إلى المؤمنين ، من النّبوّة والهداية والكتاب ، أو لأنّ كلّ ما هو من قبل الله تعالى ، من النّافع والضّار ، عين الخير والصّلاح ، وموافق للحكمة والنّظام الأتمّ ، أو لأنّ الشّرور من قبل الماهيّات والخيرات ، من قبل الوجود المفاض منه تعالى ، أو لمراعاة الأدب ، لوضوح منافاته لخطابه : بأنّ الشّرّ منك.
روي أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله لمّا خطّ الخندق عام الأحزاب ، وقطع لكلّ عشيرة (١) من أهل المدينة أربعين ذراعا ، وجميع من وافى الخندق من القبائل عشرة آلاف ، فأخذوا يحفرونه ، خرج من بطن الخندق صخرة كالفيل العظيم ، لم تعمل فيها المعاول ، فوجّهوا سلمان رضى الله عنه إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله يخبره.
فجاء صلىاللهعليهوآله وأخذ المعول من سلمان ، فضربها ضربة صدعتها مقدار ثلثها ، وبرق منها برقا أضاء ما بين لا بتيها (٢) ، كأنّه مصباح في (٣) بيت مظلم ، فكبّر وكبّر معه المسلمون ، وقال : « أضاءت لي منها قصور الحيرة كأنّها أنياب الكلاب » ، ثمّ ضرب الثّانية ، فقال : « أضاءت [ لي ] منها قصور الحمر في أرض الرّوم » ثمّ ضرب الثّالثة ، فقال : « أضاءت لي قصور صنعاء ، وأخبرني جبرئيل عليهالسلام أنّ امّتي ظاهرة على الامم كلّها ؛ فابشروا » .
فقال المنافقون : ألا تعجبون ؟ يمنّيكم ويعدكم الباطل ، ويخبركم أنّه يبصر (٤) قصور الحيرة ، ومدائن كسرى ، وأنّها تفتح لكم ، وأنتم إنّما تحفرون الخندق من الفرق (٥) ، لا تستطيعون أن تبرزوا ، فنزلت [ الآية ](٦) .
ثمّ قرّر سبحانه سعة قدرته ، وأكّدها بقوله : ﴿إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ﴾ من إيتاء الملك ونزعه ، والإعزاز والإذلال ، وغيرها من الامور الممكنة ﴿قَدِيرٌ﴾ لا يتصوّر فيك عجز ولا قصور.
﴿تُولِجُ﴾ وتدخل ﴿اللَّيْلَ فِي النَّهارِ﴾ بتعقيبه إيّاه ، أو تنقيص الأوّل وزيادة الثّاني ، حتّى يصير النّهار خمس عشر ساعة ، واللّيل تسع ساعات (٧) ويمكن أن يكون تأويله ، إدخال ظلمة الكفر في نور الفطرة ﴿وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ﴾ بالتّعقيب ، أو الزّيادة والنّقصان ، بعكس الأوّل. ويمكن أن يكون من بطونه (٨)
__________________
(١) في تفسير روح البيان : عشرة.
(٢) أي لابتي المدينة ، مثنى لابة ، وهي الحرّة ، أي الأرض ذات الحجارة السّود ، والمدينة تقع بين لابتين.
(٣) زاد في تفسير روح البيان : جوف.
(٤) زاد في تفسير روح البيان : من يثرب.
(٥) أي الخوف.
(٦) تفسير روح البيان ٢ : ١٨.
(٧) في النسخة : آيات.
(٨) أي من بطون تفسير هذه الآية ، بمعنى التأويل.