بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٠٥
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

(١٤)

(باب)

(الأيام والساعات والليل والنهار)

١ ـ الخصال : عن محمد بن موسى بن المتوكل عن علي بن الحسين السعدآبادي عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبان عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ساعات الليل اثنتا عشرة ساعة وساعات النهار اثنتا عشرة ساعة وأفضل ساعات الليل والنهار أوقات الصلوات ثم قال عليه السلام إنه إذا زالت الشمس فتحت أبواب السماء وهبت الرياح ونظر الله عز وجل إلى خلقه وإني لأحب أن يصعد لي عند ذلك إلى السماء عمل صالح ثم قال عليكم بالدعاء في أدبار الصلوات فإنه مستجاب (١).

٢ ـ ومنه : عن أبيه عن محمد بن يحيى العطار عن محمد بن أحمد بن يحيى عن إبراهيم بن إسحاق عن محمد بن الحسن بن شمون عن أبي هاشم قال : قلت لأبي الحسن الماضي عليه السلام لم جعلت صلاة الفريضة والسنة خمسين ركعة لا يزاد فيها ولا ينقص منها قال إن ساعة الليل اثنتا عشرة ساعة وفيما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ساعة وساعات النهار اثنتا عشرة ساعة فجعل لكل ساعة ركعتين وما بين غروب الشمس إلى سقوط الشفق غسق (٢).

٣ ـ العلل : عن أبيه إلى قوله عن أبي هاشم الخادم وذكر الحديث وزاد في آخره فجعل للغسق ركعة (٣).

بيان : المراد بالركعة ركعتا الوتيرة فإنهما تعدان بركعة والمراد بالساعة في الخبرين الساعات المعوجة (٤) الزمانية كما سيأتي بيانها وعدم

__________________

(١) الخصال : ٨٦.

(٢) الخصال : ٨٦.

(٣) العلل : ج ٢ ، ص ١٧.

(٤) سمى بها لاختلاف مقاديرها طولا وقصرا باختلاف الفصول بخلاف الساعات المستوية.

١

إدخال الساعتين في الليل والنهار مبني على اصطلاح خاص كان عند القدماء وأهل الكتاب ونقل أبو ريحان البيروني في القانون المسعودي عن براهمة الهند أن ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس وكذلك ما بين غروب الشمس وغروب الشفق خارجان عن الليل والنهار بل هما بمنزلة الفصل المشترك بينهما وذكره البرجندي في بعض تعليقاته.

٤ ـ العلل : في خبر ابن سلام سئل النبي صلى الله عليه واله لم سمي الليل ليلا قال لأنه يلايل الرجال من النساء جعله الله عز وجل ألفة ولباسا وذلك قول الله عزوجل « وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً » (١) « وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً » (٢).

بيان : الملايلة المعاملة ليلا كالمياومة المعاملة يوما ويظهر منه أن الليل من الملايلة مع أن الظاهر العكس ويمكن أن يكون تنبيها على أن أصل الليل الستر.

٥ ـ العلل : عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن إبراهيم بن هاشم عن النوفلي عن السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله لا تسبوا الرياح فإنها مأمورة ولا تسبوا الجبال ولا الساعات ولا الأيام ولا الليالي فتأثموا وترجع عليكم (٣).

بيان : حاصله أن تلك الأمور إن كان فيها شر أو نحوسة أو ضرر فكل ذلك بتقدير خالقها وهي مجبولة عليها فلعنها لعن من لا يستحقه ومن لعن من لا يستحقه يرجع اللعن عليه.

٦ ـ تحف العقول : قال الحسن بن مسعود دخلت على أبي الحسن علي بن محمد عليهما السلام وقد نكيت إصبعي وتلقاني راكب وصدم كتفي ودخلت في زحمة فخرقوا علي بعض ثيابي فقلت كفاني الله شرك من يوم فما أشأمك فقال لي يا حسن هذا وأنت تغشانا ترمي بذنبك من لا ذنب له قال الحسن فأثاب

__________________

(١) النبإ : ١٠ ـ ١١.

(٢) العلل : ج ٢ ، ص ١٥٥.

(٣) العلل : ج ٢ ، ص ٢٦٤.

٢

إلي عقلي وتبينت خطائي فقلت مولاي أستغفر الله فقال يا حسن ما ذنب الأيام حتى صرتم تتشأمون بها إذا جوزيتم بأعمالكم فيها قال الحسن أنا أستغفر الله أبدا وهي توبتي يا ابن رسول الله قال والله ما ينفعكم ولكن الله يعاقبكم بذمها على ما لا ذم عليها فيه أما علمت يا حسن أن الله هو المثيب والمعاقب والمجازي بالأعمال عاجلا وآجلا قلت بلى يا مولاي قال لا تعد ولا تجعل للأيام صنعا في حكم الله (١).

بيان : هذا أي تقول هذا وأنت تغشانا أي تدخل علينا فأثاب أي أرجع الإمام إلي عقلي ويدل على أنه ليس لحركات الأفلاك وحدوث الأزمنة مدخل في الحوادث وهذا لا ينافي ما وقع من التحرز عن بعض الساعات والأيام للأعمال لأنها بأمره تعالى تحرزا عما قدر الله حدوثه فيها كما قال : أمير المؤمنين عليه السلام أفر من قضاء الله إلى قدره.

٧ ـ النهج : قال عليه السلام وقد سئل عن مسافة ما بين المشرق والمغرب مسيرة يوم للشمس (٢).

بيان : لعل عدوله عليه السلام عن الجواب الحقيقي إلى الإقناعي للإشعار بقلة الفائدة في معرفة تلك المسافة نحو ما قيل في قوله تعالى « قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ » (٣) أو لعسر إثباتها على وجه لا يبقى للمنافقين من الحاضرين سبيل إلى الإنكار كما صرح عليه السلام به في جواب من سأل عن عدد شعر لحيته أو لعدم استعداد الحاضرين لفهمه بحجة ودليل وعدم المصلحة في ذكره بلا دليل.

