وممّا لا ريب فيه أنّ التفسير القويم تجده عند أهله ، أولئك الذين نزل في بيوتهم ، واقترنوا به إلى قيام الساعة ، فقد تواتر عند جميع المسلمين أنّ الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآله قال : « إني تارك فيكم ، ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي ؛ كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما » (١) . فقرن صلىاللهعليهوآله بين الكتاب وعترته المعصومين منذ فجر الرسالة وحتى يوم القيامة.
فأهل البيت عترة النبي المصطفى صلوات الله عليهم هم الأجدر بإدراك مضامين الكتاب الكريم وفهم دقائقه ، وأبعاد مضامينه العالية ، وتصاريف أغراضه ومراميه ، وقولهم الصدق ، وتفسيرهم عين الحقّ ، قال تعالى : ﴿إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾(٢) .
قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام : « والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيما نزلت ، وأين نزلت ، وعلى من نزلت ، إنّ ربي وهب لي قلبا عقولا ، ولسانا طلقا سؤولا » (٣) .
وقال الإمام محمد بن علي الباقر عليهالسلام : « إن رسول الله صلىاللهعليهوآله أفضل الراسخين في العلم ، فقد علم جميع ما أنزل الله عليه من التنزيل والتأويل ، وما كان الله لينزل عليه شيئا لم يعلمّه إياه ، وأوصياؤه من بعده يعلمونه كلّه » (٤) .
وقال الإمام جعفر الصادق عليهالسلام : « نحن الراسخون في العلم ، ونحن نعلم تأويله » (٥) .
وعليه فانّ حديث أهل البيت عليهمالسلام من أهمّ مفاتيح فهم كتاب الله تعالى ، ولا يتيسّر للمفسّر أن يفهم القرآن الكريم على وجهه الصحيح إذا لم يستأنس بأحاديثهم عليهمالسلام في فهم دقائق مضامينه وإدراك معانيه ، وإذا لم يضع أمامه تصورا عن المنهج الذي اتبعه أهل البيت عليهمالسلام في تفسير القرآن الكريم والخطوط الأساسية التي رسموها لفهم الكتاب العزيز.
من هذا المنطلق نهض قسم الدراسات الإسلامية - مؤسسة البعثة ومنذ فجر تأسيسه بمهمة إعداد وتحقيق ونشر سلسلة من التفاسير التي تصبّ في هذا الهدف السامي ، فكان حاصل الجهود الخيرة العاملة في هذا الحقل هو إعداد ( معجم تفسير أهل البيت عليهمالسلام ) والذي يضمّ ما تفرّق من حديثهم عليهمالسلام الوارد في التفسير من مصادر الحديث والرواية المعتبرة باستثناء كتب التفسير.
ومن نتائج أعمال قسم الدراسات الاسلامية في هذا المجال تحقيق ونشر ( تفسير العياشي )
__________________
(١) سنن الترمذي ٥ : ٦٦٣ / ٣٧٨٦ و٣٧٨٨ - كتاب المناقب ، مستدرك الحاكم ٣ : ١٤٨.
(٢) الأحزاب : ٣٣ / ٣٣.
(٣) كنز العمال ١٣ : ١٢٨ / ٣٦٤٠٤.
(٤) تفسير القمي ١ : ٩٦ ، تفسير العياشي ١ : ٢٩٣ / ٦٤٦.
(٥) الكافي ١ : ١٦٦ / ١ ، تفسير العياشي ١ : ٢٣٩ / ٦٤٨.