بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٠٥
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

بذلك ولقد علم هؤلاء المتعلمون « لَمَنِ اشْتَراهُ » بدينه الذي ينسلخ عنه بتعلمه « ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ » أي من نصيب في ثواب الجنة ثم قال عز وجل « وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ » وهنوها (١) بالعذاب « لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ » أنهم قد باعوا الآخرة وتركوا نصيبهم من الجنة لأن المتعلمين لهذا السحر هم الذين يعتقدون أن لا رسول ولا إله ولا بعث ولا نشور فقال « وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ » لأنهم يعتقدون أن لا آخرة فهم يعتقدون أنها إذا لم تكن آخرة فلا خلاق لهم في دار بعد الدنيا وإن كان بعد الدنيا آخرة فهم مع كفرهم بها لا خلاق لهم فيها ثم قال « وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ » إذ باعوا الآخرة بالدنيا ورهنوا بالعذاب الدائم أنفسهم « لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ » أنهم قد باعوا أنفسهم بالعذاب ولكن لا يعلمون ذلك لكفرهم به فلما تركوا النظر في حجج الله حتى يعلموا عذابهم على اعتقادهم الباطل وجحدهم الحق قال يوسف بن محمد بن زياد وعلي بن محمد بن سيار عن أبويهما أنهما قالا فقلنا للحسن أبي القائم عليه السلام فإن قوما عندنا يزعمون أن هاروت وماروت ملكان اختارتهما الملائكة لما كثر عصيان بني آدم وأنزلهما الله مع ثالث لهما إلى (٢) الدنيا وأنهما افتتنا بالزهرة وأرادا الزنا بها وشربا الخمر وقتلا النفس المحترمة وأن الله تبارك وتعالى يعذبهما ببابل وأن السحرة منهما يتعلمون السحر وأن الله مسخ تلك المرأة هذا الكوكب الذي هو الزهرة فقال الإمام عليه السلام معاذ الله من ذلك إن ملائكة الله معصومون محفوظون من الكفر والقبائح بألطاف الله قال الله عز وجل فيهم « لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ » وقال عز وجل « وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ » يعني من الملائكة « لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ » وقال عز وجل في الملائكة أيضا « بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ

__________________

(١) في المصدر : ورهنوها.

(٢) في المصدر : الى دار الدنيا.

٣٢١

مُشْفِقُونَ » ثم قال عليه السلام لو كان كما يقولون كان الله قد جعل هؤلاء الملائكة خلفاء على الأرض (١) وكانوا كالأنبياء في الدنيا أو كالأئمة فيكون من الأنبياء والأئمة عليهم السلام قتل النفس والزنا ثم قال عليه السلام أولست تعلم أن الله عز وجل لم يخل الدنيا قط من نبي أو إمام من البشر أوليس الله عزوجل يقول « وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ » يعني إلى الخلق « إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى » فأخبر أنه لم يبعث الملائكة إلى الأرض ليكونوا أئمة وحكاما وإنما أرسلوا إلى أنبياء الله قالا قلنا له فعلى هذا لم يكن إبليس أيضا ملكا فقال لا بل كان من الجن أما تسمعان الله عز وجل يقول « وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِ » فأخبر عز وجل أنه كان من الجن وهو الذي قال الله عزوجل « وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ ».

قال الإمام الحسن بن علي عليه السلام حدثني أبي عن جدي عن الرضا عن آبائه عن علي عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه واله إن الله عز وجل اختارنا معاشر آل محمد واختار النبيين واختار الملائكة المقربين وما اختارهم إلا على علم منه بهم أنهم لا يواقعون ما يخرجون به عن ولايته وينقلعون به عن عصمته وينتمون به إلى المستحقين لعذابه ونقمته قالا فقلنا له فقد روي لنا أن عليا عليه السلام لما نص عليه رسول الله صلى الله عليه واله بالإمامة عرض الله عز وجل ولايته في السماوات على فئام (٢) من الناس وفئام من الملائكة فأبوها فمسخهم الله ضفادع فقال عليه السلام معاذ الله هؤلاء المكذبون لنا المفترون علينا الملائكة هم رسل الله فهم كسائر أنبياء الله ورسله إلى الخلق فيكون منهم الكفر بالله قلنا لا قال فكذلك الملائكة إن شأن الملائكة لعظيم وإن خطبهم لجليل (٣).

الإحتجاج : بالإسناد إلى أبي محمد العسكري عليه السلام من قوله فقلنا للحسن

__________________

(١) في المصدر : فى الأرض.

(٢) الفئام : الجماعة من الناس ولا واحد له من لفظه.

(٣) العيون : ج ١ ، ص ٢٦٦ ـ ٢٧١.

٣٢٢

أبي القائم إلى آخر الخبر (١).

توضيح : قال في النهاية الفئام مهموزا الجماعة الكثيرة انتهى.

وأقول : قد فسر في خبر فضل يوم الغدير بمائة ألف.

٤ ـ العيون : عن تميم بن عبد الله القرشي عن أبيه عن أحمد بن علي الأنصاري عن علي بن محمد بن الجهم قال : سمعت المأمون يسأل الرضا علي بن موسى عليه السلام عما يرويه الناس من أمر الزهرة وأنها كانت امرأة فتن بها هاروت وماروت وما يروونه من أمر سهيل وأنه كان عشارا باليمن فقال كذبوا في قولهم إنهما كوكبان وإنما كانتا دابتين من دواب البحر فغلط الناس وظنوا أنهما كوكبان وما كان الله ليمسخ أعداءه أنوارا مضيئة ثم يبقيها ما بقيت السماء والأرض وإن المسوخ لم يبق أكثر من ثلاثة أيام حتى ماتت وما تناسل منها شيء وما على وجه الأرض اليوم مسخ وإن التي وقع عليها اسم المسوخية مثل القردة والخنزير والدب وأشباهها إنما هي مثل ما مسخ الله على صورها قوما غضب عليهم ولعنهم بإنكارهم توحيد الله وتكذيبهم رسله وأما هاروت وماروت فكانا ملكين علما الناس السحر ليتحرزوا به من سحر السحرة ويبطلوا به كيدهم وما علما أحدا من ذلك إلا قالا له « إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ » فكفر قوم باستعمالهم لما أمروا بالاحتراز منه وجعلوا يفرقون بما يعرفونه (٢) بين المرء وزوجه قال الله عز وجل « وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ » يعني بعلمه (٣).

