بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٠٥
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

فجرى الرسم لملوك خراسان فيه أن يخلعوا على أساورتهم أي قواد جيوشهم الخلع الربيعية والصيفية واليوم السادس منه وهو روز خرداد منه النوروز الكبير وعند الفرس عيد عظيم الشأن. قيل إن فيه فرغ الله عن خلق الخلائق لأنه آخر الأيام الستة المذكورة وفيه خلق المشتري وأسعد ساعاته ساعات المشتري وقال أصحاب النيرنجات من ذاق صبيحة هذا اليوم قبل الكلام السكر وتدهن بالزيت دفع عنه في عامة سنته أنواع البلايا وقالوا أمر جمشيد الناس أن يغتسلوا يوم النيروز بالماء ليتطهروا من الذنوب ويفعلوا ذلك كل سنة ليدفع الله عنهم آفات السنة وزعم بعض الناس أن جم كان أمر بحفر أنهار وأن الماء جرى فيها في هذا اليوم فاستبشر الناس بالخصب واغتسلوا بذلك الماء المرسل فتبرك الخلف بمحاكاة السلف وقيل بل السبب في الاغتسال هو أن هذا اليوم لهروزا وهو ملك الماء والماء يناسبه فلذلك صار الناس يقومون في هذا اليوم عند طلوع الفجر فيعمدون إلى ماء القنا والحياض وربما استقبلوا المياه الجارية فيفيضون على أنفسهم منها تبركا ودفعا للآفات وفيه يرش الناس الماء بعضهم على بعض وسببه هو سبب الاغتسال ولما كان بعد جم جعلت الملوك هذا الشهر أعنى فروردين ماه كله أعيادا مقسومة في أسداسه فالخمسة الأولى للملوك والثانية للأشراف والثالثة لخدام الملوك والرابعة لحواشيه والخامسة للعامة والسادسة للرعاة إلى آخر ما قال.

وأقول إنما أوردت هذا الهذيانات لتطلع على بعض خرافاتهم ولأن فيها تأييدا لبعض ما أسلفنا في الفوائد السابقة ووجدت في بعض الكتب المعتبرة اعلم أن جمشيد ملك الدنيا وعمر أقاليم إيران فاستوت له أسبابه واستقامت له أموره يوم النيروز أول فروردين القديم فصار أول سنة العجم وهو يوم ولد فيه كيومرث بن هبة الله بن آدم عليه السلام وأما النيروز السلطاني يوم نزول الشمس أول دقيقة من برج الحمل فوضع في عهد السلطان جلال الدين ملك شاه بن آلب أرسلان واتفق يوم الخميس التاسع من شهر رمضان سنة إحدى وسبعين وأربعمائة و

١٤١

المهرجان هو يوم النصف من مهر ماه قصد أفريدون الضحاك وأسره بأرض المغرب وسجنه بجبل دماوند هذا اليوم فقال أفريدون لأصحابه أين كار كه من كردم مهرجان بان هست فسمي لذلك مهرجان وأول من وضع رسم التهنئة في النيروز والمهرجان أفريدون انتهى.

وأقول : روى المنجمون والأحكاميون في كتبهم عن أمير المؤمنين عليه السلام أياما منحوسة في الشهر وحملوه على شهور الفرس القديم وهي الثالث والخامس والثالث عشر والسادس عشر والحادي والعشرون والرابع والعشرون والخامس والعشرون وجمعوها في هذين البيتين بالفارسية :

هفت روزى نحس باشد در مهى

زان حذر كن تا نيابى هيچ رنج

سه وپنج سيزده با شانزده

بيست ويك با بيست وچار وبيست وپنج

وربما يحمل على الشهور العربية كما مر ورووا أيضا عن الصادق عليه السلام نحوسة بعض أيام شهور الفرس القديمة كما نظمه سلطان المحققين نصير الملة والدين الطوسي قدس الله سره القدوسي في هذه الأبيات بالفارسية :