٨ ـ العلل : لمحمد بن علي بن إبراهيم قال : علة فضل الليل على النهار أن بالليل يكون البيات ويرفع العذاب وتقل المعاصي وفيه ليلة القدر التي هي « خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ » (٤).

__________________

(١) تحف العقول : ٤٨٢.

(٢) نهج البلاغة : ج ١ ، ص ٢٠٧.

(٣) البقرة : ١٨٩.

(٤) لم يوجد في العلل.

٣

بيان : لعل المراد بالبيات البيتوتة والنوم والاستراحة أو البيات إلى الطاعات والظاهر أنه كان السبات فصحفه النساخ قال الجوهري السبات النوم وأصله الراحة ومنه قوله تعالى « وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً » (١) ويرفع العذاب عذاب المخلوقين على الغالب.

٩ ـ الكافي : عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن الحسن بن محبوب عن إسماعيل بن أبان عن عمرو بن عبد الله الثقفي قال : لما أخرج هشام بن عبد الملك أبا جعفر عليه السلام إلى الشام سأله عالم من علماء النصارى عن مسائل فكان فيما سأله أخبرني عن ساعة ما هي من الليل ولا من النهار أي ساعة هي فقال أبو جعفر عليه السلام ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس فقال النصراني فإذا لم تكن من ساعات الليل ولا من ساعات النهار فمن أي الساعات هي فقال أبو جعفر عليه السلام من ساعات الجنة وفيها تفيق مرضانا الخبر (٢).

توضيح : قد عرفت أن هذا اصطلاح آخر في الليل والنهار وساعاتهما كان معروفا بين أهل الكتاب فأجابه عليه السلام على مصطلحهم والحاصل أن هذه الساعة لا تشبه شيئا من ساعات الليل والنهار بل هي شبيهة بساعات الجنة وإنما جعلها الله في الدنيا ليعرفوا بها طيب هواء الجنة ولطافته واعتداله.

١٠ ـ إرشاد القلوب : بإسناده رفعه إلى الكاظم عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام إن الله تعالى فرض على أمة محمد صلى الله عليه واله في الليل والنهار خمس صلوات في خمسة أوقات اثنتان بالليل وثلاث بالنهار ثم جعل هذه الخمس صلوات تعدل خمسين صلاة وجعلها كفارة خطاياهم الخبر.

١١ ـ الخصال : عن الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري عن عمه عن أبي إسحاق قال أملى علينا تغلب ساعات الليل الغسق والفحمة والعشوة والهدأة (٣) والسباع

__________________

(١) النبإ : ٩.

(٢) روضة الكافي : ١٢٣.

(٣) في المصدر : المهدأة.

٤

والجنح والهزيع والعفر (١) والزلفة والسحرة والبهرة وساعات النهار الرأد والشروق والمتوع (٢) والترجل والدلوك والجنوح والهجيرة والظهيرة والأصيل والطفل.

توضيح : قال الفيروزآبادي الغسق محركة ظلمة أول الليل وقال الفحمة من الليل أوله أو أشد سواده أو ما بين غروب الشمس إلى نوم الناس خاص بالصيف جمع فحام وفحوم وقال العشوة بالفتح الظلمة كالعشاء (٣) ما بين أول الليل إلى ربعه والعشاء أول الظلام أو من المغرب إلى العتمة أو من زوال الشمس إلى طلوع الفجر والعشية آخر النهار والعشاءان المغرب والعتمة وفي المصباح المنير العشي قيل ما بين الزوال إلى الصباح وقيل العشي والعشاء من صلاة المغرب إلى العتمة وعليه قول ابن فارس العشاءان المغرب والعتمة قال ابن الأنباري العشية مؤنثة وربما ذكرتها العرب وقال بعضهم العشية واحدة جمعها عشي والعشاء بالكسر والمد أول ظلام الليل والعشاء بالفتح والمد الطعام الذي يتعشى به وقت العشاء وقال أتانا بعد هدء من الليل وهدء وهدأة وهديء ومهدأ وهدوء أي حين هدأ الليل والرجل أو الهدء أول الليل إلى ثلثه وأما السباع فلم أجده فيما عندنا من كتب اللغة وكأنه من السباع ككتاب بمعنى الجماع لأنه وقته أو من السبع لأنه مضى من الليل سبع ساعات أو هو بالياء المثناة التحتانية قال في القاموس بعد سيعاء من الليل بالكسر وكسيراء بعد قطع منه وبعد سوع من الليل وسواع كغراب بعد هدء وقال جنوح الليل إقباله والجنح بالكسر الجانب ومن الليل الطائفة ويضم وقال الراغب في مفرداته الجنح قطعة من الليل مظلمة وفي القاموس هزيع من الليل كأمير طائفة أو نحو ثلثه أو ربعه والعفر في بعض النسخ بالعين المهملة والفاء وفي بعضها بالمعجمة و

__________________

(١) في المصدر : العقد.

(٢) في المصدر : المنزع.

(٣) في المصدر : كالعشواء أو ما بين ....

٥

على التقادير آخره راء مهملة وفي بعضها الفغد بالفاء ثم الغين المعجمة وفي بعضها بالفاء ثم القاف وفي بعضها بالنون ثم القاف وعلى التقادير آخره دال مهملة ولم أجد لشيء منها معنى مناسبا وفي القاموس اليعفور جزء من أجزاء الليل فالأول أنسب إن لم يكن تصحيفه وفي القاموس الزلفة بالضم الطائفة من الليل والجمع زلف كغرف وغرفات وغرفات وغرفات أو الزلف ساعات الليل الآخذة من النهار وساعات النهار الآخذة من الليل وقال الجوهري الزلفة الطائفة من أول الليل وقال السحر قبل الصبح والسحرة بالضم السحر الأعلى وقال الراغب في المفردات السحر والسحرة اختلاط ظلام آخر الليل بضياء النهار وجعل اسما لذلك الوقت يقال لقيته بأعلى سحرين. وفي القاموس ابهار الليل انتصف أو تراكبت (١) ظلمته أو ذهبت عامته أو بقي نحو ثلثه والبهرة بالضم من الليل وسطه وقال رائد الضحى ورأده ارتفاعه وقال الشرق الشمس ويحرك وإسفارها وشرقت الشمس شرقا وشروقا طلعت كأشرقت وقال متع النهار كمنع متوعا ارتفع قبل الزوال والضحى بلغ آخر غايته وهو عند الضحى الأكبر أو ترجل وبلغ الغاية وقال ترجل النهار ارتفع وقال دلكت الشمس دلوكا غربت أو اصفرت أو مالت أو زالت من كبد السماء انتهى.