٥ ـ العلل : عن أبيه عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن إسماعيل بن مهران عن محمد بن الحسن زعلان عن أبي الحسن عليه السلام أنه عد المسوخ وساق الحديث إلى أن قال ومسخت الزهرة لأنها كانت امرأة فتن بها هاروت وماروت (٤).

__________________

(١) الاحتجاج : ٢٥٥.

(٢) في المصدر : بما تعلموه.

(٣) العيون : ج ١ ، ص ٢٧١.

(٤) العلل : ج ٢ ، ص ١٧١.

٣٢٣

٦ ـ ومنه : بإسناد آخر عن الصادق عليه السلام وأما الزهرة فإنها كانت امرأة تسمى ناهيد وهي التي تقول الناس إنه افتتن بها هاروت وماروت (١).

٧ ـ ومنه : بإسناد آخر عن الرضا عليه السلام وأما الزهرة فكانت امرأة فتنت [ فتن ] بها هاروت وماروت فمسخها الله عز وجل الزهرة (٢).

٨ ـ ومنه : بإسناد آخر عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال قال النبي صلى الله عليه واله وأما الزهرة فكانت امرأة نصرانية وكانت لبعض ملوك بني إسرائيل وهي التي فتن بها هاروت وماروت وكان اسمها ناهيل والناس يقولون ناهيد (٣).

أقول : سنذكر الأخبار بأسانيدها في باب المسوخات إن شاء الله.

٩ ـ العياشي : عن زرارة عن أبي الطفيل قال : كنت في مسجد الكوفة فسمعت عليا وهو على المنبر وناداه ابن الكواء وهو في مؤخر المسجد فقال يا أمير المؤمنين ما الهدى قال لعنك الله ولم يسمعه ما الهدى تريد ولكن العمى تريد ثم قال له ادن فدنا منه فسأله عن أشياء فأخبره فقال أخبرني عن هذه الكوكبة الحمراء يعني الزهرة قال إن الله اطلع ملائكته على خلقه وهم على معصية من معاصيه فقال الملكان هاروت وماروت هؤلاء الذين خلقت أباهم بيدك وأسجدت له ملائكتك يعصونك قال فلعلكم إذا ابتليتم بمثل الذي ابتلوهم [ ابتليتهم ] به عصيتموني كما عصوني قالا لا وعزتك قال فابتلاهما بمثل الذي ابتلى به بني آدم من الشهوة ثم أمرهما أن لا يشركا به شيئا ولا يقتلا النفس التي حرم الله ولا يزنيا ولا يشربا الخمر ثم أهبطهما إلى الأرض فكانا يقضيان بين الناس هذا في ناحية وهذا في ناحية فكانا بذلك حتى أتت أحدهما هذه الكوكبة تخاصم إليه وكانت من أجمل الناس فأعجبته فقال لها الحق لك ولا أقضي لك حتى تمكنيني من نفسك فواعدت يوما ثم أتت الآخر فلما خاصمت إليه وقعت في نفسه و

__________________

(١) العلل : ج ٢ ، ص ١٧٣.

(٢) العلل : ج ٢ ، ص ١٧٣ ، والرواية عن الصادق لا عن الرضا عليهما‌السلام.

(٣) العلل : ج ٢ ، ص ١٧٤.

٣٢٤

أعجبته كما أعجبت الآخر فقال لها مثل مقالة صاحبه فواعدته الساعة التي واعدت صاحبه فاتفقا جميعا عندها في تلك الساعة فاستحيا كل واحد من صاحبه حيث رآه وطأطآ رءوسهما ونكسا ثم نزع الحياء منهما فقال أحدهما لصاحبه يا هذا جاء بي الذي جاء بك قال ثم راوداها عن نفسها فأبت عليهما حتى يسجدا لوثنها ويشربا من شرابها وأبيا عليها وسألاها فأبت إلا أن يشربا من شرابها فلما شربا صليا لوثنها ودخل مسكين فرآهما فقالت لهما يخرج هذا فيخبر عنكما فقاما إليه فقتلاه ثم راوداها عن نفسها فأبت حتى يخبراها بما يصعدان به إلى السماء فأبيا وأبت أن تفعل فأخبراها فقالت ذلك لتجرب مقالتهما وصعدت فرفعا أبصارهما إليها فرأيا أهل السماء مشرفين عليهما ينظرون إليهما وتناهت إلى السماء فمسخت فهي الكوكبة التي ترى.