ز قول جعفر صادق خلاصه سادات

ز ماه فارسيان هفت روز مذمومست

نخست روز سيم باز پنجم وپس از آن

چه روز سيزدهم روز شانزده شومست

ديگر زعشرسيم بيست ويك چه بيست وچهار

چه بيست وپنج كه آنهم بنحس مرقومست

بجز عبادت كارى مكن در اين ايام

اگر چه نيك وبدت هم ز رزق مقسومست

بماند بيست وسه روز اى خجسته مختار

كه در عموم حوائج بخير موسومست

ولى چهار وهشتم سفر مكن زنهار

كه خوف هلك در اين هر دو نص محتومست

بروز پانزدهم پيش پادشاه مرو

اگر چه سنگ دلش بر تو نيز چون مومست

گريز نيز در اين روز ناپسند آمد

كه ره مخوف وهواى خلاص مسمومست

مكن دوازدهم با كسى مناظره اى

كه در خصومت اين روز صلح معدومست

ز روزهاى گزيده همين چهار آنگه

در اين حوائج در سلك نحس منظومست

ورووا أيضا عن موسى كليم الله عليه السلام أن للشهور الرومية أياما منحوسة من

١٤٢

توجه فيها إلى القتال قتل ومن سافر فيها لم يظفر بمقصوده ومن تزوج لم يتمتع وهي أربعة وعشرون يوما في كل شهر يومان وهي العاشر والعشرون من تشرين الأول والأول والخامس عشر من تشرين الآخر والخامس عشر والسابع عشر من كانون الأول والسابع والرابع عشر من كانون الآخر والسادس عشر والسابع عشر من شباط والرابع واليوم العشرون من آزار والعشرون والثالث من نيسان والسادس والثامن من أيار والثالث والثامن من حزيران والعشرون والسادس من تموز والرابع والخامس عشر من آب والأول والثالث من أيلول وفي بعض النسخ التاسع والعاشر من تشرين الأول والتاسع والثاني عشر من كانون الأول والثاني والرابع عشر من كانون الآخر والثاني عشر والسادس عشر من شباط والثالث والعاشر من حزيران وفي بعضها والرابع والحادي عشر من آب.

٨ ـ المكارم : عن أبي الحسن عليه السلام قال : لا تدع الحجامة في سبع من حزيران فإن فاتك (١) فأربع عشرة (٢).

__________________

(١) في المصدر : فلاربع عشرة.

(٢) المكارم : ج ١ ، ص ٨٣.

١٤٣

(أبواب الملائكة)

(٢٣)

(باب)

(حقيقة الملائكة وصفاتهم وشئونهم وأطوارهم)

الآيات :

البقرة : « وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً » إلى آخر الآيات ـ(١).

وقال تعالى : « قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ » (٢).

وقال تعالى « تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ » (٣).

آل عمران : « شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ » (٤).

وقال سبحانه : « فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ » (٥).

وقال عز وجل : « وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ » الآية (٦).

وقال عزوجل : « إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ » الآية (٧).

__________________

(١) البقرة : ٣٠ ـ ٣٤.

(٢) البقرة : ٩٧ ـ ٩٨.

(٣) البقرة : ٢٤٨.

(٤) آل عمران : ١٨.

(٥) آل عمران : ٣٩.

(٦) آل عمران : ٤٢.

(٧) آل عمران : ٤٥.

١٤٤

الأنعام : « وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ » (١).

وقال سبحانه : « وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ » (٢).

وقال تعالى : « وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ » (٣).

وقال تعالى : « هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ » (٤).

الأنفال : « أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ » إلى قوله تعالى « إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا » (٥).

الرعد : « لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ » (٦).

وقال تعالى : « وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ » (٧).

الحجر : « ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ » (٨).

وقال سبحانه : « وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً » إلى آخر القصة (٩).

الإسراء : « قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ

__________________

(١) الأنعام : ٨ ـ ٩.

(٢) الأنعام : ٦١.

(٣) الأنعام : ٩٣.

(٤) الأنعام : ١٥٨.

(٥) الأنفال : ٩ ـ ١٢.

(٦) الرعد : ١١.

(٧) الرعد : ١٣.

(٨) الحجر : ٨.

(٩) الحجر : ٥١ ـ ٦٠.

١٤٥

السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً » (١).

مريم : « فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا » (٢).

الحج : « اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ » (٣).

الفرقان : « يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ » إلى قوله تعالى « وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً » (٤).

الأحزاب : « فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها » (٥).

سبأ : « وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ » (٦).

فاطر : « جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ » (٧).

الصافات : « وَالصَّافَّاتِ صَفًّا فَالزَّاجِراتِ زَجْراً فَالتَّالِياتِ ذِكْراً » (٨).

وقال تعالى : « فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ أَفَلا تَذَكَّرُونَ أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ » إلى قوله سبحانه « وَما مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ » (٩)

__________________

(١) الإسراء : ٩٥.

(٢) مريم : ١٧.

(٣) الحج : ٧٥.

(٤) الفرقان : ٢١ ـ ٢٤.

(٥) الأحزاب : ٩.

(٦) سبأ : ٤٠ ـ ٤١.

(٧) فاطر : ١.

(٨) الصافات : ١ ـ ٣.

(٩) الصافات : ١٤٩ ـ ١٦٦.

١٤٦

الزمر : « وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ » (١)

السجدة : « إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ » (٢) وقال سبحانه « فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ » (٣).

حمعسق : « وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ » (٤).

الزخرف : « وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ » إلى قوله « وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ » (٥).

وقال « وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ » (٦).

الذاريات : « فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً » (٧).

الحاقة : « وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها » (٨).

المعارج : « تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ » (٩).

المدثر : « عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلاَّ مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا » (١٠).

المرسلات : « وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً وَالنَّاشِراتِ نَشْراً

__________________

(١) الزمر : ٧٥.

(٢) السجدة : ٣٠ ـ ٣٢.

(٣) السجدة : ٣٨.

(٤) الشورى : ٥.

(٥) الزخرف : ١٥ ـ ١٩.

(٦) الزخرف : ٦٠.

(٧) الذاريات : ٨٤.

(٨) الحاقة : ١٧.

(٩) المعارج : ٤.

(١٠) المدثر : ٣٠ ـ ٣١.