وأقول : قد ورد في الأخبار أن دلوك الشمس زوالها والجنوح لعله هنا بمعنى الميل لميل الشمس إلى المغرب ولم أر بهذا المعنى في كتب اللغة وفي القاموس الهجير والهجيرة والهجر والهاجرة نصف النهار عند زوال الشمس مع الظهر أو من عند زوالها إلى العصر لأن الناس يستكنون في بيوتهم كأنهم قد تهاجروا شدة الحر (٢) وقال الظهر ساعة الزوال والظهيرة حد انتصاف النهار وإنما (٣) ذلك في القيظ وقال الراغب الظهيرة وقت الظهر وقال يقال للعشية

__________________

(١) تراكمت ( خ ).

(٢) في المصدر « وشدة الحر ».

(٣) في المصدر « او انما ».

٦

أصيل وأصيلة وقال الجوهري الأصيل الوقت بعد العصر إلى المغرب وجمعه أصل وآصال وقال الطفل بالتحريك بعد العصر إذا طفلت الشمس للمغرب (١) يقال أتيته طفلا.

أقول : ورأيت في بعض الكتب أن العرب قسموا كلا من الليل والنهار باثنتي عشرة ساعة وسموا كلا منها باسم فساعات النهار البكور والشروق والغدو والضحى والهاجرة والظهيرة والرواح والعصر والقصر والأصيل والعشي والغروب وساعات الليل الشفق والغسق والعتمة والسدفة والجهمة والزلفة والبهرة والسحر والسحرة والفجر والصبح والصباح وبعضهم ذكروا في ساعات النهار الذرور والبزوغ والضحى والغزالة والهاجرة والزوال والدلوك والعصر والأصيل والصبوب والحدود والغروب وبعضهم هكذا البكور والشروق والإشراق والراد والضحى والمتوع والهاجرة والأصيل والعصر والقصر والطفل والغروب ففي القاموس البكرة بالضم الغدوة كالبكر محركة واسمها الإبكار وبكر إليه وعليه وفيه وبكر وابتكر أتاه بكرة وكل من بادر إلى شيء فقد أبكر إليه في أي وقت كان. وقال الغدوة بالضم البكرة أو ما بين صلاة الفجر والطلوع الشمس كالغداة والغدية والجمع غدوات وغديات وغدايا وغدوا ولا يقال غدايا إلا مع عشايا وغدا عليه غدوا وغدوة بالضم واغتدى بكر وقال الضحو والضحوة والضحية كعشية ارتفاع النهار والضحى فويقه والضحاء بالمد إذا قرب انتصاف النهار وقال الرواح العشي (٢) من الزوال إلى الليل وقال العصر العشي إلى احمرار الشمس وقال الجوهري قصر الظلام اختلاطه وقد قصر العشي يقصر قصورا إذا أمسيت ويقال أتيته قصرا أي عشيا وقال الشفق بقية ضوء الشمس له حمرتها في أول الليل إلى قريب من العتمة. وقال الخليل الشفق الحمرة من

__________________

(١) في المصدر « للغروب ».

(٢) في المصدر : أو من الزوال.

٧

غروب الشمس إلى وقت العشاء الآخرة فإذا ذهب قيل غاب الشفق وقال العتمة وقت صلاة العشاء قال الخليل العتمة هو الثلث الأول من الليل بعد غيبوبة الشفق وقد عتم الليل يعتم وعتمته ظلامه. وقال قال الأصمعي السدفة والسدفة في لغة نجد الظلمة وفي لغة غيرهم الضوء وهو من الأضداد وكذلك السدف بالتحريك وقال أبو عبيد بعضهم يجعل السدفة اختلاط الضوء والظلمة معا كوقت ما بين طلوع الفجر إلى الإسفار وقد أسدف الليل أي أظلم وقال الفيروزآبادي الجهمة أول مآخير الليل أو بقية سواده من آخره ويضم وقال الفجر ضوء الصباح وهو حمرة الشمس في سواد الليل وقد انفجر الصبح وتفجر وانفجر عنه الليل وأفجروا دخلوا فيه وأنت مفجر إلى طلوع الشمس وقال الصبح الفجر أو أول النهار والجمع أصباح وهو الصبيحة والصباح والإصباح انتهى.

وأقول : الظاهر أن مرادهم بالفجر الأول وبالصبح الثاني وبالصباح الإسفار وللصبح عند العرب أسماء كثيرة الفلق بالتحريك والسطيع والصديع والمغرب والصرام والصريم والشميط والسدف والشق والفتق والذرور من ذرت الشمس تذر ذرورا إذا طلعت وبزوغ الشمس أيضا طلوعها.

وفي القاموس الغزالة كسحابة الشمس لأنها تمد حبالا كأنها تغزل أو الشمس عند طلوعها أو عند ارتفاعها وغزالة الضحى وغزالاته أولها أو بعد (١) ما تنبسط الشمس وتضحى أو أولها إلى مضي خمس النهار انتهى.

