انتسابه إليهما وتعاليه / B ١٩٥ / عنهما قبل وجودهما وبعده ؛ وكذا وعاء الموجود بعد العدم الصريح هو الدهر ولو بعد وجود الزمان ، لتعاليه عنه وإحاطته به ؛ فلا يتصوّر انتسابه إليه.
واستدلّ الحكماء بوجوه عمدتها أربعة :
الأوّل : أنّ العالم لو كان حادثا بالحدوث الزماني أو الدهري لزم تخلّف المعلول عن العلّة التامّة ؛ إذ ذاته تعالى بذاته علّة مستقلّة لإيجاد العالم ؛ لأنّه الجواد الحقّ والفيّاض المطلق وتامّ في ذاته وصفاته التي هي عين ذاته ؛ فمجرّد ذاته بذاته في الأزل كاف في صدور العالم عنه ؛ فالتخلّف الموجب للانفكاك الزماني أو الخارجي الواقعي محال.
الثاني : أنّه تعالى في الذات والصفات والأفعال على أشرف ما يتصوّر ويعقل من الكمال والبهاء ، وتامّ في الكلّ وفوق التمام ؛ فيجب أن (١) يدوم فيضه ويستمرّ من غير الانقطاع له من البداية والنهاية ويكون ما يترشّح منه من المعلولات غير متناه شدّة ومدّة وعدّة ؛ إذ الفاعل الذي لا يتناهى فعله أقوى وأشرف ممّن يتناهى فعله ؛ والأليق بعلوّ قدرته وعظم سلطانه أن لا يتناهى إفاضة وجوده ؛ وانقطاع الفيض عنه قصور على علوّ قدرته وفتور على عظيم قوّته ، بل وهن على حريم سلطنته التامّة الكبرى ونقص لا يليق بساحة جبروته القاهرة العظمى.
واجيب عنهما بأنّ التخلّف والانقطاع قصور العالم وعدم قبوله الوجود الأزلي ؛ فتخلّفه عنه من مقتضى ذاته وتلقاء نفسه لا من جهة قصور العلّة وعدم تماميتها ؛ وذلك كما أنّ تخلّف المعلول عن مرتبة ذات العلّة من نقصان جوهره عن قبول الوجود في تلك المرتبة ؛ وإلى ذلك يشير قولهم : «إنّ العالم لم يكن ممكنا قبل ذلك الوقت ثمّ صار ممكنا فيه» والإمكان شرط في التأثير والمقدورية ، و
__________________
(١). س : + يكون.