على رؤوس الأشهاد.
﴿ثُمَّ أَنْتُمْ﴾ أيّها اليهود الحاضرون ﴿هؤُلاءِ﴾ الملتزمون بميثاق الله وعهده المؤكّد ، المقرّون به ، الشاهدون عليه ، والآن نقضتموه لخبثكم وطغيانكم ، حيث إنكم ﴿تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ﴾ وتهرقون دماء بعضكم في الحروب مع أنّها كدمائكم ﴿وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ﴾ قهرا عليهم و﴿تَظاهَرُونَ﴾ أنتم وأعداؤهم من المشركين ، أو أنتم أنفسكم تتعاونون ﴿عَلَيْهِمْ﴾ متلبّسين ﴿بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ﴾ من القتل والإخراج ، وفيه دلالة على حرمة الإعانة على الظلم والعصيان.
﴿وَإِنْ﴾ كان الفريق المخرجون ﴿يَأْتُوكُمْ﴾ بأن جاء بهم الأعداء إليكم ، حال كونهم ﴿أُسارى﴾ ومشدودين بقيد الأعداء ﴿تُفادُوهُمْ﴾ وتعطوا العوض عنهم من أموالكم لتخلّصوهم من الأسر ﴿وَهُوَ﴾ أي الشأن أو الإخراج ﴿مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ﴾ تبيين لمرجع ضمير الشّأن والقصّة ، أو تأكيد له.
ثمّ أنكر عليهم بقوله : ﴿أَ فَتُؤْمِنُونَ﴾ أيّها اليهود ﴿بِبَعْضِ الْكِتابِ﴾ من وجوب التّفدية ، وتعملون به ﴿وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ﴾ آخر من حرمة القتل والإخراج ، مع أنّ قضيّة الإيمان بالكتاب ، الإيمان بكلّه ، لأنّ كلّه من عند الله ﴿فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ﴾ التبعيض في الإيمان والكفر بالكتاب ﴿مِنْكُمْ﴾ يا معشر اليهود ﴿إِلَّا خِزْيٌ﴾ وذلّ مع الفضيحة ﴿فِي الْحَياةِ الدُّنْيا﴾ من القتل والأسر والإجلاء [ عن ] الوطن وضرب الجزية عليهم.
نقل أنّ الله أخذ على بني إسرائيل في التّوراة أ ، لا يقتل بعضهم بعضا ، ولا يخرج بعضهم بعضا من ديارهم ، وأيّما عبد أو أمة وجدتموه من بني إسرائيل فاشتروه وأعتقوه ، وكانت قريظة والنّضير أخوين ، وكذا الأوس والخزرج ، وهم أهل شرك يعبدون الأصنام ولا يعرفون القيامة والجنّة والنّار والحلال والحرام ، فافترقوا في حرب شمر ، ووقعت بينهم عداوة ، فكانت بنو قريظة معينة للأوس وحلفائهم ، والنّضير معينة للخزرج وحلفائهم ، فكانوا إذا خرجت الأوس والخزرج للقتال خرجت بنو قريظة مع أوس ، والنّضير مع خزرج ، فظاهروا حلفاءهم. وإذا غلبوا خرّبوا ديارهم ، فإذا انقضت الحرب افتدت قريظة ما كان في أيدي خزرج منهم ، وافتدت النّظير ما كان في أيدي الأوس منهم من الاسارى. فعيّرتهم العرب بذلك ، فقالوا : كيف تقتلونهم وتفادونهم ؟ ! قالوا : امرنا أن نفديهم ، وحرّم