١٠ ـ ومنه : عن الحسن بن محبوب عن أبي ولاد قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام جعلت فداك إن رجلا من أصحابنا ورعا مسلما كثير الصلاة قد ابتلي بحب اللهو وهو يسمع الغناء فقال أيمنعه ذلك من الصلاة لوقتها أو من صوم أو من عيادة مريض أو حضور جنازة أو زيارة أخ قال قلت لا ليس يمنعه ذلك من شيء من الخير والبر قال فقال هذا من خطوات الشيطان مغفور له ذلك إن شاء الله ثم قال إن طائفة من الملائكة عابوا ولد آدم في اللذات والشهوات أعني ذلكم الحلال ليس الحرام قال فأنف الله للمؤمنين من ولد آدم من تعيير الملائكة لهم قال فألقى الله في همة أولئك الملائكة اللذات والشهوات كيلا يعيبون المؤمنين قال فلما أحسوا ذلك من هممهم عجوا إلى الله من ذلك فقالوا ربنا عفوك عفوك ردنا إلى ما خلقتنا له واخترتنا عليه فإنا نخاف أن نصير في أمر مريج قال فنزع الله ذلك من هممهم قال فإذا كان يوم القيامة وصار أهل الجنة في الجنة استأذن أولئك الملائكة على أهل الجنة فيؤذن لهم فيدخلون عليهم فيسلمون عليهم ويقولون لهم « سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ » في الدنيا عن اللذات والشهوات الحلال.

٣٢٥

بيان : أنف من الشيء كعلم استنكف ومرج الدين والأمر خلط واضطرب.

١١ ـ الإقبال : عن زين العابدين عليه السلام في دعاء عرفة اللهم إن ملائكتك مشفقون من خشيتك سامعون مطيعون لك وهم بأمرك يعملون لا يفترون الليل والنهار يسبحون (١).

١٢ ـ الإحتجاج : سأل الزنديق أبا عبدالله عليه السلام قال فما تقول في الملكين هاروت وماروت وما يقول الناس بأنهما يعلمان السحر قال إنهما موضع ابتلاء وموقف (٢) فتنة تسبيحهما اليوم لو فعل الإنسان كذا وكذا لكان كذا ولو يعالج بكذا وكذا لصار كذا أصناف السحر فيتعلمون منهما ما يخرج منهما فيقولان لهم إنما نحن فتنة فلا تأخذوا عنا ما يضركم ولا ينفعكم (٣).

__________________

(١) الإقبال : ٣٦٦.

(٢) في المصدر : موقع.

(٣) الاحتجاج : ١٨٥.

٣٢٦

(أبواب)

(العناصر وكائنات الجو (١) والمعادن والجبال والأنهار)

(والبلدان والأقاليم)

(٢٦)

(باب النار وأقسامها)

الآيات :

يس « الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ » (٢).

الواقعة « أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ » (٣).

تفسير : قال الطبرسي رحمه‌الله في قوله « جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً » أي جعل لكم من الشجر الرطب المطفئ للنار نارا محرقة يعني بذلك المرخ والعفار وهما شجران تتخذ الأعراب زنودها منهما فبين سبحانه أن من قدر على أن يجعل في الشجر الأخضر الذي هو في غاية الرطوبة نارا حامية مع مضادة النار للرطوبة حتى إذا احتاج الإنسان حك بعضه ببعض فخرج منه النار وينقدح قدر على الإعادة وتقول العرب في كل شجر نار واستمجد المرخ والعفار وقال الكلبي كل شجر تنقدح منه النار إلا العناب (٤).

__________________

(١) في بعض النسخ : البحر.

(٢) يس : ٨٠.

(٣) الواقعة : ٧١ ـ ٧٣.

(٤) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٤٣٥.

٣٢٧

« أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ » أي تستخرجونها (١) بزنادكم من الشجر « أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها » التي تنقدح النار منها « أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ » لها فلا يمكن أحدا أن يقول إنه أنشأ تلك الشجرة غير الله تعالى والعرب تقدح بالزند والزندة وهو خشب يحك بعضه ببعض فتخرج منه النار « نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً » أي نحن جعلنا هذه النار تذكرة للنار الكبرى فإذا رآها الرائي ذكر جهنم واستعاذ بالله منها وقيل تذكرة لقدرة الله تعالى على المعاد « وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ » أي بلغة ومنفعة للمسافرين يعني الذين نزلوا الأرض القي وهو القفر وقيل للمستمتعين بها من الناس أجمعين المسافرين والحاضرين والمعنى أن جميعهم يستضيئون بها في الظلمة ويصطلون في البرد وينتفعون بها في الطبخ والخبز وعلى هذا فيكون المقوي من الأضداد أي الذي صار ذا قوة من المال والنعمة والذاهب ماله النازل بالقواء من الأرض أي متاعا للأغنياء والفقراء (٢) انتهى.

وقال الرازي في شجرة النار وجوه أحدها أنها الشجرة التي توري النار منها بالزند والزندة وثانيها الشجرة التي تصلح لإيقاد النار كالحطب فإنها لو لم تكن لم يسهل إيقاد النار لأن النار لا تتعلق بكل شيء كما تتعلق بالحطب وثالثها أصول شعلها وفروعها شجرتها ولو لا أنها ذات (٣) شعب لما صلحت لإنضاج الأشياء (٤).

وقال البيضاوي « نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً » أي تبصرة في أمر البعث أو في الظلام أو تذكيرا أو أنموذجا لنار جهنم « وَمَتاعاً » أي منفعة « لِلْمُقْوِينَ » للذين ينزلون القوى وهي القفراء وللذين خلت بطونهم أو مزاودهم من الطعام من أقوت الدار إذا خلت من ساكنيها (٥) انتهى.

__________________

(١) في المصدر : وتقدحونها : .

(٢) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ٢٢٤.

(٣) في المصدر : ووقود شجرتها ولو لا كونها ذات شعل ...

(٤) مفاتيح الغيب : ج ٨ ، ص ٩٣.

(٥) أنوار التنزيل : ج ٢ ، ص ٤٩٣.

٣٢٨

وقال الجوهري : وفي المثل في كل شجر نار واستمجد المرخ والعفار أي استكثرا منها كأنهما أخذا من النار ما هو جسمهما ويقال لأنهما يسرعان الوري فشبها بمن يكثر من العطاء طلبا للمجد وقال المرخ شجر سريع الوري والعفار الزند وهو الأعلى والمرخ الزندة وهي الأسفل.

