انتزاعها عن الأشياء الجسمية الخارجية وفي مشاهدة الذوات المجرّدة أو غيرها إلى توسّط آلات إلّا أنّها لم تبلغ في التجرّد مرتبة تكون معقولاتها بقوّتها النظرية عقلية صرفة وخالصة بالكلّية عن شوائب الأوصاف الجسمية ، بل تكون مدركاتها (١) مع كونها نورية عقلية مشوبة بالصفات البرزخية والمثالية ؛ فتدرك المسموعات والمبصرات والمذوقات والملموسات كلّها بقوّتها النظرية على وجه عقلي نوراني إلّا أنّ إدراكها (٢) هذا سمع عقلي وبصر عقلي وذوق عقلي وهكذا ؛ فيجب أن يكون بإزاء هذه (٣) النشأة في النفس عالم في الأعيان توجد فيه أنوار مجرّدة [على] هذه الصفة وما هو إلّا عالم أرباب الأنواع المتوسّطة بين العقول الصّرفة والنفوس الناطقة ؛ فإنّها ـ كما عرفت ـ أنوار مجرّدة إلّا أنّها لانحطاطها عن مراتب العقول متّصفة بالأوصاف الجسمانية على وجه عقلي ؛ فلها سمع عقلي وبصر عقلي وذوق عقلي وحركات دورية عقلية إلى غير ذلك من أوصاف البرازخ التي هي أربابها. ثمّ النفس بحسب استعدادها تتمكّن من إيصالها بهذه الأرباب النورية سيّما بربّ نوعها الذي يسمّونه بروح القدس.
الخامسة : النشأة العقلية الصّرفة التي بإزائها عالم العقول المعبّر عنه بعالم الجبروت والملكوت الأعلى ؛ فإنّ النفس إذا حصلت لها غاية التجرّد والصفاء ونهاية النورية والضياء تتمكّن بذاتها من دون توسّط الأجسام والآلات أن تعقل بقوّتها النظرية المعقولات الكلّية من الصور والمعاني على وجه إجمالي بسيط معبّر عنه بالعقل البسيط ؛ وعلى وجه تفصيلي (٤) في غاية التميز والوضوح ؛ وتشاهد الجزئيات من الذوات المجرّدة والمادّية الجوهرية والعرضية بالعلم الانكشافي الإشراقي على وجه يكون ما تعقله وتشاهده معقولا صرفا لا يشوبه
__________________
(١). س : مدركاته.
(٢). س : ادراكه.
(٣). س : هذا.
(٤). س : تفضلى.