وبالجملة : هذه الذوات النورية المعبّر عنها بأرباب الأنواع والأصنام ليست عقولا صرفة لا تناسب الأنواع البرزخية والأصنام الجسمية بوجه ، ولا علاقة لها بها لا بتصرّف وانطباع ولا بعلّية وربوبية ، ولا التفات إليها أصلا ؛ ولا نفوسا ناطقة متعلّقة بالأجسام تعلّق تصرّف وافتقار في الفعل ، بل هي واسطة بينهما ؛ لأنّها أعلى وأشرف من النفوس من حيث عدم الافتقار في الفعل إلى جسم وأخسّ من العقول من حيث التفاتها إلى الأجسام وتعلّق بها تعلّق الربوبية ، بل كونها مماثلة لها في الأوصاف والآثار وكون الاختلاف بينهما ذاتا وصفة بالتجرّد والمادّية والعقلية والحسّية.
وعلى هذا فطبقة أرباب الأنواع طبقة من المجرّدات واسطة بين العقول الصّرفة والبرازخ صادرة من الطبعة الأخيرة للعقول ؛ فإنّ هذه الطبقة النازلة الأخيرة لم يمكن لضعفها أن تصدر عنها العقول ؛ فتصدر عنها طبقة مجرّدة نورية واسطة بين العقول والبرازخ ، مختلفة في النورية والكمال والقوّة باختلاف عللها التي هي الطبقة الأخيرة النازلة من العقول وتصدر عنها الكثرة البرزخية من العوالم الثلاثة باختلافها.
وممّا يؤكّد وجود أرباب الأنواع بالمعنى المذكور التأمّل في أحوال الإنسان وعوالمه وإدراكاته واتّصالاته بالعوالم ؛ فإنّك قد عرفت أنّ النفس الناطقة الإنسانية لكونها خليفة الله ومظهرا جامعا إجماليا وانموذجا للكلّ ونسخة منحصرة من العوالم بأسرها انطوت فيها / B ١٨٩ / جميع النشئات إجمالا ولها قوى تتمكّن بها عن إدراك جميعها والاتّصال بكلّها ؛ فكلّ نشأة خارجية يوجد انموذج منها فيها ؛ ولذلك تتمكّن من إدراك هذه النشأة والاتّصال بها وكذا كلّ نشأة يوجد فيها يجب أن تتحقّق هذه النشأة على وجه التفضّل والكمال في الخارج ؛ ولذلك يمكن أن يستدلّ بوجود كلّ نشأة في أحدهما على وجوده في الآخر.