والصبوب والحدود لم أر لهما معنى مناسبا ويقال للغداة والعشي البردان والأبردان والعصران والصرعان والقرتان والكرتان ويقال وسق الليل لساعة منه وسهواء الليل وروبته بالفتح والضم بغير همز اسمان لبعض ساعات الليل والهبة بكسر الهاء وتشديد الباء الساعة تبقى من السحر ويقال رأيت بلجة الصبح بالفتح والضم إذا رأيت ضوءه. فهذا ما وجدنا من أسماء ساعات الليل والنهار عند

__________________

(١) في المصدر « او بعيد ... ».

٨

العرب ولليل والنهار أيضا عندهم أسماء الدائبان والصرفان والجديدان والأجدان والحاديان والأصرمان والملوان والعصران والردفان والصرعان والأثرمان والمتباديان والفتيان والطريدان وابنا سبات وابنا جمير وابنا سمير فالدائبان لدءوبهما وجدهما في السير والصرفان لصروف الدهر فيهما والجديدان لحدوثهما وتجددهما ولذلك سمي الأجدان والحاديان لسوقهما الناس إلى الموت والأصرمان لقطعهما الأعمار والملوان من قولهم عشت معه ملاوة من الدهر أي حينا وبرهة ويقال سكت مليا أي طويلا والعصران من العصر بمعنى الدهر والردفان لترادفهما وتواليهما والصرعان إبلان ترد أحدهما حين تصدر الأخرى والصرعان أيضا المثلان والأثرمان أي القديمان الشائبان فإن الثرم سقوط الثنايا من الأسنان والمتباديان من البدو بمعنى الظهور والفتيان لأنهما يتجددان شابين والطريدان لأنهما يطردان ويدفعان سريعا والسبات بالضم الدهر والجمير من قولهم أجمر القوم على الشيء إذا اجتمعوا عليه وهذا جمير القوم أي مجتمعهم والسمير من المسامرة وهو الحديث بالليل والسمير أيضا الدهر وابناه الليل والنهار.

فوائد جليلة

الأولى : اعلم أن اليوم نوعان حقيقي ووسطي فالحقيقي عند بعض المنجمين من زوال الشمس من دائرة نصف النهار فوق الأرض إلى وصولها إليها وعند بعضهم من زوال مركز الشمس من دائرة نصف النهار تحت الأرض إلى وصولها إليها وعلى التقديرين يكون اليوم بليلته بمقدار دورة من المعدل مع المطالع الإستوائية لقوس يقطعه الشمس من فلك البروج بحركتها الخاصة من نصف اليوم إلى نصف اليوم أو من نصف الليل إلى نصف الليل والوسطى هو مقدار دورة من المعدل مع مطالع قوس تقطعه الشمس بالسير الوسطي وبسبب الاختلاف بين الحركة الوسطية والحركة التقويمية يختلف اليوم بالمعنى الأول والثاني اختلافا

٩

يسيرا يظهر في أيام كثيرة لكن اليوم بالاصطلاحين لا يختلف باختلاف الآفاق وبعضهم يأخذون اليوم من طلوع الشمس إلى طلوعها وبعضهم من غروبها إلى غروبها وذلك يختلف باختلاف الآفاق كما تقرر في محله.

قال أبو ريحان البيروني إن اليوم بليلته هو عودة الشمس بدوران الكل إلى دائرة فرضت ابتداء لذلك اليوم بليلته أي دائرة كانت إذا وقع عليها الاصطلاح وكانت عظيمة لأن كل واحدة من العظام أفق بالقوة أعنى بالقوة أنه يمكن فيها أن يكون أفقا لمسكن ما وبدوران الكل حركة الفلك بما فيه المرئية من المشرق إلى المغرب على قطبيه.

ثم إن العرب فرضت أول مجموع اليوم والليلة نقط المغارب على دائرة الأفق فصار اليوم عندهم بليلته من لدن غروب الشمس عن الأفق إلى غروبها من الغد والذي دعاهم إلى ذلك هو أن شهورهم مبتنية على مسير القمر مستخرجة من حركاته المختلفة مقيدة برؤية الأهلة لا الحساب وهي ترى لدى غروب الشمس ورؤيتها عندهم أول الشهر فصارت الليلة عندهم قبل النهار وعلى ذلك جرت عادتهم في تقديم الليالي على الأيام إذا نسبوها إلى أسماء الأسابيع واحتج لهم من وافقهم على ذلك بأن الظلمة أقدم في المرتبة من النور وأن النور طار على الظلمة فالأقدم أولى أن يبتدأ به وغلبوا السكون لذلك على الحركة بإضافة الراحة والدعة وأن الحركة لحاجة وضرورة والتعب عقيب الضرورة فالتعب نتيجة الحركة وبأن السكون إذا دام في الأسطقسات مدة لم يولد فسادا فإذا دامت الحركة فيها واستحكمت أفسدت وحدثت الزلازل والعواصف والأمواج وأشباهها فأما عند غيرهم من الروم والفرس ومن وافقهم فإن الاصطلاح واقع بينهم على أن اليوم بليلته هو من لدن طلوعها من أفق المشرق إلى طلوعها منه بالغد إذا كانت شهورهم مستخرجة بالحساب غير متعلقة بأحوال القمر ولا غيره من الكواكب وابتداؤها من أول النهار فصار النهار عندهم قبل الليل واحتجوا بأن النور وجود والظلمة عدم ومقدمو النور على الظلمة يقولون بتغليب

١٠

الحركة على السكون لأنها وجود لا عدم وحياة لا موت ويعارضونهم بنظائر ما قاله أولئك كقولهم إن السماء أفضل من الأرض وإن العامل والشاب أصح والماء الجاري لا يقبل عفونة كالراكد وأما أصحاب التنجيم فإن اليوم بليلته عند جلهم والجمهور من علمائهم هو من لدن موافاة الشمس فلك نصف النهار إلى موافاتها إياه في نهار الغد وهو قول بين القولين فصار ابتداء الأيام بلياليها عندهم من النصف الظاهر من فلك نصف النهار وبنوا على ذلك حسابهم واستخرجوا عليها مواضع الكواكب بحركاتها المستوية ومواضعها المقومة في دفاتر السنة وبعضهم آثر النصف الخفي من فلك نصف النهار فابتدءوا به من نصف الليل كصاحب زيج شهرياران ولا بأس بذلك فإن المرجع إلى أصل واحد.

