حقّ ، والانقياد لكلّ خير.
﴿مِنْ بَعْدِ ذلِكَ﴾ المذكور من إحياء الميّت ، ومسخ القردة ، ورفع الجبل ، وغيرها من الآيات في زمن موسى عليهالسلام والمرئيّ من المعجزات الباهرات من محمّد صلىاللهعليهوآله.
﴿فَهِيَ﴾ في الغلظة واليبوسة ﴿كَالْحِجارَةِ﴾ لا يرجى منها خير ، ولا يترشّح منها نفع ﴿أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً﴾ وغلظة ، ولعلّ الإبهام على السامعين لاختلاف قلوبهم في القساوة ، أو لأنّ الحكم بعد التّرديد والتبيين بهذا الإبهام أشدّ تأثيرا في قبول السّامع ، فكأنّه قال : أحكم بأنّ قلوبهم أشّد قسوه.
قيل : هذا التعبير أدلّ على فرط القسوة من التعبير بأنّ قلوبهم أقسى (١) .
ثمّ أنّه سبحانه علّل حكمه بكون قلوبهم أشدّ قساوة وأصلب ، بأنّ للحجارة منافع متعدّدة بخلاف قلوبهم ، وذكر أوّلها بقوله : ﴿وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ﴾ وينفتح منه الماء الكثير الذي فيه كلّ خير من حياة الحيوان والنّبات.
وذكر ثانيها بقوله : ﴿وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ﴾ القليل ، ولا يرجى من قلوبكم الخير الكثير ولا القليل.
﴿وَإِنَّ مِنْها﴾ أي من الحجارة ، إذا اقسم عليها باسم الله ﴿لَما يَهْبِطُ﴾ وينزل من العالي إلى السّافل ﴿مِنْ خَشْيَةِ اللهِ﴾ وخوفه ، وقلب الكفّار مع شعور الانسانيّة لا يتأثّر بالخوف من الله وعقابه ، مع الإبلاغ في الإنذار والوعظ والتوعيد والتهديد من الله ورسوله ، كما قال تعالى : ﴿لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ﴾(٢) .
في أنّ الوجود ملازم للشّعور ، ولكلّ موجود شعور وخشية وتسبيح وتحميد
والظاهر من هذه الآية وعدّة آيات اخر ، وكثير من الرّوايات ، كرواية تسبيح الحصاة في كفّ النبيّ صلىاللهعليهوآله وتسليم الجمادات عليه (٣) ، وحنين الجذع ، أنّ للجمادات مرتبة من الشّعور والإدراك والخوف من الله وعقابه ، بل لكلّ خضوع وتسبيح وانقياد لله ، ومعرفة واعتراف به وبأوليائه ، وقد مرّ أنّه لا يبعد عند العقل أن يكون الوجود ملازما للإدراك ، كما نرى في كثير من النباتات.
والحاصل : أنّ مراتب الإدراك تختلف باختلاف مراتب الوجود ، كلّما قوي قوي ، وكلّما ضعف
__________________
(١) تفسير روح البيان ١ : ١٦٤.
(٢) الحشر : ٥٩ / ٢١.
(٣) الخرائج والجرائح ١ : ٤٦ - ٤٧ / ٥٨ و٥٩ و٦٠ ، البداية والنهاية ٦ : ١٣٨.