عدم معقولية اتّصال الواجب بالعالم أو انفصاله عنه أو معيّته معه بالزمان يتعيّن الثاني ـ كما يأتي توضيحه ـ وإذ ثبت بالعقل والنقل تناهي العالم من البداية ثبت بطلان القدم المستلزم لعدم تناهيه.
ثمّ نقول (١) : الحدوث الزماني أيضا ممّا يبطله العقل ؛ إذ المراد به ـ كما مرّ ـ تحقّق زمان موهوم غير متناه بين الواجب والعالم ؛ وقد صرّحوا بأنّه امتداد واقعي نفس أمري لا فرق / A ١٩٩ / بينه وبين هذا الزمان إلّا بالليل والنهار ؛ وليس المراد منه الزمان التقديري الذي هو الامتداد بمجرّد التقدير من دون أن يكون له واقعية ونفس أمرية ؛ فإنّ العقول البشرية إذا سافرت من بقعة الزمان إلى صقع الدهر يخترع لإلفها بالزمان أمرا ممتدّا تقديريا تخيّليا لا تحقّق له بوجه ، بل هو مجرّد تخييل وتقدير ؛ وهذا ممّا لا ينكره [أحد] ؛ إذ القول به لا يوجب تحقّق امتداد في نفس الأمر قبل وجود العالم ، بل قبله عدم صرف وليس محض.
وبالجملة : الزمان الموهوم الذي أثبته المتكلّمون هو كمّ واقعي وشيء متصرّم نفس أمري ؛ وثبوت هذا الشيء قبل إيجاد العالم أو تخلّله بينه وبين الواجب يبطله العقل بوجوه :
منها : أنّه لا يتصوّر في الدهر وفي العدم الصّرف امتداد وتصرّم وتمايز وتجدّد ونقص ونهاية ولا نهاية ؛ لأنّ كلّها من لوازم الحركة ؛ ولا يتصوّر شيء آخر ينتزع عنه هذا الامتداد ؛ والقول بانتزاعه عن استمرار وجود الواجب بيّن الفساد ؛ إذ انتزاع مثله عن صرف الوجود الحقّ الثابت المتعالي عن الحركة والزمان غير معقول ؛ كيف والمناسبة بين المنتزع والمنتزع عنه لازمة؟! وأيّ مناسبة بين الوحدة الصّرفة الثابتة وهذا الأمر الممتدّ المتجدّد المتصرّم الواقعي النفس الأمري؟! وأنّى يجوز عاقل أن يقوم مثل هذا الشيء السيّال المنقضي المتجدّد
__________________
(١). س : تقول.