وقوله فيه أيضا : «إنّ هذا العالم الحسّي كلّه إنّما هو مثال وصنم لذلك ؛ فإن كان هذا العالم حيّا فبالحريّ [أن يكون ذلك العالم الأوّل حيّا ؛ وإن كان هذا العلم تامّا فبالحريّ] أن يكون ذلك العالم أتمّ تماما وأكمل كمالا ؛ لأنّه هو المفيض على هذا العالم الحياة والقوّة والكمال والدوام ؛ فإن كان هذا العالم تامّا في غاية التمام فلا محالة أنّ هناك الأشياء كلّها التي هنا إلّا أنّها فيه بنوع أعلى وأشرف كما قلنا مرارا. فثمّ سماء ذات حياة وفيها كواكب مثل هذه الكواكب التي في هذه السماء غير أنّها أنور وأكمل (١) وليس بينها افتراق كما نرى هاهنا ؛ وذلك لأنّها ليست جسمانية ؛ وهناك أرض ذات سباخ (٢) لكنّها كلّها عامرة وفيها الحيوانات كلّها الطبيعية والأرضية التي هنا ؛ وفيها نبات مغروس في الحياة وفيها بحار وأنهار جارية [وما يجري] جريا حيوانيا / A ١٨٧ / وفيها حيوانات الماء كلّها ؛ وهنا هواء وفيه حيوانات هوائية حيّة شبيهة بذلك (٣) الهواء ؛ والأشياء التي هناك كلّها حيّة وكيف لا تكون حيّة وهي في عالم الحياة المحض لا يشوبها الموت البتّة؟! وطبائع الحيوان التي هناك مثل طبائع هذه الحيوانات إلّا أنّ الطبيعة هناك أعلى وأشرف من هذه الطبيعة ؛ لأنّها عقلية ليست حيوانية.
فمن أنكر قولنا وقال : من أين يكون في العالم الأعلى حيوان وسماء وساير الأشياء التي ذكرناها؟
قلنا : إنّ العالم الأعلى هو الحىّ التامّ الذي فيه جميع الأشياء ؛ لأنّه ابدع من المبدع الأوّل التامّ ؛ ففيه كلّ نفس وكلّ عقل ؛ وليس هناك فقر ولا حاجة البتّة ؛ لأنّ الأشياء التي هناك كلّها مملوءة غنى وحياة كأنّها حياة تغلى وتفور ؛ وجرى حياة تلك الأشياء إنّما ينبع من عين واحدة لا كأنّها حرارة واحدة أو ريح واحدة فقط ،
__________________
(١). أثولوجيا : غير أنّها نور واحد.
(٢). السباخ : اسم الأرض ذات الملح.
(٣). س : بتلك.