فضجّت قريش وقالوا : قد استحلّ محمّد الشّهر الحرام ، شهرا يأمن فيه الخائف ، فيسفك فيه الدّماء ، والمسلمون أيضا قد استبعدوا ذلك ، فقال صلىاللهعليهوآله : « إني ما أمرتكم بالقتال في الشهر الحرام » .
فقال عبد الله بن جحش : يا رسول الله ، إنّا قتلنا ابن الحضرمي ، ثمّ أمسينا فنظرنا إلى هلال رجب ، فلا ندري أفي رجب أصبناه أم [ في ] جمادى. فوقّف رسول الله صلىاللهعليهوآله العير والاسارى فنزلت [ هذه الآية ] ، فأخذ رسول الله صلىاللهعليهوآله الغنيمة (١) .
وعن القمّي رحمهالله في رواية : فكتبت قريش إلى النبيّ صلىاللهعليهوآله : إنّك استحللت الشّهر الحرام ، وسفكت فيه الدّم ، وأخذت المال. وكثر القول في هذا. قال الصحابة : يا رسول الله ، أيحلّ القتل في الشّهر الحرام ؟ فنزلت (٢) .
وعن ابن عبّاس [ أنّه ] قال : ما رأيت قوما كانوا خيرا من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله ما سألوه إلّا عن ثلاث عشرة مسألة حتّى قبض ، كلّهنّ في القرآن ، منها ﴿يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ﴾(٣) أي عن قتال فيه.
وقيل : سأل الكفّار عن هذا حتّى لو أخبرهم بأنّه حلال فتكوا به وأستحلّوا قتاله فيه (٤) ، فأجابهم الله بقوله : ﴿قُلْ﴾ لهم يا محمّد : ﴿قِتالٍ فِيهِ﴾ أيّ قتال كان هو إثم ﴿كَبِيرٌ﴾ وذنب عظيم.
وقيل : إنّ تنكير القتال في الجواب لإظهار أنّ القتال الذي هو إثم كبير ليس قتال عبد الله بن جحش الذي كان لاشتباه الشّهر ، أو لنصرة الإسلام وإذلال الكفر أو للدّفاع ، بل قتال آخر ، وهو القتال الذي فيه هدم الإسلام ، أو سائر الأغراض الفاسدة (٥) . ﴿وَصَدٌّ﴾ مخصوص ﴿عَنْ سَبِيلِ اللهِ﴾ وهو منع النّاس عن الإيمان بالله ، أو منع المسلمين من أن يهاجروا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله ، أو منعهم عن العمرة عام الحديبية ، وعلى هذا الاحتمال يكون إخبارا بما وقع بعد مدّة ﴿وَكُفْرٌ بِهِ﴾ أي بالله.
وقيل : المراد : الكفر بأنّه مرسل الرّسول وكونه مستحقّا للعبادة وقادرا على البعث (٦) .
﴿وَ﴾ صدّ عن ﴿الْمَسْجِدِ الْحَرامِ﴾ بناء على أن يكون عطفا على سبيل الله ، أو المراد : والكفر بالمسجد الحرام ، بناء على كونه عطفا على الضّمير المجرور قبله. والمراد من الكفر بالمسجد : منع المسلمين عن الصّلاة فيه وزيارة البيت والطّواف به ﴿وَإِخْراجُ أَهْلِهِ﴾ وهم الرّسول والمؤمنون
__________________
(١) تفسير الرازي ٦ : ٢٩.
(٢) تفسير القمي ١ : ٧٢.
(٣) تفسير الرازي ٦ : ٣٠.
(٤) تفسير الرازي ٦ : ٣٠.
(٥) تفسير الرازي ٦ : ٣١.
(٦) تفسير الرازي ٦ : ٣٤.