١٤٧

فَالْفارِقاتِ فَرْقاً فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً عُذْراً أَوْ نُذْراً ». (١)

النبأ : « يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً » (٢).

النازعات : « وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً » (٣).

عبس : « بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرامٍ بَرَرَةٍ قُتِلَ الْإِنْسانُ » (٤).

تفسير : « وَإِذْ قالَ رَبُّكَ » قد مر تفسيرها في المجلد الخامس وتدل الآيات على كثير من أحوال الملائكة « قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ » قال الطوسي رحمه‌الله روي أن ابن صوريا وجماعة من يهود فدك أتوا النبي صلى الله عليه واله فسألوه عن مسائل فأجابهم فقال له ابن صوريا خصلة واحدة إن قلتها آمنت بك واتبعتك أي ملك يأتيك بما أنزل الله (٥) عليك قال فقال جبرئيل قال ذلك (٦) عدونا وينزل بالقتال والشدة والحرب وميكائيل ينزل باليسر والرخاء فلو كان ميكائيل هو الذي يأتيك لآمنا بك فأنزل الله هذه الآية « فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ ». لا من تلقاء نفسه وإنما أضافه إلى قلبه لأنه إذا أنزل عليه كان يحفظه ويفهمه بقلبه ومعنى قوله بإذن الله بأمر الله وقيل أراد بعلمه أو بإعلام الله إياه ما ينزله على قلبك « مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ » أي من الكتب موافقا لها « وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ » معناه كان فيما أنزله من الأمر بالحرب والشدة على الكافرين فإنه هدى وبشرى للمؤمنين « مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ » معناه من كان معاديا لله أي يفعل فعل المعادي من المخالفة والعصيان وقيل المراد معاداة أوليائه

__________________

(١) المرسلات : ١ ـ ٦.

(٢) النبأ : ٣٨.

(٣) النازعات : ١ ـ ٥.

(٤) عبس : ١٦.

(٥) في المصدر : بما ينزل الله عليك.

(٦) في المصدر : ذاك.

١٤٨

« وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ » أعاد ذكرهما لفضلهما ولأن اليهود خصوهما بالذكر « فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ » إنما لم يقل لهم لأنه قد يجوز أن ينتقلوا عن العداوة بالإيمان انتهى (١).

وأقول : الظاهر أن التعبير بالكافرين عنهم لبيان أن هذا أيضا من موجبات كفرهم وتدل الآية على أنه تجب محبة الملائكة وأن عداوتهم كفر.

« وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ » قال الطبرسي رحمه‌الله أي نشاهده فنصدقه « وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً » على ما اقترحوه لما آمنوا به فاقتضت الحكمة استئصالهم وذلك معنى قوله « لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ » وقيل معناه لو أنزلنا ملكا في صورته لقامت الساعة أو وجب استئصالهم « وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً » أي الرسول والذي (٢) ينزل عليه ليشهد بالرسالة كما يطلبون ذلك « لَجَعَلْناهُ رَجُلاً » لأنهم لا يستطيعون أن يروا الملك في صورته لأن أعين الخلق تحار عن رؤية الملائكة إلا بعد التجسم بالأجسام الكثيفة ولذلك كانت الملائكة تأتي الأنبياء في صورة الإنس وكان جبرئيل عليه السلام يأتي النبي صلى الله عليه واله في صورة دحية الكلبي وكذلك « نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ » وإتيانهم إبراهيم ولوطا في صورة الضيفان من الآدميين « وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ » قال الزجاج كانوا هم يلبسون على ضعفتهم (٣) في أمر النبي صلى الله عليه واله فيقولون إنما هذا بشر مثلكم فقال لو أنزلنا ملكا فرأوهم الملك رجلا لكان يلحقهم فيه من اللبس مثل ما لحق ضعفتهم منهم وقيل لو أنزلنا ملكا لما عرفوه إلا بالتفكر وهم لا يتفكرون فيبقون في اللبس الذي كانوا فيه وأضاف اللبس إلى نفسه لأنه يقع عند إنزاله الملائكة (٤).

وقال رحمه‌الله في قوله تعالى « وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً » أي ملائكة يحفظون

__________________

(١) مجمع البيان : ج ١ ، ص ١٦٧ نقلا بالمعنى والتلخيص.

(٢) في المصدر : أى لو جعلنا الرسول ملكا أو الذي ...

(٣) الضعفة كالطلبة جمع « الضعيف ».

(٤) مجمع البيان : ج ٤ ، ص ٢٧٦.

١٤٩

أعمالكم ويحصونها عليكم ويكتبونها وفي هذا لطف للعباد لينزجروا عن المعاصي إذا علموا أن عليهم حفظة من عند الله يشهدون بها عليهم يوم القيامة « تَوَفَّتْهُ » أي تقبض روحه « رُسُلُنا » أي أعوان ملك الموت عن ابن عباس وغيره قالوا وإنما يقبضون بأمره (١) ولذا أضاف التوفي إليه في قوله « قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ » أي لا يضيعون أو لا يغفلون ولا يتوانون أو لا يعجزون (٢).

