العقول العرضية ؛ واستدلّوا على إثباتها ببعض الوجوه المتقدّمة ؛ وعلى هذا فإطلاق المثل عليها كأنّه باعتبار علاقة الربوبية التي لها بالنسبة إلى الأصنام والطلسمات والمناسبة التي بين العلّة والمعلول ؛ فإنّ المثلية قد تطلق على المناسبة تجوّزا ؛ ولا يمكن أن يراد بالمثلية معناها الحقيقي حتّى يكون المراد أنّ كلّ عقل فرد حقيقي من النوع الذي هو ربّه ومدبّره بمعنى أنّه فرد منه مجرّد قائم بذاته وساير الأفراد غير مجرّدة وقائمة بغيرها والفرد المجرّد القائم بذاته هو ربّ ساير الأفراد وعلّتها ومربّيها والقيّم بحفظها وتدبيرها ؛ إذ لا يمكن أن يكون العقل فردا من نوع الإنسان أو الفرس أو البراذين (١) وأمثالها ؛ وهو ظاهر.
ومن المتأخّرين من جزم بأنّ المراد بها أرباب الأنواع إلّا أنّها ليست تلك العقول العرضية ، بل مراد أفلاطون وتابعيه أنّ لكلّ نوع من الأنواع الجسمانية فردا كاملا في عالم الإبداع وأنّه هو الأصل والمبدأ لسائر أفراد هذا النوع وهي فروعه ومعلولاته وآثاره ؛ وذلك الفرد لتماميته وكماله لا يفتقر إلى محلّ بخلاف ساير الأفراد ؛ فإنّها لضعفها في الوجود ونقصها في الجوهر مفتقرة إلى مادّة وعوارضها ؛ فالموجودات الطبيعية لها صور مجرّدة في العالم الأعلى لا تفسد ولا تدثر ، بل هي باقية ثابتة وما يفسد ويدثر إنّما هي الموجودات التي هي أصنام لها ؛ ونسبة هذه الأصنام إلى تلك الصور المجرّدة التي هي أرباب أنواع نسبة الفروع إلى الأصول ؛ وكذلك الهيئات والنسب (٢) والأشكال التي لها بمنزلة أظلال الهيئات العقلية (٣) ونسب معنوية في أربابها النورية.
وبالجملة : كلّ واحد من الموجودات الطبيعية صنم وطلسم لموجود عقلي نوري هو ربّ نوعه حتّى أنّ هذه الأرض الحسّية صنم لأرض عقلية وكذا يكون
__________________
(١). البراذين : جمع «البرذون» وهي غير العراب من الخيل. انظر : معجم متن اللغة ، ج ١ ، ص ٢٦٩.
(٢). س : النسبة.
(٣). س : عقلية.