يتيم ، وسألوا رسول الله صلىاللهعليهوآله في إخراجهم » (١) .
قيل : كان سبب ذلك أنّ النّاس في الجاهليّة كانوا قد اعتادوا الانتفاع بأموال اليتامى ، وربّما تزوّجوا باليتيمة طمعا في مالها ، ثمّ لمّا نهى الله تعالى عن مقاربة مالهم وحرمة أكله ، وهدّد وشدّد عليه ، ترك المؤمنون (٢) مخالطة اليتامى والمقاربة من أموالهم ، والقيام بامورهم ، فعند ذلك اختلّت مصالح اليتامى وساءت معايشهم (٣) ، فثقل ذلك على النّاس (٤) .
روي : لمّا نزلت الآيات اعتزلوا أموال اليتامى واجتنبوا مخالطتهم في كلّ شيء حتّى كانوا يضعون لليتيم طعاما فيفضل منه شيء فيتركونه ولا يأكلونه حتّى يفسد ، وكان صاحب اليتيم يفرد له منزلا وطعاما وشرابا ، فعظم ذلك على ضعفاء المسلمين ، فقال عبد الله بن رواحة : يا رسول الله ، مالكلنا منازل تسكنها الأيتام ، ولا كلّنا يجد طعاما وشرابا يفردهما لليتيم (٥) . فنزلت ﴿قُلْ﴾ يا محمّد ﴿إِصْلاحٌ لَهُمْ﴾ ومداخلتهم على نحو يكون فيها صلاح حالهم وأموالهم ﴿خَيْرٌ﴾ لكم ولليتامى من إخراجهم ومجانبتهم.
﴿وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ﴾ وتعاشروهم وتتصرّفوا في أموالهم بجهة الإصلاح والاسترباح لهم ﴿فَإِخْوانُكُمْ﴾ في الدين.
ومن المعلوم أنّ علاقة الاخوّة الدينيّة أقوى من علاقة الاخوة النّسبيّة ، وحقّ الاخوّة رعاية صلاح الأخ والسّعي في إيصال النّفع إليه وحسن المخالطة والعشرة معه.
﴿وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ﴾ لمال اليتامى ، وغيره ﴿مِنَ الْمُصْلِحِ﴾ له إذ هو وليّ اليتيم ، فعليه أن يطالب المفسد ويجازيه على إفساده ، ويشكر المصلح ويثيبه على إصلاحه.
عن ( الكافي ) عن الصادق عليهالسلام أنّه قيل له : إنّا ندخل على أخ لنا في بيت أيتام ومعهم خادم [ لهم ] ، فنقعد على بساطهم ونشرب من مائهم ويخدمنا خادمهم ، وربّما طعمنا فيه الطّعام من عند صاحبنا وفيه من طعامهم ، فما ترى في ذلك ؟ فقال : « إن كان في دخولكم عليهم منفعة لهم فلا بأس ، وإن كان فيه ضرر فلا » .
__________________
(١) تفسير القمي ١ : ٧٢.
(٢) في تفسير الرازي : القوم.
(٣) في تفسير الرازي : معيشتهم.
(٤) تفسير الرازي ٦ : ٥٠.
(٥) تفسير الرازي ٦ : ٥١.