو بالنسبة إلى العوام ولذا قيل لا تجري الشعبذة أيضا على يد المدعي الكاذب فتأمل.

« وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ » قيل أي وما من شيء إلا ونحن قادرون على إيجاده وتكوينه أضعاف ما وجد منه فضرب الخزائن مثلا لاقتداره أو شبه مقدوراته بالأشياء المخزونة التي لا يحوج إخراجها إلى كلفة واجتهاد « وَما نُنَزِّلُهُ » من تلك الخزائن « إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ » اقتضته الحكمة وتعلقت به المشية فإن تخصيص بعضها بالإيجاد في بعض الأوقات على بعض الصفات والحالات لا بد له من مخصص حكيم وقال علي بن إبراهيم الخزانة الماء الذي ينزل من السماء

__________________

(١) أنوار التنزيل : ج ١ ، ص ٦٤٥.

(٢) مفاتيح الغيب : ج ٥ ، ص ٣٨٦.

٣٦٠