برؤية أو تجربة أو سماع خبر أو شهادة أو اجتهاد أو نحو ذلك ، ومثل هذا العلم لا يكون إلّا فاسدا متغيّرا محسورا (١) متناهيا غير محيط ، لأنّه إنّما يتعلّق بالشيء في زمان وجوده علم ، وقبل وجوده علم آخر ، وبعد وجوده علم ثالث وهكذا ، كعلوم اكثر النّاس.
وأمّا ما يستفاد من مبادئه وأسبابه وغاياته كان (٢) علما واحدا كلّيّا بسيطا محيطا (٣) على وجه عقليّ غير متغيّر ، فإنّه ما من شيء إلّا وله سبب ولسببه سبب ، وهكذا إلى أن ينتهي إلى مسبّب الأسباب.
وكلّ ما عرف سببه من حيث يقتضيه ويوجبه فلا بدّ أن يعرف ذلك الشيء علما ضروريا دائما ، فمن عرف الله تعالى بأوصافه الكماليّة ونعوته الجلاليّة ، وعرف أنّه مبدأ كلّ وجود وفاعل كلّ فيض وجود ، وعرف ملائكته وعلم ملائكته (٤) المقرّبين ، ثمّ ملائكته المدبّرين المسخّرين للأغراض الكلّيّة العقليّة بالعبادات الدائمة والنسك المستمرّة من غير فتور ولغوب ، الموجبة لأن يترشّح عنها صور الكائنات ، كلّ ذلك على الترتيب السّببي والمسبّبي ، فيحيط علمه بكلّ الامور وأحوالها ولواحقها علما بريئا من التغير والشك والغلط ، فيعلم من الأوائل الثواني ، ومن الكلّيّات الجزئيّات المترتّبة عليها ومن البسائط المرّكبات ، ويعلم حقيقة الانسان وأحواله ، وما يكمّلها ويزكّيها ويسعدها ، ويصعدها إلى عالم القدس وما يدنّسها ويرديها ويشقيها ويهويها إلى أسفل سافلين ، علما ثابتا غير قابل للتغيير ، ولا محتمل لتطرّق الريّب ، فيعلم الامور الجزئيّة من حيث هي دائمة كلّيّة ومن حيث لا كثرة فيه ولا تغيّر ، وإن كانت هي كثيرة متغيّرة في أنفسها بقياس بعضها إلى بعض.
وهذا كعلم الله سبحانه بالأشياء ، وعلم ملائكته المقرّبين ، وعلوم الأنبياء والاوصياء بأحوال الموجودات الماضيه والمستقبلة ، وعلمهم بما كان وما سيكون إلى يوم القيامة من هذا القبيل ، فإنّه علم كليّ ثابت غير متجدّد بتجدّد المعلومات ، ولا متكثّر بتكثّرها ، ومن عرف كيفيّة هذا العلم ، عرف معنى قوله تعالى : ﴿وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ﴾(٥) ويصدّق بأنّ جميع العلوم والمعاني في القرآن الكريم عرفانا حقيقيّا وتصديقا يقينيا على بصيرة لا على وجه التقليد والسماع ونحوهما ، إذ ما من أمر من الامور إلّا وهو مذكور في القرآن ، إمّا بنفسه أو بمقوّماته وأسبابه ومبادثه وغاياته ، ولا
__________________
(١) في تفسير الصافي : محصورا.
(٢) ( كان ) ليس في تفسير الصافي.
(٣) ( محيطا ) ليس في تفسير الصافي.
(٤) ( وعلم ملائكته ) ليس في تفسير الصافي.
(٥) النحل : ١٦ / ٨٩.