ثمّ أنّه تعالى لمّا حكى عن بعض النّاس مضادّة الإسلام ، وعن بعض الخلوص فيه ، أمر كلّهم بالانقياد ، بقوله : ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ﴾ والطّاعة ، والانقياد لله ورسوله ﴿كَافَّةً﴾ وجميعها. أو المراد : التزموا أحكام الإسلام بألسنتكم وقلوبكم جميعا ﴿وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ﴾ بالتفرّق والتّفريق ، أو بمخالفة ما امرتم به.
قيل : نزلت في طائفة من مسلمي أهل الكتاب ، كعبد الله بن سلّام وأصحابه ، وذلك لأنّهم حين آمنوا بالنّبيّ صلىاللهعليهوآله أقاموا بعده على تعظيم شرائع موسى عليهالسلام فعظّموا السّبت ، وكرهوا لحوم الإبل وألبانها ، وكانوا يقولون : ترك هذه الأشياء مباح في الإسلام وواجب في التّوراة ، فنحن نتركها احتياطا ، فكره الله ذلك منهم وأمرهم أن يدخلوا في السّلم كافّة ، أي في كافة شرائع الاسلام (١) .
وعن ( تفسير الإمام عليهالسلام ) : « [ يعني ] في السّلام (٢) والمسالمة إلى دين الإسلام ﴿كَافَّةً﴾ جماعة (٣) فيه ، وادخلوا في جميع الإسلام ، فتقبّلوه واعملوا به ، ولا تكونوا ممّن يقبل بعضه ويعمل به ، ويأبى بعضه ويهجره. ومنه الدّخول في ولاية علي عليهالسلام فإنّه كالدّخول في نبوّة رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فإنّه لا يكون مسلما من قال إنّ محمّدا رسول الله ، ولم يعترف بأنّ عليّا وصيّه وخليفته وخير امّته. ﴿خُطُواتِ الشَّيْطانِ﴾ ما يتخطّى بكم إليه من طرق الغيّ والضلالة ، ويأمركم [ به ] من ارتكاب الآثام والموبقات » (٤) .
وعن ( العيّاشيّ ) : عن الصادق عليهالسلام : « ولاية عليّ عليهالسلام والأئمّة الأوصياء من بعده ، وخطوات الشّيطان : ولاية فلان وفلان (٥) » . وفي رواية : « الثّاني والأوّل » (٦) .
عن النّبيّ صلىاللهعليهوآله قال : « إنّ الله تعالى أظهر الشكاية من امّتي ، وقال : إنّي طردت الشّيطان لأجلهم ، [ فهم ] يعصونني ويطيعون الشّيطان » (٧) .
واعلموا ﴿إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ ظاهر العداوة ﴿فَإِنْ زَلَلْتُمْ﴾ وأخطأتم الحقّ ، وكففتم أنفسكم عن الدّخول في السّلم ﴿مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ﴾ الآيات ﴿الْبَيِّناتُ﴾ والحجج الظاهرات ، على أنّ ما دعيتم إليه حقّ ﴿فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ﴾ غالب لا يعجز عن الانتقام ، ولا يمنع عن مراده شيء ، لكمال قدرته ،
__________________
(١) تفسير الرازي ٥ : ٢٠٧.
(٢) في المصدر : السلم.
(٣) زاد في المصدر : ادخلوا.
(٤) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليهالسلام : ٦٢٦ / ٣٦٦.
(٥) تفسير العياشي ١ : ٢١٣ / ٣٩٨.
(٦) تفسير العياشي ١ : ٢١٤ / ٤٠٣.
(٧) تفسير روح البيان ١ : ٣٢٦.