وقال البيضاوي في قوله سبحانه « وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ » حذف مفعوله لدلالة الظرف عليه أي ولو ترى الظالمين « فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ » أي في شدائده من غمره الماء إذا غشيه « وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ » بقبض أرواحهم كالمتقاضي الملظ (٣) أو بالعذاب « أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ » أي يقولون لهم أخرجوها إلينا من أجسادكم تغليظا وتعنيفا عليهم أو أخرجوها من العذاب وخلصوها من أيدينا « الْيَوْمَ » يريد به وقت الإماتة أو الوقت الممتد من الإماتة إلى ما لا نهاية له « تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ » أي الهوان يريد العذاب المتضمن لشدة وإهانة (٤) انتهى.

« لَهُ مُعَقِّباتٌ » قال الطبرسي رحمه‌الله اختلف في الضمير الذي في له على وجوه :

أحدها : أنه يعود إلى من في قوله « مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ ».

والآخر : أنه يعود إلى اسم الله تعالى وهو عالم الغيب والشهادة.

وثالثها : أنه يعود إلى النبي صلى الله عليه واله في قوله « إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ » واختلف في المعقبات على أقوال :

أحدها : أنها الملائكة يتعاقبون تعقب ملائكة الليل ملائكة النهار وملائكة النهار ملائكة الليل وهم الحفظة يحفظون على العبد عمله وقال

__________________

(١) في المصدر : وانما يقبضون الأرواح بامره ولذلك ...

(٢) مجمع البيان : ج ٤ ، ص ٣١٣.

(٣) أي الملازم الملح.

(٤) أنوار التنزيل : ج ١ ، ص ٣٩١.

١٥٠

الحسن هم أربعة أملاك يجتمعون عند صلاة الفجر وهو معنى قوله « إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً » وقد روي ذلك أيضا عن أئمتنا عليهم السلام.

والثاني : أنهم ملائكة يحفظونه من المهالك حتى ينتهوا به إلى المقادير فيحولون (١) بينه وبين المقادير عن علي عليه السلام وقيل هم عشرة أملاك على كل آدمي يحفظونه من بين يديه ومن خلفه « يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ » أي يطوفون به كما يطوف الملك الموكل بالحفظ وقيل يحفظون ما تقدم من عمله وما تأخر إلى أن يموت فيكتبونه وقيل يحفظونه من وجوه المهالك والمعاطب ومن الجن والإنس والهوام وقال ابن عباس يحفظونه مما لم يقدر نزوله فإذا جاء المقدر بطل الحفظ وقيل من أمر الله أي بأمر الله وقيل يحفظونه عن خلق الله فتكون من بمعنى عن قال كعب لو لا أن الله وكل بكم ملائكته يذبون عنكم في مطعمكم ومشربكم وعوراتكم ليخطفنكم الجن (٢) انتهى.

وقال الرازي في تفسيره : روي أنه قيل يا رسول الله أخبرني عن العبد كم معه من ملك فقال عليه السلام ملك عن يمينك للحسنات (٣) هو أمين على الذي على الشمال فإذا عملت حسنة كتب عشرا وإذا عملت سيئة قال الذي على الشمال لصاحب اليمين أكتب؟ قال لا لعله يتوب فإذا قال ثلاثا قال نعم اكتب أراحنا الله منه « فَبِئْسَ الْقَرِينُ » ما أقل مراقبته لله واستحياءه منا فهو (٤) قوله تعالى « لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ » وملك قابض على ناصيتك فإذا تواضعت لربك رفعك وإن تجبرت قصمك وملكان على شفتيك يحفظان عليك الصلاة وملك (٥) على فيك لا يدع أن تدخل الحية في فيك وملك (٦) على عينيك

__________________

(١) في المصدر : فيحيلون.

(٢) مجمع البيان : ج ٦ ، ص ٢٨٠ ـ ٢٨١.

(٣) في المصدر : يكتب الحسنات.

(٤) في المصدر : وملكان من بين يديك ومن خلفك فهو قوله تعالى ...

(٥) في المصدر : الصلاة علي.

(٦) في المصدر : وملكان.

١٥١

فهؤلاء عشرة أملاك على كل آدمي ملائكة الليل (١) وملائكة النهار فهم عشرون ملكا على كل آدمي.