١ ـ الخصال : عن محمد بن علي ماجيلويه عن محمد بن يحيى العطار عن أحمد (١) بن محمد بن يحيى الأشعري عن صالح يرفعه بإسناده قال : أربعة القليل منها كثير النار القليل منها كثير والنوم القليل منه كثير والمرض القليل منه كثير والعداوة القليل منها كثير (٢).

بيان : النار أي نار القيامة القليل منها كثير في الضرر أو الأعم من نار الدنيا ونار الآخرة فالقليل منها كثير في النفع والضرر معا فإن قليلا من النار يضيء كثيرا من الأمكنة وينتفع بها في جميع الأمور ويحرق قليل منها عالما والنوم القليل منه كثير في المنفعة والمرض والعداوة في الضرر فقط وإن احتمل التعميم في الأول بل في الثاني أيضا على تكلف شديد.

٢ ـ الخصال : عن محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن محمد بن سنان عن المفضل قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن النيران فقال نار تأكل وتشرب ونار تأكل ولا تشرب ونار تشرب ولا تأكل ونار لا تأكل ولا تشرب فالنار التي تأكل وتشرب فنار ابن آدم وجميع الحيوان والتي تأكل ولا تشرب فنار الوقود والتي تشرب ولا تأكل فنار الشجرة والتي لا تأكل ولا تشرب فنار القداحة والحباحب (٣) الخبر.

بيان : فنار ابن آدم أي الحرارة الغريزية في بدن الحيوانات فإنها تحلل الرطوبات وتخرج الحيوان إلى الماء والغذاء معا ونار الوقود النار التي

__________________

(١) في المصدر : عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران.

(٢) الخصال : ١١١.

(٣) الخصال : ١٠٦.

٣٢٩

تتقد في الحطب وتشتعل فإنها تأكل الحطب مجازا أي تكسره وتفنيه وتقلبه ولا تشرب ماء بل هو مضاد لها ونار الشجرة هي الكامنة مادتها أو أصلها في الشجر الأخضر كما مر فإنها تشرب الماء ظاهرا وتصير سببا لنمو شجرتها ولا تأكل ظاهرا وإن كان للتراب أيضا مدخل في نموها أو المعنى أن عند احتكاك الغصنين الرطبين يظهر الماء فكأن النار الظاهر منها يشربها والقداحة والقداح الحجر الذي يوري النار ذكره الجوهري وقال الحباحب (١) بالضم اسم رجل بخيل كان لا يوقد إلا نارا ضعيفة مخافة الضيفان فضربوا بها المثال حتى قالوا نار الحباحب لما تقدحه الخيل بحوافرها وربما قالوا نار أبي حباحب وهو ذباب يطير بالليل كأنه نار وربما جعلوا الحباحب اسما لتلك النار وقال الفيروزآبادي الحباحب بالضم ذباب يطير بالليل له شعاع كالسراج ومنه نار الحباحب أو هي ما اقتدح من شرر النار في الهواء من تصادم الحجارة أو كان أبو حباحب من محارب وكان لا يوقد ناره إلا بالحطب الشخت لئلا ترى أو هي من الحبحبة الضعف أو هي الشرر يسقط من الزناد انتهى والمراد بهذه النار ما كمن منها أو من مادتها في الحجر والحديد فإنها لا تصل إليها ماء ولا غذاء أو عند قدحها قبل اتقادها في قطن أو حطب لا تصادف ماء ولا شيئا آخر.

٣ ـ الإحتجاج : عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال الزنديق له أخبرني عن السراج إذا انطفأ أين يذهب نوره قال يذهب ولا يعود قال فما أنكرت أن يكون الإنسان مثل ذلك إذا مات وفارق الروح البدن لم يرجع إليه أبدا (٢) قال لم تصب القياس إن النار في الأجسام كامنة والأجسام قائمة بأعيانها كالحجر والحديد فإذا ضرب أحدهما الآخر (٣) سطعت من بينهما نار تقتبس منها سراج له الضوء فالنار ثابتة في أجسامها والضوء ذاهب (٤) الخبر.

__________________

(١) في القاموس : الحبحاب.

(٢) في المصدر : كما لا يرجع ضوء السراج إليه ابدا إذا انطفى.

(٣) في المصدر : بالآخر.

(٤) الاحتجاج : ١٩١.

٣٣٠

٤ ـ تفسير علي بن إبراهيم : « الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ » وهو المرخ والعفار يكون في ناحية بلاد العرب (١) فإذا أرادوا أن يستوقدوا أخذوا من ذلك الشجر ثم أخذوا عودا فحركوه فيه فيستوقدوا منه النار (٢).

فائدة : اعلم أن المشهور بين الحكماء والمتكلمين أن العناصر أربعة النار والهواء والماء والأرض كما تشهد به الشواهد الحسية والتجربية والتأمل في أحوال التركيبات والتحليلات ولقدماء الفلاسفة فيها اختلافات فمنهم من جعل أصل العناصر واحدا والبواقي تحصل بالاستحالة فقيل هو النار وقيل الهواء وقيل الماء وقيل الأرض وقيل البخار ومنهم من جعله اثنين فقيل النار والأرض وقيل الماء والأرض وقيل الهواء والأرض ومنهم من جعله ثلاثة فقيل النار والهواء والأرض وإنما الماء هواء متكاثف وقيل الهواء والماء والأرض وإنما النار هواء شديد الحرارة وهذه الأقوال عندهم ضعيفة وقد مر في الأخبار ما يدل على كون أصل العناصر بل الأفلاك الماء أو هو مع النار أو هما مع الهواء وبالجملة لا ريب في وجود تلك العناصر الأربعة تحت فلك القمر وإنما الإشكال في وجود كرة النار وعلى تقدير وجودها هل كانت هواء انقلبت نارا بحركة الفلك أو كانت في الأصل نارا والمشهور أن هذه الأربعة عناصر المركبات التامة وأسطقساتها ومنها تتركب وإليها تنحل وقيل النار غير موجودة في المركبات لأنها لا تنزل عن الأثير إلا بالقسر ولا قاسر هناك.

