من الأقرب إليه لقربه أشدّ من الفائضة من الأبعد منه ؛ فإنّ ذلك باطل ؛ إذ نور كلّ سافل مقهور في جنب نور العالي ؛ إذ النور الأشدّ لا يمكّن الأضعف من التأثّر والإنارة ؛ فالأنوار العرضية والذاتية الفائضة من العوالي إلى كلّ سافل يكون الفائضة منها من كلّ أبعد منه أشدّ من الفائضة من كلّ أقرب إليه ، بل يكون الفائضة من الأقرب مقهورا في الفائضة من الأبعد وجميع الأنوار الفائضة الذوات النورية الإمكانية إلى سافل ـ سواء كانت من أشعّة الأنوار السانحة الفائضة إليها من نور الأنوار أو من أشعّة أنوارها الذاتية ـ مقهورة مستهلكة مضمحلّة في جنب الفائضة إليه من نور الأنوار بلا واسطة كما يظهر من المثال المفروض في الشمس والكواكب.
وبذلك يظهر أنّ هذا الحكم أولى في إفاضة أصل وجود كلّ موجود ؛ فتأثّرات الوسائط في إيجاد كلّ ممكن مجرّد أو مادّي باطل مضمحلّ في جنب تأثّر الواجب الحقّ فيه بلا واسطة.
ويعلم من ذلك أنّ كلّ معلول ـ سواء كان مجرّدا أو مادّيا ، بسيطا أو مركّبا ، طوليا أو عرضيا ـ ما يصل إليه من الواجب بلا واسطة من التأثّر في أصل وجوده ومن الفيض السانح الطاري أشدّ بمراتب ممّا يصل منهما من الوسائط بأسرها إليه مع أنّ الوسائط بذواتها ووجوداتها وما يترشّح إليها ومنها كلّها منه تعالى ؛ فما يصل منها إلى ما تحتها من التأثيرات والفيوضات الظاهرة والباطنة لا يكون إلّا منه ولا أثر لها عند التحقيق ؛ فإنّ الجواهر العقلية القدسية وإن كانت متعالية (١) إلّا أنّها وسائط وجود الأوّل وهو الفاعل لها ولآثارها حقيقة. فما أثبته الحكماء من ترتيب الوجود لا ينفي تأثير الأوّل في غير الصادر الأوّل كما فهمه بعض الأوهام العامّية ، بل إنّما الغرض منه بيان جهات يصلح منشأ لصدور الكثرة عن ذاته
__________________
(١). س : تعاله.