والدين لتأذّى واستنكف ، ومع ذلك يثبت لنفسه آلهة ، والحال أنّ المبالغة في التّوحيد أولى (١) .
وقيل : إنّ المراد أنّ الطّفل كما يرجع إلى أبيه في طلب المهمّات ، ويكون ذاكرا له بالتّعظيم ، فكونوا أنتم كذلك في ذكر الله (٢) .
وروي عن ابن عبّاس أنّه قال في تفسير الآية : هو أن تغضب له لو عصي أشدّ من غضبك لوالدك إذا ذكر بسوء (٣) .
وحاصل جميع الوجوه أنّه يجب على العبد أن يكون دائم الذكّر ، ودائم التّعظيم ، ودائم الرّجوع إلى ربّه ، ودائم الانقطاع عمّن سواه.
قيل : معنى ﴿أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً﴾ بل أشدّ ذكرا ، لأنّ موجبات ذكر آبائهم قليلة ، وصفات الله الكماليّة وحقوقه على عباده غير متناهية (٤) .
ثمّ أنّه لمّا كان ينبغي للعبد بعد أداء مناسك الحجّ - الذي به تنكسر النفس وترفع عنها غواشي الشّهوات ، وتوجّهه إليه بذكره الذي به تنجلي في القلوب أنوار عظمته وإشراقات جلاله - أن يشتغل بالدّعاء والطّلب للمهمّات ، ولذا بيّن الله تعالى اختلاف همم النّاس بقوله : ﴿فَمِنَ النَّاسِ﴾ الذين يشهدون هذا الموقف العظيم الذي تستجاب فيه الدّعوات ﴿مَنْ يَقُولُ﴾ في مقام الدّعاء افتتانا بلذّات الدنيا ، ونسيانا للآخرة ونعيمها ﴿رَبَّنا آتِنا﴾ نصيبنا ، وأعطنا حظّنا ﴿فِي الدُّنْيا﴾ من الجاه ، والغنى ، بدلا من الآخرة.
ويجيب الله مسؤوله إن شاء ﴿وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ﴾ ونصيب من كرامة الله ورحمته وثوابه ، لأنّ همّه كان مقصورا على الدنيا الدنيّة الزائلة ولذائذها الفانية ، وأعرض عن النّعم الدائمة الباقية لقصور العقل ، وعدم اليقين بالمعاد.
عن ابن عبّاس : أنّ المشركين كانوا يقولون ، إذا وقفوا : اللهمّ ارزقنا ابلا وغنما وبقرا وعبيدا وإماء ، وكانوا لا يطلبون التّوبة والمغفرة لأنّهم كانوا ينكرون البعث والمعاد (٥) .
أقول : وذلك جار في حقّ بعض المؤمنين الّذين يكون همّهم في الدنيا ، ويعملون لها ، وذلك
__________________
(١) تفسير الرازي ٥ : ١٨٥.
(٢) تفسير الرازي ٥ : ١٨٥.
(٣) تفسير الرازي ٥ : ١٨٥.
(٤) تفسير الرازي ٥ : ١٨٦.
(٥) تفسير الرازي ٥ : ١٨٧.