عليهم أجمعين ، فإنّ فائدة الكلام تفهيم الغير ، فلو خلا عن هذه الفائدة ، ولو بالنسبة إلى الواحد ، كان لغوا ، والحكيم تعالى منزّه عنه ، مع أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله كان يتحدّى بكلّ آية من الكتاب العزيز ، ولا يمكن أن يتحدّى بما لا يعرف المراد منه ، ولا يفهم معناه ، مع أنّه تعالى استثنى عن جميع الخلق غير العالمين بتأويل المتشابهات الراسخين في العلم ، وقرنهم بذاته المقدّسة في العلم بتأويلها ، والمراد بالراسخين في العلم النبيّ صلىاللهعليهوآله وأوصياؤه من بعده صلوات الله عليهم كما في رواية. [ عن أحدهما عليهماالسلام ] قال : « فرسول الله صلىاللهعليهوآله أفضل الرّاسخين في العلم ، قد علّمه الله جميع ما أنزل عليه من التنزيل والتأويل ، وما كان الله لينزل عليه شيئا لم يعلّمه تأويله ، وأوصياؤه من بعده يعلمونه كلّه » (١).
وعن أمير المؤمنين - في حديث - قال : « إنّ الله جلّ ذكره بسعة رحمته ورأفته بخلقه ، وعلمه بما يحدثه المبدّلون من تغيير كلامه (٢) ، قسّم كلامه ثلاثة أقسام ؛ وجعل قسما منه يعرفه العالم والجاهل ، وقسما لا يعرفه إلّا من صفا ذهنه ، ولطف حسّه ، وصحّ تميّزه ، ممّن شرح الله صدره للإسلام ، وقسما لا يعرفه إلّا الله وأنبياؤه (٣) والراسخون في العلم » (٤) .
وعن العيّاشيّ : عن الصادق عليهالسلام - في حديث - قال : « نحن الرّاسخون في العلم ، ونحن نعلم تأويله » (٥) .
وعن ابن عبّاس بطريق عامّي في قوله : ﴿وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾(٦) قال : أنا ممّن يعلم تأويله (٧) .
وعن مجاهد ، في قوله : ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ قال : يعلمون تأويله ، و﴿يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ﴾(٨) .
وعن الضحّاك ، قال : الرّاسخون في العلم يعلمون تأويله ، ولو لم يعلموا تأويله لم يعلموا ناسخه ومنسوخه (٩) ، ولا حلاله ولا (١٠) حرامه ، ولا محكمه عن (١١) متشابهه (١٢) .
وعن النوويّ على ما نقله السيوطيّ عنه ، أنّه قال في ( شرح مسلم ) : إنّه الأصح ؛ لأنّه يبعد أن يخاطب الله عباده بما لا سبيل لأحد من الخلق إلى معرفته (١٣) .
ثمّ أنّ منشأ غلط أكثر أهل السّنّة في المقام ، توهّم كون الواو في ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ استئنافا
__________________
(١) الكافي ١ : ١٦٦ / ٢. (٢) في الإحتجاج : كتابه.
(٣) في الاحتجاج : وامناؤه. (٤) الاحتجاج : ٢٥٣ ، تفسير الصافي ١ : ٢٩٥.
(٥) تفسير العيّاشيّ ١ : ٢٩٣ / ٦٤٨ ، تفسير الصافي ١ : ٢٩٥.
(٦) آل عمران : ٣ / ٧.
(٧ و٨) . الإتقان في علوم القرآن ٣ : ٦.
(٩) في الإتقان : من منسوخه. (١٠ و١١) . في الإتقان : من.
(١٢ و١٣) . الإتقان في علوم القرآن ٣ : ٦.