هو نفسه ؛ لأنّ كماله ظاهر له ؛ فهو أجمل الأشياء وأكملها وظهوره لنفسه أشدّ من كلّ ظهور لشيء ولا يعشق غيره من حيث هو غيره ، بل من حيث إنّه صادر منه ومترشّح من جوده كما تقدّم ؛ وغيرها من الأنوار العقلية يعشقه ويحبّه حبّا أكثر من حبّه لنفسه ؛ إذ محبّة كلّ نور سافل لنفسه مقهورة في محبّته لنور العالي ؛ فللنور الأقرب مثلا مشاهدة لنور الأنوار وشروق منه عليه لعدم الحجاب بينهما / B ١٧٣ / كما تقدّم ؛ ومحبّة له ولنفسه ؛ ومحبّته لنفسه مقهورة في قهر محبّته لنور الأنور ؛ لأنّه يدركهما ولا ريب في أنّ إدراك الملائم والكمال يقتضي المحبّة والعشق ؛ فكلّما كان المدرك أكمل وأجمل كان ألذّ وأحبّ (١) ؛ ولا ريب في أنّ نور الأنوار أكمل الذوات وأجملها ؛ فيلزم أن يكون محبّة كلّ نور له وابتهاجه به أشدّ من محبّته لنفسه وابتهاجه ؛ فمحبّة النور الأقرب ، بل كلّ نور مجرّد لنور لأنوار أشدّ من محبّته لنفسه بحيث إنّ محبّته لنفسه مقهورة مضمحلّة مستهلكة في جنب محبّته لنور الأنوار ؛ وبالقهر اللازم لكلّ عال بالنسبة إلى ما دونه والمحبّة اللازمة لكلّ سافل بالنسبة إلى ما فوقه انتظم الوجود كلّه.
الخامسة : إشراقات الأنوار بعضها على بعض ليس بانفصال شيء منها ووصوله إلى النور القابل المجرّد ، بل هو نور شعاعي يحصل منه بإفاضة عليه ، لاستعداده بقبوله وعدم الحجاب بينهما ، كما في إشراق الشمس على ما يصل منها كالأرض ؛ فإذا حصل مقابلة بين النورين بعدم الحجاب أفاض النور المفارق العالي هيئة نورية شعاعية على النور السافل ؛ فإنّ نسبة الأنوار المجرّدة إلى نور الأنوار الذي هو شمس عالم الأنوار في قبول الأشعّة الشمسية الإلهية كنسبة الأرض إلى الشمس في قبولها الأشعّة الشمسية الجرمية ؛ فكما أنّه إذا ارتفع الحجاب بين الأرض والشمس استنارت بنورها (٢) كذلك إذا ارتفع الحجاب بين
__________________
(١). س : اجب.
(٢). س : تنورها.