المستوقد باعتبار لفظه ، وجمع سائر الضمّائر الراجعة إليه باعتبار معناه ، حيث إنّه جنس صادق على كثيرين.
عن ابن بابويه رحمهالله : بإسناده ، عن إبراهيم بن أبي محمود ، قال : سألت أبا الحسن الرّضا عليهالسلام عن قول الله تعالى : ﴿وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ﴾ فقال : « إنّ الله لا يوصف بالترك كما يوصف خلقه ، ولكنّه متى علم أنّهم لا يرجعون عن الكفر والضلال ، منعهم المعاونة واللّطف ، وخلّى بينهم وبين اختيارهم » (١) .
أقول : لعلّ المراد أنّ الترك بمعنى العدم لا ينسب إلى الله تعالى ، فهو هنا بمعنى الكفّ والمنع الذي هو فعل وجوديّ قابل لأن يتّصف الله به.
ثمّ بالغ سبحانه في تبيين غاية ضلالة المنافقين ، بقوله : ﴿صُمٌ﴾ منسدّو المسامع ، لا يسمعون المواعظ وآيات القرآن وبراهين الحقّ ﴿بُكْمٌ﴾ خرس الألسن ، لا ينطقون بالحق ، ولا يقرّون به ﴿عُمْيٌ﴾ فاقدو الأبصار ، لا ينظرون إلى المعجزات والعبر التي تؤدّيهم إلى الهداية ، ولا بصيرة لهم حتّى يميّزوا الحقّ من الباطل ، ولذا يحشرون في الآخرة عميا [ وبكما وصمّا ] كما قال تعالى : ﴿وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا﴾(٢) .
﴿فَهُمْ﴾ لاتّصافهم بهذه الصّفات ﴿لا يَرْجِعُونَ﴾ ولا ينصرفون من طريق الضّلالة إلى سبيل الهداية ، مع كونهم بحسب الخلقة والفطرة قادرين على الرّجوع ، ولكن لمّا ضيّعوا فطرتهم وأفسدوا عقولهم صار في حقّهم ممتنعا بالاختيار في الدنيا ، وإن كانوا لا محالة يرجعون إليه في الآخرة ولا ينفعهم.
قال بعض العارفين : العجب كلّ العجب ممّن يهرب ممّا لا انفكاك عنه ، وهو مولاه الذي منّ عليه بكلّ خير وأولاه ، ويطلب ما لا بقاء له معه ، وهو ما يوافق النفس من شهوته وهواه (٣) ، ويعرض عن الآخرة وهي الدّار الباقية.
ثمّ بالغ سبحانه وتعالى في توضيح حال المنافقين وشدّة إعراضهم عن الحقّ بضرب مثل آخر أبلغ
__________________
(١) تفسير القمي ١ : ٣٤.
(٢) في النسخة : يحشرون في الآخرة أعمى كما قال تعالى : ونحشرهم يوم القيامة أعمى ، والآية من سورة الإسراء : ١٧ / ٩٧.
(٣) تفسير روح البيان ١ : ٦٨.