العقول الأولى ؛ فالعقل الأوّل إذا عقل شيئا ما كان هو وما عقله شيئا واحدا ؛ فالعقل الأوّل لا يعقل شيئا لا عقل له ، بل يعقله عقلا نوعيا وحياة نوعية ؛ وكانت الحياة الشخصية ليست بعارية للحياة المرسلة ؛ فكذا العقل الشخصي (١) ليس بعادم للعقل المرسل ؛ فاذا كان هذا هكذا فالعقل الكائن في بعض الحيوان ليس هو بعادم للعقل الأوّل ؛ فكلّ جزء من أجزاء العقل هو كلّ يتجزّى به عقل ؛ فالعقل للشيء الذي هو عقل له هو الأشياء كلّها بالقوّة ؛ فإذا صار بالفعل صار خاصّا أخيرا بالفعل وإذا كان أخيرا بالفعل صار فرسا أو شيئا آخر من الحيوان ؛ وكلّما سلكت الحياة (٢) إلى أسفل صار حيّا دنيّا خسيسا ؛ وذلك أنّ القوى الحيوانية كلّما سلكت إلى أسفل ضعفت وخفيت بعض أفاعيلها العالية ؛ فحدثت منها حيوان دنيّ ضعيف ؛ فإذا صار ضعيفا احتال له العقل الكائن ؛ فتحدث الأعضاء القويّة بدلا [ممّا نقص] عن قوّته ، كما لبعض الحيوان أظفار ولبعضه مخاليب ولبعضه قرون ولبعضه أنياب على نحو نقصان قوّة الحياة فيه.» (٣)
وقال في موضع آخر وبعنوان السؤال أيضا : «إن كانت قوّة النفس تفارق الشجرة بعد قطع أصلها فأين تذهب تلك القوّة أو تلك النفس؟»
فأجاب «بأنّها تصير إلى المكان الذي لم يفارقه وهو العالم العقلي ، وكذلك إذا فسد جزء النفس البهيمي تسلك النفس التي كانت فيها إلى أن يأتي العالم العقلي وإنّما يأتي ذلك العالم لأنّ ذلك العالم مكان النفس وهو العقل لا يفارقه والعقل ليس في مكان ؛ فالنفس إذن ليست في مكان ولا يخلو عنها مكان.» (٤)
وقد ظهر من كلمات المعلّم الأوّل أنّ كلّ ما يوجد في العوالم الجسمية يوجد في العالم العقلي ؛ والفرق بينهما بالعقلية والجسمية ؛ فكلّ ما في الأفلاك والعناصر
__________________
(١). س : الشخص.
(٢). أثولوجيا : كلّما سلك الحيوان.
(٣). مع تفاوت كثير في أثولوجيا (الميمر العاشر) ، صص ١٥١ ـ ١٥٠.
(٤). المصدر السابق ، ص ١٣٨.