وجوده يوجب أن يحدث بحدوثه ؛ فيتوقّف حصول الارتباط به على حدوثه مع أنّ الحدوث والظهور بدون الارتباط محال.
ولا تظنّن أنّ ما ذكر ينافي ما اخترناه من الحدوث الدهري ويثبت ما ذهب إليه الحكماء من الحدوث الذاتي ؛ فإنّ الأمر ليس كذلك كما سنشير إليه في محلّه.
فإن قيل : يمكن أن يكون موجب المناسبة مع الانفكاك في الخارج تعقّل العلّة للمعلول وإرادة صدوره.
قلنا : لا ريب [في] أنّ الموجود الخارجي غير صورته المعقولة ؛ فكونها مرتبطة متّصلة بالعلّة متمثّلة في ذاتها بمقتضى ذاتها من غير انفكاك إنّما يثبت المناسبة بينهما ولا يوجب المناسبة بين العلّة وذي الصورة مع انفكاكه عنها في الخارج ؛ فكما أنّ الصورة المعقولة لا يجوز انفكاكها عنها في الخارج ويجب أن تفيضها العلّة بمحض ذاتها من دون انفكاك بينهما ، بل اللازم مجرّد التقدّم الذاتي حتّى يثبت الارتباط والمناسبة فكذلك الحكم في الصورة الخارجية من دون فرق ؛ إذ لولاه ارتفع الارتباط والمناسبة ؛ فإفاضة المجرّد وجعله إنّما يكون بالاستتباع والترتّب بالذات الناشئين من الربط المجهول كنهه بلا انفكاك خارجي بينهما ؛ إذ الانفكاك الخارجي ينافي التلازم والارتباط بالذات.
فذات الحقّ الأوّل اقتضى بذاته أن يترتّب عليه المعلول الأوّل ترتّبا ذاتيا ويتبعه تبعية الظلّ لذي الظلّ من دون انفكاك بينهما لارتباط خاصّ لا يعلم حقيقته ؛ وذات المعلول الأوّل اقتضى أن يترتّب عليه ويتبعه المعلول الثاني ويتبعه الثالث وهكذا على الترتيب السببى والمسبّبى إلى آخر سلسلة الوجود.
فالعقل الأوّل بمنزلة الظلّ للأوّل والثاني بمنزلة ظلّ ظلّه وهكذا إلى أن ينتهي إلى ما لا ظلّ له ، أعني آخر سلسلة النزول.
ولا تظنّن أنّ هذه الأظلال امور اعتبارية وشئون انتزاعية محضة ـ كما ذهب