﴿كُلٌ﴾ منهم ببركة هداية ذلك الرّسول المكرّم ﴿آمَنَ بِاللهِ﴾ وبوحدانيّته وبصفاته الجلاليّة والجماليّة ، بحقيقة الإيمان ، وصميم القلب ، كما قال سيّدهم وأميرهم (١) : « لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا » (٢) .
ثمّ أنّه تعالى عند تفصيل العقائد المعتبرة في الإيمان ومدح المؤمنين بها ، قدّم الإيمان بالملائكة والكتب في الذكر على الإيمان بالرّسل بقوله : ﴿وَمَلائِكَتِهِ﴾ من حيث إنّهم عباد مكرمون له ، لا يسبقونه بالقول ، وهم بأمره يعملون ، ومن شأنهم التّوسط بينه تعالى وبين الرسل بإنزال الكتب وإلقاء الوحي ﴿وَكُتُبِهِ﴾ المنزلة لهداية الخلق وإقامتهم بالقسط ﴿وَرُسُلِهِ﴾ المبعوثين من قبله تعالى ، لتربية النّفوس ، وإتمام الحجّة ، وتبيين الأحكام.
مع أنّ الرّسل أرفع شأنا من الملائكة ، بمقتضى الرّوايات المتضافرة ، بل المؤمنون أكرم عند الله منهم ؛ لأنّ الملائكة وسائط الوحي ، والكتب منشور الله ووحيه ، فترتيب النّظم مقتضي لتقديم المرسل ، ثمّ واسطة الإرسال ، ثمّ الرّسالة والمرسول ، ثمّ المرسل إليه.
وأمّا تغيير الاسلوب بإضافة إيمان الرّسول إلى ما انزل إليه - مع كون الإيمان بالملائكة والكتب والرّسل داخلا فيه بنحو الإجمال ، وذكر التّفصيل في إيمان المؤمنين - فإنّما هو لتعظيم الرّسول وتشريفه ، بحيث ينبغي أن يقال في التّعبير : الملائكة والرّسل آمنوا بالرّسول ، فتعظيمه صلوات الله عليه اقتضى الاكتفاء في بيان ما آمن به بذلك الإجمال الذي يعلم تفصيله من تفصيل ما آمن به المؤمنون بذلك الرّسول.
ثمّ بعد وصف المؤمنين من حيث العقائد والمعارف ، وصفهم من حيث المقال بأنّهم قائلون : نحن ﴿لا نُفَرِّقُ﴾ ولا نميّز ﴿بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ﴾ من حيث الإيمان والكفر ، والتّصديق والتّكذيب ، ولا نقول كما قال اليهود : نؤمن ببعض ونكفر ببعض ﴿وَقالُوا﴾ إظهارا للانقياد لأحكام الله : ربّنا ﴿سَمِعْنا﴾ نداء منادي الإيمان ، وتلاوة آيات القرآن ، وفهمنا ما جاءنا من الحقّ والأحكام ﴿وَأَطَعْنا﴾ أوامرك ونواهيك ، وأجبنا ذلك المنادي بالإيمان والانقياد والطّاعة ، فإذن نسأل ﴿غُفْرانَكَ﴾ خطايانا وذنوبنا يا ﴿رَبَّنا﴾ ومالك أمرنا اللّطيف بنا ، فإنّك مرجعنا في القيامة ﴿وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ والمنقلب بعد الموت ، وعند الحشر.
قيل : لمّا نزلت الآية قال جبرئيل للرّسول صلىاللهعليهوآله : إنّ الله قد أثنى عليك وعلى امّتك ، فسل تعط ، فقال
__________________
(١) أي أمير المؤمنين علي عليهالسلام.
(٢) مناقب ابن شهر آشوب ٢ : ٣٨ ، بحار الأنوار ٦٩ : ٢٠٩.