ثم المشهور أن صور البسائط باقية في المركبات وقال الشيخ في الشفاء لكن قوما اخترعوا في قريب من زماننا هذا مذهبا غريبا قالوا إن البسائط إذا امتزجت وانفعل بعضها من بعض تأدى ذلك بها إلى أن يخلع صورها فلا تكون لواحد منها صورته الخاصة وليست حينئذ صورة خاصة واحدة فيصير لها هيولى

__________________

(١) في المصدر : بلاد المغرب فإذا أرادوا ان يستوقدوا نارا ...

(٢) تفسير علي بن إبراهيم : ٥٥٤.

٣٣١

واحدة وصورة واحدة فمنهم من جعل تلك الصورة أمرا متوسطا بين صورها ومنهم من جعلها صورة أخرى من النوعيات واحتج على فساد هذا المذهب بوجوه تركناها.

وذهب انكساغورس وأصحابه إلى الخلط والكمون والبروز وأنكروا التغيير في الكيفية والصورة وزعموا أن الأركان الأربعة لا يوجد شيء منها صرفا بل هي تختلط من تلك الطبائع النوعية كاللحم والعظم والعصب والتمر والعسل والعنب وغير ذلك وإنما سمي بالغالب الظاهر منها ويعرض لها عند ملاقاة الغير أن يبرز منها ما كان كامنا فيها فيغلب ويظهر للحس بعد ما كان مغلوبا غائبا عنه لا على أنه حدث بل على أنه برز ويكمن فيها ما كان بارزا فيصير مغلوبا وغائبا بعد ما كان غالبا وظاهرا وبإزائهم قوم زعموا أن الظاهر ليس على سبيل البروز بل على سبيل النفوذ من غيره فيه كالماء مثلا فإنه إنما يتسخن بنفوذ أجزاء نارية فيه من النار والمجاورة له وهذان القولان سخيفان والمشهور عندهم أن العناصر تفعل بعضها في بعض فيستحيل في كيفيتها وتحصل للجميع كيفية متوسطة متشابهة هي المزاج فتستعد بذلك لإفاضة صورة مناسبة لها من المبدإ.

ثم المشهور بينهم أن النار التي تسطع عند ملاقاة الحجر والحديد أو عند احتكاك الخشبتين الرطبتين أو اليابستين إنما هي بانقلاب الهواء الذي بينهما نارا بسبب حرارة حدثت فيه من الاصطكاك والاحتكاك لا بأن يخرج من الحجر أو الحديد أو الشجر نار وظواهر الآيات والأخبار المتقدمة لا ينافي ذلك.

وأما قوله عليه السلام في حديث هشام أن النار في الأجسام كامنة فالمراد بها إما النار التي تركب الجسم منها ومن سائر العناصر أو المعنى أن ما هو سبب لإحداث النار حاصل في الأجسام وإن انطفت النيران المتولدة منها وانقلبت هواء والأول أظهر والحاصل أن قياسك الروح على نار الفتيلة وغيرها حيث لم يمكن إعادتها إلى الأجسام قياس مع الفارق فإن الروح إما جسم أو جوهر مجرد ثابت محفوظ يمكن إعادته والنار الذي (١) ذكرت انقلبت هواء وذهبت فعلى تقدير استحالة

__________________

(١) التي ( ظ ).

٣٣٢

إعادتها لا توجب إعادة الروح بل ما يشبه الروح هو النار الكامن في الجسم الموجود فيه لا هذا الضوء الذاهب وأما نار الشجرة فذات احتمالات أومأنا إليها سابقا.

(٢٧)

(باب)

(الهواء وطبقاته وما يحدث فيه من الصبح والشفق وغيرهما)

الآيات :

الأنعام : « فالِقُ الْإِصْباحِ » (١).

المدثر : « وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ » (٢).

التكوير : « وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ » (٣).

الإنشقاق : « فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ » (٤).

الفجر : « وَالْفَجْرِ » (٥).

تفسير : « إِذا تَنَفَّسَ » قال الرازي إشارة إلى تكامل طلوع الصبح وفي كيفية المجاز قولان أحدهما أنه إذا أقبل الصبح أقبل بإقباله روح ونسيم فجعل ذلك نفسا له على المجاز والثاني أنه شبه الليل المظلم بالمكروب المحزون الذي خنق بحيث لا يتحرك واجتمع الحزن في قلبه وإذا تنفس وجد راحة فهاهنا لما طلع الصبح فكأنه تخلص من ذلك الحزن فعبر عنه بالتنفس وهو استعارة لطيفة (٦).

« فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ » أي بالحمرة التي عند المغرب في الأفق وقيل البياض

__________________

(١) الأنعام : ٩٦.

(٢) المدثر : ٣٤.

(٣) التكوير : ١٨.

(٤) الانشقاق : ١٦ ـ ١٨.

(٥) الفجر : ١.

(٦) مفاتيح الغيب : ج ٨ ، ص ٤٨٤.

٣٣٣

« وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ » أي وما جمع وما ضم مما كان منتشرا بالنهار وقيل وما ساق لأن ظلمة الليل تسوق كل شيء إلى مسكنه وقيل وما طرد من الكواكب فإنها تظهر بالليل وتخفى بالنهار « وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ » أي إذا استوى واجتمع وتكامل وتم « وَالْفَجْرِ » أقسم بفجر النهار وهو انفجار الصبح كل يوم وقيل أراد بالفجر النهار كله.

