ثمّ ذمّهم سبحانه بغاية العصيان والتمرّد بقوله : ﴿وَ﴾ اذكروا ﴿إِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ﴾ والعهد الوثيق منكم أن تعملوا بالتّوراة التي أعطيتها موسى عليهالسلام فأبيتم قبول ذلك ﴿وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ﴾
قيل : أمر الله جبرئيل أن يقلع قطعة من جبل فلسطين ، فرسخا في فرسخ على قدر عسكر بني إسرائيل ، فقطعها وجاء بها فرفعها فوق رؤسهم.
وقيل : الطّور : هو الجبل المعروف الذي ناجى موسى عليهالسلام عليه ربّه ، فقال لهم موسى : ﴿خُذُوا ما آتَيْناكُمْ﴾ من التّوراة ﴿بِقُوَّةٍ﴾ وبجدّ وعزيمة.
عن ( المحاسن ) : عن الصادق عليهالسلام أنّه سئل عن هذه الآية ، بقوّة في الأبدان أم بقوّة القلوب ؟ فقال : « فيهما جميعا » (١) .
ونقل أنّه قال لهم موسى عليهالسلام : إمّا أن تأخذوا بما امرتم به فيه ، وإمّا أن القي عليكم هذا الجبل. فألجئوا إلى قبوله كارهين إلّا من عصمه الله عن العناد ، فإنّه قبله طائعا مختارا ، ثمّ لمّا قبلوه سجدوا وعفّروا ، وكثير منهم عفّر خدّيه لا لإرادة الخضوع لله ، ولكن ينظر إلى الجبل هل يقع أم لا (٢) .
قيل : إنّ موسى جاءهم بالألواح فرأوا ما فيها من الأخبار (٣) والتكاليف الشّاقّة ، فكبرت عليهم وأبوا قبولها ، وكان ذلك بعد النّجاة من الغرق وقبل التّيه ، فأمر جبرئيل فقطع الطّور من أصله ورفعه وظلّله فوقهم ، وقال لهم موسى : إن قبلتم وإلّا القي عليكم ، فلمّا رأوا أن لا مهرب لهم منها قبلوا وسجدوا ، وجعلوا يلاحظون الجبل وهم سجود لئلّا ينزل عليهم ، فصارت عادة [ في ] اليهود لا يسجدون إلّا على أنصاف وجوههم (٤) .
وقد منّ الله على امّة محمّد صلىاللهعليهوآله أن حمل عليهم فرضا بعد فرض ، ولم يفرض عليهم جملة ، فإذا استقرّ في قلوبهم فرض عليهم الفرض الآخر ، وأمّا بنو إسرائيل فقد فرض الفرائض عليهم دفعة واحدة ، فشقّ عليهم فلم يقبلوا.
قال بعض : إنّ هذا غير جائز ، لأنّه يجري مجرى الإلجاء بالإيمان ، وهو ينافي التكليف.
قلنا : الإلجاء الذي يوجب سلب الإرادة والاختيار ينافي التّكليف ، وهذا الإلجاء غير موجب لسلب
__________________
(١) المحاسن : ٢٦١ / ٣١٩.
(٢) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليهالسلام : ٢٦٦ / ١٣٤ ، تفسير الصافي ١ : ١٢٤.
(٣) في تفسير روح البيان : الآصار.
(٤) تفسير روح البيان ١ : ١٥٤.