والذي دعاهم إلى اختيار دائرة نصف النهار دون دائرة الأفق هو أمور كثيرة منها أنهم وجدوا الأيام بلياليها مختلفة المقادير غير متفقة كما يظهر ذلك من اختلافها عند الكسوفات ظهورا بينا للحس وكان ذلك من أجل اختلاف مسير الشمس في فلك البروج وسرعته فيه مرة وبطئه أخرى واختلاف مرور القطع من فلك البروج على الدوائر فاحتاجوا إلى تعديلها لإزالة ما عرض لها من الاختلاف وكان تعديلها بمطالع فلك البروج على دائرة نصف النهار مطردا في جميع المواضع إذ كانت هذه الدائرة بعض آفاق الكرة المنتصبة وغير متغيرة اللوازم في جميع البقاع من الأرض ولم يجدوا ذلك في دوائر الآفاق لاختلافها في كل موضع وحدوثها لكل واحد من العروض على شكل مخالف لما سواه وتفاوت مرور قطع فلك البروج عليها والعمل بها غير تام ولا جار على نظام.

ومنها : أنه ليس بين دوائر أنصاف نهار البلاد إلا ما بينهما من دائرة معدل النهار والمدارات المشبهة بها فأما الآفاق فإن ما بينها مركب من ذلك ومن انحرافها إلى الشمال والجنوب وتصحيح أحوال الكواكب ومواضعها إنما هو بالجهة التي يلزم من فلك نصف النهار وتسمى الطول ليس له خط في الجهة الأخرى اللازمة عن الأفق وتسمى العرض فلأجل هذا اختاروا الدائرة التي

١١

تطرد عليها حسباناتهم وأعرضوا عن غيرها على أنهم لو راموا العمل بالآفاق لتهيأ لهم ولأدتهم إلى ما أدتهم إليه دائرة نصف النهار لكن بعد سلوك المسلك البعيد وأعظم الخطاء هو تنكب الطريق المستقيم إلى البعد الأطول على عمد.

الفائدة الثانية : اعلم أن اليوم قد يطلق على مجموع اليوم والليلة وقد يطلق على ما يقابل الليل وهو يرادف النهار ولا ريب في أن اليوم والنهار الشرعيين مبدؤهما من طلوع الفجر الثاني إلى غيبوبة قرص الشمس عند بعض وإلى ذهاب الحمرة المشرقية عند أكثر الشيعة وعند المنجمين وأهل فارس والروم من طلوع الشمس إلى غروبها وخلط بعضهم بين الاصطلاحين فتوهم أن اليوم الشرعي أيضا في غير الصوم من الطلوع إلى الغروب وهذا خطاء وقد أوردنا الآيات والأخبار الكثيرة الدالة على ما اخترناه في كتاب الصلاة وأجبنا عن شبه المخالفين في ذلك.

قال أبو ريحان بعد إيراد ما تقدم منه هذا الحد هو الذي نحد به اليوم على الإطلاق إذا اشترط الليلة في التركيب فأما على التقسيم والتفصيل فإن اليوم بانفراده والنهار بمعنى واحد وهو من طلوع جرم الشمس إلى غروبه والليل بخلاف ذلك وعكسه بتعارف من الناس قاطبة فيما بينهم واتفاق من جمهورهم لا يتنازعون فيه إلا أن بعض علماء الفقه في الإسلام حد أول النهار بطلوع الفجر وآخره بغروب الشمس تسوية منه بينه وبين مدة الصوم واحتج بقوله تعالى « وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ » (١) فادعى أن هذين الحدين هما طرفا النهار ولا تعلق لمن رأى هذا الرأي بهذه الآية بوجه من الوجوه لأنه لو كان أول الصوم أول النهار لكان تحديده ما هو ظاهر بين للناس بمثل ما حده به جاريا مجرى التكلف لما لا معنى له كما لم يحد آخر النهار وأول الليل بمثل ذلك إذ هو معلوم متعارف لا يجهله أحد ولكنه تعالى لما حد أول الصوم بطلوع الفجر ولم

__________________

(١) البقرة : ١٨٧.

١٢

يحد آخره بمثله بل أطلقه بذكر الليل فقط لعلم الناس بأسرهم أنه غروب قرص الشمس علم أن المراد بما ذكر في الأول لم يكن مبدأ النهار ومما يدل على صحة قولنا قوله تعالى « أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ » إلى قوله تعالى « ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ » (١) فأطلق المباشرة والأكل والشرب إلى وقت محدود لا الليل كله كما كان محظورا على المسلمين قبل نزول هذه الآية الأكل والشرب بعد عشاء الآخرة وما كانوا يعدون صومهم بيوم وبعض ليلته بل كانوا يذكرونها أياما بإطلاق.

فإن قيل : إنه أراد بذلك تعريفهم أول النهار للزم أن يكون الناس قبل ذلك جاهلين بأول الأيام والليالي وذلك ظاهر المحال فإن قيل إن النهار الشرعي خلاف النهار الوضعي فما ذلك إلا خلاف في العبارة وتسمية شيء باسم وقع في التعارف على غيره مع تعري الآية عن ذكر النهار وأوله والمشاحة في مثل ذلك مما نعتزلها ونوافق الخصوم في العبارات إذا وافقونا في المعاني وكيف يعتقد أمر ظهر للعيان خلافه فإن الشفق من جهة المغرب هو نظير الفجر من جهة المشرق وهما متساويان في العلة متوازيان في الحالة فلو كان طلوع الفجر أول النهار لكان غروب الشفق آخره وقد اضطر إلى قبول ذلك بعض الشيعة (٢) وعلى أن من خالفنا فيما قدمناه يوافقنا في مساواة الليل والنهار مرتين في السنة إحداهما في الربيع والأخرى في الخريف ويطابق قوله قولنا في أن النهار ينتهي في طوله عند تناهي قرب الشمس من القطب الشمالي وأنه ينتهي في قصره عند تناهي بعدها منه وأن ليل الصيف الأقصر يساوي نهار الشتاء الأقصر وأن

__________________

(١) البقرة : ١٨٧.