واعلم أن المذكور في كتب الحكماء والرياضيين هو أن الصبح والشفق الأحمر والأبيض إنما يظهر من وقوع ضوء الشمس على كرة البخار قالوا المستضيء بالشمس من كرة الأرض أكثر من نصفها دائما لما بين في محله أن الكرة الصغرى إذا قبلت الضوء من الكبرى كان المستضيء منها أعظم من نصفها وظل الأرض على هيئة مخروط يلازم رأسه مدار الشمس وينتهي في فلك الزهرة كما علم بالحساب والنهار مدة كون المخروط تحت الأفق والليل مدة كونه فوقه فإذا ازداد قرب الشمس من شرقي الأفق ازداد ميل المخروط إلى غربيه ولا يزال كذلك حتى يرى الشعاع المحيط به وأول ما يرى منه هو الأقرب إلى موضع الناظر لأنه صدق رؤيته وهو موقع خط يخرج من بصره عمودا على الخط المماس للشمس والأرض فيرى الضوء مرتفعا عن الأفق مستطيلا وما بينه وبين الأفق مظلما لقربه من قاعدة المخروط الموجب لبعد الضوء هناك عن الناظر وهو الصبح الكاذب ثم إذا قربت الشمس جدا يرى الضوء معترضا وهو الصبح الصادق ثم يرى محمرا والشفق بعكس الصبح يبدو محمرا ثم مبيضا معترضا ثم مرتفعا مستطيلا فالصبح والشفق متشابهان شكلا ومتقابلان وضعا لأن هيئة آخر غروب الشمس مثل أول طلوع الفجر ويختلفان لونا بسبب اختلاف كيفية الهواء المخلوط فإن لون البخار في جانب المشرق مائل إلى الصفا والبياض لاكتسابه الرطوبة من برودة الليل وفي جانب المغرب مائل إلى الصفرة لغلبة الجزء الدخاني المكتسب بحرارة النهار والجسم الكثيف كلما كثر صفاؤه وبياضه ازداد قبوله للضوء وكان الشعاع المنعكس منه أقوى من المنعكس من غيره وقد عرف بالآلات

٣٣٤

الرصدية أن انحطاط الشمس من الأفق عند طلوع الصبح الأول وآخر غروب الشفق يكون ثماني عشرة درجة من دائرة الارتفاع المارة بمركز الشمس في جميع الآفاق ولكن لاختلاف مطالع قوس الانحطاط تختلف الساعات التي بين طلوع الصبح والشمس وكذا بين غروب الشمس والشفق.

قال العلامة رحمه‌الله في كتاب المنتهى اعلم أن ضوء النهار من ضياء الشمس وإنما يستضيء بها ما كان كذا في نفسه كثيفا في جوهره كالأرض والقمر وأجزاء الأرض المتصلة والمنفصلة وكلما يستضيء من جهة الشمس فإنه يقع له ظل من ورائه وقد قدر الله تعالى بلطف حكمته دوران الشمس حول الأرض (١) فإذا كانت تحتها وقع ظلها فوق الأرض على شكل مخروط ويكون الهواء المستضيء بضياء الشمس محيطا بجوانب ذلك المخروط فتستضيء نهايات الظل بذلك الهواء المضيء لكن ضوء الهواء ضعيف إذ هو مستعار فلا ينفذ كثيرا في أجزاء المخروط بل كلما ازداد بعدا ازداد ضعفا فإذن متى تكون في وسط المخروط تكون في أشد الظلام فإذا قربت الشمس من الأفق الشرقي مال مخروط الظل عن سمت الرأس وقربت الأجزاء المستضيئة في حواشي الظل بضياء الهواء من البصر وفيه أدنى قوة فيدركه البصر عند قرب الصباح وعلى هذا كلما ازدادت الشمس قربا من الأفق ازداد ضوء نهايات الظل قربا من البصر إلى أن تطلع الشمس وأول ما يظهر الضوء عند قرب الصباح يظهر مستدقا مستطيلا كالعمود ويسمى الصبح الكاذب ويشبه بذنب السرحان لدقته واستطالته ويسمى الأول لسبقه على الثاني والكاذب لكون الأفق مظلما أي لو كان يصدق أنه نور الشمس لكان المنير مما يلي الشمس دون ما يبعد منه ويكون ضعيفا دقيقا ويبقى وجه الأرض على ظلامه بظل الأرض ثم يزداد هذا الضوء إلى أن يأخذ طولا وعرضا فينبسط في أرض الأفق كنصف دائرة وهو الفجر الثاني الصادق لأنه صدقك عن الصبح وبينه لك.

١ ـ الكافي : عن علي بن محمد ومحمد بن الحسن عن سهل بن زياد عن ابن

__________________

(١) على ما كان يراه مشهور قدماء الفلكيين.

٣٣٥

محبوب عن أبي ولاد قال قال أبو عبد الله عليه السلام إن الله خلق حجابا من ظلمة مما يلي المشرق ووكل به ملكا فإذا غابت الشمس اغترف ذلك الملك غرفة بيديه (١) [ بيده ] ثم استقبل بها المغرب يتبع الشفق ويخرج من بين يديه قليلا قليلا ويمضي فيوافي المغرب عند سقوط الشفق فيسرح في الظلمة ثم يعود إلى المشرق فإذا طلع الفجر نشر جناحيه فاستاق الظلمة من المشرق إلى المغرب حتى يوافي بها المغرب عند طلوع الشمس (٢).