ثم قال : فإن قيل ما الفائدة في جعل هؤلاء الملائكة موكلين علينا قلنا اعلم أن هذا الكلام غير مستبعد وذلك لأن المنجمين اتفقوا على أن التدبير في كل يوم لكوكب على حدة وكذا القول في كل ليلة ولا شك أن تلك الكواكب لها أرواح عندهم فتلك التدبيرات المختلفة في الحقيقة لتلك الأرواح وأما أصحاب الطلسمات فهذا الكلام مشهور في ألسنتهم ولذلك فإنهم (٢) يقولون أخبرني طبائع التام (٣) ومرادهم بالطبائع التام أن لكل إنسان روحا فلكية تتولى إصلاح مهماته ورفع (٤) بلياته وآفاته وإذا كان هذا متفقا عليه بين قدماء الفلاسفة وأصحاب الأحكام فكيف يستبعد مجيئه من الشرع وتمام التحقيق فيه أن الأرواح البشرية مختلفة في جواهرها وطبائعها فبعضها خيرة وبعضها شريرة وبعضها قوية القهر والسلطان وبعضها سخفة (٥) وكما أن الأمر في الأرواح البشرية كذلك (٦) الأمر في الأرواح الفلكية لكنه لا شك أن الأرواح الفلكية في كل باب وصفة أقوى من الأرواح البشرية فكل طائفة من الأرواح تكون مشاركة (٧) في طبيعة خاصة وصفة مخصوصة فإنها تكون في مرتبة روح من الأرواح الفلكية مشاكلة لها في الطبيعة والخاصية وتكون تلك الأرواح البشرية كأنها أولاد لذلك الروح الفلكي ومتى كان الأمر كذلك فإن ذلك الروح الفلكي يكون معينا لها على مهماتها ومرشدا لها إلى مصالحها وعاصما

__________________

(١) في المصدر : تبدل ملائكة الليل بملائكة النهار.

(٢) كذا في النسخ ، وفي المصدر « تراهم يقولون ... » : .

(٣) في المصدر : الطبائع التام.

(٤) في المصدر : ودفع ...

(٥) في المصدر : ضعيفة.

(٦) في المصدر : فكذا الامر.

(٧) في المصدر وبعض النسخ : متشاركة.

١٥٢

لها من صنوف الآفات فهذا كلام ذكره محققو الفلاسفة وإذا كان الأمر كذلك علمنا أن الذي وردت به الشريعة أمر معقول مقبول عند الكل فكيف يمكن استنكاره من الشريعة؟

فإن قيل (١) ما الفائدة في اختصاص هؤلاء الملائكة مع بني آدم وتسليطهم عليهم؟

قلنا : فيه وجوه :

الأول : أن الشياطين يدعون إلى الشرور والمعاصي وهؤلاء الملائكة يدعون إلى الخيرات والطاعات.

الثاني : قال مجاهد ما من عبد إلا ومعه ملك موكل يحفظه من الجن والإنس والهوام في نومه ويقظته.

الثالث : أنا نرى أن الإنسان قد يقع في قلبه داع قوى من غير سبب ثم يظهر بالأخرة أن وقوع تلك الداعية في قلبه كان سببا من أسباب مصلحته (٢) وخيراته وقد ينكشف أيضا بالأخرة أنه كان سببا لوقوعه في آفة أو معصية ومفسدة فظهر أن الداعي إلى الأمر الأول كان مريدا للخير والراحة وإلى الأمر الثاني كان مريدا للفساد والمحنة والأول هو الملك الهادي والثاني هو الشيطان المغوي.

الرابع : أن الإنسان إذا علم أن الملائكة تحصي عليه أعماله كان إلى الحذر من المعاصي أقرب لأن من آمن يعتقد جلالة الملائكة وعلو مراتبهم فإذا حاول الإقدام على معصية واعتقد أنهم يشاهدونها زجرة الحياء منهم عن الإقدام عليها كما يزجره إذا حضر (٣) من يعظمه من البشر وإذا علم أن الملائكة (٤) يكتبونها كان الردع أكمل.

__________________

(١) في المصدر : ثم في اختصاص هؤلاء الملائكة وتسلطهم على بني آدم فوائد كثيرة سوى التي مر ذكرها من قبل. الأول ...

(٢) في المصدر : مصالحه.

(٣) في المصدر : كما يزجره عنها إذا حضره ...

(٤) في المصدر : وإذا علم ان الملائكة تحصى عليه الاعمال كان ذلك أيضا رادعا له عنها ، وإذا علم أن الملائكة يكتبونها ...

١٥٣

فإن قيل (١) ما الفائدة في كتب أعمال العباد؟

قلنا : هاهنا مقامان (٢).

المقام الأول : أن تفسير الكتبة بالمعنى المشهور من الكتب قال المتكلمون الفائدة في تلك الصحف وزنها فإن رجحت كفة الطاعات ظهر للخلائق أنه من أهل الجنة وبالضد (٣) قال القاضي هذا يبعد (٤) لأن الأدلة قد دلت على أن كل أحد قبل مماته عند المعاينة يعلم أنه من السعداء أو من الأشقياء فلا يجوز توقيف حصول تلك المعرفة على الميزان ثم أجاب (٥) وقال لا يمتنع ما رويناه لأمر يرجع إلى حصول سروره عند الخلق العظيم أنه من أولياء الله في الجنة وبالضد من ذلك في أعداء الله.

والمقام الثاني : وهو قول حكماء الإسلام إن الكتبة (٦) عبارة عن نقوش مخصوصة وضعت بالاصطلاح لتعريف (٧) بعض المعاني المخصوصة فلو قدرنا تلك النقوش دالة على تلك المعاني لأعيانها وذواتها كانت تلك الكتبة أقوى وأكمل إذا ثبت هذا فنقول إن الإنسان إذا أتى بعمل من الأعمال مرات وكرات كثيرة متوالية حصلت في نفسه بسبب تكرارها (٨) ملكة قوية راسخة فإن كانت تلك الملكة نافعة (٩) في السعادات الروحانية عظم ابتهاجه بها بعد الموت وإن كانت تلك الملكة ضارة في الأحوال الروحانية عظم تضرره بها بعد الموت إذا ثبت هذا فنقول إن التكرير الكثير لما كان سببا لحصول تلك الملكة الراسخة كان لكل واحد من

__________________

(١) في المصدر : السؤال الخامس.