(٢) القول باعتبار غروب الشفق لتحقق الليل غير معهود من الشيعة ، والظاهر أن منشأ الاشتباه المشهور ارتفاع الحمرة المشرقية الى قمة الرأس. ولعله أراد ببعض الشيعة أبا الخطاب العالى ، فقد روى في السرائر عن عمار الساباطى عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : إنما أمرت أبا الخطاب أن يصلى المغرب حين تغرب الحمرة من مطلع الشمس عند مغربها فجعله هو الحمرة التي من قبل المغرب ، فكان يصلي حين يغيب الشفق.

١٣

معنى قوله « يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ » (١) وقوله تعالى « يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ » (٢) راجع إلى ذلك فإن جهلوا ذلك كله أو تجاهلوا لم يجدوا بدا من كون النصف النهار الأول ست ساعات والنصف الأخير ست ساعات ولا يمكنهم التعامي عن ذلك لشيوع الخبر المأثور في ذكر فضائل السابقين إلى الجامع يوم الجمعة وتفاضل أجورهم بتفاضل قصورهم في الساعات الست التي هي أول النهار إلى وقت الزوال وذلك مقول على الساعات الزمانية المعوجة دون المستوية التي تسمى المعتدلة فلو سامحناهم بالتسليم لهم في دعواهم لوجب أن يكون استواء الليل والنهار حين تكون الشمس بجنبتي الانقلاب الشتوي ويكون ذلك في بعض المواضع دون بعض وأن لا يكون الليل الشتوي مساويا للنهار الصيفي وأن لا يكون نصف النهار موافاة الشمس منتصف ما بين الطلوع والغروب وخلافات هذه اللوازم هي القضايا المقبولة عند من له أدنى بصر وليس يتحقق لزوم هذه الشناعات إياهم إلا من له درية يسيرة بحركات الأكر (٣).

فإن تعلق متعلق بقول الناس عند طلوع الفجر قد أصبحنا وذهب الليل فأين هو عن قولهم عند تقارب غروب الشمس واصفرارها قد أمسينا وذهب النهار وجاء الليل وإنما ذلك إنباء عن دنوه وإقباله وإدبار ما هم فيه وذلك جار على طريق المجاز والاستعارة وجائز في اللغة كقول الله تبارك وتعالى « أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ » (٤) ويشهد لصحة قولنا ما روي عن النبي صلى الله عليه واله أنه قال : صلاة النهار عجماء. وتسمية الناس صلاة الظهر بالأولى لأنها الأولى من صلاتي النهار وتسمية صلاة العصر بالوسطى لتوسطها بين الصلاة الأولى من صلاتي النهار وبين الصلاة الأولى من صلوات الليل وليس قصدي فيما أوردته في هذا الموضع إلا نفي

__________________

(١) الحج : ١٦.

(٢) الزمر : ٥.

(٣) الاكر كصرد جمع الكرة.

(٤) النحل : ١.

١٤

ظن من يظن أن الضروريات تشهد بخلاف ما يدل عليه القرآن ويحتج لإثبات ظنه بقول أحد الفقهاء والمفسرين والله الموفق للصواب انتهى كلامه.

وأقول : سيأتي جواب ذلك كله والدلائل الكثيرة الدالة على خلافه وما ذكره على تقدير تمامه لا ينافي ما ادعيناه مع أن عرف الشرع بل العرف العام قد استقر على أن ابتداء اليوم والنهار طلوع الفجر الثاني (١) وأكثر ما ذكره يدل على أنه بحسب الحساب والقواعد النجومية أولهما طلوع الشمس ولا مشاحة في ذلك وقوله لو كان أول الصوم أول النهار إلخ فالجواب أنه لما كان أول النهار عند أهل الحساب طلوع الشمس بين سبحانه أن المراد هنا اليوم الشرعي كما أنه لما كانت اليد تطلق على معان قال في آية الوضوء « إِلَى الْمَرافِقِ » لتعيين أحد المعاني ولما لم يكن في آخر النهار اختلاف في الاصطلاح لم يتعرض لتعيينه وإنما استقر العرف العام والخاص على جعل أول النهار الفجر وأول الليل الغروب لما سيأتي أن الناس لما كانوا في الليل فارغين عن أعمالهم الضرورية للظلمة المانعة فاغتنموا شيئا من الضياء لحركتهم وتوجههم إلى أعمالهم الدينية والدنيوية

__________________

(١) الظاهر ان المتبادر من الليل والنهار هو ما بين غروب الشمس الى طلوعها وما بين طلوعها الى غيبوبتها ، وأما تحديد بعض العبادات كالصوم بغير هذين الحدين فلا يدل على أن للفظة اليوم او النهار معنى شرعيا مغايرا لمعناه العرفى واللغوى ، ودعوى دلالة آية الصوم على كون مبدإ اليوم الشرعى طلوع الفجر ممنوعة ، لان الآية انما تتعرض لوقت الصوم وليس فيها ذكر من اليوم والنهار ولا دلالة لها على كون مبدأ الصوم هو مبدأ النهار بعينه. نعم يظهر من قوله تعالى : « ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ » ان منتهاه هو مبدأ الليل فبناء على ما هو المشهور بين الشيعة من اعتبار ذهاب الحمرة المشرقية يقع الكلام في ان مبدأ الليل العرفى هو غروب الشمس فاعتبار امر زائد عليه يدل على ان مبدأه عند الشرع غير ذلك. ولقائل أن يقول : إن استتار القرص لما كان يختلف في الاراضى المتقاربة لاجل حيلولة الجبال الشاهقة بل التلال المرتفعة جعل ارتفاع الحمرة كاشفا عن تحقق الغروب في الاراضى المتفقة الافق. ويؤيد ذلك رواية ابن أبي عمير عن الصادق ٧ « فاذا جازت يعنى الحمرة قمة الرأس إلى ناحية المغرب فقد وجب الإفطار وسقط القرص » وفي رواية اخرى « والدليل على غروب الشمس ذهاب الحمرة من جانب المشرق ».