بيان : هذا الخبر من معضلات الأخبار ولعله من غوامض الأسرار ومن في قوله عليه السلام من ظلمة يحتمل البيان والتبعيض والاستياق السوق ولعل الكلام مبني على استعارة تمثيلية لبيان أن شيوع الظلمة واشتدادها تابعان لقلة الشفق وغيبوبته وكذا العكس وأن جميع ذلك بتدبير المدبر الحكيم وبتقدير العزيز العليم وربما يؤول الخبر بأن المراد بالحجاب الظلماني ظل الأرض المخروطي من الشمس وبالملك الموكل به روحانية الشمس المحركة لها الدائرة بها وبإحدى يديه القوة المحركة لها بالذات التي هي سبب لنقل ضوئها من محل إلى آخر وبالأخرى القوة المحركة لظل الأرض بالعرض بتبعية تحريك الشمس التي هي سبب لنقل الظلمة من محل إلى آخر وعوده إلى المشرق إنما هو بعكس البدء بالإضافة إلى الضوء والظل وبالنسبة إلى فوق الأرض وتحتها ونشر جناحيه كأنه كناية عن نشر الضوء من جانب والظلمة من آخر.

وأقول : لعل السكوت عن أمثال ذلك ورد علمها إلى الإمام عليه السلام أحوط وأولى.

٢ ـ الكافي : عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن أحمد بن أشيم عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول وقت المغرب إذا ذهبت الحمرة من المشرق وتدري كيف ذلك قلت لا قال لأن المشرق مطل

__________________

(١) في المصدر : بيده.

(٢) الكافي : ج ٣ ، ص ٢٧٩.

٣٣٦

على المغرب هكذا ورفع يمينه فوق يساره فإذا غابت هاهنا ذهبت الحمرة من هاهنا (١).

بيان : أطل عليه أي أشرف وفي بعض النسخ بالظاء المعجمة والمعنيان متقاربان والمراد بالمشرق إما النصف الشرقي من السماء أو ما قرب من الأفق الشرقي منها والحاصل أن المغرب والمعتبر (٢) في دخول وقت الصلاة والإفطار هو غيبوبة القرص وذهاب آثاره من جانب المشرق مطلقا سواء كانت على الجدران والجبال أو على كرة البخار وسيأتي تمام القول في ذلك في كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى.

٣ ـ الكافي : عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن الحجال عن ثعلبة بن ميمون عن عمران الحلبي قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام متى تجب العتمة فقال إذا غاب الشفق والشفق الحمرة فقال عبيد الله أصلحك الله إنه يبقى بعد ذهاب الحمرة ضوء شديد معترض فقال أبو عبد الله عليه السلام إن الشفق إنما هو الحمرة وليس الضوء من الشفق (٣).

٤ ـ ومنه : عن علي بن إبراهيم عن علي بن محمد القاساني عن سليمان بن حفص المروزي عن أبي الحسن العسكري عليه السلام قال : إذا انتصف الليل ظهر بياض في وسط السماء شبه عمود من حديد تضيء له الدنيا فيكون ساعة ثم يذهب ويظلم فإذا بقي ثلث الليل ظهر بياض من قبل المشرق فأضاءت له الدنيا فيكون ساعة ثم يذهب فيكون (٤) وقت صلاة الليل ثم يظلم قبل الفجر ثم يطلع الفجر الصادق من قبل المشرق وقال ومن أراد أن يصلي صلاة الليل في نصف الليل فذاك له (٥).

__________________

(١) الكافي : ج ٣ ، ص ٢٧٨.

(٢) الغروب المعتبر ( خ ).

(٣) الكافي : ج ٣ ، ص ٢٨٠.

(٤) في المصدر : وهو.

(٥) الكافي : ج ٣ ، ص ٢٨٣.

٣٣٧

بيان : قوله ويظلم أي البياض مجازا وفي بعض النسخ بالتاء أي الدنيا ويمكن أن يكون المراد بالإضاءة ظهور الأنوار المعنوية للمقربين بسبب فتح أبواب سماء الرحمة ونزول الملائكة لإرشاد العباد وتنبيههم وندائهم إياهم من ملكوت السماوات كما ورد في سائر الروايات ويمكن أن تكون أنوارا ضعيفة تخفى على أكثر الناس في أكثر الأوقات وتظهر على أبصار العارفين الذين ينظرون بنور الله كما أن الملائكة يراهم الأنبياء والأوصياء عليهم السلام ولا يراهم غيرهم وقد يقال ظهور البياض كناية عن نزول الملك الذي ينزل نصف الليل إلى سماء الدنيا لينادي العباد فتضيء له الدنيا أي يقوم الناس للعبادة فيظهر له نور من الأرض بسبب عبادتهم كما ورد في الخبر أنهم يضيئون لأهل السماء ثم يذهب لأنهم ينامون قليلا كما ورد من سيرة رسول الله صلى الله عليه واله ثم يقومون إذا بقي ثلث الليل وظهور البياض من قبل المشرق لأن الملك ينتقل إليه ثم يظلم قبل الفجر أي ينامون قليلا وبالجملة الخبر من المتشابهات وعلمه عند من صدر عنه إن لم يكن من الموضوعات.

٥ ـ الخرائج : روي عن صفوان الجمال قال : كنت بالحيرة مع أبي عبد الله عليه السلام إذ أقبل الربيع وقال أجب أمير المؤمنين فلم يلبث أن عاد قلت أسرعت الانصراف قال إنه سألني عن شيء فاسأل الربيع عنه فقال صفوان وكان بيني وبين الربيع لطف فخرجت إلى الربيع وسألته فقال أخبرك بالعجب إن الأعراب خرجوا يجتنون الكمأة فأصابوا في البر خلقا ملقى فأتوني به فأدخلته على الخليفة فلما رآه قال نحه وادع جعفرا فدعوته فقال يا أبا عبد الله أخبرني عن الهواء ما فيه قال في الهواء موج مكفوف قال ففيه سكان قال نعم قال وما سكانه قال خلق أبدانهم أبدان الحيتان ورءوسهم رءوس الطير ولهم أعرفة كأعرفة الديكة ونغانغ كنغانغ الديكة وأجنحة كأجنحة الطير من ألوان أشد بياضا من الفضة المجلوة فقال الخليفة هلم الطشت فجئت بها وفيها ذلك الخلق وإذا هو والله كما وصفه جعفر فلما خرج جعفر

٣٣٨

قال يا ربيع هذا الشجا المعترض في حلقي من أعلم الناس.

