جميع الهيئات الواقعة في الأجسام والأفعال المختلفة فيها من التغذية والتنمية والتوليد وغير ذلك ؛ فإنّه لا يمكن أن يصدر مثل هذه الأفعال المختلفة في النباتات عن قوى بسيطة عديمة الشعور وفينا عن أنفسنا وإلّا لكان لنا شعور بها ؛ فالحكم بمثل هذه الأحكام من غير مراعاة قانون محفوظ مضبوط غير / B ١٨٠ / صحيح ؛ فلا بدّ أن يكون لكلّ نوع من الأصنام المثالية والأجسام الفلكية والعنصرية ـ من بسائطها ومركّباتها ـ ربّ في عالم النور هو عقل مدبّر لذلك النوع وحافظ له ولأشخاصه ومتساوي النسبة إلى جميعها في دوام فيضه عليها واعتنائه بها ، مفيض عليه الهيئات المناسبة وهو الغاذي والمتمنّي والمولد في الأجسام النامية ؛ فكأنّه هو الأصل والحقيقة وهي الفروع.
وبالجملة : جميع ما في هذه العوالم الثلاثة من الذوات والأوصاف والهيئات أظلّة لذوات تلك الأرباب النورية وإشراقاتها ونسبها المعنوية النورية حتّى أنّ رائحة المسك ظلّ لهيئة نورية في ربّ نوعه ؛ وتلك الهيئات النورية العارضة للأرباب النورية والنسب المختلفة المعنوية اللازمة لها إنّما يفاض عليها من مباديها التي هي القواهر الأعلون للجهات المذكورة ؛ فتظهر صورها في أصنامها الجسمانية.
وإذ ثبت أنّ علل الأصنام المثالية والجسمانية لا بدّ أن تكون أنوارا مجرّدة [فيكون] بين الجسمانيات تكافؤ من حيث إنّه ليس بعضها علّة بعض وليس فيها ما هو أشرف من الآخر من كلّ وجه ، بل كلّ أشرف من الآخر بوجه (١) أخسّ منه بوجه ومساو له بوجه ؛ فيجب أن يكون بين عللها ـ وهي الأنوار العقلية أيضا ـ تكافؤ يوازي تكافؤ معلولاتها ؛ إذ غير المتكافئة لا يكون عللا للمتكافئة وبالعكس ؛ فيلزم أن يكون طائفة من الأنوار العقلية بحيث لا يكون بعضها علّة لبعض ، بل يكون معلولة لغيرها ولا أشرف منه من كلّ وجه ، بل كان كلّ أشرف من
__________________
(١). س : توجه.