(٢) في المصدر : مقامات : الأول ...

(٣) في المصدر : وإن كان بالضد فبالضد.

(٤) في المصدر : بعيد.

(٥) في المصدر : ثم اجاب القاضي عن هذا الكلام.

(٦) كذا في النسخ ، وفي المصدر : أن الكتابة ...

(٧) في المصدر : لتعريف المعاني ...

(٨) في المصدر : وبعض النسخ : تكررها.

(٩) في المصدر : سارة بالاعمال النافعة.

١٥٤

تلك الأعمال المتكررة أثر في حصول تلك الملكة الراسخة وذلك الأثر وإن كان غير محسوس إلا أنه حاصل في الحقيقة وإذا عرفت هذا ظهر أنه لا يحصل للإنسان لمحة ولا حركة ولا سكون إلا ويحصل منه في جوهر نفسه أثر من آثار السعادة أو أثر من آثار الشقاوة قل أو كثر فهذا هو المراد من كتبة الأعمال عند هؤلاء والله العالم بحقائق الأمور (١) انتهى.

وإنما نقلنا كلامه لتطلع على تحريفات الفلاسفة وتأويلاتهم للآيات والأخبار من غير ضرورة سوى الاستبعادات الوهمية وعدم الاعتناء بكلام صاحب الشريعة.

« وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً » أي العابدين لغير الله والمعبودين « أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ » على الإنكار ليعترفوا بخلافه « قالُوا سُبْحانَكَ » أي تنزيها لك عن أن يعبد سواك « أَنْتَ وَلِيُّنا » أي ناصرنا وأولى بنا « مِنْ دُونِهِمْ » أي من دون هؤلاء الكفار وما كنا نرضى بعبادتهم إيانا « بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَ » أي إبليس وذريته حيث أطاعوهم فيما دعوهم إليه من عبادة الملائكة وغيرهم « أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ » مصدقون بالشياطين مطيعون لهم.

« جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً » قال الطبرسي رحمه‌الله أي إلى الأنبياء بالرسالات والوحي « أُولِي أَجْنِحَةٍ » جعلهم كذلك ليتمكنوا بها من العروج إلى السماء ومن النزول إلى الأرض فمنهم من له جناحان ومنهم من له ثلاثة أجنحة ومنهم من له أربعة أجنحة عن قتادة وقال يزيد فيها ما يشاء وهو قوله « يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ » قال ابن عباس رأى رسول الله جبرئيل ليلة المعراج وله ستمائة جناح. وقيل أراد بقوله « يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ » حسن الصوت وقيل هو الملاحة في العينين وعن النبي صلى الله عليه واله قال : هو الوجه الحسن والصوت الحسن والشعر الحسن (٢).

وقال الرازي : أقل ما يكون لذي الجناح أن يكون له جناحان وما بعدهما

__________________

(١) مفاتيح الغيب : ج ٥ ، ص ٢٧٥ ـ ٢٧٧.

(٢) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٤٠٠.

١٥٥

زيادة وقال قوم فيه إن الجناح إشارة إلى الجهة وبيانه هو أن الله ليس فوقه شيء وكل شيء فهو تحت قدرته ونعمته والملائكة لهم وجه إلى الله يأخذون منه نعمه ويعطون من دونهم ما أخذوا بإذن الله كما قال تعالى « نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ » وقوله « عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى » وقال تعالى في حقهم « فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً » فهما جناحان وفيهم من يفعل الخير بواسطة وفيهم من يفعله لا بواسطة فالفاعل بواسطة فيه ثلاث جهات وفيهم من له أربع جهات وأكثر والظاهر ما ذكرناه أولا وهو الذي عليه إطباق المفسرون (١).

وقال في قوله تعالى « وَالصَّافَّاتِ صَفًّا » الآيات هذه الأشياء الثلاثة المقسم بها يحتمل أن تكون صفات ثلاثة لموصوف واحد ويحتمل أن تكون أشياء ثلاثة متبائنة أما على التقدير الأول ففيه وجوه :

الأول : أنها صفات الملائكة وتقريره أن الملائكة يقفون صفوفا إما في السماوات لأداء العبادات كما أخبر الله تعالى عنهم أنهم قالوا « وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ » وقيل إنهم يصفون أجنحتهم في الهواء ويقفون منتظرين وصول أمر الله إليهم ويحتمل أيضا أن يقال معنى كونهم صفوفا أن لكل واحد منهم مرتبة ودرجة معينة في الشرف والفضيلة أو في الذات والعلية (٢) وتلك الدرجات المترتبة باقية غير متغيرة وذلك نسبة (٣) الصفوف وأما قوله تعالى « فَالزَّاجِراتِ زَجْراً » فقال الليث زجرت البعير أزجره زجرا إذا حثثته ليمضي وزجرت فلانا عن سوء فانزجر أي نهيته فانتهى فعلى هذا الزجر للبعير كالحث وللإنسان كالنهي. فنقول في وصف الملائكة بالزجر وجوه :

الأول : قال ابن عباس يريد الملائكة التي وكلوا بالسحاب يزجرونها بمعنى أنهم يأتون بها من موضع إلى موضع.