بيان : قال الفيروزآبادي الكمء نبات معروف والجمع أكمؤ وكمأة أو هي اسم للجمع أو هي للواحد والكمء للجمع وقال النغنغ الفرج ذو الربلات وموضع بين اللهاة وشوارب الحنجور واللحمة في الحلق عند اللحام (١) والذي يكون عند (٢) عنق البعير إذا اجتر تحرك وقال الديك بالكسر معروف والجمع ديوك وأدياك وديكة كقردة وقال الشجا ما اعترض في الحلق من عظم ونحوه انتهى ولما كان عليه السلام مستحقا للخلافة متصفا بشرائطها دونه ولم يمكنه دفعه شبهه بالشجا المعترض في الحلق الذي لا يمكن إساغته ولا دفعه ولعل المراد بالموج المكفوف البحر المواج المكفوف عن السيلان ويحتمل أن يكون إشارة إلى البحر المحيط ويكون هذا الحيوان مما ارتفع منه مع السحاب لكن ظاهر هذا الخبر والخبر الآتي أنه بحر بين السماء والأرض غير المحيط.

٦ ـ كشف الغمة : قال محمد بن طلحة إن أبا جعفر محمد بن علي عليه السلام لما توفي والده علي الرضا عليه السلام وقدم الخليفة إلى بغداد بعد وفاته بسنة اتفق أنه خرج إلى الصيد فاجتاز بطرف البلد في طريقه والصبيان يلعبون ومحمد واقف معهم وكان عمره يومئذ إحدى عشرة سنة فما حولها فلما أقبل المأمون انصرف الصبيان هاربين ووقف أبو جعفر محمد عليه السلام فلم يبرح مكانه فقرب منه الخليفة فنظر إليه وكان الله عز وعلا قد ألقى عليه مسحة من قبول فوقف الخليفة وقال له يا غلام ما منعك من الانصراف مع الصبيان فقال له محمد مسرعا يا أمير المؤمنين لم يكن بالطريق ضيق لأوسعه عليك بذهابي ولم يكن لي جريمة فأخشاها وظني بك حسن أنك لا تضر من لا ذنب له فوقف فأعجبه كلامه ووجهه فقال له ما اسمك قال محمد قال ابن من أنت قال يا أمير المؤمنين أنا ابن علي الرضا فترحم على أبيه وساق جواده إلى وجهته وكان معه بزاة فلما بعد عن العمارة أخذ بازيا

__________________

(١) في القاموس : عند اللهازم.

(٢) فيه : فوق عنق.

٣٣٩

فأرسله على دراجة فغاب عن عينه غيبة طويلة ثم عاد من الجو وفي منقاره سمكة صغيرة وبها بقايا الحياة فعجب الخليفة من ذلك غاية العجب ثم أخذها في يده إلى داره في الطريق الذي أقبل منه فلما وصل إلى ذلك المكان وجد الصبيان على حالهم فانصرفوا كما فعلوا أول مرة وأبو جعفر لم ينصرف ووقف كما وقف أولا فلما دنا منه الخليفة قال يا محمد قال لبيك يا أمير المؤمنين قال ما في يدي فألهمه الله عز وجل أن قال يا أمير المؤمنين إن الله تعالى خلق بمشيته في بحر قدرته سمكا صغارا تصيدها بزاة الملوك والخلفاء فيختبرون بها سلالة أهل النبوة فلما سمع المأمون كلامه عجب منه وجعل يطيل نظره إليه وقال أنت ابن الرضا حقا وضاعف إحسانه إليه.

قال علي بن عيسى إني رأيت في كتاب لم يحضرني الآن اسمه أن البزاة عادت وفي أرجلها حيات خضر وأنه سئل بعض الأئمة فقال قبل أن يفصح عن السؤال إن بين السماء والأرض حيات خضر تصيدها بزاة شهب يمتحن بها أولاد الأنبياء وما هذا معناه والله أعلم (١).

٧ ـ الدلائل للطبري : عن علي بن هبة الله عن الصدوق عن محمد بن موسى بن المتوكل عن علي بن الحسين السعدآبادي عن أحمد البرقي عن أبيه عن محمد بن سنان عن داود بن كثير الرقي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه لما خرج من عند المنصور نزل الحيرة فبينا هو بها إذ أتاه الربيع فقال أجب أمير المؤمنين فركب إليه وقد كان وجد في الصحراء صورة عجيبة لا تعرف خلقتها ذكر من وجدها أنه رآها وقد سقطت مع المطر فلما دخل عليه قال له يا أبا عبد الله أخبرني عن الهواء أي شيء فيه قال بحر مكفوف قال له فله سكان قال نعم قال وما سكانه قال أبدانهم أبدان الحيتان ورءوسهم رءوس الطير ولهم

__________________

(١) وفي مفتاح الفلاح كما سيأتي نقله في الباب الآتي « ان الغيم حين اخذ من ماء البحر تداخله سمك صغار فتسقط منه فيصطادها الملوك فيمتحنون بها سلالة النبوة ». والرواية كما تقدم مرسلة على ان نظائرها لا تخلو غالبا عن ضعف او ارسال والله اعلم بحقيقة الحال.

٣٤٠