كاذب علينا (١) ، انتهى.
والعجب مع هذا الكلام من الصدوق أنّه نسب إلى الكليني رضوان الله عليه الذي هو من مجدّدي المذهب الجعفريّ القول بتحريف القرآن (٢) ، مستندا إلى نقله بعض الروايات التي وردت في هذا المعنى ، وعدم تعرّضه للقدح فيها ، مع ذكره في أوّل الكافي أنّه كان يثق بما رواه فيه ، فإنّه لا دلالة لنقل الروايات والوثوق بصدورها على اعتقاد الناقل بمضمونها أو إفتائه به ، لإمكان حملها على محامل ، كالتقيّة أو غيرها ، أو ردّ الناقل علمها إلى الراسخين في العلم ، مع أنّ الصدوق رحمهالله كان أعرف بمذهب الكلينيّ رحمهالله من غيره ، وكيف يمكن تكذيبه نسبة التحريف إلى الإمامية مع قول شيخه به.
والظاهر أنّ الصدوق رحمهالله لعلمه بإجماع الاماميّة ، ودلالة روايات كثيرة ، بل الكتاب المجيد على عدم تحريفه ، وملاحظة لزوم الوهن من القول به في أساس الإسلام ، وتواتر الكتاب أعرض عن الروايات الكثيرة الدالّة على وقوع التّحريف فيه ، مع أنّه لغاية تعبّده بظواهر الأخبار ذهب إلى القول بجواز السّهو على النبيّ صلىاللهعليهوآله.
نعم ، نسب السيّد المرتضى رحمهالله الخلاف في ذلك إلى قوم من أصحاب الحديث من الإماميّة مع تخطئة لهم قال : إنّ من خالف في ذلك من الإماميّة والحشويّة لا يعتدّ بخلافهم ، فإنّ الخلاف في ذلك مضاف إلى قوم من أصحاب الحديث نقلوا أخبارا ضعيفة ظنّوا صحّتها لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صّحته (٣) .
ولعلّ في قوله : ( مضاف إلى قوم ) دلالة على عدم ثبوت النسبة عنده ، والمراد من ( أصحاب الحديث ) عليّ بن إبراهيم القمّي رحمهالله ومن حذا حذوه.
قال القمّيّ رحمهالله في تفسيره : وأمّا ما كان خلاف ما أنزل الله ، فقوله تعالى : ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ
__________________
(١) اعتقادات الصدوق : ٩٣.
(٢) لم نجد في ساتر مصنفات الشيخ الصدوق أي تصريح أو تلميح بنسبة القول بالتحريف إلى ثقة الاسلام الكليني ، كما لم نجد أحدا نقله عن الشيخ الصدوق ، وقد استند بعض المحدثين الذين نسبوا إلى الشيخ الكليني القول بالتحريف ( كالفيض في الصافي ١ : ٤٧ ) على جمله من روايات الكافي ، مع أنه لا توجد في الكافي رواية واحدة تدلّ دلالة صريحة على التحريف ، ولكن اشتبه عليهم حال بعض الروايات ، وهي إحدى وستون رواية فقط بجميع أجزاء الكافي ، لظهورها باختلاف القراءة أو التفسير ، فعدّوا ذلك من أصل المصحف ، وقد بيّنت بعض الدراسات الحديثة ذلك بكلّ تفصيل. راجع : دفاع عن الكافي ٢ : ٢١٩ - ٥٠١.
(٣) مجمع البيان ١ : ٨٣ ، تفسير الصافي ١ : ٤٧.