الأنعام ، وزاد سبحانه في هذا المعنى بأن أمر جبرئيل بإملائه على السفرة الكرام وإنساخهم إيّاه وتلاوتهم له.
وفيه أيضا التسوية بين نبيّنا صلىاللهعليهوآله وبين موسى بن عمران وعيسى بن مريم عليهماالسلام في إنزاله كتابه جملة كما أنزل كتابيهما جملتين ، والتفضيل لمحمّد صلىاللهعليهوآله في إنزاله عليه منجّما لحكم كثيرة لا يعلمها إلّا الله.
أقول : يمكن أن يكون السّرّ تكميل عالم الملكوت ووجود الرّوحانيّين بإيجاد الكتاب الكريم فيهم ، وتقريره أن يقال : المراد من إنزاله إلى سماء الدنيا أو إلى البيت المعمور هو إبداعه تعالى وإيجاده كتابه الكريم بوجوده الجوهري وصورته النوريّة في ملكوت السّماء وعالم الأنوار ، بعد وجوده في مكنون علمه المعبّر عنه بالعرش تارة وباللّوح المحفوظ أخرى.
ولمّا كان وجود خاتم النبيّين صلىاللهعليهوآله رحمة للعالمين ، حصل ببركته استعداد الكمال لجميع العوالم الملكيّة والملكوتيّة ، وكما كان للكتاب العظيم تأثير عظيم بوجوده اللّفظي والكتبي في تكميل النفوس المستعدّة في عالم الملك ، كان لوجوده الجوهريّ النّوريّ في عالم الملكوت تأثير في تكميل وجود الذوات المستعدّة الملكوتية والملكيّة ، وبحصول مرتبة من الكمال الوجودي لعالم الوجود صار مستحقّا لتزيينه بوجود خاتم النبيّين ، وتكميله ببعثته ، فشملته هذه الرّحمة العظيمة ، وبعثه الله فيه.
ثمّ بعد هذا الفيض حصل له استعداد قبول فيض آخر ، واستحقاق رحمة أتمّ من إنزال كتابه الكريم الذي هو تجلّي صفاته التامّة في العوالم ، وكان إيجاد الكتاب الكريم في عالم الملكوت تكميل الرحمة على جميع الموجودات الملكيّة والملكوتيّة ببركة وجود نبيّ الرحمة صلىاللهعليهوآله وإرساله رحمة للعالمين.
ولعلّ هذا الوجه الذي ذكرناه ، أوجه في الواقع ، وأقرب إلى الأذهان من الوجه الذي ذكره الفيض رحمهالله في مقدّمات ( الصافي ) فإنّه بعد نقل الرّوايات الدالّة على نزول القرآن جملة إلى البيت المعمور في ليلة القدر ؛ قال : كأنّه أريد به نزول معناه على قلب النبي صلىاللهعليهوآله كما قال الله تعالى : ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلى قَلْبِكَ﴾(١) ثمّ نزل في طول عشرين سنة نجوما من باطن قلبه إلى ظاهر لسانه
__________________
(١) الشعراء : ٢٦ / ١٩٣ و١٩٤.