__________________

(١) مفاتيح الغيب : ج ٧ ، ص ٣٠.

(٢) في المصدر : والغلبة.

(٣) في المصدر : يشبه الصفوف.

١٥٦

الثاني : المراد منه أن الملائكة لهم تأثيرات في قلوب بني آدم على سبيل الإلهامات فهم يزجرونهم عن المعاصي زجرا.

الثالث : لعل الملائكة أيضا يزجرون الشياطين عن التعرض لبني آدم بالشر (١) والإيذاء.

وأقول : قد ثبت في العلوم العقلية أن الموجودات على ثلاثة أقسام مؤثر لا يقبل الأثر وهو الله سبحانه وهو أشرف الموجودات ومتأثر لا يؤثر وهو عالم الأجسام وهو أخس الموجودات وموجود يؤثر في شيء ويتأثر عن شيء آخر وهو عالم الأرواح وذلك لأنها تقبل الأثر عن عالم كبرياء الله ثم إنها تؤثر في عالم الأجسام واعلم أن الجهة التي باعتبارها تقبل الأثر من عالم كبرياء الله غير الجهة التي باعتبارها تستولي على عالم الأجسام وتقدر على التصرف فيها وقوله « فَالتَّالِياتِ ذِكْراً » إشارة إلى الأشرف من الجهة التي باعتبارها يقوى على التأثير في عالم الأجسام إذا عرفت هذا فقوله « وَالصَّافَّاتِ صَفًّا » إشارة إلى وقوفها صفا صفا في مقام العبودية والطاعة والخضوع والخشوع وهو الجهة التي باعتبارها تقبل تلك الجواهر القدسية أصناف الأنوار الإلهية والكمالات الصمدية وقوله تعالى « فَالزَّاجِراتِ زَجْراً » إشارة إلى تأثير الجواهر الملكية في تنوير الأرواح القدسية البشرية وإخراجها من القوة إلى الفعل وذلك أنه (٢) كالقطرة بالنسبة إلى البحر وكالشعلة بالنسبة إلى الشمس وأن هذه الأرواح البشرية إنما تنتقل من القوة إلى الفعل في المعارف الإلهية والكمالات الروحانية بتأثيرات جواهر الملائكة ونظيره قوله تعالى « يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ » (٣) وقوله « نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ » (٤) و

__________________

(١) في بعض النسخ : بالشرك والايذاء.

(٢) في المصدر : لما ثبت ان هذه الأرواح النطقية البشرية بالنسبة إلى أرواح الملائكة كالقطرة ...

(٣) النحل : ٢.

(٤) الشعراء : ١٩٣.

١٥٧

قوله « فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً » (١).

إذا عرفت هذا فنقول في هذه الآية دقيقة أخرى وهي أن الكمال المطلق للشيء إنما يحصل إذا كان تاما وفوق التام والمراد بكونه تاما أن تحصل الكمالات اللائقة به حصولا بالفعل والمراد بكونه فوق التام أن يفيض منه أصناف الكمالات والنوالات (٢) على غيره ومن المعلوم أن كونه كاملا في ذاته مقدم على كونه مكملا لغيره إذا عرفت هذا فقوله « وَالصَّافَّاتِ صَفًّا » إشارة إلى استكمال جواهر الملائكة في ذواتها وقت وقوفها في مواقف العبودية وصفوف الخدمة والطاعة وقوله تعالى « فَالزَّاجِراتِ زَجْراً » إشارة إلى كيفية تأثيراتها في إزالة ما لا ينبغي عن جواهر الأرواح البشرية وقوله تعالى « فَالتَّالِياتِ ذِكْراً » إشارة إلى كيفية تأثيراتها في إفاضة الجلايا القدسية والأنوار الإلهية على الأنوار (٣) الناطقة البشرية فهذه مناسبات عقلية واعتبارات دقيقة (٤) تنطبق عليها هذه الألفاظ الثلاثة.

الثاني : أن تحمل هذه الصفات على النفوس البشرية الطاهرة المقدسة المقبلة على عبودية الله تعالى الذين هم ملائكة الأرض وبيانه من وجهين :

الأول : أن قوله « وَالصَّافَّاتِ صَفًّا » المراد به الصفوف الحاصلة عند أداء الصلاة بالجماعة وقوله « فَالزَّاجِراتِ زَجْراً » إشارة إلى قراءة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم كأنهم بسبب قراءة هذه الكلمة يزجرون الشياطين عن إلقاء الوساوس في قلوبهم في أثناء الصلاة وقوله « فَالتَّالِياتِ ذِكْراً » إشارة إلى قراءة القرآن في الصلاة وقيل (٥) إلى رفع الصوت بالقراءة كأنه يزجر الشيطان بواسطة رفع الصوت.

