وفيه : أنّه لا موقع لاستدعاء عدم تحميل التّكليف بغير المقدور ، بعد سؤال عدم تحميل الإصر الذي هو التّكاليف الشّاقة ، وإجابته منه تعالى.
إن قيل : إنّ المراد بالإصر البلايا والعقوبات.
قلنا : مضافا إلى أنّه خلاف المشهور بين المفسّرين ، وكثير من الروايات ، لا يمكن حمل ما لا يطاق على غير المقدور ؛ لحكم العقل بقبح التّكليف به ، فلا بدّ من حمله على غير المقدور العرفي ، وهو ما يكون فيه حرج ومشقّة.
وفي الرّواية المعراجيّة : « قال : فقال النبيّ صلىاللهعليهوآله : إذا أعطيتني ذلك فزدني ، قال : سل : قال : ﴿وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ﴾ قال تبارك اسمه : قد فعلت ذلك بك وبأمّتك ، وقد رفعت عنهم عظيم بلايا الامم ؛ وذلك حكمي في جميع الامم أن لا اكلّف خلقا فوق طاقتهم » (١) .
ثمّ أنّه تعالى بعد حكاية سؤال المؤمنين أهمّ حوائجهم في الدّنيا ، حكى عنهم سؤال أهمّ حوائجهم في الآخرة بقوله : ﴿وَاعْفُ عَنَّا﴾ ذنوبنا ﴿وَاغْفِرْ لَنا﴾ سيّئاتنا ﴿وَارْحَمْنا﴾
والفرق بين العفو والمغفرة والرّحمة ، أنّ العفو : هو التّجاوز عن عقوبة الذّنب. والمغفرة : هي ستر الذّنب أو مطلق السّتر ، ذنبا كان المستور أو نقصا وعيبا ، بحيث لا يطّلع عليه أحد. والرّحمة : هي التعطّف بإعطاء الثّواب ، أو بالأعمّ منه ومن دفع البلاء والمحن والكروب وأهوال القيامة.
ثمّ حكى ختمهم الدّعاء بأهمّ الحوائج بقوله : ﴿أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ﴾ وفيه دلالة على أنّ إعلاء كلمة الحقّ والجهاد في سبيل الله ، والغلبة على الكفّار ، والنّصرة على أعداء الدّين بالسّيف والحجّة ، غاية آمال المؤمنين.
ولمّا كان في الأدعية الثّلاثة الاول مقام إظهار غاية الضّراعة ، كان الأنسب توصيفه تعالى بصفة الرّبوبيّة ؛ لإشعارها بكمال ذلّة الدّاعي ، وتأثيرها في سرعة إجابة الدّعاء.
وأمّا في السؤال الرابع ؛ وهو طلب النّصرة على الكفّار ، فلمّا كان مقام الاستعانة والانتصار ، كان المناسب توصيفه تعالى بالمولويّة ، حيث إنّ المولى إن كان بمعنى النّاصر والمعين ، أو بمعنى المالك والسيّد ، فالمناسبة ظاهرة ، حيث إنّ من وظيفة السّيد والمالك أن يكون ناصرا لعبده وحافظا له ، وإن كان بمعنى متولّي الامور فيدخل فيه النّصرة على الأعداء.
__________________
(١) الاحتجاج : ٢٢٢ ، تفسير الصافي ١ : ٢٩١.