عوامّ اليهود إلّا كعوامّنا يقلّدون علماءهم ؟ فإن لم يجز لاولئك القبول من علمائهم ، لم يجز لهؤلاء القبول من علمائهم.
فقال عليهالسلام : « بين عوامّنا وعلمائنا ، وبين عوامّ اليهود وعلمائهم فرق من جهة ، وتسوية من جهة. أمّا من حيث استووا فإنّ الله قد ذمّ عوامّنا بتقليدهم علماءهم كما ذمّ عوامّهم ، وأمّا من حيث افترقوا ، فلا » .
قال : بيّن لي ذلك يابن رسول الله.
قال عليهالسلام : « إنّ عوام اليهود كانوا قد عرفوا علماءهم بالكذب الصّراح وبأكل الحرام والرّشا وتغيير الأحكام عن واجبها بالشّفاعات والعنايات والمصانعات ، وعرفوهم بالتعصّب الشديد الذي يفارقون به إيمانهم (١) ، وإنّهم إذا تعصّبوا أزالوا حقوق من تعصّبوا عليه ، وأعطوا ما لا يستحقّه من تعصّبوا له من أموال غيرهم ، وظلموهم من أجلهم ، وعرفوهم [ بأنّهم ] يقارفون المحرّمات ، واضطرّوا بمعارف قلوبهم إلى أنّ من فعل ما يفعلونه فهو فاسق لا يجوز أن يصدّق على الله ولا على الوسائط بين الخلق وبين الله.
فكذلك ذمّهم لما قلّدوا من قد عرفوا ومن قد علموا أنّه لا يجوز قبول خبره ولا تصديقه في حكايته ولا العمل بما يؤدّيه إليهم عمّن لم يشاهدوه ، ووجب عليهم النّظر بأنفسهم في [ أمر ] رسول الله صلىاللهعليهوآله إذ كانت دلائله أوضح من أن تخفى وأشهر من أن لا تظهر لهم » (٢) إلى آخره.
فإن قيل : كيف أمر الله أهل الكتاب في مقام المحاجّة عليهم بالسؤال عن علمائهم بقوله في غير موضع من كتابه : ﴿فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾(٣) مع كون علمائهم معاندين للحقّ ، محرّفين للكتاب ؟
قلت : لم يكن جميعهم بهذه الأوصاف ، بل أغلبهم كانوا كذلك ، وأمّا الأمر بالسؤال في الاحتجاج ، فإنّما هو عن المأمونين عن الكذب ، المعروفين عندهم بالصّلاح والسّداد.
إن قيل : إنّ السؤال منهم ليس إلّا التّقليد المفيد للظّنّ الذي لا يغني في الاصول ، بل هو محرّم إجماعا ؟
قلت : إنّما السؤال المأمور به هو ما يكون مقدّمة لحصول العلم واليقين ، فإنّه لا شبهة أنّ إخبار
__________________
(١) في تفسير العسكري عليهالسلام : أديانهم.
(٢) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليهالسلام : ٢٩٩ / ١٤٣.
(٣) الأنبياء : ٢١ / ٧.