والحاصل : أنّه مسبوقية الوجود بالعدم الصريح المحض لا مسبوقية بالذات ، بل مسبوقية انسلاخية انفكاكية غير زمانية ولا متقدّرة.
فتلخيص أقسام الحدوث أنّ الذاتي عبارة عن وجود العالم بعد عدمه في لحاظ العقل و (١) الواقع ؛ والزماني عبارة عن وجوده بعد عدم واقعي كمّي ؛ والدهري عبارة عن وجوده بعد نفي صريح واقعي غير كمّي ؛ والوجه في تسمية القسم الأخير من الحدوث بالدهري أنّ الأوعية عند الحكماء ثلاثة :
الأوّل : وعاء تحت الوجود الثابت الحقّ المتعالي عن سبق العدم على الإطلاق ؛ ويسمّى بالسرمد.
الثاني : وعاء الموجود بعد العدم الصريح المرتفع عن افق التقدّر واللاتقدّر (٢) ، كالعقول والأفلاك ؛ ويسمّى بالدهر.
الثالث : وعاء الامور المتغيّرة المتقدّرة السيّالة المسبوقة بالعدم الزماني ، كالحوادث ؛ ويسمّى بالزمان.
وكما أنّ وعاء وجود هذه (٣) الامور هو الزمان فكذا وعاء عدمها أيضا هو الزمان ؛ وكما أنّ وجود الموجودات بعد العدم (٤) الصريح هو الدهر فكذا وعاء عدمها أيضا هو الدهر. فأولى الأسماء للحدوث بحسب سبق العدم الصريح هو الحدوث الدهري ؛ وأمّا بحت الوجود المتعالي عن سبق العدم على الإطلاق فلا يتصوّر له عدم حتّى تكون له وعاء ، بل الوعاء له ـ أي السرمد ـ إنّما هو وعاء وجوده ؛ ولا يتصوّر الاختلاف في الأوعية باختلاف الأوقات ؛ فوعاء كلّ من الموجودات الثلاثة هو وعائه المختصّ به في كلّ وقت ؛ فوعاء الوجود الخالص هو السرمد ولو بعد تحقّق الوعاء بين الأخيرين ؛ لأنّه محيط بهما ؛ فلا فرق في عدم
__________________
(١). س : دو.
(٢). س : الاتقدر.
(٣). س : هذا.
(٤). س : الوجود الموجودات بالعدم.