١٥

وفي الليل بالعكس لأنهم لما كلوا وملوا من حركات النهار وأعماله اغتنموا شيئا من الظلمة لتركهم ذلك فلذا اختلف الأمر في أول النهار وآخره وما وقع في الشرع من أن الزوال نصف النهار فهو على التقريب والتخمين وما ذكره من استواء الليل والنهار في الاعتدالين فمعلوم أنه مبني على اصطلاح المنجمين وسيأتي الكلام في جميع ذلك في كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى.

الفائدة الثالثة : لا ريب في أن الليل بحسب الشرع مقدم على اليوم فما ورد في ليلة الجمعة مثلا إنما هي الليلة المتقدمة لا المتأخرة وما يعتبره المنجمون وبعض العرب من تأخير الليلة فهو محض اصطلاح منهم ولا يبتني عليه شيء من أحكام الشريعة ومما يدل عليه ما رواه الكليني في الروضة بسند موثق عن عمر بن يزيد قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام إن المغيرية يزعمون أن هذا اليوم لهذه الليلة المستقبلة فقال كذبوا هذا اليوم لليلة الماضية إن أهل بطن نخلة حيث رأوا الهلال قالوا قد دخل الشهر الحرام (١).

وتوضيحه : أن المغيرية هم أتباع المغيرة بن سعد البجلي وهو من المذمومين المطعونين وقد روى الكشي أخبارا كثيرة في أنه كان من الكذابين على أبي جعفر عليه السلام وروي أنه كان يدعو الناس إلى محمد بن عبد الله بن الحسن وكان من الزيدية التبرية وفي بعض النسخ المغيرة أي الذين غيروا دين الله من المخالفين وقصة بطن نخلة هي ما ذكره المفسرون والمؤرخون أن النبي صلى الله عليه واله بعث عبد الله بن جحش ومعه ثمانية رهط من المهاجرين وقيل اثنا عشر وأمره أن ينزل نخلة بين مكة والطائف فيرصد قريشا ويعلم أخبارهم فانطلقوا حتى هبطوا نخلة فوجدوا بها عمرو بن الحضرمي في عير تجارة قريش في آخر يوم من جمادى الآخرة وكانوا يرون أنه من جمادى وهو رجب فاختصم المسلمون فقال قائل منهم هذه غرة من عدو وغنم (٢) رزقتموه فلا ندري أمن

__________________

(١) روضة الكافي : ٣٣٢.

(٢) الغرة : الغفلة ، والغنم كالقفل الغنيمة.

١٦

الشهر الحرام هذا اليوم أم لا فقال قائل منهم لا نعلم هذا اليوم إلا من الشهر الحرام ولا نرى أن تستحلوه لطمع أشفيتم عليه فشدوا على ابن الحضرمي فقتلوه وغنموا عيره فبلغ ذلك كفار قريش فركب وفدهم حتى قدموا على النبي صلى الله عليه واله فقالوا أيحل القتال في الشهر الحرام فأنزل الله تعالى « يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ » الآية (١) ويظهر من هذا الخبر كما ورد في بعض السير أيضا أنهم إنما فعلوا ذلك بعد رؤية هلال رجب وعلمهم بكونه منه واستشهاده عليه‌السلام بأن الصحابة حكموا بعد رؤية الهلال بدخول رجب فالليل سابق على النهار ومحسوب مع اليوم الذي بعده يوما وما سبق من تقدم خلق النهار على الليل لا ينافي ذلك كما لا يخفى.

الفائدة الرابعة : اعلم أنهم يقسمون كلا من اليوم الحقيقي واليوم الوسطي إلى أربعة وعشرين قسما متساوية يسمونها بالساعات المستوية والمعتدلة وأقسام اليوم الحقيقي تسمى بالحقيقية والوسطي بالوسطية وقد يقسمون كلا من الليل والنهار في أي وقت كان باثنتي عشرة ساعة متساوية ويسمونها بالساعات المعوجة لاختلاف مقاديرها باختلاف الأيام طولا وقصرا بخلاف المستوية فإنها تختلف أعدادها ولا تختلف مقاديرها والمعوجة بعكسها وتسمى المعوجة بالساعات الزمانية أيضا لأنها نصف سدس زمان النهار أو زمان الليل وكثير من الأخبار مبنية على هذا الاصطلاح كما أومأنا إليه والساعتان تستويان في خط الإستواء أبدا وعند حلول الشمس أحد الاعتدالين في سائر الآفاق وقد تطلق الساعة في الأخبار على مقدار من أجزاء الليل والنهار مختص بحكم معين أو صفة مخصوصة كساعة ما بين طلوع الفجر والشمس وساعة الزوال والساعة بعد العصر وساعة آخر الليل وأشباه ذلك بل على مقدار من الزمان وإن لم يكن من أجزاء الليل والنهار كالساعة التي تطلق على يوم القيامة كما أن اليوم قد يطلق على مقدار من الزمان مخصوص بواقعة أو حكم كيوم القيامة ويوم حنين وقال

__________________

(١) البقرة : ٢١٧.

١٧

تعالى « وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ » (١)

١٢ ـ الكافي : عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن خالد والحسين بن سعيد جميعا عن النضر عن يحيى الحلبي عن المثنى عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله عز وجل « كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً » (٢) قال أما ترى البيت إذا كان الليل أشد سوادا من خارج فكذلك هم يزدادون سوادا (٣).

١٣ ـ التهذيب : بإسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن سيف عن أبي بكر الحضرمي قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام فقلت متى أصلي ركعتي الفجر قال حين يعترض الفجر وهو الذي تسميه العرب الصديع.

