مبلغهم من العلم ، مع أنّ مقتضى الإيمان الإعراض عن الدّنيا وما فيها ، والسّعي في تحصيل النعم الباقية والرّاحة الدّائمة ، فلا يطلب المؤمن من الدنيا إلّا مقدارا يكون له وسيلة إلى نيل السّعادة الاخرويّة ، ولذا قال تعالى : ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا﴾ وهب لنا ﴿فِي الدُّنْيا حَسَنَةً﴾ وهي كلّ ما فيه السّعادة الدنيويّة ، وهي : روحانيّة وجسمانية داخليّة وخارجية.
في أنّ السعادة الدنيوية روحانية وجسمانية
أمّا السّعادة الروحانيّة : فكمال القوّة النّظريّة بالعلم ، وكمال القوّة العملية بالأخلاق الجميلة الفاضلة ، فإنّهما زينة المرء في الدّارين ، وأمّا السّعادة الجسمانيّة الداخليّة :
وهي السّعادة البدنيّة من الصحّة والجمال.
وأمّا السّعادة الخارجيّة فهي : المال والجاه والأقارب والأولاد ، وهذه السّعادات كما أنّها حظوظ في الدنيا [ فهي ] مقدّمات ووسائل لتحصيل حظوظ الآخرة.
والظاهر أنّ المراد من الحسنة جميع ما له نفع في الآخرة ، وليس حبّها وطلبها من حبّ الدنيا وطلبها ، بل عين حبّ الآخرة.
عن ابن عبّاس : أنّ رجلا دعا ربّه فقال : ربّنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النّار.
فقال النبيّ صلىاللهعليهوآله : « ما أعلم أنّ هذا الرجل سأل شيئا من أمر الدنيا » .
فقال بعض الصّحابة : بلى يا رسول الله ، [ إنه ] قال : ربّنا آتنا في الدنيا حسنة ! فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « إنّه يقول : آتنا في الدنيا عملا صالحا » (١) .
وعن الصادق عليهالسلام في رواية : « السّعة في الرّزق [ والمعاش ] وحسن الخلق في الدنيا » (٢) .
وعن أمير المؤمنين عليهالسلام : « [ أنّ الحسنة ] في الدنيا المرأة الصالحة » (٣) .
وقيل : إنّ المراد بالحسنة العلم والعبادة (٤) . والظاهر أنّ جميع المذكورات أنواعها ، والجامع ما ذكرنا ، وهو جميع ما يكون له نفع في الآخرة ، وما يكون معينا على تحصيلها.
ثمّ أنّه لإظهار شدّة الاهتمام بالآخرة ، وأنّها المطلوب النّفسيّ ، خصّ نعمها أوّلا بالذّكر صريحا ، بقوله : ﴿وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً﴾ وهي الثّواب والرّحمة (٥) . وعن أمير المؤمنين عليهالسلام : « هي الحوراء » (٦) .
__________________
(١) تفسير الرازي ٥ : ١٨٩.
(٢) مجمع البيان ٢ : ٥٣٠ ، تفسير الصافي ١ : ٢١٧.
(٣) تفسير روح البيان ١ : ٣١٩ ، تفسير الصافي ١ : ٢١٧.
(٤) تفسير الصافي ١ : ٢١٧.
(٥) تفسير روح البيان ١ : ٣١٩.
(٦) تفسير روح البيان ١ : ٣١٩ ، تفسير الصافي ١ : ٢١٧.