__________________

(١) المرسلات : ٥.

(٢) في المصدر : والسعادات.

(٣) في المصدر : الأرواح.

(٤) في المصدر : حقيقية.

(٥) في المصدر : « فَالزَّاجِراتِ زَجْراً » اشارة إلى ...

١٥٨

والوجه الثاني أن المراد بالأول الصفوف الحاصلة من العلماء المحقين الذين يدعون إلى دين الله تعالى وبالثاني اشتغالهم بالزجر عن الشبهات والشهوات وبالثالث اشتغالهم بالدعوة إلى دين الله والترغيب في العمل بشرائع الله.

الوجه الثالث : أن نحملها على أحوال الغزاة والمجاهدين في سبيل الله فالمراد بالأول صفوف القتال كقوله (١) تعالى « إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا » (٢) وبالثاني رفع الصوت بزجر الخيل وبالثالث اشتغالهم وقت شروعهم في محاربة العدو بقراءة القرآن وذكر الله بالتهليل والتقديس.

والوجه الرابع : أن نجعلها صفات لآيات القرآن فالأول المراد به كونها أنواعا مختلفة بعضها في دلائل التوحيد وبعضها في بيان التكاليف والأحكام وبعضها في تعليم الأخلاق الفاضلة وهذه الآيات مترتبة (٣) ترتيبا لا يتغير ولا يتبدل فهي تشبه أشخاصا واقفين في صفوف معينة وبالثاني الآيات الزاجرة عن الأفعال المنكرة وبالثالث الآيات الدالة على وجوب الإقدام على أعمال البر والخير ووصف الآيات بكونها تالية على قانون ما يقال شعر شاعر وكلام قائل قال تعالى « إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ » (٤) وأما الاحتمال الثاني هو أن يكون المراد بهذه الثلاثة أشياء متغايرة فقيل المراد بقوله « وَالصَّافَّاتِ صَفًّا » الطير من قوله تعالى « وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ » (٥) والزاجرات كل ما زجر عن معاصي الله والتاليات كل ما يتلى من كتاب الله.

وأقول : فيه وجه آخر وهو أن مخلوقات الله إما جسمانية وإما روحانية أما الجسمانية فإنها مترتبة (٦) على طبقات ودرجات لا يتغير البتة

__________________

(١) في المصدر : لقوله تعالى.

(٢) سورة الصف : ٣.

(٣) في المصدر : مرتبة.

(٤) الإسراء : ٩.

(٥) النور : ٤١.

(٦) في المصدر : مرتبة.

١٥٩

فالأرض وسط العالم وهي محفوفة بكرة الماء والماء محفوف بالهواء والهواء بالنار ثم هذه الأربعة بكرات الأفلاك إلى آخر العالم الجسماني فهذه الأجسام كأنها صفوف واقفة على عتبة جلال الله تعالى وأما الجواهر الروحانية الملكية فهي على اختلاف درجاتها وتباين صفاتها مشتركة في صفتين أحدهما التأثير في عالم الأجسام بالتحريك والتصرف (١) وإليه الإشارة بقوله « فَالزَّاجِراتِ زَجْراً » فإنا بينا أن المراد من هذا الزجر الشوق والتحريك والثاني الإدراك والمعرفة والاستغراق في معرفة الله والثناء عليه وإليه الإشارة بقوله تعالى « فَالتَّالِياتِ ذِكْراً » ولما كان الجسم أدنى منزلة من الأرواح المشتغلة بالتصرف في الجسمانيات وهي أدون منزلة من الأرواح المستغرقة في معرفة جلال الله المقبلة على تسبيح الله كما قال « وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ » (٢) لا جرم بدأ في المرتبة الأولى بذكر الأجسام ثم ذكر الأرواح المدبرة لأجسام هذا العالم ثم ذكر أعلى الدرجات وهي الأرواح المقدسة المتوجهة بكليتها إلى معرفة جلال الله والاستغراق في الثناء عليه فهذه احتمالات خطرت بالبال والعالم بأسرار كلام الله ليس إلا الله (٣).

« فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ » قال البيضاوي أمر باستفتائهم حيث جعلوا لله البنات ولأنفسهم البنين في قولهم الملائكة بنات الله وهؤلاء زادوا على الشرك ضلالات أخرى التجسيم وتجويز الفناء على الله فإن الولادة مخصوصة بالأجسام الكائنة الفاسدة وتفضيل أنفسهم عليه على وجه القسمة حيث جعلوا أوضع الجنسين له وأرفعهما لهم واستهانتهم بالملائكة حيث أنثوهم ولذلك كرر الله إنكار ذلك وإبطاله في كتابه مرارا وجعله مما « تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا » والإنكار هاهنا مقصور على الأخيرين لاختصاص هذه الطائفة بهما ولأن فسادهما مما تدركه العامة بمقتضى طباعهم حيث جعل

__________________

(١) في المصدر : والتصريف.

(٢) الأنبياء : ١٩.

(٣) مفاتيح الغيب : ج ٧ ، ص ١٢٢ ـ ١٢٥.

١٦٠