في جرم من الأجرام بأن يضع فيه مثالها وهو السخونة وكذلك ساير القوى من الكيفيات والنفس الناطقة إنّما يفعل في مثلها بأن يضع فيها مثالها وهو الصورة العقلية المجرّدة ؛ والسيف إنّما يضع في الجسم مثاله وهو شكله والمسنّ إنّما يحدّد السكّين بأن يضع في جوانب حدّه مثال ما ماسّه وهو استواء الأجزاء.
ثمّ تأثير الفواعل المادّية ليس بالإفاضة والإيجاد بل بالتهيّؤ والإعداد وإيصال أثر من نفسها إلى غيرها ؛ وأمّا تأثير القواهر المجرّدة العقلية وإنّما هو بإبداع ما لا وجود له أصلا ولا يمكن ذلك بأن ينفصل المفاض من ذواتها البسيطة المجرّدة ؛ إذ الانفصال والخروج من المجرّد غير معقول ولا بأن يظهرها في الخارج بعد ما لم يكن فيه بعدية خارجية موجبة لحصول الانفكاك الخارجي بينهما من دون نحو من الاتّحاد وضرب من الاتّصال بينهما ؛ إذ لو صدر شيء عن شيء من دون أن يكون مفصّلا عنه ومثالا له أو مرتبطا به ومترتّبا عليه لزم أن لا تشترط المناسبة بين العلّة والمعلول وجاز أن يصدر كلّ شيء من كلّ شيء ؛ وكيف يمكن أن يخرج من حاقّ العدم شيء من غيرها منفكّا عنه في الخارج من دون أن يكون منفصلا عنه أو مرتبطا به مترتّبا عليه ومع ذلك يكون مناسبا له ؛ فإنّ المناسبة فرع الخروج والانفصال أو الارتباط الذاتي وعدم الانفكاك ، بل لو لا أحد الأمرين لم يصحّ الحكم بأنّ هذا معلول لذاك ؛ لأنّه لو فرض حدوث شيء ووجوده في الخارج بعد ما لم يكن فيه أصلا بعدية واقعية ولم يكن منفصلا عن شيء ولا مرتبطا بشيء ؛ كيف يحكم بأنّ هذا معلول لهذا دون ذاك مع تساويهما في عدم نسبة شيء منهما إليه بالارتباط والاتّصال أو الخروج منه؟!
وبالجملة : المناسبة بدون الارتباط محال والارتباط بدون التلازم الخارجي والمعيّة الواقعية ممتنع ؛ إذ مع الانفكاك في الخارج لا معنى للارتباط ؛ لأنّ ثبوته حال عدم المعلول غير معقول ؛ إذ لا معنى لارتباط الموجود بالمعدوم وعند