بيان : في القاموس الصديع كأمير الصبح وفي الأساس ومن المجاز انصدع الفجر وطلع الصديع وهو الفجر.

(١٥)

(باب)

(ما روي في سعادة أيام الأسبوع ونحوستها)

١ ـ الخصال : عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن علي بن عبديد (٤) الأشعري عن ابن محبوب عن حبيب السجستاني عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه واله يوم الجمعة يوم عبادة فتعبدوا لله عز وجل فيه ويوم السبت لآل محمد عليهم السلام ويوم الأحد لشيعتهم ويوم الإثنين يوم بني أمية ويوم الثلاثاء

__________________

(١) إبراهيم : ٥.

(٢) يونس : ٢٧.

(٣) روضة الكافي : ٢٥٣.

(٤) وفي بعض النسخ « عبديل » ولم نجد منهما ذكرا في تراجم العامة والخاصة ، والظاهر أن الصواب كما في المصدر « على بن إسحاق الأشعري » وهو علي بن إسحاق بن عبد الله الأشعري الذي وثقه النجاشي.

١٨

يوم لين ويوم الأربعاء لبني العباس وفتحهم (١) ويوم الخميس يوم مبارك بورك لأمتي في بكورها فيه (٢).

بيان : ضمير بكورها راجع إلى الأمة أي مباكرتهم في طلب الحوائج وتوجههم إليها بكرة.

٢ ـ الخصال : عن أبيه عن محمد بن يحيى العطار عن سهل بن زياد عن عمر بن سفيان رفع الحديث إلى أبي عبد الله عليه السلام أنه قال لرجل من مواليه يا فلان ما لك لم تخرج قال جعلت فداك اليوم الأحد قال وما للأحد قال الرجل للحديث الذي جاء عن النبي صلى الله عليه واله أنه قال احذروا حد الأحد فإن له حدا مثل حد السيف قال كذبوا كذبوا ما قال ذاك رسول الله صلى الله عليه واله فإن الأحد اسم من أسماء الله عز وجل قال قلت جعلت فداك فالإثنين قال سمي باسمهما قال الرجل سمي باسمهما ولم يكونا فقال له أبو عبد الله عليه السلام إذا حدثت فافهم إن الله تبارك وتعالى قد علم اليوم الذي يقبض فيه نبيه صلى الله عليه واله واليوم الذي يظلم فيه وصيه فسماه باسمهما قال قلت فالثلاثاء قال خلقت يوم الثلاثاء النار وذلك قوله عز وجل « انْطَلِقُوا إِلى ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللهَبِ » (٣) قال قلت فالأربعاء قال بنيت أربعة أركان للنار قال قلت فالخميس قال خلق الله الخمسة (٤) يوم الخميس قال قلت فالجمعة قال جمع الله عز وجل الخلق لولايتنا يوم الجمعة قال قلت فالسبت قال سبت الملائكة لربها يوم السبت فوجدته لم يزل واحدا (٥).

بيان : باسمهما أي باسم أبي بكر وعمر والخمسة أصحاب العباء عليهم السلام

__________________

(١) ليس في المصدر لفظة « وفتحهم ».

(٢) الخصال : ٢٦.

(٣) المرسلات : ٢٩ ـ ٣١.

(٤) في المصدر : الجنة.

(٥) الخصال : ٢٦.

١٩

سبت الملائكة أي قطعت أعمالها للتفكر في ذاته تعالى قال الراغب في مفرداته أصل السبت قطع العمل ومنه سبت السير أي قطعه وسبت شعره حلقه وأنفه اصطلمه وقيل سمي يوم السبت لأن الله تعالى ابتدأ بخلق السماوات والأرض يوم الأحد فخلقها في ستة أيام كما ذكره فقطع عمله يوم السبت فسمي بذلك.

٣ ـ الخصال : عن محمد بن موسى بن المتوكل عن علي بن إبراهيم عن عبد الله بن أحمد الموصلي عن الصقر بن أبي دلف الكرخي قال : لما حمل المتوكل سيدنا أبا الحسن العسكري عليه السلام جئت أسأل عن خبره قال فنظر إلي الزراقي وكان حاجبا للمتوكل فأمر أن أدخل إليه فأدخلت إليه فقال يا صقر ما شأنك فقلت خير أيها الأستاد فقال اقعد فأخذني ما تقدم وما تأخر وقلت أخطأت في المجيء قال فوحى الناس عنه ثم قال لي ما شأنك وفيم جئت قلت لخبر ما (١) فقال لعلك تسأل عن خبر مولاك (٢) فقلت له ومن مولاي مولاي أمير المؤمنين فقال اسكت مولاك مولاك هو الحق فلا تحتشمني فإني على مذهبك فقلت الحمد لله قال أتحب أن تراه قلت نعم قال اجلس حتى يخرج صاحب البريد من عنده قال فجلست فلما خرج قال لغلام له خذ بيد الصقر وأدخله إلى الحجرة التي فيها العلوي المحبوس وخل بينه وبينه قال فأدخلني إلى الحجرة وأومأ إلى بيت فدخلت فإذا هو عليه السلام جالس على صدر حصير وبحذائه قبر محفور قال فسلمت عليه فرد علي ثم أمرني بالجلوس ثم قال لي يا صقر ما أتى بك قلت سيدي جئت أتعرف خبرك قال ثم نظرت إلى القبر فبكيت فنظر إلي فقال يا صقر لاعليك لن يصلوا إلينا بسوء الآن فقلت الحمد لله ثم قلت يا سيدي حديث يروى عن النبي صلى الله عليه واله لا أعرف معناه قال وما هو فقلت قوله لا تعادوا الأيام فتعاديكم ما معناه فقال نعم الأيام نحن ما قامت السماوات والأرض فالسبت اسم رسول الله

__________________

(١) في المصدر : لخير ما.

(٢) عن خبر صاحبك ومولاك ( خ ).

٢٠