وعلى هذا القول لا ريب في أنّ للنفس الناطقة خمس نشئات :
الأولى : النشأة الحسّية الظاهرة التي بإزاء عالم الحسّ (١) والشهادة ؛ ولها قوى ظاهرة تدرك بها الأشياء الحسّية وموجودات هذا العالم ولها ملكة الاتّصال بها ، بل أكثر النفوس لاستغراقها في العلائق البدنية وانهماكها في الشهوات الجسمانية وعدم حصول التجرّد التامّ لها متّصلة بهذا العالم ومستغرقة فيه بحيث غفلت عن ساير النشئات والعوالم.
الثانية : النشأة الخيالية المثالية التي بإزاء عالم المثال والأشباح ؛ ولها قوى حسّية ناطقة تدرك بها الصور المثالية الجزئية والأشباح بلا مادّة جسمية ، كما هو شأن موجودات عالم المثال ؛ ولها أيضا ملكة الاتّصال بهذا العالم بحسب استعدادها.
الثالثة : النشأة النفسية التي بإزاء عالم النفوس المعبّر عنه بالملكوت الأسفل ؛ ولها قوّة نظرية عقلية تتمكّن بها عن إدراك الحقائق والمعاني الكلّية بالعلم الحصولي والجزئيات المجرّدة والمادّية بالعلم الإشراقي الشهودي إلّا أنّها ما لم يحصل لها التجرّد التامّ لا تتمكّن من هذا الإدراك بذاتها من دون توسّط جسم أو جسماني ؛ فيتوقّف إدراكها الكلّيات على أن تنتزعها عن الأشياء الجسمانية المدركة لها بتوسّط القوى الظاهرة والباطنة والجزئيات بارتسامها في بعض آلاتها ؛ وهذا هو المرتبة النفسية ؛ إذ النفس من حيث إنّها نفس تفتقر في فعلها وإدراكها إلى الأجسام. ثمّ لها بحسب استعدادها أن تتّصل بعالم النفوس وتلاقي النفوس الكاملة الفلكية والعنصرية.
الرابعة : النشأة / A ١٩٠ / العقلية المشوبة ببعض الصفات الجسمية ؛ فإنّها إذا حصل لها ضرب كامل من التجرّد تتمكّن به من إدراك المعقولات بذاتها من دون افتقار إلى الجسم والآلات الجسمانية ؛ أي لا تحتاج في إدراك المعقولات الكلّية إلى
__________________
(١). س : الحسى.