قد تقدّم.
وأمّا ثانيا : فإنّ الواقع أو الخارج أو نفس الأمر أو الدهر أو ما يرادفها ليس إلّا حدّ ذات كلّ شيء ومرتبته ؛ فوجود كلّ شيء في الواقع هو كونه في حدّ ذاته ومرتبته ؛ فهو من لوازم وجود كلّ موجود ؛ فليس موجودا منفصلا ولا معدوما (١) صرفا ، بل هو شيء واقعي نفس أمري له منشأ انتزاع هو موجود ما ؛ وهو في القديم قديم وفي الحادث حادث وفي كلّ موجود بحسبه ؛ فالواقع الثابت للواجب تعالى هو ما يليق بذاته وليس هو ثابتا لغيره وكذا الثابت للعقول غير الثابت للأفلاك وهكذا ؛ وليس شيئا ممتدّا كالزمان حتّى يقال : لا يناسب أن ينتزع عن ذاته.
قلنا : إنّا نختار (٢) من الترديدات كونه قديما منتزعا عن ذاته تعالى ولا يلزم فساد ؛ لأنّ حدّ ذاته ومرتبته ليس شيئا مغايرا له حتّى يلزم وجود قديم سواه ؛ وهذه المرتبة ليست لغيره حتّى يلزم أن يكون ما ينتزع عنه وعاء لغيره.
وعلى هذا يتّضح ما ذكر من حصول الانفكاك (٣) بين الواجب والعالم ؛ لأنّ منشأ الانفكاك حقيقة بين الأشياء إنّما هو حدود ذواتها ومراتبها ؛ فالانفكاك الواقعي بين الواجب والعالم ؛ ونفي (٤) المعيّة عنهما لا يتوقّف على / A ٢٠٤ / تخلّل شيء على حدة ، بل هما يحصلان بمجرّد اعتبار وجودهما في حدّ ذاتهما وتحقّقهما في مرتبة حقيقتهما المستلزم لتخلّل العدم ، لعدم الفرق بينهما. فوجود الواجب في حدّ ذاته وحاقّ مرتبته يكفي لانفكاكه عن العالم وعدم وجوده معه ؛ وهذا الحدّ والمرتبة هو المعبّر عنه بالدهر أو السرمد ؛ فالدهر أو السرمد ليس سببا على حدة أزليا مساوقا للواجب في الوجود.
انظر إلى كلام بارع المحقّقين حيث قال في شرح رسالة العلم : «أزليته تعالى
__________________
(١). س : بعدوما.
(٢). س : ان يختار.
(٣). س : + وبه.
(٤). س : يفى.